اللوبي الصهيوني والسياسات الامريكيه
مرسل: السبت إبريل 07, 2012 7:53 pm
اللوبي الصهيوني والسياسة الخارجية الأمريكية
صدر مؤخراً عن جامعة هارفرد الاميركية تقريراً بعنوان "اللوبي (الإسرائيلي) والسياسة الخارجية الاميركية" أعده أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر بالاشتراك مع أستاذ الإدارة في جامعة "هارفرد ستيفان والت، ويحتوي هذا التقرير، الذي يمتد على عشرات الصفحات، نصفها على الأقل تحتوي ملاحظات وإشارات للوثائق التي استند إليها التقرير في مادته، بالإضافة للمراجع.
ويخلص هذا التقرير الهام إلى أن سياسة أميركا الخارجية محكومة ومسيّرة من قبل جماعات الضغط الصهيونية، والنتيجة أن أميركا وضعت مصالح الكيان الصهيوني في موقع متقدم على مصالحها الوطنية دون أي مبرر استراتيجي أو أخلاقي، أو مبدئي كما أن هذا الوضع هو السبب وراء تعريض أمن أميركا للخطر، وهو السبب في تردي علاقات أميركا مع العرب والمسلمين، وهو أيضا السبب في جر أميركا لحرب مدمرة على العراق.
ويحرص التقرير على استخدام تعبير"اللوبي الإسرائيلي"، وليس اللوبي اليهودي كما يتردد كثيرا، والسبب في ذلك هو استنتاج مؤلفي التقرير بأنّ ذلك اللوبي يقدم مصالح الكيان الصهيوني حتى لو أدى ذلك إلى توريط أميركا وإلى الإضرار بمصالحها وعلاقاتها.
ويشار إلى أن وسائل الإعلام الأمريكية رفضت نشر هذا التقرير الذي تعرض، كما تعرض مؤلفوه، لحملة تنديد وإدانة واسعة وشاملة لاتهامهما بالكذب وتزوير الحقائق وتبرير الخطاب النازي، وطبعا باللاسامية، باعتبار أن ذلك هو مصير كل محاولة لمناقشة تأثير اللوبي الصهيوني على السياسة الخارجية الاميركية. وقد اتسعت دائرة الترهيب الفكري لتشمل الجامعات ولتهدد بأبشع الأساليب كل من يحاول أن يتعرض لسياسة الكيان الصهيوني بالنقد أو الاعتراض.
وفي أعقاب الضجة التي أثيرت حول التقرير المذكور، أعلن ستيفن والت العميد الأكاديمي لكلية السياسة بجامعة هارفارد استقالته من منصبه، على أن تدخل حيز التنفيذ أول حزيران/ يوليو المقبل، وبالتزامن مع ذلك، سارعت إدارة الجامعة بنفي أية صلة بين التقرير المهم، وأكدت أن والت لم يتعرض لضغوط للتخلي عن منصبه.
لكن استقالة والت تأتي بعد أيام قلائل من نزع هارفارد شعارها عن الدراسة، وتنصلها منها، وبالرغم من أن اللوبي الصهيوني اتبع سياسة الصمت التام إزاء الدراسة، فإن جامعة هارفارد تحولت إلى ساحة حرب بين الأساتذة المؤيدين للوبي الصهيوني، المعارضين له، خاصة أن الدراسة خلصت إلى نتيجة مؤداها أن التأييد الأمريكي للسياسة الصهيونية في الشرق الأوسط عرّض المصالح الوطنية العليا للولايات المتحدة للخطر ويطالب بتوقف الإدارة الأمريكية عن تقديم الدعم للسياسات الاستيطانية والتوسعية والعدوانية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.
ويعيد "المركز الفلسطيني للإعلام" نشر النص المترجم لهذا التقرير، الذي اكتسب شهرة ذائعة بسبب ثقل والت وميرشايمر اللذين يعتبران من أبرز أساتذة العلاقات الدولية في الولايات المتحدة، وتخرج علي يديهما آلاف ممن يجوبون دوائر وزارة الخارجية الأمريكية، وفيما يلي نص ترجمة التقرير.
"طيلة العقود العديدة الماضية، وخصوصا منذ حرب الأيام الستة عام 1967 تمحورت سياسة الولايات المتحدة، الشرق الأوسط حول علاقتها مع (إسرائيل)، وقد أدى الجمع بين التأييد الثابت لـ (إسرائيل) والجهود المتعلقة بنشر الديمقراطية في المنطقة إلى إثارة غضب الرأي العام العربي والإسلامي وهدد ليس فقط أمن الولايات المتحدة بل كثيرا من دول العالم الأخرى، وليس لهذا الموقف مثيل في التاريخ السياسي الاميركي، فلماذا وضعت الولايات المتحدة أمنها الخاص جانباً، وكذلك أمن كثيرين من حلفائها لخدمة مصالح دولة اخرى؟ قد يفترض المرء أن الرابطة بين الدولتين تستند إلى مصالح استراتيجية مشتركة أو دوافع أخلاقية قوية، لكن أياً من التفسيرين لا يمكن أن يبرر مستوى الدعم الملحوظ الذي تقدمه الولايات المتحدة ماديا ودبلوماسيا لـ (إسرائيل).
وخلافا لذلك فإن اندفاعة السياسة الاميركية في المنطقة تنبع كليا تقريبا من سياساتها المحلية وخصوصا نشاطات اللوبي (الإسرائيلي). وقد نجحت مجموعة المصالح الخاصة الأخرى في استغلال السياسة الخارجية لكن أيا من مجموعات الضغط هذه لم تنجح في تحويل مسارها عن مقتضيات المصلحة الوطنية في الوقت الذي تقنع فيه الأمريكيين بشكل متزامن بأن مصالح الولايات المتحدة والدولة الأخرى ـ في هذه الحالة (إسرائيل) ـ هي في الأساس متطابقة.
ومنذ حرب تشرين الأول 1973 زودت واشنطن (إسرائيل) بمستوى من الدعم يتضاءل مع ما تقدمه لأي دولة أخرى وقد تلقت القسم الأكبر من المساعدات الاقتصادية والعسكرية المباشرة منذ العام 1976 كما أنها اكبر متلق بالمجموع منذ الحرب العالمية الثانية بحصيلة 140 مليار دولار (بقيمة الدولار عام 2004) وتحصل (إسرائيل) على 3 مليارات دولار كمساعدة مباشرة كل عام وهذا السخاء لافت للنظر بصورة خاصة لأن (إسرائيل) الآن دولة صناعية غنية يساوي متوسط الدخل فيها تقريبا ما هو موجود في كوريا الجنوبية أو أسبانيا.
أما الدول الأخرى تتلقى المساعدات على أربع دفعات سنويا إلا أن (إسرائيل) تستلم مخصصاتها بالكامل بداية كل سنة مالية وتستطيع بالتالي كسب فائدة عليها، ومعظم الدول التي تحصل على مساعدات عسكرية يطلب منها إنفاقها في الولايات المتحدة، أما (إسرائيل) فيسمح لها باستخدام 25٪ من المساعدات لدعم صناعاتها العسكرية، وهي المتلقية الوحيدة التي لا يطلب منها تقديم كشف عن كيفية إنفاق المساعدات مما يجعل من المستحيل عمليا منع (إسرائيل) من استخدام هذه الأموال لغايات تعارضها الولايات المتحدة مثل بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وبالإضافة لذلك فقد قدمت الولايات المتحدة لـ (إسرائيل) حوالي 3 مليارات دولار لتطوير أنظمة تسلح وتعطيها إمكانية الوصول إلى أحدث الأسلحة مثل مروحيات "بلاك هوك" وطائرات ف -16 المقاتلة، وأخيرا فان الولايات المتحدة تسمح لـ (إسرائيل) بالوصول إلى معلومات استخبارية ترفض إعطاءها لحلفائها في الناتو وقد أغمضت عينيها عن حصول (إسرائيل) على أسلحة نووية.
كما قدمت واشنطن أيضا لـ (إسرائيل) دعما دبلوماسيا مستمرا، فمنذ العام 1982 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" 32 مرة ضد قرارات في مجلس الأمن تنتقد (إسرائيل) وهو أكثر من مجموع الفيتوهات التي استخدمها الأعضاء الآخرون في مجلس الأمن. وهي تحبط جهود الدول العربية لوضع ترسانة (إسرائيل) النووية على جدول أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتأتي الولايات المتحدة للنجدة في أوقات الحرب وتأخذ جانب (إسرائيل) عند التفاوض من أجل السلام، وقد حمت إدارة نكسون (إسرائيل) من خطر التدخل السوفيتي وأعادت تزويدها بالأسلحة خلال حرب تشرين وتدخلت واشنطن بعمق في المفاوضات التي أنهت تلك الحرب فضلاً عن عملية "الخطوة خطوة" الطويلة التي أعقبتها كما أنها لعبت دوراً رئيسا في المفاوضات التي سبقت وأعقبت اتفاقات اوسلو عام 1993. وفي جميع الأحوال السابقة حدث شقاق بين الولايات المتحدة ومسؤولين (إسرائيليين) إلا أن الولايات المتحدة أيدت الموقف (الإسرائيلي) باستمرار واحد المشاركين في قمة كامب ديڤيد عام 2000 قال لاحقا: عملنا كثيرا جداً كمحامين عن إسرائيل" وأخيرا فإن طموح إدارة بوش لتغيير خريطة الشرق الأوسط هدفه تحسين وضع (إسرائيل) الاستراتيجي.
وهذا السخاء غير الاعتيادي قد يكون مفهوما لو أن (إسرائيل) كانت رصيدا استراتيجيا حيويا أو لو كان هناك قضية أخلاقية وراء هذا الدعم الاميركي. لكن أيا من هذين التفسيرين ليس مقنعا. وقد يحتج البعض بأن (إسرائيل) كانت رصيدا خلال الحرب الباردة، فمن خلال دورها الوكيل لأميركا بعد 1967 ساعدت على احتواء التوسع السوفيتي في المنطقة وألحقت هزائم مذلة بزبائن السوفيات مثل مصر وسوريا كما أنها ساعدت أحيانا في حماية حلفاء الولايات المتحدة، كما أن قوتها العسكرية أرغمت موسكو على إنفاق المزيد من الأموال لدعم الدول المؤيدة لها، كما أنها قدمت معلومات استخبارية مفيدة حول القدرات السوفيتية.
ولم يكن دعم (إسرائيل) رخيص الثمن على أي حال كما أنه عقد علاقات أميركا مع العالم العربي. وعلى سبيل المثال فإن القيام بإرسال 2.4 مليار دولار كمساعدة عسكرية خلال حرب تشرين أدى إلى مقاطعة نفطية ألحقت أضرارا بالغة بالاقتصاديات الغربية. ولهذا كله فإن قوات (إسرائيل) المسلحة لم تكن في موقف الحماية للمصالح الأمريكية في المنطقة. ولم تستطيع الولايات المتحدة مثلا الاعتماد على (إسرائيل) عندما أثارت الثورة الإيرانية مخاوف حول أمن شحنات النفط وكان عليها إنشاء قوتها الخاصة بالتدخل السريع بدلا من ذلك.
وكشفت حرب الخليج الأولى عن المدى الذي أصبحت فيه (إسرائيل) عبئاً استراتيجياً يكن بإمكان الولايات المتحدة استخدام القواعد (الإسرائيلية) دون تفكيك التحالف المعارض للعراق، واضطرت لتحويل مواردها (مثل صواريخ الباتريوت) لمنع تل أبيب من القيام بما من شأنه الأضرار بالتحالف ضد صدام حسين وأعاد التاريخ نفسه عام 2003 فرغم أن (إسرائيل) كانت تتلهف على مهاجمة العراق فإن بوش لم يستطع أن يطلب منها المساعدة خشية إثارة الاعتراضات العربية. وهكذا ظلت (إسرائيل) في الصفوف الجانبية مجددا.
وبدءا بتسعينات القرن الماضي وأكثر من ذلك بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 فإن الدعم الاميركي كان يبرر بالادعاء أن الدولتين مهددتان بمنظمات إرهابية نشأت في العالم العربي والإسلامي ومن قبل "الدول المارقة" التي تدعم تلك المنظمات وتسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وقصد من ذلك أن يعني ليس فقط أن واشنطن يجب أن تطلق يد (إسرائيل) في التعامل مع الفلسطينيين وأن لا تضغط عليها للقيام بتنازلات إلى أن يتم أسر الإرهابيين الفلسطينيين (رجال المقاومة، المحرر) أو قتلهم ولكن إن على الولايات المتحدة أن تلاحق دولا مثل إيران دستوريا، و(إسرائيل) عندئذ ستعد حليفا لا غنى عنه في الحرب ضد الإرهاب لأن أعداءها هم أعداء أميركا، والحقيقة أن (إسرائيل) هي عائق للحرب على الإرهاب والجهود الأوسع نطاقا للتعامل مع الدول المارقة.
إن قيمة (إسرائيل) الاستراتيجية ليست القضية الوحيدة، فالجماعات المساندة لها يدعون أنها تستحق دعما غير محدود لأنها ضعيفة ومحاطة بالأعداء، كما أنها دولة ديمقراطية وقد عانى اليهود من الجرائم في الماضي ولذلك فإن أيا من هذه المزاعم كاف للإقناع، فهناك قضية أخلاقية قوية لمساندة وجود (إسرائيل) إلا أن هذا الوجود ليس في خطر، والنظرة الموضوعية تشير إلى أن سلوكها في الماضي والحاضر لا يقدم أي أساس أخلاقي لإعطائها الأفضلية على الفلسطينيين.
وكثيرا ما ترسم صورة (إسرائيل) على أنها داود الذي يواجهه جالوت إلا أن العكس هو أقرب إلى الحقيقة فعلى العكس من الاعتقاد الشائع فإن الصهيونيين امتلكوا قوات أكبر وأفضل تجهيزا وقيادة خلال حرب الاستقلال (1947 - 1949) كما أن جيش "الدفاع" (الإسرائيلي) أحرز انتصارات سريعة وسهلة على مصر عام 1956 وعلى مصر وسوريا والأردن عام 1967، كل ذلك قبل أن يبدأ الدعم الاميركي واسع النطاق بالتدفق، وحالياًَ فإن (إسرائيل) هي أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط وقواتها التقليدية تتفوق بكثير على جيوش جيرانها وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها أسلحة نووية، وقد وقعت مصر والأردن معاهدات سلام معها وعرضت السعودية مثل ذلك، وقد فقدت سوريا حليفها السوفيتي كما تحطم العراق بعد ثلاثة حروب أما إيران فتبعد مئات الأميال وليس لدى الفلسطينيين سوى قوة شرطة غير فعالة ناهيك عن جيش غير موجود وليشكل تهديدا على (إسرائيل). وبحسب تقديرات مركز جافيه للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، فالتوازن الاستراتيجي هو بشكل حاسم لصالح (إسرائيل) التي تواصل توسيع الهوة النوعية بين قدراتها العسكرية وقواها الرادعة وبين ما يملكه جيرانها وإذا كان دعم العراق الأضعف هو الدافع الملزم فإن الولايات المتحدة يجب أن تدعم خصوم (إسرائيل).
والقول بأن (إسرائيل) دولة ديمقراطية كأميركا محاطة بدكتاتوريات معادية لا يمكن أن يبرر مستوى الدعم، فهناك ديمقراطيات عديدة حول العالم لكن أيا منها لا تتلقى نفس الدعم السخي، وقد أطاحت الولايات المتحدة بحكومات ديمقراطية في الماضي وساندت دكتاتوريين عندما اعتقدت أن ذلك من شأنه أن يعزز مصالحها كما أن لها علاقات حسنة مع عدد من الحكومات الدكتاتورية حاليا.
وبعض جوانب الديمقراطية (الإسرائيلية) يتناقض مع القيم الأمريكية المحورية، فعلى العكس من الولايات المتحدة حيث يفترض أن يتمتع الناس بحقوق متساوية بغض النظر عن العرق والدين والأصل فإن (إسرائيل) أسست بشكل علني كدولة يهودية والمواطنة فيها تعتمد على قرابة الدم. وإذا ثبت ذلك فليس غريبا أن 1.3 مليون عربي يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، وأن لجنة حكومية (إسرائيلية) توصلت مؤخرا إلى أن (إسرائيل) تتعامل بشكل إهمالي وتمييزي مع العرب. إن وضع (إسرائيل) الديمقراطي يتدهور كذلك من خلال رفضها إعطاء الفلسطينيين دولة قابلة للحياة خاصة بهم أو حقوقهم السياسية الكاملة.
(الإرهاب) ليس عددا منفردا، إلا أنه تكتيك تستخدمه تشكيلة واسعة من المنظمات السياسية، ومنظمات (الإرهاب) التي تهدد (إسرائيل) لا تهدد الولايات المتحدة، إلا عندما تتدخل أميركا ضد هذه المنظمات (كما في لبنان عام 1982) وإضافة لذلك فان (الإرهاب) الفلسطيني ليس عنفا عشوائيا موجها ضد (إسرائيل) أو الغرب لكنه رد على حملة (إسرائيل) طويلة الأمد لاستيطان الضفة الغربية وقطاع غزة.
والاهم أن القول بأن (إسرائيل) والولايات المتحدة يوحدهما خطر إرهابي مشترك له نتيجة قاتلة بعد ذلك: فالولايات المتحدة لديها مشكلة إرهابية أحد أسبابها الجزئية هو أنها متحالفة بشكل وثيق مع (إسرائيل) وليس عكس هذه المقولة، فدعم (إسرائيل) ليس هو المصدر الوحيد للإرهاب المعادي لأميركا وإن كان سببا مهما يجعل كسب الحرب على الإرهاب أكثر صعوبة، ومن المؤكد أن كثيرين من قادة القاعدة ومنهم أسامة بن لادن، متأثرون من وجود (إسرائيل) في القدس ومن قضية اللاجئين والتأييد غير المشروط لـ (إسرائيل) يجعل من السهل على المتطرفين حشد التأييد الشعبي واجتذاب المتطوعين.
أما بالنسبة لما يسمى بالدول المارقة في الشرق الأوسط فإنها لا تشكل تهديدا خطيرا للمصالح الأمريكية الحيوية بقدر ما تهدد (إسرائيل)، وحتى لو حصلت هذه الدول على أسلحة ذرية - وهو أمر غير مرغوب فيه بالتأكيد فلا يمكن لها ابتزاز أميركا أو (إسرائيل) لأن المبتز لا يمكنه تنفيذ تهديده دون أن يتحمل انتقاما كاسحاً، أما خطر نقل أسلحة نووية إلى الإرهابيين فهو بعيد أيضا لأن الدولة المارقة لا يمكن أن تثق بأن النقل لن يتم اكتشافه، أو أن يحملها العالم المسؤولية وتعاقب بعد ذلك. والعلاقة مع (إسرائيل) تجعل من الصعب بالعقل على الولايات المتحدة أن تتعامل مع هذه الدول، فترسانة (إسرائيل) النووية هي أحد الأسباب التي تدفع بجيرانها للسعي من اجل الأسلحة النووية وتهديدها بتغيير أنظمتها يزيد فقط من هذا التوجه.
سبب أخير للتشكك في قيمة (إسرائيل) الاستراتيجية هو أنها لا تنصرف كحليفة مخلصة، فالمسؤولون (الإسرائيليون) تجاهلوا مرارا الطلبات الاميركية ونكثوا بوعودهم (بما في ذلك التعهدات بوقف بناء المستوطنات والامتناع عن "الاغتيالات المستهدفة" للقادة الفلسطينيين) وقدمت (إسرائيل) تقنية عسكرية حساسة لمنافسين محتملين لأميركا مثل الصين فيما وصفه المفتش العام للخارجية الاميركية بعمليات نقل منتظمة ومتزايدة وغير مصرح بها، وبحسب مكتب المحاسبة العام فإن (إسرائيل) أيضا تقوم بأكثر عمليات التجسس الهجومية ضد الولايات المتحدة من قبل أي حليف. وبالإضافة إلى تقنية جوناثان بولارد الذي قدم لـ (إسرائيل) كميات كبيرة من المواد السرية أوائل الثمانينات (وهي معلومات نقلت كما يقال إلى الاتحاد السوفيتي مقابل المزيد من تأشيرات الخروج لليهود السوفييتي) فإن جدلا جديدا ثار عام 2004 عندما كشف عن أن مسؤولاً رئيساً في البنتاغون يدعى لاري فرانكلين نقل معلومات سرية إلى دبلوماسي (إسرائيلي)، و(إسرائيل) ليس مطلقا الدولة التي تتجسس على الولايات المتحدة إلا أن رغبتها في التجسس على راعيتها الأهم تكفي مزيدا من الشكوك على قيمتها الاستراتيجية.
صدر مؤخراً عن جامعة هارفرد الاميركية تقريراً بعنوان "اللوبي (الإسرائيلي) والسياسة الخارجية الاميركية" أعده أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر بالاشتراك مع أستاذ الإدارة في جامعة "هارفرد ستيفان والت، ويحتوي هذا التقرير، الذي يمتد على عشرات الصفحات، نصفها على الأقل تحتوي ملاحظات وإشارات للوثائق التي استند إليها التقرير في مادته، بالإضافة للمراجع.
ويخلص هذا التقرير الهام إلى أن سياسة أميركا الخارجية محكومة ومسيّرة من قبل جماعات الضغط الصهيونية، والنتيجة أن أميركا وضعت مصالح الكيان الصهيوني في موقع متقدم على مصالحها الوطنية دون أي مبرر استراتيجي أو أخلاقي، أو مبدئي كما أن هذا الوضع هو السبب وراء تعريض أمن أميركا للخطر، وهو السبب في تردي علاقات أميركا مع العرب والمسلمين، وهو أيضا السبب في جر أميركا لحرب مدمرة على العراق.
ويحرص التقرير على استخدام تعبير"اللوبي الإسرائيلي"، وليس اللوبي اليهودي كما يتردد كثيرا، والسبب في ذلك هو استنتاج مؤلفي التقرير بأنّ ذلك اللوبي يقدم مصالح الكيان الصهيوني حتى لو أدى ذلك إلى توريط أميركا وإلى الإضرار بمصالحها وعلاقاتها.
ويشار إلى أن وسائل الإعلام الأمريكية رفضت نشر هذا التقرير الذي تعرض، كما تعرض مؤلفوه، لحملة تنديد وإدانة واسعة وشاملة لاتهامهما بالكذب وتزوير الحقائق وتبرير الخطاب النازي، وطبعا باللاسامية، باعتبار أن ذلك هو مصير كل محاولة لمناقشة تأثير اللوبي الصهيوني على السياسة الخارجية الاميركية. وقد اتسعت دائرة الترهيب الفكري لتشمل الجامعات ولتهدد بأبشع الأساليب كل من يحاول أن يتعرض لسياسة الكيان الصهيوني بالنقد أو الاعتراض.
وفي أعقاب الضجة التي أثيرت حول التقرير المذكور، أعلن ستيفن والت العميد الأكاديمي لكلية السياسة بجامعة هارفارد استقالته من منصبه، على أن تدخل حيز التنفيذ أول حزيران/ يوليو المقبل، وبالتزامن مع ذلك، سارعت إدارة الجامعة بنفي أية صلة بين التقرير المهم، وأكدت أن والت لم يتعرض لضغوط للتخلي عن منصبه.
لكن استقالة والت تأتي بعد أيام قلائل من نزع هارفارد شعارها عن الدراسة، وتنصلها منها، وبالرغم من أن اللوبي الصهيوني اتبع سياسة الصمت التام إزاء الدراسة، فإن جامعة هارفارد تحولت إلى ساحة حرب بين الأساتذة المؤيدين للوبي الصهيوني، المعارضين له، خاصة أن الدراسة خلصت إلى نتيجة مؤداها أن التأييد الأمريكي للسياسة الصهيونية في الشرق الأوسط عرّض المصالح الوطنية العليا للولايات المتحدة للخطر ويطالب بتوقف الإدارة الأمريكية عن تقديم الدعم للسياسات الاستيطانية والتوسعية والعدوانية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.
ويعيد "المركز الفلسطيني للإعلام" نشر النص المترجم لهذا التقرير، الذي اكتسب شهرة ذائعة بسبب ثقل والت وميرشايمر اللذين يعتبران من أبرز أساتذة العلاقات الدولية في الولايات المتحدة، وتخرج علي يديهما آلاف ممن يجوبون دوائر وزارة الخارجية الأمريكية، وفيما يلي نص ترجمة التقرير.
"طيلة العقود العديدة الماضية، وخصوصا منذ حرب الأيام الستة عام 1967 تمحورت سياسة الولايات المتحدة، الشرق الأوسط حول علاقتها مع (إسرائيل)، وقد أدى الجمع بين التأييد الثابت لـ (إسرائيل) والجهود المتعلقة بنشر الديمقراطية في المنطقة إلى إثارة غضب الرأي العام العربي والإسلامي وهدد ليس فقط أمن الولايات المتحدة بل كثيرا من دول العالم الأخرى، وليس لهذا الموقف مثيل في التاريخ السياسي الاميركي، فلماذا وضعت الولايات المتحدة أمنها الخاص جانباً، وكذلك أمن كثيرين من حلفائها لخدمة مصالح دولة اخرى؟ قد يفترض المرء أن الرابطة بين الدولتين تستند إلى مصالح استراتيجية مشتركة أو دوافع أخلاقية قوية، لكن أياً من التفسيرين لا يمكن أن يبرر مستوى الدعم الملحوظ الذي تقدمه الولايات المتحدة ماديا ودبلوماسيا لـ (إسرائيل).
وخلافا لذلك فإن اندفاعة السياسة الاميركية في المنطقة تنبع كليا تقريبا من سياساتها المحلية وخصوصا نشاطات اللوبي (الإسرائيلي). وقد نجحت مجموعة المصالح الخاصة الأخرى في استغلال السياسة الخارجية لكن أيا من مجموعات الضغط هذه لم تنجح في تحويل مسارها عن مقتضيات المصلحة الوطنية في الوقت الذي تقنع فيه الأمريكيين بشكل متزامن بأن مصالح الولايات المتحدة والدولة الأخرى ـ في هذه الحالة (إسرائيل) ـ هي في الأساس متطابقة.
ومنذ حرب تشرين الأول 1973 زودت واشنطن (إسرائيل) بمستوى من الدعم يتضاءل مع ما تقدمه لأي دولة أخرى وقد تلقت القسم الأكبر من المساعدات الاقتصادية والعسكرية المباشرة منذ العام 1976 كما أنها اكبر متلق بالمجموع منذ الحرب العالمية الثانية بحصيلة 140 مليار دولار (بقيمة الدولار عام 2004) وتحصل (إسرائيل) على 3 مليارات دولار كمساعدة مباشرة كل عام وهذا السخاء لافت للنظر بصورة خاصة لأن (إسرائيل) الآن دولة صناعية غنية يساوي متوسط الدخل فيها تقريبا ما هو موجود في كوريا الجنوبية أو أسبانيا.
أما الدول الأخرى تتلقى المساعدات على أربع دفعات سنويا إلا أن (إسرائيل) تستلم مخصصاتها بالكامل بداية كل سنة مالية وتستطيع بالتالي كسب فائدة عليها، ومعظم الدول التي تحصل على مساعدات عسكرية يطلب منها إنفاقها في الولايات المتحدة، أما (إسرائيل) فيسمح لها باستخدام 25٪ من المساعدات لدعم صناعاتها العسكرية، وهي المتلقية الوحيدة التي لا يطلب منها تقديم كشف عن كيفية إنفاق المساعدات مما يجعل من المستحيل عمليا منع (إسرائيل) من استخدام هذه الأموال لغايات تعارضها الولايات المتحدة مثل بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وبالإضافة لذلك فقد قدمت الولايات المتحدة لـ (إسرائيل) حوالي 3 مليارات دولار لتطوير أنظمة تسلح وتعطيها إمكانية الوصول إلى أحدث الأسلحة مثل مروحيات "بلاك هوك" وطائرات ف -16 المقاتلة، وأخيرا فان الولايات المتحدة تسمح لـ (إسرائيل) بالوصول إلى معلومات استخبارية ترفض إعطاءها لحلفائها في الناتو وقد أغمضت عينيها عن حصول (إسرائيل) على أسلحة نووية.
كما قدمت واشنطن أيضا لـ (إسرائيل) دعما دبلوماسيا مستمرا، فمنذ العام 1982 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" 32 مرة ضد قرارات في مجلس الأمن تنتقد (إسرائيل) وهو أكثر من مجموع الفيتوهات التي استخدمها الأعضاء الآخرون في مجلس الأمن. وهي تحبط جهود الدول العربية لوضع ترسانة (إسرائيل) النووية على جدول أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتأتي الولايات المتحدة للنجدة في أوقات الحرب وتأخذ جانب (إسرائيل) عند التفاوض من أجل السلام، وقد حمت إدارة نكسون (إسرائيل) من خطر التدخل السوفيتي وأعادت تزويدها بالأسلحة خلال حرب تشرين وتدخلت واشنطن بعمق في المفاوضات التي أنهت تلك الحرب فضلاً عن عملية "الخطوة خطوة" الطويلة التي أعقبتها كما أنها لعبت دوراً رئيسا في المفاوضات التي سبقت وأعقبت اتفاقات اوسلو عام 1993. وفي جميع الأحوال السابقة حدث شقاق بين الولايات المتحدة ومسؤولين (إسرائيليين) إلا أن الولايات المتحدة أيدت الموقف (الإسرائيلي) باستمرار واحد المشاركين في قمة كامب ديڤيد عام 2000 قال لاحقا: عملنا كثيرا جداً كمحامين عن إسرائيل" وأخيرا فإن طموح إدارة بوش لتغيير خريطة الشرق الأوسط هدفه تحسين وضع (إسرائيل) الاستراتيجي.
وهذا السخاء غير الاعتيادي قد يكون مفهوما لو أن (إسرائيل) كانت رصيدا استراتيجيا حيويا أو لو كان هناك قضية أخلاقية وراء هذا الدعم الاميركي. لكن أيا من هذين التفسيرين ليس مقنعا. وقد يحتج البعض بأن (إسرائيل) كانت رصيدا خلال الحرب الباردة، فمن خلال دورها الوكيل لأميركا بعد 1967 ساعدت على احتواء التوسع السوفيتي في المنطقة وألحقت هزائم مذلة بزبائن السوفيات مثل مصر وسوريا كما أنها ساعدت أحيانا في حماية حلفاء الولايات المتحدة، كما أن قوتها العسكرية أرغمت موسكو على إنفاق المزيد من الأموال لدعم الدول المؤيدة لها، كما أنها قدمت معلومات استخبارية مفيدة حول القدرات السوفيتية.
ولم يكن دعم (إسرائيل) رخيص الثمن على أي حال كما أنه عقد علاقات أميركا مع العالم العربي. وعلى سبيل المثال فإن القيام بإرسال 2.4 مليار دولار كمساعدة عسكرية خلال حرب تشرين أدى إلى مقاطعة نفطية ألحقت أضرارا بالغة بالاقتصاديات الغربية. ولهذا كله فإن قوات (إسرائيل) المسلحة لم تكن في موقف الحماية للمصالح الأمريكية في المنطقة. ولم تستطيع الولايات المتحدة مثلا الاعتماد على (إسرائيل) عندما أثارت الثورة الإيرانية مخاوف حول أمن شحنات النفط وكان عليها إنشاء قوتها الخاصة بالتدخل السريع بدلا من ذلك.
وكشفت حرب الخليج الأولى عن المدى الذي أصبحت فيه (إسرائيل) عبئاً استراتيجياً يكن بإمكان الولايات المتحدة استخدام القواعد (الإسرائيلية) دون تفكيك التحالف المعارض للعراق، واضطرت لتحويل مواردها (مثل صواريخ الباتريوت) لمنع تل أبيب من القيام بما من شأنه الأضرار بالتحالف ضد صدام حسين وأعاد التاريخ نفسه عام 2003 فرغم أن (إسرائيل) كانت تتلهف على مهاجمة العراق فإن بوش لم يستطع أن يطلب منها المساعدة خشية إثارة الاعتراضات العربية. وهكذا ظلت (إسرائيل) في الصفوف الجانبية مجددا.
وبدءا بتسعينات القرن الماضي وأكثر من ذلك بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 فإن الدعم الاميركي كان يبرر بالادعاء أن الدولتين مهددتان بمنظمات إرهابية نشأت في العالم العربي والإسلامي ومن قبل "الدول المارقة" التي تدعم تلك المنظمات وتسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وقصد من ذلك أن يعني ليس فقط أن واشنطن يجب أن تطلق يد (إسرائيل) في التعامل مع الفلسطينيين وأن لا تضغط عليها للقيام بتنازلات إلى أن يتم أسر الإرهابيين الفلسطينيين (رجال المقاومة، المحرر) أو قتلهم ولكن إن على الولايات المتحدة أن تلاحق دولا مثل إيران دستوريا، و(إسرائيل) عندئذ ستعد حليفا لا غنى عنه في الحرب ضد الإرهاب لأن أعداءها هم أعداء أميركا، والحقيقة أن (إسرائيل) هي عائق للحرب على الإرهاب والجهود الأوسع نطاقا للتعامل مع الدول المارقة.
إن قيمة (إسرائيل) الاستراتيجية ليست القضية الوحيدة، فالجماعات المساندة لها يدعون أنها تستحق دعما غير محدود لأنها ضعيفة ومحاطة بالأعداء، كما أنها دولة ديمقراطية وقد عانى اليهود من الجرائم في الماضي ولذلك فإن أيا من هذه المزاعم كاف للإقناع، فهناك قضية أخلاقية قوية لمساندة وجود (إسرائيل) إلا أن هذا الوجود ليس في خطر، والنظرة الموضوعية تشير إلى أن سلوكها في الماضي والحاضر لا يقدم أي أساس أخلاقي لإعطائها الأفضلية على الفلسطينيين.
وكثيرا ما ترسم صورة (إسرائيل) على أنها داود الذي يواجهه جالوت إلا أن العكس هو أقرب إلى الحقيقة فعلى العكس من الاعتقاد الشائع فإن الصهيونيين امتلكوا قوات أكبر وأفضل تجهيزا وقيادة خلال حرب الاستقلال (1947 - 1949) كما أن جيش "الدفاع" (الإسرائيلي) أحرز انتصارات سريعة وسهلة على مصر عام 1956 وعلى مصر وسوريا والأردن عام 1967، كل ذلك قبل أن يبدأ الدعم الاميركي واسع النطاق بالتدفق، وحالياًَ فإن (إسرائيل) هي أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط وقواتها التقليدية تتفوق بكثير على جيوش جيرانها وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها أسلحة نووية، وقد وقعت مصر والأردن معاهدات سلام معها وعرضت السعودية مثل ذلك، وقد فقدت سوريا حليفها السوفيتي كما تحطم العراق بعد ثلاثة حروب أما إيران فتبعد مئات الأميال وليس لدى الفلسطينيين سوى قوة شرطة غير فعالة ناهيك عن جيش غير موجود وليشكل تهديدا على (إسرائيل). وبحسب تقديرات مركز جافيه للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، فالتوازن الاستراتيجي هو بشكل حاسم لصالح (إسرائيل) التي تواصل توسيع الهوة النوعية بين قدراتها العسكرية وقواها الرادعة وبين ما يملكه جيرانها وإذا كان دعم العراق الأضعف هو الدافع الملزم فإن الولايات المتحدة يجب أن تدعم خصوم (إسرائيل).
والقول بأن (إسرائيل) دولة ديمقراطية كأميركا محاطة بدكتاتوريات معادية لا يمكن أن يبرر مستوى الدعم، فهناك ديمقراطيات عديدة حول العالم لكن أيا منها لا تتلقى نفس الدعم السخي، وقد أطاحت الولايات المتحدة بحكومات ديمقراطية في الماضي وساندت دكتاتوريين عندما اعتقدت أن ذلك من شأنه أن يعزز مصالحها كما أن لها علاقات حسنة مع عدد من الحكومات الدكتاتورية حاليا.
وبعض جوانب الديمقراطية (الإسرائيلية) يتناقض مع القيم الأمريكية المحورية، فعلى العكس من الولايات المتحدة حيث يفترض أن يتمتع الناس بحقوق متساوية بغض النظر عن العرق والدين والأصل فإن (إسرائيل) أسست بشكل علني كدولة يهودية والمواطنة فيها تعتمد على قرابة الدم. وإذا ثبت ذلك فليس غريبا أن 1.3 مليون عربي يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، وأن لجنة حكومية (إسرائيلية) توصلت مؤخرا إلى أن (إسرائيل) تتعامل بشكل إهمالي وتمييزي مع العرب. إن وضع (إسرائيل) الديمقراطي يتدهور كذلك من خلال رفضها إعطاء الفلسطينيين دولة قابلة للحياة خاصة بهم أو حقوقهم السياسية الكاملة.
(الإرهاب) ليس عددا منفردا، إلا أنه تكتيك تستخدمه تشكيلة واسعة من المنظمات السياسية، ومنظمات (الإرهاب) التي تهدد (إسرائيل) لا تهدد الولايات المتحدة، إلا عندما تتدخل أميركا ضد هذه المنظمات (كما في لبنان عام 1982) وإضافة لذلك فان (الإرهاب) الفلسطيني ليس عنفا عشوائيا موجها ضد (إسرائيل) أو الغرب لكنه رد على حملة (إسرائيل) طويلة الأمد لاستيطان الضفة الغربية وقطاع غزة.
والاهم أن القول بأن (إسرائيل) والولايات المتحدة يوحدهما خطر إرهابي مشترك له نتيجة قاتلة بعد ذلك: فالولايات المتحدة لديها مشكلة إرهابية أحد أسبابها الجزئية هو أنها متحالفة بشكل وثيق مع (إسرائيل) وليس عكس هذه المقولة، فدعم (إسرائيل) ليس هو المصدر الوحيد للإرهاب المعادي لأميركا وإن كان سببا مهما يجعل كسب الحرب على الإرهاب أكثر صعوبة، ومن المؤكد أن كثيرين من قادة القاعدة ومنهم أسامة بن لادن، متأثرون من وجود (إسرائيل) في القدس ومن قضية اللاجئين والتأييد غير المشروط لـ (إسرائيل) يجعل من السهل على المتطرفين حشد التأييد الشعبي واجتذاب المتطوعين.
أما بالنسبة لما يسمى بالدول المارقة في الشرق الأوسط فإنها لا تشكل تهديدا خطيرا للمصالح الأمريكية الحيوية بقدر ما تهدد (إسرائيل)، وحتى لو حصلت هذه الدول على أسلحة ذرية - وهو أمر غير مرغوب فيه بالتأكيد فلا يمكن لها ابتزاز أميركا أو (إسرائيل) لأن المبتز لا يمكنه تنفيذ تهديده دون أن يتحمل انتقاما كاسحاً، أما خطر نقل أسلحة نووية إلى الإرهابيين فهو بعيد أيضا لأن الدولة المارقة لا يمكن أن تثق بأن النقل لن يتم اكتشافه، أو أن يحملها العالم المسؤولية وتعاقب بعد ذلك. والعلاقة مع (إسرائيل) تجعل من الصعب بالعقل على الولايات المتحدة أن تتعامل مع هذه الدول، فترسانة (إسرائيل) النووية هي أحد الأسباب التي تدفع بجيرانها للسعي من اجل الأسلحة النووية وتهديدها بتغيير أنظمتها يزيد فقط من هذا التوجه.
سبب أخير للتشكك في قيمة (إسرائيل) الاستراتيجية هو أنها لا تنصرف كحليفة مخلصة، فالمسؤولون (الإسرائيليون) تجاهلوا مرارا الطلبات الاميركية ونكثوا بوعودهم (بما في ذلك التعهدات بوقف بناء المستوطنات والامتناع عن "الاغتيالات المستهدفة" للقادة الفلسطينيين) وقدمت (إسرائيل) تقنية عسكرية حساسة لمنافسين محتملين لأميركا مثل الصين فيما وصفه المفتش العام للخارجية الاميركية بعمليات نقل منتظمة ومتزايدة وغير مصرح بها، وبحسب مكتب المحاسبة العام فإن (إسرائيل) أيضا تقوم بأكثر عمليات التجسس الهجومية ضد الولايات المتحدة من قبل أي حليف. وبالإضافة إلى تقنية جوناثان بولارد الذي قدم لـ (إسرائيل) كميات كبيرة من المواد السرية أوائل الثمانينات (وهي معلومات نقلت كما يقال إلى الاتحاد السوفيتي مقابل المزيد من تأشيرات الخروج لليهود السوفييتي) فإن جدلا جديدا ثار عام 2004 عندما كشف عن أن مسؤولاً رئيساً في البنتاغون يدعى لاري فرانكلين نقل معلومات سرية إلى دبلوماسي (إسرائيلي)، و(إسرائيل) ليس مطلقا الدولة التي تتجسس على الولايات المتحدة إلا أن رغبتها في التجسس على راعيتها الأهم تكفي مزيدا من الشكوك على قيمتها الاستراتيجية.