كيف يتعامل الاسلاميون مع الاعلام
مرسل: الجمعة مارس 09, 2012 9:11 pm
أولًا: على الإسلاميين أن يعلموا أنَّ حبَّ الشهرة داءٌ خطيرٌ، مَن استحكم مصابه به فهو على شفا هَلَكَة، إلا أن يتولاه الله برحمته. لذلك نُقل عن أحد السلفِ أنَّه كان يفضُّ مجلسه إن زاد جلساؤه فيه عن ثلاثة؛ احترازًا من الشهرة والسمعة. وتتأكد خطورة هذا الداء إذا أخذنا في حسباننا أنَّ الإسلاميين خرجوا من السجون، وانتقلوا من الهامش إلى صدارة المشهد، وهو انتقال من الضدِّ إلى الضدِّ. كما يجب ألا ننسى أنَّ كثيرًا من المتحدثين الرسميين والإعلاميين للأحزاب والجماعات والتكوينات الإسلامية من الشباب حديثي العهد بالظهور مُطلقًا؛ وإن كنا نُسلِّم بأنَّ مشايخنا الكبار أقدر على التحكم في مثل هذه الأدواء - بعون الله - فهم قد تصدروا بشكل أو بآخر مُدرِّسين ومُحاضرين ومُعلِّمين، فلم يعد داء حبُّ الشهرة قادرًا على التلاعب بهم بسهولة، أما إخواننا من الأحداث فربَّما انتقلوا من صفوف التلاميذ في حلقات العلم إلى صدارة المشهد الإعلامي كمتحدثين رسميين وإعلاميين، فلم يستوفوا نصيبهم بعدُ من مكافحة شهوة الشهرة، وهنا مكمن الخطورة. فيجب ألا ينساق أحدٌ وراء حبِّ الظهور ، فيتحوَّل الظهور من كونه وسيلة لإظهار الحقِّ وتصحيح المفاهيم؛ إلى غايةٍ لا يهمُّ في سبيل تحصيلها ماذا يقال ولا كيف ولا متى يقال، بل ربَّما ينتهج بعض المفتونين بالشهرة نهجًا هو أقرب إلى الإثارة؛ رغبة في استمرار الطلب عليه، وضمانًا لأوقاتٍ إضافية على الشاشات!
ورُبَّما رأينا أحدهم يشتدُّ حزنه، لأنه أُقصِيَ من صدارة المشهد؛ فلم يعد مطلوبًا، ولم تعد القنواتُ تتسابق على استضافته، بل ربَّما دفع ذلك أحدهم إلى صبِّ جام غضبه على من أخملوا ذكره وأهملوا فكره، ولله درُّ رويم بن أحمد – رحمه الله - إذ يقول: «إذا وهب الله لك مقالًا وفعالًا فأخذ منك المقال وترك عليك الفعال؛ فلا تُبال فإنها نعمة، وإن أخذ منك الفعال وترك عليك المقال؛ فنُحْ على نفسكَ فإنها مصيبة، وإن أخذ منك المقال والفعال فاعلم أنها نقمة»
ثانيًا: يجب على الأحزاب والجماعات والتكوينات الإسلامية أن تُدقق في اختيار متحدثيها الإعلاميين ممن يجمعون بين العلم الشرعي المتين، والعلم بالواقع، إضافةً إلى قدرٍ مناسبٍ من ملكة البيان والحوار والمناظرة. ويا حبَّذا لو أضيف لذلك رصيد مناسبٌ من الخبرة الإعلامية. ولا يعني ذلك أننا ضدُّ ظهور الشباب كمتحدثين رسميين وإعلاميين، فليس هناك ما يمنع ذلك ما داموا على قدر المسئولية متمكنين من أدواتهم العلمية والمهارية، ولتعلمْ أن القبولَ رزقٌ يُلقيه الله – عز وجلَّ – في قلوب المستمعين والمشاهدينَ ، هذا الرزق يُؤتاه الصغير كما يؤتاه الكبير؛ إلا أنه يترسخ بالممارسة ويُصقل بتراكم الخبرات. ومن الضروريّ أن تعمل الأحزاب والتكوينات الإسلامية على إعداد الكوادر المناسبة وتدريبها على مهارات الاتصال والحوار. وقد كان مصعبُ بن المعروف كأوَّل سفير في الإسلام - شابًّا إبَّان اضطلاعه بأعباء الدعوةعمير منفردًا في المدينة، ممهدًا للهجرة النبوية المباركة، وكذلك كان جعفر بن أبي طالب المتحدث الرسميّ للمهاجرين إلى الحبشة، مع الأخذ في الاعتبار خطورة مهمة كلٍّ منهما.
ثالثًا: يجب أن نُفرِّق بين نوعين من الظهور الإعلاميّ؛ الأول الظهور الاختياري، والآخر الظهور الاضطراري ، أما الظهور الاختياري فمنه البرامج الحوارية التي يُدعى إليها المتحاورون الإسلاميون، وفي هذه النوعية من البرامج يجب أن يكون موضوع الحوار محدَّدًا سلفًا، ولا يُكتفى بذلك؛ بل يجب أن يطلب المتحدث الإسلامي من مقدم البرنامج لائحة بالأسئلة التي ستوجه له، مع تحديد الوقت المتاح للإجابة، فإن كان الوقت التقديري المطلوب لإجابة الأسئلة المقترحة أطول من الوقت المتاح للبرنامج؛ فيجب أن تُختصر الأسئلة أو يُزاد وقت البرنامج. بعض المتحدثين يُؤتَون من قِبل تلك الثغرة؛ إذ تكون الأسئلةُ سهلةً وغير مُفخخة بالقدر الكافي، ولكنَّ المحاوِر يستعجل الضيف في الإجابة فيضطر الضيف إلى الإدلاء بإجابةٍ مشوهة غير مكتملة، فيُسيء من حيث أراد الإحسانَ، وعلى كلٍّ فتركُ الإجابة خيرٌ من إجابة كهذه.
كذلك يجبُ أن يعرف المتحدث الإسلاميُّ هل سيكون معه ضيفٌ آخر، ومن هو؟ وما طبيعة الحوار؟ هل سيكون مناظرة مفتوحة؟ أم أنَّ نفس السؤال سيُوجه لكلا الضيفين مع ترك مساحة زمنية متساوية للإجابة لكل ضيف؟.إلخ تلك التفصيلات الضرورية. وحينئذٍ يجب على المتحدث الإسلامي الإلمام بالخلفية العلمية والفكرية والثقافية لهذا الضيف، كما يجب أن يقرأ مصنفاته المكتوبة، ويستمع إلى لقاءاته السابقة، وخصوصًا الحوارية والمتعلقة بموضوع الحلقة، ولا يُتهاون في ذلك بحالٍ من الأحوال.
ويجب كذلك أن تصل لائحةُ الأسئلة للضيف قبل الحلقة بوقتٍ كافٍ مكتوبةً بطريقة واضحة، وعليها ما يُثبتُ أنها من الجهة المستضيفة حتى تُواجَه بها في حالة أي خروج عن النصّ أثناء الحلقة. فإن رضيتْ الجهة الراغبة في الاستضافة بتلك الشروط وإلا فلا داعيَ للظهور من الأساس.
كذلك؛ يجبُ الاتفاق على السماح للمداخلات الهاتفية من المشاهدين والمستمعين مع عدمه، وعلى تحديد وقتٍ في آخر الحلقة لهذه المداخلات، على أن يُعرَّف المشاهدون مسبَّقًا بموضوع الحلقة حتى لا تخرج أسئلتهم عن مضمونه، وحتى نحفظ على المشاهد وقته، فإن علِم موضوع الحلقة فله الخِيَرةُ في الاستماع والمشاهدة. كذلك؛ على الضيف الإسلاميّ أن يكون صارمًا فلا ينساقَ في مواضيع فرعية يُثيرها المشاهدون المتصلون أو المحاوِر أو الضيف الآخر. بهذا نحفظ أوقاتنا وأوقات المشاهدين ولا ننساق خلف الترَّهات ونترك الطريق الواضحة إلى بُنيَّاتٍ لا تنتهي.
كذلك؛ يجبُ على الضيف الإسلاميِّ اشتراط الحدِّ الأدنى من التزام المحاورِ بالآداب الإسلامية الظاهرة: كأنْ يكون المحاورُ رجلًا، ولا يُتساهل في عرض الإعلانات التجارية المصوَّرة بصورٍ خليعة وألفاظ ذاتِ إيحاءاتٍ خارجة في فواصل البرنامج، ونحو ذلك.
وليعتزَّ الإسلاميون بدينهم والتزامهم؛ فلا يتهاونوا في مثل هذه الأمور بحجةِ إظهار تسامح الإسلام، وبحجةِ أنَّ ذلك تشديدًا في غير محلِّه.
وفي حالة البرامج المسجَّلة التي لا تُذاع مباشرةً؛ فإنه يجب على المتحدث الإسلامي الاحتفاظ بالشريط الأصلي للحلقة كاملةً؛ حتى لا يُعطيَ الفرصة لأحدٍ أن يقتطع كلامًا من سياقه فيشنِّعَ به على الإسلاميين.
ربَّما يقالُ: إنَّ هذه الاشتراطات قاسيةٌ، تُغلق الباب أمام استضافة الإسلاميين، فيخلو وجه المشاهد وقلبه للمُخالفين ليبثوا سمومهم، بل قد يُشاع أنَّ الإسلاميين يتهربون من المواجهات، ورأيي أنَّه لا خطر على الإطلاق من هذا التخوف؛ لأن القاصي والداني بات يعرف أنَّ تلك الحلقات الحوارية ما هي إلا فخاخٌ ومصايدُ للإسلاميين، فلا مناص من التمهيد لموضع أقدامهم. ثمَّ إنَّ الإسلاميين أصبحوا يمتلكون العديد من القنوات الإسلامية التي بدأت في مواكبة الحدث، وخطت خطواتٍ جادةً في طريق المهنية والاحترافية، وهي كفيلة - بمزيد من التوفيق والعمل الجاد الدءوب - باستقطاب الشريحة الكبرى من المشاهدين، وبذلك يتوفر للإسلاميين منبرٌ دائمٌ يستطيعون من خلاله قول ما يريدون دون أن يُتَّهموا بالهروب أو ترك الساحة لأحدٍ.
نأتي للظهور الاضطراري: ونعني به الظهور للردِّ على الشبهات وإبطال الادعاءات التي يمارسها الآخرون، كأنْ يُلصِقون بالإسلاميين تهمًا وافتراءات كالتي نسمعها كلّ يوم، فهم يُقوِّلونهم ما لم يقولوا، ويُصرِّحون على لسانهم بما لم يخطر ببالهم أصلًا! والصمتُ قد يكون مُضرًّا في تلك الحال، لذلك يجبُ أن نظهر لنردَّ على تلك الفِرَى، حتى وإن لم تُستوفَ الشروط السابقة، غير أنَّ الحالة هذه حالة ضرورة، فليكن الحديث بقدر الحاجة؛ فلا يتطرَّق لأكثر من الردِّ على الاتهام المذكور أو تكذيب الخبر المنشور، وكما يجب أن يكون الردُّ مدروسًا ومُراجعًا ومدعمًا بالأدلة والبراهين، وأن يُسلك في سبيل إيقاف هذا السيل من الهراء كل مسلكٍ قانوني، فالصحفي أو الإعلامي الذي يخرج عن المهنية - وخصوصًا في تعاطي الأخبار - لابد أن يُعاقب قانونيًا، ولابد أن يتحمل المسئولية أمام القضاء العادل حتى لا يعود لمثلها، وحتى يكون في عقابه ردعٌ لأمثاله من المفترين الأفَّاكين. أما مجال الرأي فأوسع من ذلك؛ والرأي لا يُواجه إلا بالرأي والحجة والبرهان والدليل الدامغ. وفي كثيرٍ من الأحيانِ تُفقد الحيوات بترك القصاصِ، ألم يقل الله تعالى: «ولكم في القصاص حياة»؟ إذًا بدلالة المفهوم: عليكم في ترك القصاص وزر حيواتٍ أُزهقت، وأوقاتٍ أُهدرت في مهاتراتٍ لا ساحل لها، ولو أنَّكم ردعتم بقوة القانون كل مُتقوِّل متخرِّصٍ ما بقي منهم من يفتري. ولنتسلح في مجابهة الآراء الفاسدة بإيماننا بثوابتنا ومبادئنا، ولنتحلَّ بأقصى درجات أدب الحوار واحترام الآخر حتى إن لم يلتزم هو بها، ما دام الحديث عن الرأي وليس الخبر. ومجال الرأي أوسع من مجال الخبر، ورُبَّما كان صاحبه من المُدلَّس عليهم أو المغرَّر بهم،أو ممن استحكمت منه شُبهةٌ فهو بحاجة لمن يُجلِّيها له. وعلى كلٍّ؛ فنحنُ ننطلق في أدب الحوار من تعاليمَ ساميةٍ وتوجيهات ربانية، لا من (برستيج) و(إيتيكيت).
رابعًا: يجب أن نُركِّزَ في طرحنا الإعلامي على أنَّ رؤية الحزب أو الجماعة لا تمثِّل الإسلام بالضرورة، وإنما تجتهد في تطبيق فهمها للإسلام في ضوء الممكنات، وقد تُخطئ وقد تُصيب بقدر قربها من التأصيل الصحيح، وبقدر نقلها هذا التأصيل إلى واقع الممارسة، والمنهج حاكم على الأفراد والأفراد لا يحكمون على المنهج، نعم؛ يجب أن نُدندن حول هذا الأصل صباح مساء، فإن وفَّقنا الله – عز وجلَّ – لانتشال البلاد من كبوتها والنهوض بها؛ فقد أحسنَّا بقدر ما طبقنا ما أمرنا به ربُّنا، وإن أخطأنا أو قصَّرنا فقد اجتهدنا، وللمُخطئ أجر اجتهاده ما كان حسن النية ولم يألُ جهدًا.
يجبُ أن تجتهد القنواتُ الإسلامية في نقض الباطلِ أصولًا وفروعًا، فلا تكتفي بنقد التطبيق، وإنَّما تنقض أصل الفكرة. إنَّنا نلاحظُ أنَّ كثيرًا من المتحدثينَ يُسارعونَ في تقريب التصوُّر الإسلاميّ إلى ما قد يُشابهه في الفكر المستورد، فصرنا نسمع أنَّ الديمقراطية هي عين الشورى، والحرية المطلقة مكفولة في الإسلام! وكأنَّ هؤلاء الإسلاميين يتبرأون من عوارٍ في الإسلام، ويكفكفون خِرَقَ نسيجه! حتى إذا خرج علينا خارجٌ ونبتتْ نابتةٌ من المستغربين تقول: لابدَّ من تقييد الديمقراطية بأهل الحلِّ والعقد، أو بجعل تصويت المتعلِّم على الضِّعف من تصويت الأُمِّيِّ؛ هللنا وكبرنا وقلنا: إنَّ ذلك هو عينه مفهوم أهل الحل والعقد في الإسلام. وإذا خرج أحدٌ ينادي بتقييد حرية الصحافة حتى لا ينتهك الصحافيون الخطوط الحمراء للحريات الشخصية؛ قال قائلنا: ذلك هو أصل الحرية في الإسلام!
الإسلام أجلُّ من ذلك، علينا أن نعرض الإسلام كما هو موقنين بأنه أقومُ السبل وأعدلها وأصلحها للبشرية جمعاء. أمَّا البرامج الحزبية لما يُسمَّى بالأحزاب الإسلامية فلها أن تتحرَّك في حدود الممكن، وفي ضوء المعطيات. وكمثال لتوضيح المقصود نقول: إنَّ كثيرًا من الإسلاميين رُبَّما تنصَّلوا ممن يُريدون تحريم بعض الممارسات الخاطئة في قطاع السياحة؛ كالعُريِ والدعارة والخمر، وكأنَّ المُتحدِّث هو الذي حرَّمها من عند نفسه، وكأنَّ الله لم يُحرِّم ذلك!! فهل بلغ بنا الاستحذاء أن صرنا نتنصَّلُ ممن يحرِّم الحرام بحُجَّة طمأنة الناس؟!! لابد أن نقول جميعًا على الملأ: الحلال حلال، والحرام حرام..نعم؛ قد يتبنى حزبٌ من الأحزاب الإسلامية منع هذه الأمور بالتدريج فهذا أمرٌ قابل للفهم والنقاش.
خامسًا: ولننتبه إلى هذه القضية الإعلامية الخطيرة، ألا وهي انتقال الخلافات بين المشايخ والعلماء من حلقات العلم، وباحات المساجد؛ إلى شاشات الفضائيات وصحائف الجرائد والمجلات، ومواقع الإنترنت والشبكات. وهي ظاهرةٌ أجَّجَها الجهلاءُ، وأذكى أوارها إعلام الفتنة الذي همُّه إظهار الإسلاميين في أقبح صورة ممكنة، وكان وقودها جموعٌ من الشبيبة صغار السنِّ والعلم والخبرة. وربَّما التمسنا لهم المعاذير، ونحن نرى بعض الكبار من المشايخ يُسارِعون في الأخذ والردِّ متناسين تعليل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ترك قتل المنافقين المستحقين للقتل: « لا يتحدث الناس أنَّ محمَّدًا يقتل أصحابه».
إنَّ كثيرًا من العلماءِ يَرَوْنَ في الأحداث الأخيرةِ في محيطنا العربيِّ آراءً ويذهبون مذاهبَ لا تُعجبُ البعضُ، وهم ينطلقون في تأسيس أقوالهم على أدلة وأقوالٍ مشهورة لأهل العلم، ولابدَّ من احترامِ رأيهم، بل ربَّما يحاججُ المتفقُ معهم بكثرة الدماء التي أُريقت في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، فعلى مَن يقع وزر إراقة هذه الدماء؟ وعلى من يَقع وزر إزهاق هذه الألوف المؤلفة من الأرواح؟ وفريقٌ آخر من العلماءِ يرى التوقُّف في كل هاتيك المسائل المشكلاتِ انطلاقًا من مفهوم الإمساك في الفتنِ، وإن لم يكن ما نحن فيه فتنةً فليس هناك فتنة.
إذًا لابد أن يُحترمَ الجميعُ ما دام ينطلقُ في موقفه من دليلٍ شرعيٍّ مُعتبَر، ولابد للشباب المتحمِّس من أن يعود إلى كَنَفِ هؤلاء العلماء متعلِّمًا متأدبًا مُتأسِّيًا بالكُمَّل منهم، ولا يغترَّ بهذا الزمان الذي صيَّرنا فيه الإعلام إلى نوعٍ من الخطاب الذي يُقدِّس الشباب إلى حدِّ التأليه، فالشباب – زعموا – هم الذين فعلوا، وهم الذين قالوا، وهم الذين أنَّ النبيَّيُريدون، ولا إرادة سوى إرادتهم. وقد اشتُهرَ من حديث عابس الغفاري صلى الله عليه وسلم قال:« بادروا بالموتِ ستًّا: إمرة السفهاء [ وفي رواية: إمارة الصبيان]، وكثرة الشُّرط، وبيع الحكم، واستخفافًا بالدَّمِ[ وفي رواية: إضاعة الدم]، ونشأً يتخذون القرآن مزامير، يقدِّمونه يُغنِّيهم؛ وإن كان أقلَّ منهم فقهًا». والمدقِّقُ في هذا الحديث الجليل يرى وصفَ زماننا لا ينقص منه شيءٌ. ألأجلِ إرضاء هؤلاء الشباب ننتعلُ العلماء؟! أَأَنْ سخطوا على بعض أقوالهم ننبذهم وراء ظهورنا؟!
لابدَّ للإسلاميين - إعلاميين وعلماء ودعاة ومتحدثين – أن يُرجعوا الأمور إلى نصابها، وأن يُركِّزوا في خلافاتهم على نقد المواقف والأقوال لا على نقد الأشخاص والأحوال، ولابدَّ أن يكونوا قدوة في اختلافهم كما هم قُدوةٌ في اتفاقهم، وما كان من تلك المسائل مما يُبحث في المساجد أو يُتدارس في الكتب؛ فيجب ألا يعدوَ دروس العلمِ وحِلَقِه، وما كان مما يُنصحُ به للعامّة فلتُفردْ له
ورُبَّما رأينا أحدهم يشتدُّ حزنه، لأنه أُقصِيَ من صدارة المشهد؛ فلم يعد مطلوبًا، ولم تعد القنواتُ تتسابق على استضافته، بل ربَّما دفع ذلك أحدهم إلى صبِّ جام غضبه على من أخملوا ذكره وأهملوا فكره، ولله درُّ رويم بن أحمد – رحمه الله - إذ يقول: «إذا وهب الله لك مقالًا وفعالًا فأخذ منك المقال وترك عليك الفعال؛ فلا تُبال فإنها نعمة، وإن أخذ منك الفعال وترك عليك المقال؛ فنُحْ على نفسكَ فإنها مصيبة، وإن أخذ منك المقال والفعال فاعلم أنها نقمة»
ثانيًا: يجب على الأحزاب والجماعات والتكوينات الإسلامية أن تُدقق في اختيار متحدثيها الإعلاميين ممن يجمعون بين العلم الشرعي المتين، والعلم بالواقع، إضافةً إلى قدرٍ مناسبٍ من ملكة البيان والحوار والمناظرة. ويا حبَّذا لو أضيف لذلك رصيد مناسبٌ من الخبرة الإعلامية. ولا يعني ذلك أننا ضدُّ ظهور الشباب كمتحدثين رسميين وإعلاميين، فليس هناك ما يمنع ذلك ما داموا على قدر المسئولية متمكنين من أدواتهم العلمية والمهارية، ولتعلمْ أن القبولَ رزقٌ يُلقيه الله – عز وجلَّ – في قلوب المستمعين والمشاهدينَ ، هذا الرزق يُؤتاه الصغير كما يؤتاه الكبير؛ إلا أنه يترسخ بالممارسة ويُصقل بتراكم الخبرات. ومن الضروريّ أن تعمل الأحزاب والتكوينات الإسلامية على إعداد الكوادر المناسبة وتدريبها على مهارات الاتصال والحوار. وقد كان مصعبُ بن المعروف كأوَّل سفير في الإسلام - شابًّا إبَّان اضطلاعه بأعباء الدعوةعمير منفردًا في المدينة، ممهدًا للهجرة النبوية المباركة، وكذلك كان جعفر بن أبي طالب المتحدث الرسميّ للمهاجرين إلى الحبشة، مع الأخذ في الاعتبار خطورة مهمة كلٍّ منهما.
ثالثًا: يجب أن نُفرِّق بين نوعين من الظهور الإعلاميّ؛ الأول الظهور الاختياري، والآخر الظهور الاضطراري ، أما الظهور الاختياري فمنه البرامج الحوارية التي يُدعى إليها المتحاورون الإسلاميون، وفي هذه النوعية من البرامج يجب أن يكون موضوع الحوار محدَّدًا سلفًا، ولا يُكتفى بذلك؛ بل يجب أن يطلب المتحدث الإسلامي من مقدم البرنامج لائحة بالأسئلة التي ستوجه له، مع تحديد الوقت المتاح للإجابة، فإن كان الوقت التقديري المطلوب لإجابة الأسئلة المقترحة أطول من الوقت المتاح للبرنامج؛ فيجب أن تُختصر الأسئلة أو يُزاد وقت البرنامج. بعض المتحدثين يُؤتَون من قِبل تلك الثغرة؛ إذ تكون الأسئلةُ سهلةً وغير مُفخخة بالقدر الكافي، ولكنَّ المحاوِر يستعجل الضيف في الإجابة فيضطر الضيف إلى الإدلاء بإجابةٍ مشوهة غير مكتملة، فيُسيء من حيث أراد الإحسانَ، وعلى كلٍّ فتركُ الإجابة خيرٌ من إجابة كهذه.
كذلك يجبُ أن يعرف المتحدث الإسلاميُّ هل سيكون معه ضيفٌ آخر، ومن هو؟ وما طبيعة الحوار؟ هل سيكون مناظرة مفتوحة؟ أم أنَّ نفس السؤال سيُوجه لكلا الضيفين مع ترك مساحة زمنية متساوية للإجابة لكل ضيف؟.إلخ تلك التفصيلات الضرورية. وحينئذٍ يجب على المتحدث الإسلامي الإلمام بالخلفية العلمية والفكرية والثقافية لهذا الضيف، كما يجب أن يقرأ مصنفاته المكتوبة، ويستمع إلى لقاءاته السابقة، وخصوصًا الحوارية والمتعلقة بموضوع الحلقة، ولا يُتهاون في ذلك بحالٍ من الأحوال.
ويجب كذلك أن تصل لائحةُ الأسئلة للضيف قبل الحلقة بوقتٍ كافٍ مكتوبةً بطريقة واضحة، وعليها ما يُثبتُ أنها من الجهة المستضيفة حتى تُواجَه بها في حالة أي خروج عن النصّ أثناء الحلقة. فإن رضيتْ الجهة الراغبة في الاستضافة بتلك الشروط وإلا فلا داعيَ للظهور من الأساس.
كذلك؛ يجبُ الاتفاق على السماح للمداخلات الهاتفية من المشاهدين والمستمعين مع عدمه، وعلى تحديد وقتٍ في آخر الحلقة لهذه المداخلات، على أن يُعرَّف المشاهدون مسبَّقًا بموضوع الحلقة حتى لا تخرج أسئلتهم عن مضمونه، وحتى نحفظ على المشاهد وقته، فإن علِم موضوع الحلقة فله الخِيَرةُ في الاستماع والمشاهدة. كذلك؛ على الضيف الإسلاميّ أن يكون صارمًا فلا ينساقَ في مواضيع فرعية يُثيرها المشاهدون المتصلون أو المحاوِر أو الضيف الآخر. بهذا نحفظ أوقاتنا وأوقات المشاهدين ولا ننساق خلف الترَّهات ونترك الطريق الواضحة إلى بُنيَّاتٍ لا تنتهي.
كذلك؛ يجبُ على الضيف الإسلاميِّ اشتراط الحدِّ الأدنى من التزام المحاورِ بالآداب الإسلامية الظاهرة: كأنْ يكون المحاورُ رجلًا، ولا يُتساهل في عرض الإعلانات التجارية المصوَّرة بصورٍ خليعة وألفاظ ذاتِ إيحاءاتٍ خارجة في فواصل البرنامج، ونحو ذلك.
وليعتزَّ الإسلاميون بدينهم والتزامهم؛ فلا يتهاونوا في مثل هذه الأمور بحجةِ إظهار تسامح الإسلام، وبحجةِ أنَّ ذلك تشديدًا في غير محلِّه.
وفي حالة البرامج المسجَّلة التي لا تُذاع مباشرةً؛ فإنه يجب على المتحدث الإسلامي الاحتفاظ بالشريط الأصلي للحلقة كاملةً؛ حتى لا يُعطيَ الفرصة لأحدٍ أن يقتطع كلامًا من سياقه فيشنِّعَ به على الإسلاميين.
ربَّما يقالُ: إنَّ هذه الاشتراطات قاسيةٌ، تُغلق الباب أمام استضافة الإسلاميين، فيخلو وجه المشاهد وقلبه للمُخالفين ليبثوا سمومهم، بل قد يُشاع أنَّ الإسلاميين يتهربون من المواجهات، ورأيي أنَّه لا خطر على الإطلاق من هذا التخوف؛ لأن القاصي والداني بات يعرف أنَّ تلك الحلقات الحوارية ما هي إلا فخاخٌ ومصايدُ للإسلاميين، فلا مناص من التمهيد لموضع أقدامهم. ثمَّ إنَّ الإسلاميين أصبحوا يمتلكون العديد من القنوات الإسلامية التي بدأت في مواكبة الحدث، وخطت خطواتٍ جادةً في طريق المهنية والاحترافية، وهي كفيلة - بمزيد من التوفيق والعمل الجاد الدءوب - باستقطاب الشريحة الكبرى من المشاهدين، وبذلك يتوفر للإسلاميين منبرٌ دائمٌ يستطيعون من خلاله قول ما يريدون دون أن يُتَّهموا بالهروب أو ترك الساحة لأحدٍ.
نأتي للظهور الاضطراري: ونعني به الظهور للردِّ على الشبهات وإبطال الادعاءات التي يمارسها الآخرون، كأنْ يُلصِقون بالإسلاميين تهمًا وافتراءات كالتي نسمعها كلّ يوم، فهم يُقوِّلونهم ما لم يقولوا، ويُصرِّحون على لسانهم بما لم يخطر ببالهم أصلًا! والصمتُ قد يكون مُضرًّا في تلك الحال، لذلك يجبُ أن نظهر لنردَّ على تلك الفِرَى، حتى وإن لم تُستوفَ الشروط السابقة، غير أنَّ الحالة هذه حالة ضرورة، فليكن الحديث بقدر الحاجة؛ فلا يتطرَّق لأكثر من الردِّ على الاتهام المذكور أو تكذيب الخبر المنشور، وكما يجب أن يكون الردُّ مدروسًا ومُراجعًا ومدعمًا بالأدلة والبراهين، وأن يُسلك في سبيل إيقاف هذا السيل من الهراء كل مسلكٍ قانوني، فالصحفي أو الإعلامي الذي يخرج عن المهنية - وخصوصًا في تعاطي الأخبار - لابد أن يُعاقب قانونيًا، ولابد أن يتحمل المسئولية أمام القضاء العادل حتى لا يعود لمثلها، وحتى يكون في عقابه ردعٌ لأمثاله من المفترين الأفَّاكين. أما مجال الرأي فأوسع من ذلك؛ والرأي لا يُواجه إلا بالرأي والحجة والبرهان والدليل الدامغ. وفي كثيرٍ من الأحيانِ تُفقد الحيوات بترك القصاصِ، ألم يقل الله تعالى: «ولكم في القصاص حياة»؟ إذًا بدلالة المفهوم: عليكم في ترك القصاص وزر حيواتٍ أُزهقت، وأوقاتٍ أُهدرت في مهاتراتٍ لا ساحل لها، ولو أنَّكم ردعتم بقوة القانون كل مُتقوِّل متخرِّصٍ ما بقي منهم من يفتري. ولنتسلح في مجابهة الآراء الفاسدة بإيماننا بثوابتنا ومبادئنا، ولنتحلَّ بأقصى درجات أدب الحوار واحترام الآخر حتى إن لم يلتزم هو بها، ما دام الحديث عن الرأي وليس الخبر. ومجال الرأي أوسع من مجال الخبر، ورُبَّما كان صاحبه من المُدلَّس عليهم أو المغرَّر بهم،أو ممن استحكمت منه شُبهةٌ فهو بحاجة لمن يُجلِّيها له. وعلى كلٍّ؛ فنحنُ ننطلق في أدب الحوار من تعاليمَ ساميةٍ وتوجيهات ربانية، لا من (برستيج) و(إيتيكيت).
رابعًا: يجب أن نُركِّزَ في طرحنا الإعلامي على أنَّ رؤية الحزب أو الجماعة لا تمثِّل الإسلام بالضرورة، وإنما تجتهد في تطبيق فهمها للإسلام في ضوء الممكنات، وقد تُخطئ وقد تُصيب بقدر قربها من التأصيل الصحيح، وبقدر نقلها هذا التأصيل إلى واقع الممارسة، والمنهج حاكم على الأفراد والأفراد لا يحكمون على المنهج، نعم؛ يجب أن نُدندن حول هذا الأصل صباح مساء، فإن وفَّقنا الله – عز وجلَّ – لانتشال البلاد من كبوتها والنهوض بها؛ فقد أحسنَّا بقدر ما طبقنا ما أمرنا به ربُّنا، وإن أخطأنا أو قصَّرنا فقد اجتهدنا، وللمُخطئ أجر اجتهاده ما كان حسن النية ولم يألُ جهدًا.
يجبُ أن تجتهد القنواتُ الإسلامية في نقض الباطلِ أصولًا وفروعًا، فلا تكتفي بنقد التطبيق، وإنَّما تنقض أصل الفكرة. إنَّنا نلاحظُ أنَّ كثيرًا من المتحدثينَ يُسارعونَ في تقريب التصوُّر الإسلاميّ إلى ما قد يُشابهه في الفكر المستورد، فصرنا نسمع أنَّ الديمقراطية هي عين الشورى، والحرية المطلقة مكفولة في الإسلام! وكأنَّ هؤلاء الإسلاميين يتبرأون من عوارٍ في الإسلام، ويكفكفون خِرَقَ نسيجه! حتى إذا خرج علينا خارجٌ ونبتتْ نابتةٌ من المستغربين تقول: لابدَّ من تقييد الديمقراطية بأهل الحلِّ والعقد، أو بجعل تصويت المتعلِّم على الضِّعف من تصويت الأُمِّيِّ؛ هللنا وكبرنا وقلنا: إنَّ ذلك هو عينه مفهوم أهل الحل والعقد في الإسلام. وإذا خرج أحدٌ ينادي بتقييد حرية الصحافة حتى لا ينتهك الصحافيون الخطوط الحمراء للحريات الشخصية؛ قال قائلنا: ذلك هو أصل الحرية في الإسلام!
الإسلام أجلُّ من ذلك، علينا أن نعرض الإسلام كما هو موقنين بأنه أقومُ السبل وأعدلها وأصلحها للبشرية جمعاء. أمَّا البرامج الحزبية لما يُسمَّى بالأحزاب الإسلامية فلها أن تتحرَّك في حدود الممكن، وفي ضوء المعطيات. وكمثال لتوضيح المقصود نقول: إنَّ كثيرًا من الإسلاميين رُبَّما تنصَّلوا ممن يُريدون تحريم بعض الممارسات الخاطئة في قطاع السياحة؛ كالعُريِ والدعارة والخمر، وكأنَّ المُتحدِّث هو الذي حرَّمها من عند نفسه، وكأنَّ الله لم يُحرِّم ذلك!! فهل بلغ بنا الاستحذاء أن صرنا نتنصَّلُ ممن يحرِّم الحرام بحُجَّة طمأنة الناس؟!! لابد أن نقول جميعًا على الملأ: الحلال حلال، والحرام حرام..نعم؛ قد يتبنى حزبٌ من الأحزاب الإسلامية منع هذه الأمور بالتدريج فهذا أمرٌ قابل للفهم والنقاش.
خامسًا: ولننتبه إلى هذه القضية الإعلامية الخطيرة، ألا وهي انتقال الخلافات بين المشايخ والعلماء من حلقات العلم، وباحات المساجد؛ إلى شاشات الفضائيات وصحائف الجرائد والمجلات، ومواقع الإنترنت والشبكات. وهي ظاهرةٌ أجَّجَها الجهلاءُ، وأذكى أوارها إعلام الفتنة الذي همُّه إظهار الإسلاميين في أقبح صورة ممكنة، وكان وقودها جموعٌ من الشبيبة صغار السنِّ والعلم والخبرة. وربَّما التمسنا لهم المعاذير، ونحن نرى بعض الكبار من المشايخ يُسارِعون في الأخذ والردِّ متناسين تعليل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ترك قتل المنافقين المستحقين للقتل: « لا يتحدث الناس أنَّ محمَّدًا يقتل أصحابه».
إنَّ كثيرًا من العلماءِ يَرَوْنَ في الأحداث الأخيرةِ في محيطنا العربيِّ آراءً ويذهبون مذاهبَ لا تُعجبُ البعضُ، وهم ينطلقون في تأسيس أقوالهم على أدلة وأقوالٍ مشهورة لأهل العلم، ولابدَّ من احترامِ رأيهم، بل ربَّما يحاججُ المتفقُ معهم بكثرة الدماء التي أُريقت في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، فعلى مَن يقع وزر إراقة هذه الدماء؟ وعلى من يَقع وزر إزهاق هذه الألوف المؤلفة من الأرواح؟ وفريقٌ آخر من العلماءِ يرى التوقُّف في كل هاتيك المسائل المشكلاتِ انطلاقًا من مفهوم الإمساك في الفتنِ، وإن لم يكن ما نحن فيه فتنةً فليس هناك فتنة.
إذًا لابد أن يُحترمَ الجميعُ ما دام ينطلقُ في موقفه من دليلٍ شرعيٍّ مُعتبَر، ولابد للشباب المتحمِّس من أن يعود إلى كَنَفِ هؤلاء العلماء متعلِّمًا متأدبًا مُتأسِّيًا بالكُمَّل منهم، ولا يغترَّ بهذا الزمان الذي صيَّرنا فيه الإعلام إلى نوعٍ من الخطاب الذي يُقدِّس الشباب إلى حدِّ التأليه، فالشباب – زعموا – هم الذين فعلوا، وهم الذين قالوا، وهم الذين أنَّ النبيَّيُريدون، ولا إرادة سوى إرادتهم. وقد اشتُهرَ من حديث عابس الغفاري صلى الله عليه وسلم قال:« بادروا بالموتِ ستًّا: إمرة السفهاء [ وفي رواية: إمارة الصبيان]، وكثرة الشُّرط، وبيع الحكم، واستخفافًا بالدَّمِ[ وفي رواية: إضاعة الدم]، ونشأً يتخذون القرآن مزامير، يقدِّمونه يُغنِّيهم؛ وإن كان أقلَّ منهم فقهًا». والمدقِّقُ في هذا الحديث الجليل يرى وصفَ زماننا لا ينقص منه شيءٌ. ألأجلِ إرضاء هؤلاء الشباب ننتعلُ العلماء؟! أَأَنْ سخطوا على بعض أقوالهم ننبذهم وراء ظهورنا؟!
لابدَّ للإسلاميين - إعلاميين وعلماء ودعاة ومتحدثين – أن يُرجعوا الأمور إلى نصابها، وأن يُركِّزوا في خلافاتهم على نقد المواقف والأقوال لا على نقد الأشخاص والأحوال، ولابدَّ أن يكونوا قدوة في اختلافهم كما هم قُدوةٌ في اتفاقهم، وما كان من تلك المسائل مما يُبحث في المساجد أو يُتدارس في الكتب؛ فيجب ألا يعدوَ دروس العلمِ وحِلَقِه، وما كان مما يُنصحُ به للعامّة فلتُفردْ له