إستراتيجية عنان المتخبطة تطيل من عمر النظام السوري
مرسل: الأربعاء مارس 28, 2012 4:30 pm
إستراتيجية عنان المتخبطة تطيل من عمر النظام السوري
2012-3-28 | بقلم: مايكل يونغ (Michael Young) - The National - 03/22
في الأسبوع الماضي، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمر مزعج، فيبدو أن مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، كوفي عنان، لا يناقش احتمال رحيل الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة. تحدث لافروف خلال إحدى المقابلات عما أخبره به عنان وقال: "أستطيع أن أؤكد عدم حدوث أي نقاش عن تنحي الأسد".
إذا كان هذا الأمر صحيحاً، فما هي المهمة التي كُلّف بها عنان تحديداً؟ عندما استلم أمين عام الأمم المتحدة السابق هذه المهمة، قيل إن عمله يقضي بتنفيذ خطة جامعة الدول العربية التي تخص سورية والتي وُضعت مسودتها في شهر يناير. تدعو تلك الخطة الأسد إلى تسليم السلطة إلى نائب الرئيس، على أن يتم بعد ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية تسعى إلى إنهاء أعمال العنف من خلال سحب الجيش من المدن وإطلاق سراح المعتقلين.
أصبح عنان في موقف صعب بسبب الصفقات والمفاوضات الجارية من حوله، ففي الفترة الأخيرة، وافقت روسيا وجامعة الدول العربية، بعد اجتماع متوتر في القاهرة، على بضعة مبادئ لحل الأزمة السورية، لكن وراء ذلك التوافق الظاهري، يبدو أن أولويات الفريقين مختلفة.
خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، عدد لافروف المبادئ الآتية: الاتفاق على إنهاء أعمال العنف بغض النظر عمن يرتكبها، وإنشاء آلية مراقبة حيادية، ورفض التدخل الخارجي، وإزالة العوائق التي تحول دون توزيع المساعدات الإنسانية إلى السوريين.
يُعتبر المبدأ الأخير حتى الآن الأكثر غموضاً كونه عرضة للتفسيرات المتناقضة. فقد أعلن وزير الخارجية الروسي أن روسيا وجامعة الدول العربية اتفقتا على دعم مهمة عنان تمهيداً لإطلاق حوار بين النظام السوري والمعارضة، وأضاف لافروف أن ذلك الحوار يجب أن يرتكز على مراجع “مقبولة” بالنسبة إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
كرر الشيخ حمد المبادئ نفسها حين تحدث عن المراجع “المقبولة” بالنسبة إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ولكنه استعمل صيغة مختلفة بعض الشيء للتعبير عن هذه النقطة الأخيرة. بما أن جامعة الدول العربية كانت الجهة الوحيدة التي تبنّت قرارات معينة في الملف السوري، بينما اكتفى مجلس الأمن بالمماطلة، ربما كان ذلك الموقف طريقة سلسة لإعادة تحديد معالم الاتفاق بالطريقة التي تريدها الحكومات العربية.
عدا اللعب على الكلام، لا شك أن البنود التي اتفقت عليها جامعة الدول العربية وروسيا تعني أموراً مختلفة بالنسبة إلى الحكومات المختلفة (كما حصل مع بيان مجلس الأمن الذي يدعم عنان في مهمّته). لا تزال البلدان العربية (تحديداً المملكة العربية السعودية وقطر)، إلى جانب أغلبية واسعة من المعارضة السورية، تعتبر وساطة عنان بمنزلة ورقة ضغط للتخلص من الأسد. في المقابل، تعتبرها روسيا أداة تسمح للرئيس السوري باستعادة شرعيته والبقاء في السلطة.
سيضطر عنان إلى الالتفاف على هذين الهدفين المتناقضين، ما يعكس اختلافات جوهرية بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. اقترح المبعوث عنان خطته المؤلفة من ست نقاط وقدّمها أمام مجلس الأمن في الأسبوع الماضي. لم تُنشر هذه الخطة علناً لكن يبدو أنها تشبه تلك التي تحدث عنها لافروف والشيخ حمد وتشمل إقامة حوار في سورية وإنهاء العنف وإرسال بعثة مراقبة من الأمم المتحدة.
تترافق هذه الرؤية مع مصاعب هائلة. تكمن المشكلة في أن الأسد سيمثل حتماً النظام السوري عند بدء أي حوار، ولا شك أن هذه المفاوضات ستضمن بقاء الرئيس في منصبه، فأي نوع من الحوار الوطني يمكن أن يفرض مسبقاً إقصاء أحد طرفَي الحوار؟ وإذا لم يوافق الأسد على تسليم منصب الرئاسة، فستكون خطة جامعة الدول العربية بلا قيمة.
هذا ما يعول عليه الروس، وتشير تعليقات عنان إلى أنه أقرب إلى موسكو منه إلى الدول العربية، ولا عجب أن لافروف يحرص على مساعدة عنان تزامناً مع الدفاع عن المساعدات الإنسانية. تفضل إدارة أوباما أيضاً التوصل إلى حل سياسي مع استبعاد خيار تسليح المعارضة السورية. يوافق الفرنسيون على ذلك بدورهم بينما يبدي الأتراك تردداً واضحاً في تحديد ما يجب فعله. يجب أخذ تحذير أنقرة في الأسبوع الماضي على محمل الجد فقد تحدثت عن احتمال إنشاء منطقة آمنة داخل سورية، لكن قد تترافق هذه الخطوة مع نتائج عكسية من دون غطاء دولي.
إذا كان الأسد يسيطر على الحوار السوري وإذا اقتنعت المعارضة بالمشاركة، فسيستعيد الرئيس قدرته على أخذ المبادرة، وفي أفضل الأحوال، سيشكّل حكومة وحدة وطنية مع شخصيات معارِضة من اختياره. وحده الرئيس، بدعمٍ من قوى الأمن، يملك السلطة الحقيقية في سورية. لهذا السبب، يُعتبر الحوار مرادفاً لنجاح مساعي قمع الانتفاضة السورية.
تكمن مشكلة هذا الحوار الوهمي في أن أغلبية السوريين المعادين للنظام ترفض التعامل مع هذا الرئيس الذي يتصرف بوحشية مريعة. كما تشعر بعض الدول العربية النافذة بالقلق من هذا السراب.
يوشك عنان على التخلي عن المعارضة السورية. وإذا تبين أن تحركاته وتصوره للحل يضعف خطة الجامعة العربية، فيجب على الدول العربية أن تعمل على تعديل شروطه بما يرضيها، وإلا من الأفضل أن تسحب دعمها لعنان.
لن يجرؤ العرب طبعاً على القيام بأمر مماثل علناً، بل إنهم سيسلّحون المعارضة على أمل إضعاف الأسد ميدانياً، فلن تساهم إستراتيجية عنان وكل من يسعى إلى تحقيق حلم الحوار في إرساء الاستقرار في سورية، بل على العكس من ذلك، ستزداد الأوضاع سوءاً وسيتخذ الصراع منحىً عسكرياً متزايداً بسبب صمود الأسد سياسياً، من دون الاستفادة من إستراتيجية سياسية موازية لاحتواء العواقب.
يحب المفاوضون المحترفون الكلام لأنه شكل من أشكال الدبلوماسية، لكن لا يهتم بعض السوريين اليوم بالدبلوماسية، بل إنهم يرون في الأسد شخصاً قاتلاً وسيسعون إلى تدميره حتى النهاية، ويبدو أن عنان يهين هؤلاء السوريين حين يتجاهل هذا الواقع.
2012-3-28 | بقلم: مايكل يونغ (Michael Young) - The National - 03/22
في الأسبوع الماضي، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمر مزعج، فيبدو أن مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، كوفي عنان، لا يناقش احتمال رحيل الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة. تحدث لافروف خلال إحدى المقابلات عما أخبره به عنان وقال: "أستطيع أن أؤكد عدم حدوث أي نقاش عن تنحي الأسد".
إذا كان هذا الأمر صحيحاً، فما هي المهمة التي كُلّف بها عنان تحديداً؟ عندما استلم أمين عام الأمم المتحدة السابق هذه المهمة، قيل إن عمله يقضي بتنفيذ خطة جامعة الدول العربية التي تخص سورية والتي وُضعت مسودتها في شهر يناير. تدعو تلك الخطة الأسد إلى تسليم السلطة إلى نائب الرئيس، على أن يتم بعد ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية تسعى إلى إنهاء أعمال العنف من خلال سحب الجيش من المدن وإطلاق سراح المعتقلين.
أصبح عنان في موقف صعب بسبب الصفقات والمفاوضات الجارية من حوله، ففي الفترة الأخيرة، وافقت روسيا وجامعة الدول العربية، بعد اجتماع متوتر في القاهرة، على بضعة مبادئ لحل الأزمة السورية، لكن وراء ذلك التوافق الظاهري، يبدو أن أولويات الفريقين مختلفة.
خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، عدد لافروف المبادئ الآتية: الاتفاق على إنهاء أعمال العنف بغض النظر عمن يرتكبها، وإنشاء آلية مراقبة حيادية، ورفض التدخل الخارجي، وإزالة العوائق التي تحول دون توزيع المساعدات الإنسانية إلى السوريين.
يُعتبر المبدأ الأخير حتى الآن الأكثر غموضاً كونه عرضة للتفسيرات المتناقضة. فقد أعلن وزير الخارجية الروسي أن روسيا وجامعة الدول العربية اتفقتا على دعم مهمة عنان تمهيداً لإطلاق حوار بين النظام السوري والمعارضة، وأضاف لافروف أن ذلك الحوار يجب أن يرتكز على مراجع “مقبولة” بالنسبة إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
كرر الشيخ حمد المبادئ نفسها حين تحدث عن المراجع “المقبولة” بالنسبة إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ولكنه استعمل صيغة مختلفة بعض الشيء للتعبير عن هذه النقطة الأخيرة. بما أن جامعة الدول العربية كانت الجهة الوحيدة التي تبنّت قرارات معينة في الملف السوري، بينما اكتفى مجلس الأمن بالمماطلة، ربما كان ذلك الموقف طريقة سلسة لإعادة تحديد معالم الاتفاق بالطريقة التي تريدها الحكومات العربية.
عدا اللعب على الكلام، لا شك أن البنود التي اتفقت عليها جامعة الدول العربية وروسيا تعني أموراً مختلفة بالنسبة إلى الحكومات المختلفة (كما حصل مع بيان مجلس الأمن الذي يدعم عنان في مهمّته). لا تزال البلدان العربية (تحديداً المملكة العربية السعودية وقطر)، إلى جانب أغلبية واسعة من المعارضة السورية، تعتبر وساطة عنان بمنزلة ورقة ضغط للتخلص من الأسد. في المقابل، تعتبرها روسيا أداة تسمح للرئيس السوري باستعادة شرعيته والبقاء في السلطة.
سيضطر عنان إلى الالتفاف على هذين الهدفين المتناقضين، ما يعكس اختلافات جوهرية بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. اقترح المبعوث عنان خطته المؤلفة من ست نقاط وقدّمها أمام مجلس الأمن في الأسبوع الماضي. لم تُنشر هذه الخطة علناً لكن يبدو أنها تشبه تلك التي تحدث عنها لافروف والشيخ حمد وتشمل إقامة حوار في سورية وإنهاء العنف وإرسال بعثة مراقبة من الأمم المتحدة.
تترافق هذه الرؤية مع مصاعب هائلة. تكمن المشكلة في أن الأسد سيمثل حتماً النظام السوري عند بدء أي حوار، ولا شك أن هذه المفاوضات ستضمن بقاء الرئيس في منصبه، فأي نوع من الحوار الوطني يمكن أن يفرض مسبقاً إقصاء أحد طرفَي الحوار؟ وإذا لم يوافق الأسد على تسليم منصب الرئاسة، فستكون خطة جامعة الدول العربية بلا قيمة.
هذا ما يعول عليه الروس، وتشير تعليقات عنان إلى أنه أقرب إلى موسكو منه إلى الدول العربية، ولا عجب أن لافروف يحرص على مساعدة عنان تزامناً مع الدفاع عن المساعدات الإنسانية. تفضل إدارة أوباما أيضاً التوصل إلى حل سياسي مع استبعاد خيار تسليح المعارضة السورية. يوافق الفرنسيون على ذلك بدورهم بينما يبدي الأتراك تردداً واضحاً في تحديد ما يجب فعله. يجب أخذ تحذير أنقرة في الأسبوع الماضي على محمل الجد فقد تحدثت عن احتمال إنشاء منطقة آمنة داخل سورية، لكن قد تترافق هذه الخطوة مع نتائج عكسية من دون غطاء دولي.
إذا كان الأسد يسيطر على الحوار السوري وإذا اقتنعت المعارضة بالمشاركة، فسيستعيد الرئيس قدرته على أخذ المبادرة، وفي أفضل الأحوال، سيشكّل حكومة وحدة وطنية مع شخصيات معارِضة من اختياره. وحده الرئيس، بدعمٍ من قوى الأمن، يملك السلطة الحقيقية في سورية. لهذا السبب، يُعتبر الحوار مرادفاً لنجاح مساعي قمع الانتفاضة السورية.
تكمن مشكلة هذا الحوار الوهمي في أن أغلبية السوريين المعادين للنظام ترفض التعامل مع هذا الرئيس الذي يتصرف بوحشية مريعة. كما تشعر بعض الدول العربية النافذة بالقلق من هذا السراب.
يوشك عنان على التخلي عن المعارضة السورية. وإذا تبين أن تحركاته وتصوره للحل يضعف خطة الجامعة العربية، فيجب على الدول العربية أن تعمل على تعديل شروطه بما يرضيها، وإلا من الأفضل أن تسحب دعمها لعنان.
لن يجرؤ العرب طبعاً على القيام بأمر مماثل علناً، بل إنهم سيسلّحون المعارضة على أمل إضعاف الأسد ميدانياً، فلن تساهم إستراتيجية عنان وكل من يسعى إلى تحقيق حلم الحوار في إرساء الاستقرار في سورية، بل على العكس من ذلك، ستزداد الأوضاع سوءاً وسيتخذ الصراع منحىً عسكرياً متزايداً بسبب صمود الأسد سياسياً، من دون الاستفادة من إستراتيجية سياسية موازية لاحتواء العواقب.
يحب المفاوضون المحترفون الكلام لأنه شكل من أشكال الدبلوماسية، لكن لا يهتم بعض السوريين اليوم بالدبلوماسية، بل إنهم يرون في الأسد شخصاً قاتلاً وسيسعون إلى تدميره حتى النهاية، ويبدو أن عنان يهين هؤلاء السوريين حين يتجاهل هذا الواقع.