صفحة 1 من 1

مفهوم الامن الانساني

مرسل: الأحد مارس 18, 2012 1:12 am
بواسطة عبدالله المطيري 5
ظل ينظر إلى مفهوم الأمن لفترة طويلة على أنه أمن حدود الوطن من العدوان الخارجي، أو بأنه حماية المصالح القومية في السياسة الخارجية، أو بأنه الأمن العالمي بحدوث حرب نووية. و مع انتهاء الحرب الباردة أضحى هذا المفهوم غير ذي جدوى في أذهان معظم الناس الذين أصبحوا يعتبرون انعدام الأمن يتأتى من المشكلات المتعلقة بالحياة اليومية أكثر مما ينشأ نتيجة الخوف من حدوث مشكلات عالمية، و بالنسبة للكثيرين منهم أصبح الأمن يرمز إلى الحماية من خطر الجوع و المرض و البطالة و الجريمة و الصراع الاجتماعي و القمع السياسي و المخاطر البيئية.

إن الأمن البشري قضية ذات طبيعة عالمية و هو مهم للناس في كل مكان، الأغنياء و الفقراء على السواء، حيث ثمة تهديدات مشتركة بالنسبة لجميع الناس مثل البطالة و المخدرات و الجريمة و التلوث و انتهاكات حقوق الإنسان، قد تختلف حدة هذه المشكلات من بلد إلى بلد، لكن جميع هذه التهديدات تظل ظاهرة متنامية.

العلاقة بين الأمن البشري و التنمية علاقة جدلية واضحة، فالتقدم في مجال من هذين المجالين يعزز إحراز تقدم في المجال الآخر. التنمية البشرية مفهوم أوسع نطاقاً حيث تعني عملية توسيع نطاق خيارات الناس على مر الأجيال، أما الأمن فمعناه أن يكون باستطاعة الناس أن يمارسوا اختياراتهم بأمن و حرية. و فشل التنمية البشرية يؤدي إلى تراكمات من الحرمان البشري تأخذ شكل الفقر أو الجوع أو المرض أو تفاوتات مستمرة للوصول إلى الفرص الاقتصادية و العيش عيشة مستقرة آمنة، و هذا بدوره يمكن أن يفضي إلى العنف، و عندما يتصور الناس أن أمنهم المباشر مهدد فإنهم يصبحون عادةً أقل تسامحاً.

هناك مكونان أساسيان للأمن البشري : التحرر من الخوف و التحرر من الحاجة.

ففي البلدان المتقدمة، يشغل الطرف الأول، أي التحرر من الخوف حيزاً كبيراً من تفكير الناس هناك، فهم يشعرون أن ما يهدد أمنهم هو خطر الجريمة و حرب المخدرات و انتشار نقص المناعة المكتسبة و تدني مستوى التربة و ارتفاع مستويات التلوث.

أما في البلدان الفقيرة، فيحتاج الناس إلى التحرر من التهديد الذي يمثله الجوع و المرض و الفقر و عدم وجود المأوى. و أكثر المشاكل موجودة في البلدان النامية حيث يعيش أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر، و يعيش أكثر من بليون إنسان من سكان العالم على دخل يومي يقل عن دولا ر واحد.

الأمن الغذائي يعني أن تكون لدى جميع الناس في جميع الأوقات إمكانية الحصول مادياً و اقتصادياً على الغذاء الأساسي، و توافر الأغذية عموماً في العالم ليس مشكلة، فحتى في البلدان النامية زاد نصيب الفرد من إنتاج الأغذية بنسبة 18% في المتوسط خلال عقد الثمانينات، و يوجد ما يكفي من الأغذية لتزويد كل شخص في العالم بحوالي 2500 سعر حراري يومياً و هو قدر يتجاوز الحد الأدنى الضروري بمقدار 200 سعر حراري، لكن المشكلة تكمن في سوء توزيع الأغذية و في نقص القدرة الشرائية، فهناك حوالي 800 مليون نسمة في العالم يعانون الجوع، و في إفريقيا جنوب الصحراء يعاني حوالي 240 مليون شخص من سوء التغذية، و في جنوب آسيا يولد 30% من الأطفال و هم ناقصون في الوزن و هذه نسبة عالية جداً و دليل محزن على عدم كفاية إمكانية الحصول على الغذاء لا سيما بالنسبة للمرأة التي كثيراً ما تكون آخر من يأكل في الأسرة.
و يمكن أن يقال نفس الشيء بالنسبة للأمن الصحي، ففي البلدان الصناعية المتقدمة يوجد في المتوسط طبيب واحد لكل 400 شخص، بينما يوجد في البلدان النامية طبيب واحد لكل 7000 شخص، و يبلغ هذا الرقم في إفريقيا جنوب الصحراء طبيباً لكل 36000 شخص، و هناك تفاوتات في الإنفاق على الصحة فبما بين البلدان النامية نفسها، ففي جمهورية كوريا يتم إنفاق 377 دولاراً للفرد سنوياً على الرعاية الصحية بينما تنفق بنغلادش 7 دولارات فقط.

أما أهم عناصر الأمن البشري، فهو ما يسمى بالأمن الشخصي، في الأمم الفقيرة كما الأمم الغنية تتعرض حياة الإنسان بدرجات متزايدة لتهديدات تأخذ أشكالاً عدة مثل:
- تهديدات من الدولة (التعذيب البدني و الملاحقة نتيجة اعتناق آراء مخالفة للرأي السائد).
- تهديدات من جماعات أخرى من المواطنين (التوتر العرقي).
- تهديدات من أفراد أو عصابات ضد أفراد آخرين أو ضد مجموعات أخرى (الجريمة و العنف ي الشوارع).
- تهديدات موجهة ضد المرأة (الاغتصاب و العنف المنزلي).
- تهديدات موجهة إلى الأطفال (إساءة معاملة الأطفال).
- تهديدات موجهة إلى النفس (الانتحار و إدمان المخدرات).

أما انعدام الأمن في البلدان العربية فيتأتى بشكل أساسي من الطبقات السياسية الحاكمة الفاقدة للشرعية و الأهلية معاً، و التي تنكرت لأبسط حقوق الإنسان في الحياة و الحرية و مارست أبشع أنواع القمع و الاستعباد و كانت سنداً و عوناً للخارج في نهب ثروات هذه الشعوب و تبديدها، و شكلت تحالفات ضمنية أو صريحة معه بهدف بقائها الأبدي على كراسي السلطة رافعة شعار "إما أنا أو الطوفان"، لذلك فإن استعادة الأمن لن تتم دون تخلي هذه الفئات عن السلطة و إعادتها إلى أصحابها الشرعيين و هم الشعب عبر انتخابات حرة ديمقراطية تفضي إلى سلطة تعاقدية تداولية.