- السبت إبريل 14, 2012 1:16 pm
#48422
الحياة برس - التعامل مع الوضع السوري الراهن مربك حتى للسياسيين والمحللين وأصحاب القرار، ليس بسبب قوة النظام السوري، ولكن لتداخل العوامل المحلية بالإقليمية والعالمية، وهذا بالضبط ما حصل في لبنان خلال الحرب الأهلية التي انطلقت في العام ،1975 وتحولت إلى حرب أهلية طائفية دينية .
والطريف في الأمر، أن الجيش السوري هو الذي دخل لبنان وعمل على تهدئة الأوضاع هناك، وكان دخوله حماية للأحزاب المسيحية، وتقليم أظافر القوى الوطنية، وكانت النتيجة أن انقلبت بعض القوى المسيحية ضده بعد فترة وطالبت بخروج سوريا من لبنان، وخرجت، والآن تقف بعض القوى اللبنانية إلى جانب المعارضة السورية، وتطالب الأسد بالتنحي، إلا أن أمر الوقوف خلف المعارضة أو تسليحها أو المطالبة بالتدخل الأجنبي ليس كما يتخيل كثيرون، بل إن التعاطي مع الواقع السوري ليس بهذه البساطة أيضاً، وما جاء في تقرير ل”تشاتام هاوس” التابع للمعهد الملكي للبحوث والدراسات في بريطانيا بعنوان “نظرة سياسية على سورية”، أسئلة عن النظام الذي سينتهي حتماً لكن متى وكيف؟ يوضح الوضع في جوانب عديدة ومنها:
* أولاً: يشير التقرير إلى عدد من سيناريوهات الانقلاب، منها ابتعاد الطائفة العلوية أو شخصيات بارزة فيها عن بشار الأسد، أو انهيار النظام اقتصادياً، أو حّل على الطريقة اليمنية .
* ثانياً: بدا التقرير متحفظاً على المعارضة، ومعدو التقرير يشككون بقدرة المجلس الوطني السوري الذي وصفوه بأنه “ليس بالضرورة الممثل الشرعي للسوريين” .
* ثالثاً: إن المعارضة ركّزت كثيراً على الحصول على الدعم الخارجي بدلاً من بناء قاعدة شعبية لها .
إن الأكثر أهمية وجدلية مما ورد في التقرير، ما أوردته صحيفة “أوبزيرفر” في افتتاحيتها بتاريخ 26 فبراير/شباط الماضي، حيث أشارت إلى نقاط عديدة أهمها:
* أولاً: إن الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تبدو بلا أسنان، وموزعة بين رغبتها في تجنب التدخل العسكري والظهور بمظهر من يقوم بعمل ما .
* ثانياً: تشدد بعض الدول العربية في لهجتها وتبدو أكثر صدامية .
* ثالثاً: إن بعض الدول لا يهمها مصلحة الشعب السوري ولا علاقة لها بمصير السكان المحاصرين في حمص، فمصالحها الحقيقية هي إيران، وعليه فالصراع في سوريا يبدو فرصة لإيقاف التأثير الإيراني .
* رابعاً: تركيا وحدها فقط، لا تدفع باتجاه الدعم العسكري، مع أن مصلحتها في سوريا أكبر، نظراً لحدودها الطويلة مع سورية ومع ذلك تطالب بحظر تزويد السلاح للطرفين .
* خامساً: تظل روسيا العامل المهم في نهاية الأسد، فتقرير “تشاتام هاوس” يقول إن الأسد لا يمكنه النجاة من دون الدعم الروسي .
وفي تطورات لاحقة بشأن الموضوع السوري، تناقلت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي خبراً يقول إن بريطانيا سترسل وحدات من قواتها الخاصة إلى سوريا لحماية مواطنيها، في أعقاب مقتل الصحافية ماري كولفن في مدينة حمص . وكشفت بعض المصادر أن عملاء من جهاز الأمن الخارجي البريطاني (أم آي 6) ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، موجودون على الأرض في سوريا لتقييم الوضع، فيما تجري القوات الخاصة البريطانية اتصالات بالجنود السوريين المنشقين لمعرفة احتياجاتهم من الأسلحة وأجهزة الاتصالات في حال قررت الحكومة البريطانية تقديم الدعم لهم .
الرؤية الأمريكية جاءت على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي حذرت من مخاطر أي تدخل خارجي .
إنها خريطة معقدة إلى درجة يصعب فيها اتخاذ قرار حاسم، حتى أن “مؤتمر أصدقاء سوريا” الذي عقد مؤخراً في تونس لم يتوصل إلى قرار، وكل ما طالب به توفير الحماية للشعب السوري، وهو البند الذي استغرق وقتاً من النقاش بين سوريا والجامعة العربية (الحماية لجميع أفراد الشعب السوري)، بل إن المجلس الوطني السوري عبّر عن خيبة أمله من نتائج المؤتمر .
الجامعة العربية فشلت حتى الآن في التعاطي مع الوضع السوري، وأي تصرف فردي سيقوض جهود الجامعة، وكان فشل الجامعة بسبب الانقسامات الداخلية بين الأعضاء، وتأثير أصوات خارجية عليها .
إن معضلة الواقع الذي تشكّل بعد عام تقريباً على بدء الاحتجاجات يكمن في عدم فهم ما يجري على الساحة السورية، فبعض رموز المعارضة لايزالون يتحدثون عن سلمية الاحتجاجات، بينما يتحدث النظام منذ البداية عن مسلحين يقومون بعمليات عسكرية ضد قوات حفظ النظام . ومن جهة ثانية، فإن التأييد الدولي للمعارضة واهتمامه بالشأن السوري لا يسير صعوداً، بل على إيقاع عدد الضحايا الذي تتناقله وسائل الإعلام متبوعاً بجملة “لم يتسن لنا التأكد من مصدر محايد” .
إن ما سبق لا يعني أن المشهد مغلق في غموضه، بل إنه واضح جداً، هناك انشاقاقات في الجيش السوري ولا أحد يعرف أحجامها، وهناك مجموعات مسلحة غير موحدة، وهناك أسلحة تدخل إلى أطياف المعارضة وإلى القوات الحكومية أيضاً، والاحتجاجات المدنية باتت تتراجع مقابل العمليات العسكرية، وهو ما حدث في ليبيا بعد وقت قصير جداً من الاحتجاجات السلمية، لكن تضاريس سوريا ومساحتها الجغرافية تلعب دوراً مغايراً للواقع الليبي، ولهذا، ليس من السهولة على أي طرف أن يحسم الوضع الآن بحرب نظيفة، الحسم سيكون تدميرياً، وسيذهب ضحيته مدنيون بأعداد كبيرة . ومما يزيد الأمر سوءاً، صعوبة التفريق بين المدني والعسكري في المناطق الساخنة، إضافة إلى تمترس الجيش السوري الحر في المناطق السكنية، والجيش السوري غير ماهر في العمليات الجراحية الدقيقة، أو أن طبيعة الظروف لا تساعد على ذلك .
لقد دخلت سوريا في نفق لن تخرج منه بالتدخل الخارجي، أو بتسليح المعارضة، وإذا كان هناك من يريد حقن الدماء، والحفاظ على ما تبقى من المدن التي تتعرض للقصف، لا بد في نهاية المطاف من الحوار، حتى لو ظهرت نتائجه خلال سنوات، أفضل من تدمير البلاد وتجويع الشعب وترميل النساء وتيتيم الأطفال، فنتائج الحرب والمواجهات والعمليات العسكرية لن تظهر الآن، وإنما حين تسكت أصوات الرصاص، عندها، سيذهل الناس من عدد القتلى والجرحى والمعاقين والأرامل والأيتام، وسوريا تستحق أن تحفظ بعيداً عمن يحكمها .
والطريف في الأمر، أن الجيش السوري هو الذي دخل لبنان وعمل على تهدئة الأوضاع هناك، وكان دخوله حماية للأحزاب المسيحية، وتقليم أظافر القوى الوطنية، وكانت النتيجة أن انقلبت بعض القوى المسيحية ضده بعد فترة وطالبت بخروج سوريا من لبنان، وخرجت، والآن تقف بعض القوى اللبنانية إلى جانب المعارضة السورية، وتطالب الأسد بالتنحي، إلا أن أمر الوقوف خلف المعارضة أو تسليحها أو المطالبة بالتدخل الأجنبي ليس كما يتخيل كثيرون، بل إن التعاطي مع الواقع السوري ليس بهذه البساطة أيضاً، وما جاء في تقرير ل”تشاتام هاوس” التابع للمعهد الملكي للبحوث والدراسات في بريطانيا بعنوان “نظرة سياسية على سورية”، أسئلة عن النظام الذي سينتهي حتماً لكن متى وكيف؟ يوضح الوضع في جوانب عديدة ومنها:
* أولاً: يشير التقرير إلى عدد من سيناريوهات الانقلاب، منها ابتعاد الطائفة العلوية أو شخصيات بارزة فيها عن بشار الأسد، أو انهيار النظام اقتصادياً، أو حّل على الطريقة اليمنية .
* ثانياً: بدا التقرير متحفظاً على المعارضة، ومعدو التقرير يشككون بقدرة المجلس الوطني السوري الذي وصفوه بأنه “ليس بالضرورة الممثل الشرعي للسوريين” .
* ثالثاً: إن المعارضة ركّزت كثيراً على الحصول على الدعم الخارجي بدلاً من بناء قاعدة شعبية لها .
إن الأكثر أهمية وجدلية مما ورد في التقرير، ما أوردته صحيفة “أوبزيرفر” في افتتاحيتها بتاريخ 26 فبراير/شباط الماضي، حيث أشارت إلى نقاط عديدة أهمها:
* أولاً: إن الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تبدو بلا أسنان، وموزعة بين رغبتها في تجنب التدخل العسكري والظهور بمظهر من يقوم بعمل ما .
* ثانياً: تشدد بعض الدول العربية في لهجتها وتبدو أكثر صدامية .
* ثالثاً: إن بعض الدول لا يهمها مصلحة الشعب السوري ولا علاقة لها بمصير السكان المحاصرين في حمص، فمصالحها الحقيقية هي إيران، وعليه فالصراع في سوريا يبدو فرصة لإيقاف التأثير الإيراني .
* رابعاً: تركيا وحدها فقط، لا تدفع باتجاه الدعم العسكري، مع أن مصلحتها في سوريا أكبر، نظراً لحدودها الطويلة مع سورية ومع ذلك تطالب بحظر تزويد السلاح للطرفين .
* خامساً: تظل روسيا العامل المهم في نهاية الأسد، فتقرير “تشاتام هاوس” يقول إن الأسد لا يمكنه النجاة من دون الدعم الروسي .
وفي تطورات لاحقة بشأن الموضوع السوري، تناقلت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي خبراً يقول إن بريطانيا سترسل وحدات من قواتها الخاصة إلى سوريا لحماية مواطنيها، في أعقاب مقتل الصحافية ماري كولفن في مدينة حمص . وكشفت بعض المصادر أن عملاء من جهاز الأمن الخارجي البريطاني (أم آي 6) ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، موجودون على الأرض في سوريا لتقييم الوضع، فيما تجري القوات الخاصة البريطانية اتصالات بالجنود السوريين المنشقين لمعرفة احتياجاتهم من الأسلحة وأجهزة الاتصالات في حال قررت الحكومة البريطانية تقديم الدعم لهم .
الرؤية الأمريكية جاءت على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي حذرت من مخاطر أي تدخل خارجي .
إنها خريطة معقدة إلى درجة يصعب فيها اتخاذ قرار حاسم، حتى أن “مؤتمر أصدقاء سوريا” الذي عقد مؤخراً في تونس لم يتوصل إلى قرار، وكل ما طالب به توفير الحماية للشعب السوري، وهو البند الذي استغرق وقتاً من النقاش بين سوريا والجامعة العربية (الحماية لجميع أفراد الشعب السوري)، بل إن المجلس الوطني السوري عبّر عن خيبة أمله من نتائج المؤتمر .
الجامعة العربية فشلت حتى الآن في التعاطي مع الوضع السوري، وأي تصرف فردي سيقوض جهود الجامعة، وكان فشل الجامعة بسبب الانقسامات الداخلية بين الأعضاء، وتأثير أصوات خارجية عليها .
إن معضلة الواقع الذي تشكّل بعد عام تقريباً على بدء الاحتجاجات يكمن في عدم فهم ما يجري على الساحة السورية، فبعض رموز المعارضة لايزالون يتحدثون عن سلمية الاحتجاجات، بينما يتحدث النظام منذ البداية عن مسلحين يقومون بعمليات عسكرية ضد قوات حفظ النظام . ومن جهة ثانية، فإن التأييد الدولي للمعارضة واهتمامه بالشأن السوري لا يسير صعوداً، بل على إيقاع عدد الضحايا الذي تتناقله وسائل الإعلام متبوعاً بجملة “لم يتسن لنا التأكد من مصدر محايد” .
إن ما سبق لا يعني أن المشهد مغلق في غموضه، بل إنه واضح جداً، هناك انشاقاقات في الجيش السوري ولا أحد يعرف أحجامها، وهناك مجموعات مسلحة غير موحدة، وهناك أسلحة تدخل إلى أطياف المعارضة وإلى القوات الحكومية أيضاً، والاحتجاجات المدنية باتت تتراجع مقابل العمليات العسكرية، وهو ما حدث في ليبيا بعد وقت قصير جداً من الاحتجاجات السلمية، لكن تضاريس سوريا ومساحتها الجغرافية تلعب دوراً مغايراً للواقع الليبي، ولهذا، ليس من السهولة على أي طرف أن يحسم الوضع الآن بحرب نظيفة، الحسم سيكون تدميرياً، وسيذهب ضحيته مدنيون بأعداد كبيرة . ومما يزيد الأمر سوءاً، صعوبة التفريق بين المدني والعسكري في المناطق الساخنة، إضافة إلى تمترس الجيش السوري الحر في المناطق السكنية، والجيش السوري غير ماهر في العمليات الجراحية الدقيقة، أو أن طبيعة الظروف لا تساعد على ذلك .
لقد دخلت سوريا في نفق لن تخرج منه بالتدخل الخارجي، أو بتسليح المعارضة، وإذا كان هناك من يريد حقن الدماء، والحفاظ على ما تبقى من المدن التي تتعرض للقصف، لا بد في نهاية المطاف من الحوار، حتى لو ظهرت نتائجه خلال سنوات، أفضل من تدمير البلاد وتجويع الشعب وترميل النساء وتيتيم الأطفال، فنتائج الحرب والمواجهات والعمليات العسكرية لن تظهر الآن، وإنما حين تسكت أصوات الرصاص، عندها، سيذهل الناس من عدد القتلى والجرحى والمعاقين والأرامل والأيتام، وسوريا تستحق أن تحفظ بعيداً عمن يحكمها .