- الاثنين إبريل 09, 2012 11:19 pm
#48304
بسم الله الرحمن الرحيم
برز منذ منتصف الستينات على مستوى الفكر السياسي العربي والإسلامي مفهوم الحاكمية الذي طرقه بعض المفكرين الإسلاميين وتلقفته بعض الحركات الإسلامية واتخذت منه محورًا وهدفًا لمواجهة واقع النظم السياسية القائمة، وواقع المجتمعات المسلمة واختلف الفكر الإسلامي والعربي المعاصر حول تحديد هذا المفهوم وتأصيله: فثمة اتجاه يرى أن هذا المفهوم إسلامي يعبر عنه جوهر النظرية السياسية الإسلامية، وأنه يجد جذوره في الأصول المنزلة والتراث الإسلامي، وهناك اتجاه آخر يرى أن هذا المفهوم ليس مفهوما أصوليا، وإنما طرحه -أول ما طرحه- الخوارج اعتراضا على واقعة التحكيم بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ثم أعاد طرحه حديثا الأستاذ أبو الأعلى المودودي ويجب أن يفهم في إطار وضعيته وظروفه السياسية التي عاشها إحياءه في شبه القارة الهندية.
أنواع الحاكمية:
يلاحظ أن الحاكمية وردت في اللغة والأصول على نوعين:
(1) الحاكمية التكوينية: وهي إرادة الله الكونية القدرية التي تتمثل في المشيئة العامة المحيطة بجميع الكائنات.
(2) الحاكمية التشريعية: تلك التي تتعلق بإرادة الله الدينية وتتمثل هذه الإرادة في تصور عقدي عن الخالق والمخلوق، والكون ونظرية الشريعة العامة حيث تكون العبادات جزءاً منها، بالإضافة إلى النظرية الأخلاقية.
تأسيسًا على نوعي الحاكمية يتضح أن الغاية الأساسية من وراء الخلق هو محض معرفة الله -سبحانه وتعالى- والتعبد له (الذاريات: 56) واتساع مضمون العبادة وشمول نطاقها يترك بصماته على اتساع شمول ونطاق ومضمون الحاكمية التشريعية.
وبالإضافة لهذا المقصد الرئيسي نجد للحاكمية أيضاً مقصدين آخرين:
(1) الفصل في الخلاف بين الناس في الدنيا والآخرة.
(2) المنع من الفساد وتحقيق مصالح الناس في الدارين.
مصادر الحاكمية:
يقصد بالمصادر طرق ومناهج التوصل إلى الحاكمية بنوعيها والتعرف عليها، وهي مصادر ثلاثة وفقا لدلالات لفظ الحكم في اللغة والأصول:
(1) الكتب المنزلة.
(2) الأنبياء وسنتهم.
(3) العلم الذي ينقسم إلى: الاجتهاد لمعرفة حاكمية الله التشريعية-والعلم الذي يهدف للتعرف على سنن الخالق في الأنفس (النفس والمجتمع) والآفاق (الكون).
أدوات تحقيق الحاكمية:
يمكن الحديث عن أداتين أساسيتين برزتا من خلال تتبع دلالات لفظ الحكم:
- الأداة السياسية أو الحكم بالمعنى السياسي الذي يدور حول الأفعال التي يكون الناس معها أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد. وعناصر الرابطة السياسية التي تتأسس على الحاكمية وتهدف إلى تحقيقها تتكون من الخليفة وأهل الحل والعقد والرعية.
- الأداة القضائية: تقتضي الحاكمية التشريعية أن تكون التشريعات والقوانين منبثقة من مصادرها ويرتبط بذلك وظيفة القاضي والمفتي والمجتهد بالإضافة إلى ما يمكن أن يرتبط بها من ولايات الحسبة والمظالم والتي يناط بها المحافظة على قيم الجماعة ومرجعيتها.
مستويات الحاكمية:
إن جوهر فكرة المستويات فيما يخص الحاكمية ينصرف إلى المعاني التالية:
1 - المستويات داخل المفهوم، وهذا ينصرف إلى مضمون ومكونات الحاكمية (شرعية عقدية وأخرى سياسة وثالثة قانونية ورابعة اجتماعية) ونطاقها الذي يتفاوت من مجال لآخر فقد يضيق وقد يتسع.
2 - جهات التطبيق الحاكمية والعناصر الخاصة بها (الفرد والأمة والنظم).
3 - المستوى الثالث يغلف المعنيين السابقين، ويحيط بهما ويتعلق با?لحكم الذي يأخذه الخارج على أحكامها (الكفر أم الفسوق أم الظلم).
وتجد مستويات الحاكمية سندها في تدرجية الإيمان والكفر، فما عليه الجمهور -جمهور أهل السنة والجماعة- أن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذه التدريجية تحمل معنى التكامل والتفاعل بين العناصر المكونة لحقيقة الإيمان وماهيته ولا تعني التجزئة أو التبعيض،و ينعقد الإجماع بين أهل السنة والجماعة على ضرورة التلازم بين التصديق والعمل ، فالإيمان تصديق يستلزم الطاعة والانقياد، وهكذا الحاكمية التي تتبع الإيمان وجودًا وعدما وكما يجب فهمها وفق عناصر الرؤية الإسلامية للإيمان، فالإيمان إذن لا يتجزأ من حيث مستوياته التي يفترض التكامل بصددها (التصديق والقول والعمل) فهكذا الحديث عن مستويات الحاكمية، مكوناتها لا يعني انفصالها وتمايزها وعدم تكاملها وتفاعلها، فالنقص في مستوى أو مكون لابد أن يتبعه نقص على المستويات الأخرى، والزيادة في أحدها ينعكس على الآخرين بالضرورة.
الحاكمية وفقاً لهذا التصور لها جانبان: جانب اعتقادي وجانب امتثال، فهي عقيدة والتزام وتصديق وعمل، ونفي الجانب الاعتقادي أي الاعتراف بحاكمية الله، ووجوب ما أنزله، والاستهانة به هو كفر ينقل عن الملة لأنه يحمل معنى الجحود، أما جانب الامتثال أي ترجمة ذلك الاعتقاد إلى سلوك وممارسات، وإن كان مقتضى من مقتضيات الحاكمية ولازما من لوازمها يجب الاعتقاد بوجوبه إلا أن عدم الإتيان به لا يعد كفرًا.
بعبارة أخري إن عدم الاحتكام إلى شرع الله على مستوى الاعتقاد أو التصديق كفر، أما الانحراف عن مقتضى الشرع في الحركة والسلوك والممارسة فهو ظلم أو فسق.
ويعضد من هذا الفهم آيات الحكم في سورة المائدة، فمعظم المفسرين جروا في تفسيرهم لهذه الآيات على التمييز بين مستويين الأول يتعلق بالكفر والثاني يختص بالظلم والفسق واشترطوا في إطلاق مسمى الكفر على من لا يحكم بما أنزل الله الجحود بالقلب والإنكار باللسان والاستهانة بالأحكام والرد لما انزل الله، ولكن من اقر بلسانه وصدق بقلبه ولم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم فاسق، فالأحكام الإسلامية تنقسم باعتبار الماهية والكيفية إلى قسمين:أحدهما ماهية تلك الأحكام وثانيهما: كيفية تنفيذ تلك الأحكام، وهذان القسمان ينقسمان باعتبار الفاعل إلى ثلاثة أقسام: أحدهما أحكام خاصة بالمسلم كفرد، وثانيهما أحكام خاصة بالجماعة كجماعة من الأمة الإسلامية، وثالثهما: أحكام خاصة بالدولة ونظمها.
آليات التحيز في التعامل مع الحاكمية:
يمكن للباحث أن يميز بين مجموعة من آليات التحيز التي استخدمت في التعامل مع المفهوم والنظر إليه في بعض الكتابات المعاصرة:
الآلية الأولى: تميزت بعدم الاستقصاء الكامل لدلالات المفهوم في الأصول وتحريره، وساد منطق الانتقاء لخدمة قيم يستنبطها الباحث أو فهم سابق له حول المفهوم يريد أن يؤكده بالمعنى السياسي في المجتمع الإسلامي لجماهير المسلمين، إلا أنه كان قادرًا على حل هذا التناقض بالبحث عن الأطراف التي قرر الله لها في كتابه نوع حكم تمارسه.
الآلية الثانية: التي استخدمت في التعامل مع الحاكمية فقد خلطت بين الحاكمية بالمعنى السياسي أي نظام الحكم وبين الحكم بما أنزل الله بمعنى اختصاص الله بالتحليل والتحريم في أمر العبادة والدين فالحكم بالمعنى السياسي، وإن كان عند أهل السنة والجماعة من الفروع إلا أنه صار عندهم من الأصول التي مدار الدين عليها ومن ثم فعدم إقامتها يعد هدمًا لركن من أركان الدين، بل هدم الدين كله.
الآلية الثالثة: وهو الغالب في الكتابات الغربية وتم فيها الربط بين مفهوم الحاكمية وبين بعض الظروف والملابسات التاريخية (واقعة التحكيم بين علي ومعاوية ورفع الخوارج فيها شعار "لا حكم إلا لله" أو فكر بعض المفكرين الإسلاميين (المودودي وسيد قطب) أو فكر بعض الجماعات الإسلامية (التكفير والهجرة-الجهاد….) أو بعض مفاهيم المصطلحات الأجنبية ذات المضمون المرفوض (الثيروقراطية والكهنوت..الخ) وبعبارة أخرى فقد تم في هذه الآلية "شخصنة" المفهوم أي ربطه بأشخاص معينين (أفرادًا أو جماعات) أو مفاهيم معينة في ظروف تاريخية وسياسة معينة، تمهيداً لدحضه الهجوم عليه، وهذا الربط بين المفهوم وبين ظروف تاريخية محددة يجعل منه مفهومًا "تاريخيا" وليس "أصوليا" بما يجعل محاولة استدعائه لمعالجة واقع جديد مدان ومرفوض أو غير ملائم للتطور السياسي و الباحث في مفهوم الحاكمية يلحظ بجلاء تداخله مع مفاهيم أخرى عديدة في منظومة المفاهيم السياسية الإسلامية مثل مفهوم الجاهلية و مفهوم الشرعية
برز منذ منتصف الستينات على مستوى الفكر السياسي العربي والإسلامي مفهوم الحاكمية الذي طرقه بعض المفكرين الإسلاميين وتلقفته بعض الحركات الإسلامية واتخذت منه محورًا وهدفًا لمواجهة واقع النظم السياسية القائمة، وواقع المجتمعات المسلمة واختلف الفكر الإسلامي والعربي المعاصر حول تحديد هذا المفهوم وتأصيله: فثمة اتجاه يرى أن هذا المفهوم إسلامي يعبر عنه جوهر النظرية السياسية الإسلامية، وأنه يجد جذوره في الأصول المنزلة والتراث الإسلامي، وهناك اتجاه آخر يرى أن هذا المفهوم ليس مفهوما أصوليا، وإنما طرحه -أول ما طرحه- الخوارج اعتراضا على واقعة التحكيم بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ثم أعاد طرحه حديثا الأستاذ أبو الأعلى المودودي ويجب أن يفهم في إطار وضعيته وظروفه السياسية التي عاشها إحياءه في شبه القارة الهندية.
أنواع الحاكمية:
يلاحظ أن الحاكمية وردت في اللغة والأصول على نوعين:
(1) الحاكمية التكوينية: وهي إرادة الله الكونية القدرية التي تتمثل في المشيئة العامة المحيطة بجميع الكائنات.
(2) الحاكمية التشريعية: تلك التي تتعلق بإرادة الله الدينية وتتمثل هذه الإرادة في تصور عقدي عن الخالق والمخلوق، والكون ونظرية الشريعة العامة حيث تكون العبادات جزءاً منها، بالإضافة إلى النظرية الأخلاقية.
تأسيسًا على نوعي الحاكمية يتضح أن الغاية الأساسية من وراء الخلق هو محض معرفة الله -سبحانه وتعالى- والتعبد له (الذاريات: 56) واتساع مضمون العبادة وشمول نطاقها يترك بصماته على اتساع شمول ونطاق ومضمون الحاكمية التشريعية.
وبالإضافة لهذا المقصد الرئيسي نجد للحاكمية أيضاً مقصدين آخرين:
(1) الفصل في الخلاف بين الناس في الدنيا والآخرة.
(2) المنع من الفساد وتحقيق مصالح الناس في الدارين.
مصادر الحاكمية:
يقصد بالمصادر طرق ومناهج التوصل إلى الحاكمية بنوعيها والتعرف عليها، وهي مصادر ثلاثة وفقا لدلالات لفظ الحكم في اللغة والأصول:
(1) الكتب المنزلة.
(2) الأنبياء وسنتهم.
(3) العلم الذي ينقسم إلى: الاجتهاد لمعرفة حاكمية الله التشريعية-والعلم الذي يهدف للتعرف على سنن الخالق في الأنفس (النفس والمجتمع) والآفاق (الكون).
أدوات تحقيق الحاكمية:
يمكن الحديث عن أداتين أساسيتين برزتا من خلال تتبع دلالات لفظ الحكم:
- الأداة السياسية أو الحكم بالمعنى السياسي الذي يدور حول الأفعال التي يكون الناس معها أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد. وعناصر الرابطة السياسية التي تتأسس على الحاكمية وتهدف إلى تحقيقها تتكون من الخليفة وأهل الحل والعقد والرعية.
- الأداة القضائية: تقتضي الحاكمية التشريعية أن تكون التشريعات والقوانين منبثقة من مصادرها ويرتبط بذلك وظيفة القاضي والمفتي والمجتهد بالإضافة إلى ما يمكن أن يرتبط بها من ولايات الحسبة والمظالم والتي يناط بها المحافظة على قيم الجماعة ومرجعيتها.
مستويات الحاكمية:
إن جوهر فكرة المستويات فيما يخص الحاكمية ينصرف إلى المعاني التالية:
1 - المستويات داخل المفهوم، وهذا ينصرف إلى مضمون ومكونات الحاكمية (شرعية عقدية وأخرى سياسة وثالثة قانونية ورابعة اجتماعية) ونطاقها الذي يتفاوت من مجال لآخر فقد يضيق وقد يتسع.
2 - جهات التطبيق الحاكمية والعناصر الخاصة بها (الفرد والأمة والنظم).
3 - المستوى الثالث يغلف المعنيين السابقين، ويحيط بهما ويتعلق با?لحكم الذي يأخذه الخارج على أحكامها (الكفر أم الفسوق أم الظلم).
وتجد مستويات الحاكمية سندها في تدرجية الإيمان والكفر، فما عليه الجمهور -جمهور أهل السنة والجماعة- أن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذه التدريجية تحمل معنى التكامل والتفاعل بين العناصر المكونة لحقيقة الإيمان وماهيته ولا تعني التجزئة أو التبعيض،و ينعقد الإجماع بين أهل السنة والجماعة على ضرورة التلازم بين التصديق والعمل ، فالإيمان تصديق يستلزم الطاعة والانقياد، وهكذا الحاكمية التي تتبع الإيمان وجودًا وعدما وكما يجب فهمها وفق عناصر الرؤية الإسلامية للإيمان، فالإيمان إذن لا يتجزأ من حيث مستوياته التي يفترض التكامل بصددها (التصديق والقول والعمل) فهكذا الحديث عن مستويات الحاكمية، مكوناتها لا يعني انفصالها وتمايزها وعدم تكاملها وتفاعلها، فالنقص في مستوى أو مكون لابد أن يتبعه نقص على المستويات الأخرى، والزيادة في أحدها ينعكس على الآخرين بالضرورة.
الحاكمية وفقاً لهذا التصور لها جانبان: جانب اعتقادي وجانب امتثال، فهي عقيدة والتزام وتصديق وعمل، ونفي الجانب الاعتقادي أي الاعتراف بحاكمية الله، ووجوب ما أنزله، والاستهانة به هو كفر ينقل عن الملة لأنه يحمل معنى الجحود، أما جانب الامتثال أي ترجمة ذلك الاعتقاد إلى سلوك وممارسات، وإن كان مقتضى من مقتضيات الحاكمية ولازما من لوازمها يجب الاعتقاد بوجوبه إلا أن عدم الإتيان به لا يعد كفرًا.
بعبارة أخري إن عدم الاحتكام إلى شرع الله على مستوى الاعتقاد أو التصديق كفر، أما الانحراف عن مقتضى الشرع في الحركة والسلوك والممارسة فهو ظلم أو فسق.
ويعضد من هذا الفهم آيات الحكم في سورة المائدة، فمعظم المفسرين جروا في تفسيرهم لهذه الآيات على التمييز بين مستويين الأول يتعلق بالكفر والثاني يختص بالظلم والفسق واشترطوا في إطلاق مسمى الكفر على من لا يحكم بما أنزل الله الجحود بالقلب والإنكار باللسان والاستهانة بالأحكام والرد لما انزل الله، ولكن من اقر بلسانه وصدق بقلبه ولم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم فاسق، فالأحكام الإسلامية تنقسم باعتبار الماهية والكيفية إلى قسمين:أحدهما ماهية تلك الأحكام وثانيهما: كيفية تنفيذ تلك الأحكام، وهذان القسمان ينقسمان باعتبار الفاعل إلى ثلاثة أقسام: أحدهما أحكام خاصة بالمسلم كفرد، وثانيهما أحكام خاصة بالجماعة كجماعة من الأمة الإسلامية، وثالثهما: أحكام خاصة بالدولة ونظمها.
آليات التحيز في التعامل مع الحاكمية:
يمكن للباحث أن يميز بين مجموعة من آليات التحيز التي استخدمت في التعامل مع المفهوم والنظر إليه في بعض الكتابات المعاصرة:
الآلية الأولى: تميزت بعدم الاستقصاء الكامل لدلالات المفهوم في الأصول وتحريره، وساد منطق الانتقاء لخدمة قيم يستنبطها الباحث أو فهم سابق له حول المفهوم يريد أن يؤكده بالمعنى السياسي في المجتمع الإسلامي لجماهير المسلمين، إلا أنه كان قادرًا على حل هذا التناقض بالبحث عن الأطراف التي قرر الله لها في كتابه نوع حكم تمارسه.
الآلية الثانية: التي استخدمت في التعامل مع الحاكمية فقد خلطت بين الحاكمية بالمعنى السياسي أي نظام الحكم وبين الحكم بما أنزل الله بمعنى اختصاص الله بالتحليل والتحريم في أمر العبادة والدين فالحكم بالمعنى السياسي، وإن كان عند أهل السنة والجماعة من الفروع إلا أنه صار عندهم من الأصول التي مدار الدين عليها ومن ثم فعدم إقامتها يعد هدمًا لركن من أركان الدين، بل هدم الدين كله.
الآلية الثالثة: وهو الغالب في الكتابات الغربية وتم فيها الربط بين مفهوم الحاكمية وبين بعض الظروف والملابسات التاريخية (واقعة التحكيم بين علي ومعاوية ورفع الخوارج فيها شعار "لا حكم إلا لله" أو فكر بعض المفكرين الإسلاميين (المودودي وسيد قطب) أو فكر بعض الجماعات الإسلامية (التكفير والهجرة-الجهاد….) أو بعض مفاهيم المصطلحات الأجنبية ذات المضمون المرفوض (الثيروقراطية والكهنوت..الخ) وبعبارة أخرى فقد تم في هذه الآلية "شخصنة" المفهوم أي ربطه بأشخاص معينين (أفرادًا أو جماعات) أو مفاهيم معينة في ظروف تاريخية وسياسة معينة، تمهيداً لدحضه الهجوم عليه، وهذا الربط بين المفهوم وبين ظروف تاريخية محددة يجعل منه مفهومًا "تاريخيا" وليس "أصوليا" بما يجعل محاولة استدعائه لمعالجة واقع جديد مدان ومرفوض أو غير ملائم للتطور السياسي و الباحث في مفهوم الحاكمية يلحظ بجلاء تداخله مع مفاهيم أخرى عديدة في منظومة المفاهيم السياسية الإسلامية مثل مفهوم الجاهلية و مفهوم الشرعية