صفحة 1 من 1

الترابط بين السياسية الداخلية و الخارجية.

مرسل: الاثنين مارس 12, 2012 1:35 am
بواسطة فهد صالح ابو مهيد 0
تشكل السياسة الخارجية للدولة أحد الآليات الهامة لضبط وتطوير مصالح الدول على صعيد العلاقات الدولية من جانب وعلاقاتها مع وحدات النظام السياسي الدولي من جانب آخر . وبهذا السياق يمكن تعريف السياسية الخارجية للدولة بأنها تلك الآليات السياسية ،الاقتصادية ، العسكرية والثقافية الضامنة لمصالح الدولة القومية في المحيط الدولي والهادفة الى توطيد أمنها الداخلي وسيادتها الوطنية . وانطلاقا من ذلك لابد من التأكيد على ان السياستين الخارجية والداخلية للدولة يشكلان المحتوى القانوني لمبدأ السيادة الوطنية وتأكيدا على شخصية الدولة القانونية .
إن التحديد القانوني السياسي المشار إليه يثير كثرة من الإشكالات الفكرية / القانونية / السياسية منها هل ان السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية ؟ هل تعبر السياسة الخارجية عن مصالح الدولة وتشكيلتها الاجتماعية ؟ . وقبل هذا وذاك ما هي المؤسسات والفعاليات الوطنية المقررة لتوجهات السياسة الخارجية للمراكز الدولية .؟
قبل التعرض لمضامين الإشكالات السياسية / القانونية المثارة يتعين التوقف عند بعض المفاهيم الأساسية وبالتحديد منها مفهوم السياسة من جانب وموقع السياسية الخارجية في آلية السلطة السياسية من جانب آخر . لهذا نقول أن السياسية بمفهومها الشامل هي علاقة قوة وتجاذب بين مكونات التشكيلة الاجتماعية بشكليها السلمي التي تنظمه الشرعية الديمقراطية أو العنفي المرتكز على اغتصاب السلطة من قبل الأنظمة الاستبدادية وبهذا المعنى العريض فان السياسة الخارجية تعكس توازن القوة بين الدول وتجسد ذلك التوازن في العلاقات الدولية . وفي حال مدى هذه الفرضية الى ماداها الأبعد فهي علاقة قوة بين الطبقات الاجتماعية الحاكمة في الدول المختلفة متمثلة في السياسية الدولية .
ان التحديد المشار إليه يشترط التعرض لمواقع السياسية الخارجية في منظومة السلطة السياسية وبالتحديد موقعها في السلطة التنفيذية التي تعكس أنشطتها السياسية طبيعة القوى الاجتماعية المتنفذة والمهيمنة في منظومة البلاد السياسية مؤكدين في هذا المسار ثبات السياسية الخارجية في أطرها الاستراتيجية رغم تعاقب الشرائح الاجتماعية على الحكم من خلال الشرعية الديمقراطية . لهذا واستناداً الى تعاقب الشرائح الاجتماعية في الحكم فان تجليات السياسية الخارجية تتخذ أشكلا جديدة متماشية وكيفية تحقيق مصالح البلاد الأساسية متجاوبة مع تغيرات السياسة الدولية التي تتضمن المنافسة بين الدول الكبرى أو بين معسكري الثنائية القطبية في المرحلة السابقة .

استنادا الى تلك الملاحظات نعود الى تحليل الإشكال الأخر المتمثل بموضوعة الترابط بين السياسيتين الخارجية والداخلية وهل ما زالت الأولى تمثل امتدادا للسياسية الداخلية ؟ .
ان محاولة التقرب من هذا الإشكال تشترط التعرض وبشكل مكثف الى طبيعة التحولات التي مرت بها مراكز الهيمنة الدولية ، متعرضين الى مجالين المجال الأول مضمون السياسية الداخلية والتي جرى تحديدها بعلاقة قوة بين الطبقات الاجتماعية في التشكيلة الوطنية للدولة القومية تبدت ومن خلال تطور النزاعات الاجتماعية التاريخي في الشرعية الديمقراطية التي تعني المساواة القانونية لكل الأحزاب السياسية في إدارة سلطة الدولة . بكلام آخر حق التداول السلمي للسلطة رغم تحجيم هذا الحق الشرعي في الممارسة السياسية .
ان الشرعية الديمقراطية في البنية الدستورية لمراكز الهيمنة الدولية أفضت الى بناء سياسية التوافق الاجتماعي بين القوى الطبقية المتنازعة معززة بذات الوقت قيادة القوى المتنفذة اقتصاديا وماليا وسياسياً للسلطة السياسية .

ان الشرعية الديمقراطية وسياسة التوافق الاجتماعي المنبثقة عنها التي شكلت الآليات المعتمدة في السياسية الداخلية لم تترافق وسياسية خارجية تعتمد توازن المصالح بين الدول بل اتسمت السياسة الخارجية بالعنف وتفتيت الدول والنهب الكولونيالي المتواصل.
استناداً الى الموضوعات الفكرية المكثفة نصل الى ان السياسية الخارجية وبسبب أهدافها الاستراتيجية الضامنة لمصالح وأمن المراكز الدولية تتمتع باستقلالية نسبية عن النزاعات الاجتماعية الداخلية التي تتكفل بمعالجتها سياسة البلاد الداخلية المستندة الى القوانين الوطنية ، وبهذا المعنى فان السياسة الخارجية لمراكز الهيمنة الدولية لا تشكل انعكاسا ميكانيكياً للسياسية الداخلية .

بعد هذا العرض المكثف لمضامين السياسية الخارجية نتقرب من الإشكال الثالث المتضمن طبيعة المؤسسات والآليات الضامنة لنجاح السياسية الخارجية منطلقين من ان صنع السياسة الخارجية يعتمد على كثرة من المعطيات التي تنتجها المؤسسات الوطنية والدولية وبهذا السياق نشير الى ثلاث مؤسسات رئيسية تعتمدها السياسية الخارجية في حركتها الدولية متمثلة بـ : ــ
1 : ـ المؤسسات الاستخباراتية بفروعها المختلفة التي تزود وزارة الخارجية بتقارير تفصيلية عن طبيعة الأوضاع السياسية الدولية والمخاطر التي تواجه الامن القومي هذا إضافة الى السفارات المنتشرة في الدول العالم التي تنشط هي الأخرى في رفد وزارة الخارجية بالتقارير الدورية المختلفة المتضمنة دراسة مواقع البلدان المختلفة ودرجة أمنها السياسي وطبيعة ومآل النزاعات الاجتماعية المحتدمة فيها , وتتطور في الآونة الأخيرة آليات جديدة تتمثل في ان الجهاز الدبلوماسي للدول الكبرى لم يعد يكتفي بالتعرف على توجهات الدول المختلفة من خلال المسؤلين الرسميين فيها بل تعدى ذلك الى بناء علاقات سياسية مع الأحزاب الوطنية لغرض معرفة مآل تطور النزاعات الحزبية وكيفية المساعدة في حلها لخدمة المصالح الاستراتيجية .
2 : ـ المؤسسات البحثية : ـ توظف السياسية الخارجية التقارير الاستراتيجية التي تصدرها مراكز البحوث الوطنية والدولية فضلا عن تلك الدراسات التي تصدر عن مختلف الجامعات الأكاديمية سواء كانت تلك البحوث متعلقة بالجوانب الأيديولوجية التي تساعد السياسية الخارجية على تنشيط فعاليتها الدولية الهادفة الى خدمة مصالح بلادها الاستراتيجية أو تلك البحوث التي تعمل على تحليل السياسات الدفاعية والاقتصادية لمراكز الهيمنة الدولية في المجلين الوطني والدولي .
3 : ـ التفاعل مع المنظمات والمؤسسات الدولية بهدف صياغة القرارات الدولية التي تخدم مصالح المراكز الدولية والمتعلقة بمعالجة الأزمات الدولية والداخلية للدول الأخرى ، وبهذا المعنى يكون نشاط السياسية الخارجية مزدوجا فمن جهة تساهم في صنع السياسية الدولية ومن جهة أخرى تعمل على توظيف القرارات التي تصدرها المؤسسات الدولية مثل مجلس الامن والمؤسسات المالية في خدمة مصالحها الاستراتيجية.

2

التغيرات الدولية وتأثيرها على السياسية الخارجية

شهد العقد الأخير من القرن العشرين تحولات جذرية على صعيد العلاقات الدولية تجسدت بتغيرات عديدة منها انهيار نظام الثنائية القطبية المرتكز على توازن القوى والردع النووي المتبادل . ومنها انهيار ازدواجية خيار التطور الاجتماعي رأسمالي / اشتراكي وما نتج عنه من انحسار التنمية الوطنية المتمحورة على الذات . ومنها اختلال دور الدولة ومواقعها في السياسية الخارجية .

ان تبدلات العلاقات الدولية أفضت الى تغيرات في طبيعة ومحتوى السياسة الدولية التي يمكن رصدها من خلال الموضوعات التالية : ـ
ــ تراجع النزاعات الأيدلوجية بين الليبرالية والاشتراكية التي وسمت العلاقات الدولية في الحقبة المنصرمة الامر الذي مهد الطريق لسيادة شعارات الليبرالية الجديدة والسياسية التدخلية سواء في الدعوة الى إعادة بناء الأنظمة السياسية عبر حق التدخل وحقوق الإنسان أو على صعيد إزالة العوائق السيادية أمام حرية حركة رؤؤس الأموال الدولية فضلا عن إعتماد الأسواق المفتوحة.
ـــ إعتماد مبدأ استخدام القوة بشرعية دولية يضمنها مجلس الأمن الدولي أو بصورة انفرادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية الامر الذي دفع الأخيرة لخوض حروب عديدة متوخية بذلك تطوير نظامها الإمبراطوري المرتكز على حرية التدخل في الشئون الدولية .
ـــ اختلال مبدأ السيادة الوطنية الذي جرى تحجيمه بكثرة من الشعارات الأيديولوجية والاقتصادية والسياسية .
ـــ استبدال المواجهة الأيديولوجية بين خياري التطور الاجتماعي رأسمالي / اشتراكي بمواجهة جديدة مضمونها المنافسة بين التكتلات الاقتصادية ومراكزها الدولية .

ان التبدلات المشار إليها في توجهات السياسة الدولية والتي احتلت الولايات المتحدة مركزاً مقررا فيها لم تستمر لفترة طويلة وذلك لكثرة من الأسباب الأساسية أهمها تحول الدول الاشتراكية السابقة ــ روسيا ــ الصين الى دول رأسمالية وذلك بعد تحول بيروقراطيتها الحزبية الى قوى طبقية حاكمة متسلحة بروح قومية . بمعنى آخر ان القوى الاجتماعية الجديدة تسعى الى بناء علاقاتها الدولية على قاعدة توازن المصالح المرتكز على المنافع الاقتصادية المشتركة والتعاون العسكري بينها وبين مراكز الهيمنة الدولية.

ان وحدة العالم وترابط مستويات أسواقه الوطنية / الإقليمية / الدولية على قاعدة رأسمالية فضلاً عن تحول مراكز الهيمنة الدولية من الصيغة الوطنية الى التكتلات الاقتصادية أحدث تغييرا جوهريا في سياسة الدول الكبرى استناداً الى كثرة من المحددات التي أجدها في : ـ
1 : ـ فرض بناء التكتلات الاقتصادية واقعاً قانونيا / سياسياً / اقتصادياً يتمثل بظهور الشركات الدولية على مسرح السياسية الدولية ما نتج عن ذلك من وضع تلك المصالح على جدول أعمال السياسية الخارجية للدول الكبرى. وبهذا المسار نشير الى أن ترابط مصالح الشركات الاحتكارية مع الدولة ليس بالشئ الجديد إلا ان الجديد في الطور المعولم أن دفاع المراكز الكبرى عن مصالح الشركات الاحتكارية انتقل من شكل الدفاع الوطني عنها الى صيغة التنسيق المشترك بين مراكز الهيمنة الدولية بهدف بناء سياسة خارجية ودفاعية ( موحدة ) . بكلام آخر ان السياسية الخارجية لم تعد تبنى على مستوى دولة كبرى واحدة بل يجري بناء توجهاتها الأساسية من عدة دول متحالفة على أسس استراتيجية .
2 : ـ تحول التنافس بين الدول الكبرى لاقتسام النفوذ والهيمنة الذي اتسم به الطوران الأول والثاني من التوسع الرأسمالي الى منافسة بين التكتلات الاقتصادية في الطور المعولم وما يعنيه ذلك من إمكانية تحول المنافسة بين التكتلات الاقتصادية الى منافسة بين القارات الثلاث الكبرى امريكا ودول النافتا والاتحاد الأوربي وتكتلات أسيا الاقتصادية .