- الأحد إبريل 15, 2012 1:00 pm
#48458
اليمن وأحكام ميزان القوى عبد الاله بلقزيز
الحياة برس - وقفت الثورة اليمنية في منتصف الطريق . لم تخسر قضيتها تماماً، ولا كسبتها تماماً . لم تبلغ ما بَلَغَتْه شقيقَتَاهَا في تونس ومصر من إزالة كاملة لعمران النظام القائم، لكنها - في الوقت عينه - لم تخرج من “المولد بلا حُمّص” كما يقول المثل الشعبي، فقد فرضت إرادتها في حمل رأس النظام على الخروج من مشهد السياسة والسلطة في البلاد . وليس هذا بقليل عند من يعرفون عَنَتَ الرئيس، والقوة الاجتماعية، والسياسية، والأهلية والعسكرية التي كان يتسربل بها، وبها يحمي نظامه ويوفّر له حزام الأمان .
حصدت ثورة اليمن ما سمح لها توازن القوى بتحصيله . سيقال إن الذين أنضجوا هذه التسوية السياسية التي لا تقتل الذئب ولا تُفْني الغنم، لم يكونوا من أبناء اليمن حصراً، ولم ينحصر جمعهم في أحزاب “اللقاء المشترك” وقوى النظام، وإنما زيد عليه بغيرهم ممّن دخلوا على خط الأزمة من الإقليم والنظام الدولي، وأن كفاحات ملايين المواطنين في البلاد، من أجل الذهاب بالثورة إلى نهاياتها، اصطدمت بتأثير فاعلين آخرين في الأزمة “من خارج البلد”، وكان ذلك سبباً في شلّ فعالية توازن القوى الداخلي .
قد يكون ذلك صحيحاً، وهو - قطعاً - صحيح . ولكن الصحيح أيضاً، وبالمقدار نفسه، أن أي توازن قوى، في داخل أي بلد، إنما هو محصَلة فِعْلِ عوامل عدّة متنوعة: داخلية وخارجية، وخاصة حينما يكون البلد الذي يجتاز أزمة على درجة من الأهمية الاستراتيجية في إقليمه، ومستباحاً من الخارج العالمي: مثلما كَانَهُ اليمن في عهد رئيسه المخلوع، وليس، في ضوء أحكام هذه الحقيقة، ما يبطل الاعتقاد بأن هذا الذي حصدته ثورة اليمن هو كلّ ما كانت تستطيعه في سياق شروطها وتوازناتها الموضوعية، والخارجة - في غير قليل من معطياتها - عن إرادتها، ذلك أن حسبان ما جرى مجرّد “مؤامرة على الثورة” بغية إجهاضها - وإن كان لا يبعد عن الصحة في جوانب منه عدة - يكاد ينسى أن الثورة لم تكن تعني، عند كثيرين من خارج اليمن، مجردَ إسقاط نظام قائم فحسب، بل تهديداً لمصالح إقليمية ودولية لم يكن مسموحاً للثوار بتقرير مصيرها . وبالتالي، كان على الثورة - وعلى شبابها الباسل - إدراك حقيقة اتصال مصير اليمن بمصير مصالح القوى تلك، وإدراك أن هامش استقلالية قرار الثورة ضيق جداً أمام تزاحم تدخل القوى الخارجية الوافدة على الأزمة اليمنية من كلّ حدب وصوب . ولقد يُقال - وقيل فعلاً - إن قوى المعارضة اليمنية، المؤتلفة في “اللقاء المشترك”، خذلت شباب الثورة في الساحات حين هبط برنامجها السياسي عن معدل مطالبهم الراديكالية، فمالت إلى التسوية، وإلى أنصاف الحلول، وطفِقَتْ تفاوض النظام من وراء حجاب، وتبرم صفقة معه، من خلال المبادرة الخليجية، تاركة شباب الثورة من دون غطاء سياسي داخلي، ومن دون سند حزبي يرفد موقفهم . والحق أن إلقاء اللوم على قوى “اللقاء المشترك” كان واحداً من الأهداف السياسية التي تَغَيّاها من ابتغوا فرض تسوية للأزمة اليمنية لا تلحظ مطالب الثورة، ذلك أن تصوير مآلات التسوية وكأنها ثمرة لخذلان الشباب من قبل “اللقاء المشترك”، إنما مراده دق الأسافين بين الثورة والمعارضة، ونقل الصراع من صراع بين إرادة الجموع الشعبية، من جهة، ونظام علي صالح، من جهة أخرى، إلى صراع بين الشباب والقوى الوطنية . وفي ذلك ما يفتح جروحاً لا تندمل، وتوجسّاً متبادلاً لا يزول، ونزفاً في العلاقة لا يتوقف . هل هناك أفضل من هذا السيناريو الخصاميّ كي يعود من النافذة من خرجوا من الباب مجبرين وصاغرين؟
لسنا نلتمس عذراً لقوى “اللقاء المشترك” في هذا الذي جرى، ولا نبغي التغطية على أخطائها السياسية، غير القابلة للتبرير، في حق الثورة وشبابها ومطالبها، إنما نحن نحاول أن نتفهم ظروفها التي أخذتها إلى قبول تسوية لم تُرضِ أحداً من الذين ثاروا بنظامهم وثاروا برئيسه، وأحسَبُ أن عدم الرضا هذا مما تشعر به المعارضة نفسها . وأول ما نتفهمه أن “اللقاء المشترك” وجد نفسه محاصراً بين عَنَت نظامٍ مستعدّ لارتكاب كل الحماقات من أجل أن يتفادى المصائر التونسية والمصرية والليبية، وبين راديكالية “شارع” يريد بلوغ أهداف لا تتيح له توازنات القوى تحصيلها . ولقد اضطرّ ذلك قوى المعارضة إلى الإمساك بالعصا من الوسط لئلا تذهب تضحيات الشعب هباءً، ولئلا تضيع فرصة خروج علي عبدالله صالح بأقل الخسائر، خاصة أن الفصول الأخيرة من الأزمة غلبت عليها قرقعة السلاح، والضغط الدولي والإقليمي ذاهب بالأزمة إلى التسوية لأسباب ودواعٍ مختلفة ومتباينة .
هل هي تسوية طويلة الأمد، أم انتقالية؟ هل ستكرّس أمراً واقعاً لم يكن ممكناً شطبُه، أم ستفتح طريقاً أمام تفكيك البقايا والذيول، واستكمال ما دشّن الشباب مساره منذ عام؟ يتوقف ذلك على حصافة الرؤية لدى الثوار والمعارضة في مجال إدارة تناقضات المرحلة الانتقالية وتذليل استعصاءاتها . القليل القليل من الأخطاء سيولّد الكثير الكثير من النكسات، وهذا ما لا ينبغي أن يكون .
الحياة برس - وقفت الثورة اليمنية في منتصف الطريق . لم تخسر قضيتها تماماً، ولا كسبتها تماماً . لم تبلغ ما بَلَغَتْه شقيقَتَاهَا في تونس ومصر من إزالة كاملة لعمران النظام القائم، لكنها - في الوقت عينه - لم تخرج من “المولد بلا حُمّص” كما يقول المثل الشعبي، فقد فرضت إرادتها في حمل رأس النظام على الخروج من مشهد السياسة والسلطة في البلاد . وليس هذا بقليل عند من يعرفون عَنَتَ الرئيس، والقوة الاجتماعية، والسياسية، والأهلية والعسكرية التي كان يتسربل بها، وبها يحمي نظامه ويوفّر له حزام الأمان .
حصدت ثورة اليمن ما سمح لها توازن القوى بتحصيله . سيقال إن الذين أنضجوا هذه التسوية السياسية التي لا تقتل الذئب ولا تُفْني الغنم، لم يكونوا من أبناء اليمن حصراً، ولم ينحصر جمعهم في أحزاب “اللقاء المشترك” وقوى النظام، وإنما زيد عليه بغيرهم ممّن دخلوا على خط الأزمة من الإقليم والنظام الدولي، وأن كفاحات ملايين المواطنين في البلاد، من أجل الذهاب بالثورة إلى نهاياتها، اصطدمت بتأثير فاعلين آخرين في الأزمة “من خارج البلد”، وكان ذلك سبباً في شلّ فعالية توازن القوى الداخلي .
قد يكون ذلك صحيحاً، وهو - قطعاً - صحيح . ولكن الصحيح أيضاً، وبالمقدار نفسه، أن أي توازن قوى، في داخل أي بلد، إنما هو محصَلة فِعْلِ عوامل عدّة متنوعة: داخلية وخارجية، وخاصة حينما يكون البلد الذي يجتاز أزمة على درجة من الأهمية الاستراتيجية في إقليمه، ومستباحاً من الخارج العالمي: مثلما كَانَهُ اليمن في عهد رئيسه المخلوع، وليس، في ضوء أحكام هذه الحقيقة، ما يبطل الاعتقاد بأن هذا الذي حصدته ثورة اليمن هو كلّ ما كانت تستطيعه في سياق شروطها وتوازناتها الموضوعية، والخارجة - في غير قليل من معطياتها - عن إرادتها، ذلك أن حسبان ما جرى مجرّد “مؤامرة على الثورة” بغية إجهاضها - وإن كان لا يبعد عن الصحة في جوانب منه عدة - يكاد ينسى أن الثورة لم تكن تعني، عند كثيرين من خارج اليمن، مجردَ إسقاط نظام قائم فحسب، بل تهديداً لمصالح إقليمية ودولية لم يكن مسموحاً للثوار بتقرير مصيرها . وبالتالي، كان على الثورة - وعلى شبابها الباسل - إدراك حقيقة اتصال مصير اليمن بمصير مصالح القوى تلك، وإدراك أن هامش استقلالية قرار الثورة ضيق جداً أمام تزاحم تدخل القوى الخارجية الوافدة على الأزمة اليمنية من كلّ حدب وصوب . ولقد يُقال - وقيل فعلاً - إن قوى المعارضة اليمنية، المؤتلفة في “اللقاء المشترك”، خذلت شباب الثورة في الساحات حين هبط برنامجها السياسي عن معدل مطالبهم الراديكالية، فمالت إلى التسوية، وإلى أنصاف الحلول، وطفِقَتْ تفاوض النظام من وراء حجاب، وتبرم صفقة معه، من خلال المبادرة الخليجية، تاركة شباب الثورة من دون غطاء سياسي داخلي، ومن دون سند حزبي يرفد موقفهم . والحق أن إلقاء اللوم على قوى “اللقاء المشترك” كان واحداً من الأهداف السياسية التي تَغَيّاها من ابتغوا فرض تسوية للأزمة اليمنية لا تلحظ مطالب الثورة، ذلك أن تصوير مآلات التسوية وكأنها ثمرة لخذلان الشباب من قبل “اللقاء المشترك”، إنما مراده دق الأسافين بين الثورة والمعارضة، ونقل الصراع من صراع بين إرادة الجموع الشعبية، من جهة، ونظام علي صالح، من جهة أخرى، إلى صراع بين الشباب والقوى الوطنية . وفي ذلك ما يفتح جروحاً لا تندمل، وتوجسّاً متبادلاً لا يزول، ونزفاً في العلاقة لا يتوقف . هل هناك أفضل من هذا السيناريو الخصاميّ كي يعود من النافذة من خرجوا من الباب مجبرين وصاغرين؟
لسنا نلتمس عذراً لقوى “اللقاء المشترك” في هذا الذي جرى، ولا نبغي التغطية على أخطائها السياسية، غير القابلة للتبرير، في حق الثورة وشبابها ومطالبها، إنما نحن نحاول أن نتفهم ظروفها التي أخذتها إلى قبول تسوية لم تُرضِ أحداً من الذين ثاروا بنظامهم وثاروا برئيسه، وأحسَبُ أن عدم الرضا هذا مما تشعر به المعارضة نفسها . وأول ما نتفهمه أن “اللقاء المشترك” وجد نفسه محاصراً بين عَنَت نظامٍ مستعدّ لارتكاب كل الحماقات من أجل أن يتفادى المصائر التونسية والمصرية والليبية، وبين راديكالية “شارع” يريد بلوغ أهداف لا تتيح له توازنات القوى تحصيلها . ولقد اضطرّ ذلك قوى المعارضة إلى الإمساك بالعصا من الوسط لئلا تذهب تضحيات الشعب هباءً، ولئلا تضيع فرصة خروج علي عبدالله صالح بأقل الخسائر، خاصة أن الفصول الأخيرة من الأزمة غلبت عليها قرقعة السلاح، والضغط الدولي والإقليمي ذاهب بالأزمة إلى التسوية لأسباب ودواعٍ مختلفة ومتباينة .
هل هي تسوية طويلة الأمد، أم انتقالية؟ هل ستكرّس أمراً واقعاً لم يكن ممكناً شطبُه، أم ستفتح طريقاً أمام تفكيك البقايا والذيول، واستكمال ما دشّن الشباب مساره منذ عام؟ يتوقف ذلك على حصافة الرؤية لدى الثوار والمعارضة في مجال إدارة تناقضات المرحلة الانتقالية وتذليل استعصاءاتها . القليل القليل من الأخطاء سيولّد الكثير الكثير من النكسات، وهذا ما لا ينبغي أن يكون .