صفحة 1 من 1

صدق الشيخ ولو كذب وكذب الوزير ولو صدق

مرسل: السبت مارس 24, 2012 4:28 pm
بواسطة حمد اليحيى 8
الموضوع : صدق الشيخ ولو كذب وكذب الوزير ولو صدق
للكاتب : د. حمزة بن محمد السالم


حدث مُجاهد قادم من أرض أفغان عن كرامات الجهاد، فأحيا الموتى وأبكى السماء وهز الأرض وأنطق الرصاص وأسمع الجماد وأبصر الأعمى. فراجعته في صحة منطق ما ينقله، فانتفض علي القوم نصرة لدين الله، واتهموا ديني وأمانتي وعقلي رغم صغر سني آنذاك وبراءة سؤالي وصدق نيتي. ومر زمن، وصدرت الفتاوى من العلماء ومن طلبة العلم آنذاك بوجوب الجهاد وشد الرحال إلى أرض أفغان -بعد استئذان الوالدين- وهُمس في أذني أن لا يستخفنك ما تسمع فهذه فتوى للعوام لكي لا «تنهبل علينا». وجاء زمن الغفوة، وخطب خطيب زاهد من أهل العلم فأكثر من نقل الأحاديث الموضوعة المنكرة في التحذير من الغناء، فلما انتهى ساررته: ألم نتدارس المسألة ولم يثبت لنا من هذه الأحاديث شيء؟! قال بلى ولكنها تخوف الناس وينفع الله بها. وأفاق الناس من أحلام الجهاد في أفغانستان، وصحى الناس من غفلة الصحوة، فهل فهمت عقولهم أو هل وعت صدورهم؟ لا بل عموا وصموا ثم عموا وصموا كثيراً من غيرهم، فما أكثر مآسي العرب. فاليوم ها هو الربيع العربي قد جاء ليسقطوا في أيدي الدكتاتورية السياسية الإسلامية. وها هي طفرة البترول قد عادت، فجاءت الصيرفة الإسلامية وجاء معها أكاذيب عظام طوام على مستوى عظمة طفرة البترول. فو الله، لأن قبول المجتمع للصيرفة الإسلامية اليوم لهو أكبر شاهد على الغيبة العقلية لمجتمعنا أمام الشيخ، تماماً كما أنها شاهد على غياب المسؤولية الحكومية والاجتماعية. فالكذب الصريح أصبح حقيقة يستدل بها، والسرقة الدولية لنا عن طريق الصيرفة والصكوك أصبحت انتصاراً إسلامياً نفخر به، وربح البنوك المضاعف أضعافاً مضاعفة أصبح بركة من بركات الشيخ.

قد يُسب الوزير والتاجر دونما ذنب، فيشكر الناس الشاتم ويسبحون بحمده. وقد يقول الوزير حقاً فيُكذب ويُحرف كلامه، فيشيد الناس بحصافة المُكذب والمُحرف وإخلاصه. وقد يجتهد الوزير فيُخطأ، فيُحمل أخطاء الأولين والآخرين. وهذا موجود في الأمم كلها، فالناس تبعاً لمن دغدغ عواطف الحسد والفقر فيها. ولكن كيف يتجاوز الناس نزعة الظلم النابعة من الحسد والفقر عندما يتعلق الأمر بـ»شيخ». فعلى خلاف الوزير، تجدهم لا يحسدونه على غناه الفاحش ومخصصاته بل يباركون له أكله لأموالهم بالباطل، ويبررون له كذبه، ويغفرون له توريطه إياهم، كما هي مواقفهم في أفغانستان وفي زمن غفوة الصحوة وكما هو اليوم مواقفهم في الصيرفة الإسلامية.

الدين من الغيبيات، وعند بوابة الغيب يخرس المنطق. فكل أطروحة تبحث في الغيبيات لن يستقيم منطقها بسبب معارضتها بأطروحة منطقية أخرى، ليتهاوى المنطق جميعه فلا يبقى إلا الفطرة لتدلج عبر بوابة الغيبيات. ولذا كان الإيمان بالغيب هو أعظم درجات التقوى وهو الأصل والعبادات تبع له، فمن آمن بالأصل لزمه الإيمان بما تفرع عنه. (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).

وفي مقام عجز المنطق عن الفهم إذا غابت عنه الحقائق قول المتنبي «تسَوِّدُ الشّمسُ منّا بيضَ أوْجُهِنَا... ولا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذرِ وَاللِّمَمِ» «وَكانَ حالهُمَا في الحُكْمِ وَاحِدَةً.. لوِ احتَكَمْنَا منَ الدّنْيا إلى حكَمِ». وغياب المنطق في الغيبيات دفع الأمم من قبلنا إلى الشرك بنبذ العقل والمنطق والاستسلام لرجال الدين، فساقوهم سوق القطيع إلى المجازر أحياءً وأمواتاً. ونحن لسنا ببدع من الأمم، وعلى حذوها نحتذي.

لِم تأبى الناس أن يحدثها شخص بما لا تعقله وتطلب منه أن يحترم عقولها، بينما تستسلم هذه العقول وتخضع لشيخ يكذب عليها صراحة؟ السبب المسكوت عنه هنا هو خوف هؤلاء الضعفاء من الغيب، فهم يدارون خوفهم بالتعلق بمحسوس جعلوه بينهم وبين الغيب، ألا وهو بشر يقال له شيخ، فلا منطق مع الشيخ كما أنه لا منطق مع الغيب، وهذا شرك ولكن أكثر الناس لا يعلمون.