موضوع المقال : حلل شخصيتك من “عِيَارَتِكْ”!
للكاتبه :أمل بنت فهد
يمكن أن تتفّهم الإنسان صاحب الانتقادات والملاحظات سواء طلبت منه أو صرح بها من باب التعالم و”التشخيص” على جمهور ألجمه الأدب وقلة الحيلة فلم يرد عليه، والذي لن تعرف علّته أو تجد له مبّرراً هو صاحب توزيع “العيارات” من باب استخفاف الدم وخفّة الظل، وحتى يفهمنا الجميع فالعيارة عبارة عن وصف مهين، لعيب ما، في شكلك أو طريقة حديثك أو حسبك ونسبك، ويستبدل به اسمك وكيانك، ليكون أوضح علامة لمعرفتك والإشارة إليك بأداة جديدة، لا يعرفها النحويون ليست للعاقل ولا لغير العاقل!
وبالمناسبة فإنّ العيّارين الظرفاء ليسوا حكرًا على مجتمع أو دولة أو عرق، إنما هم مخلوقات تجدها في كل مكان، وتزداد كثافتهم بين الأطفال والمراهقين والبسطاء ومدمني الغيبة ومجالس تقطيع الجلود، بالطبع لست بصدد مناقشة نشأتهم أو أسبابهم فهذا لا يعنينا، والمهم حقًا هو الأثر الخفي الذي ينخر في ثقة الإنسان بنفسه جراء وصف أطلق عليه في لحظة تندُّر وخفّة دم، ليستقر في مكان قصي من النفس ويدمّرها دون إدراك.
على سبيل المثال عرضت عليّ مشكلة زوجة على قدر من الثقافة وحسن الخلق والخلقة، تعامل زوجها بجفاء وتتهرب منه رغم محبتها له، والسبب بكل بساطة اعتقادها القديم أنّ رائحة فمها كريهة، هذا الاعتقاد لم يأت من فراغ، إنه نتيجة ملاحظة و”عيارة” سامجة، أطلقت عليها في طفولتها وردّدها أحد الأبوين بكل سرور! كان من الصعب إقناعها أنّ الأمور بخير وأنفاسها طبيعية.
والشواهد كثيرة لو تأمّلنا مشاعر الآخرين تجاه عيوبهم الخلقية كاللون والطول والوزن وغيرها، رغم أنها غالبًا ليست بارزة ولا مؤثرة، إنما وضوحها موجود في أذهانهم على خلفية كلمات قيلت وانتهى زمنها وبقي أثرها متمثلاً في الخجل والتوتر ونقص في الثقة مقارنة بالآخرين. فإذا كان قانون العقل الإنساني كما يصفه الدكتور جوزيف ميرفى “أنك سوف تحصل على استجابة أو رد فعل من عقلك الباطن وفقًا لطبيعة الفكرة التي تحتفظ بها في عقلك الواعي”، بالتالي فإنّ الصفة التي يتلقّاها الطفل والكبير يستقبلها بامتعاض لكنها تستقر في عقله كحقيقة تعيقه وتخلق حوله هالة من العقد النفسية.
فماذا ننتظر ممن يسمع أنه “خرتيت، العبد الأسود، أبو ضروس، طبنجة، خيشة نوم، كمخة، غبي، أبو راس، حويلان، عويران، الشيفة العنيفة، أم العراد، أم جبهة ... الخ” والقائمة غير منتهية، كيف له أن يستعيد ثقته بنفسه؟ خاصة إذا صدرت من الوالدين أو أحد أفراد الأسرة!
لماذا لا نركّز قوّتنا في الملاحظة على جوانب الجمال والتميُّز فيمن حولنا؟ ونمنحهم فرصة ليروا أجمل ما فيهم؟ المسألة جد بسيطة، فكيف حالك مع “عيارتك” يا قارئي الكريم؟
خارج النص: المصارحة موقف صعب ولحظي.. يختصر سنوات من المعاناة.