دارون أسيموجلو وجيمس روبنسون
مع انحسار صخب الأزمة الاقتصادية العالمية، عادت السمة الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي لتفرض نفسها من جديد على اهتمامات الاقتصاديين والجماعة البحثية، ويقصد بذلك الهوة الواسعة بين البلدان الغنية والفقيرة، حيث تتبدي هذه الفجوة الآن بشكل غير مسبوق.
في هذا السياق، يأتي كتاب"لماذا تفشل الأمم .. جذور السلطة والرفاهية والفقر؟" الذي ألفه اثنان من الأكاديميين الأمريكيين المتخصصين في علمي الاقتصاد والسياسة، وهو يعد خطوة في مشروع بحثي استمر لما يقرب من خمسة عشر عاما، يهدف لوضع نظرية جديدة في علم الاقتصاد السياسي، استنادا إلى الخبرات التاريخية، بدءا من الإمبراطورية الرومانية، مرورا بخبرات القرون الوسطي، الاتحاد السوفيتي، وأمريكا اللاتينية، وانجلترا، وأوروبا، والولايات المتحدة.
ويحاول النموذج التفسيري الجديد الإجابة على عدد من الأسئلة التي تطرح نفسها في الوقت الحالي، أبرزها: لقد نجحت الصين في بناء ماكينة نمو استبدادية، فهل ستواصل النمو وفرض سيطرتها على الغرب؟ هل لا تزال الإمبراطورية الأمريكية في صعود؟ ما الطريقة المثلي لإعانة مليارات البشر على الانتقال من الفقر إلى الرفاهية؟
ويتساءل مؤلفا الكتاب: لماذا ملأ المصريون ميدان التحرير لإسقاط مبارك؟ وما مدلول ذلك بالنسبة لتحليلات الفقر والرفاهية؟ معتبرين أن الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة العربية كان أساسها تململ السكان من الفقر، والتعبير عن وضع اجتماعي بالغ الاختلال. فمعدل دخل المواطن المصري يمثل 12 ٪ من معدل دخل المواطن الأمريكي. أما نسبة السكان الذين يعيشون الفقر المدقع، فتصل حسب الإحصاءات إلى 20 ٪. ويري الكاتبان أن من أبرز القواسم المشتركة بين دول الربيع العربي، مصر وتونس وسوريا والبحرين وليبيا، أن هناك نخبة سياسية تستغل نفوذها لتوزيع الموارد الاقتصادية على نفسها.
إخفاق في تفسير الهوة بين الدول الغنية والفقيرة:
حاول الفصل الأول، وعنوانه "قريب جدا ومختلف جدا"، تفسير سبب التباين في مستوي معيشة الأماكن المتشابهة في الجغرافيا، والثقافات، والتركيبة العرقية. ولعل المثال الصارخ في هذا السياق هو كوريا. فعلى الرغم من التشابه أو التماثل في البنية الاجتماعية والطبيعية للكوريتين، فإن كوريا الشمالية تعد من أفقر الدول، بينما كوريا الجنوبية من أغناها. وتفسير ذلك أن كوريا الجنوبية أنشأت مجتمعا خلق الحوافز، وكافأ المبدعين، وسمح للجميع بالمشاركة في الفرص الاقتصادية. واستمرت كوريا الجنوبية في النجاح الاقتصادي الذي حققته، لأن الحكومة أضحت متجاوبة ومسئولة أمام مواطنيها. أما كوريا الشمالية، فقد تحملت عقودا من القمع السياسي.
ويركز الفصل الثاني على النظريات التي فقدت قدرتها التفسيرية، فيرفض الكاتبان النظريات التي ترى أن السبب وراء فقر بعض الدول ليس محدودية ثقافتها أو مواردها، أو لجهل زعمائهم بالسياسات الصحيحة. إذ يري الكتاب أن هذه العوامل ليست قدرية التأثير، وإلا فكيف نفسر حقيقة أن دولة محدودة الموارد مثل بتسوانا أضحت واحدة من الدول ذات معدلات النمو الأكثر تسارعا على مستوي العالم.
جاء الفصل الثالث بعنوان "صناعة الرفاهية والفقر"، محاولا توضيح أن مستوي الفقر والرفاهية يتحدد وفق المحفزات التي تخلقها المؤسسات في أي دولة، وكيف تتحدد هذه المؤسسات في ضوء العوامل السياسية.
ويقصد بـ "المؤسسات" حكم القانون، وتقييد قوة الحكومة، وهو أمر في غاية الأهمية لإحداث التنمية الاقتصادية، والإبقاء عليها. واستعان الكاتبان بالخبرات التاريخية لإثبات وجهة نظرهما، فحاول الفصل الرابع استقراء التاريخ لمعرفة كيف تتغير المؤسسات خلال الصراعات السياسية، ومن ثم كيف يتغير الحاضر بسبب الماضي.
ويتناول الفصل السادس تطور المؤسسات عبر الزمن، والانحرافات التي قد تعوق ذلك النمو. تلاه الفصل السابع الذي حمل عنوان "نقطة التحول" في إشارة إلى ثورة 1688 في إنجلترا، وكيف غيرت المؤسسات الموجودة بالتخلص من النخب الحاكمة، وتغيير طريقة ممارسة السياسة، مما أدي في نهاية المطاف لتغيير الاقتصاد، وفتح المجال أمام الثورة الصناعية.
حاول الفصل الثامن الإجابة على تساؤل: لماذا اتجهت النخب السياسية القوية في العديد من الدول لمعارضة الثورة الصناعية لحماية مكانتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفي إطار التحليل ذاته، حمل الفصل التاسع عنوان "التطور المعاكس"، حيث ركز على دور الاستعمار الأوروبي في إفقار أجزاء كبيرة من العالم.
كما يعرض الكتاب لنموذج مغاير من تأثير المؤسسات السياسية في النمو الاقتصادي، وهو تحقيق بعض الدول للنمو الاقتصادي، في ظل وجود مؤسسات سياسية استبدادية في ضوء التركيز على تجربة الصين. إذ شهد العقد الماضي ظاهرة الصعود الاقتصادي للصين، بل من المتوقع أن تهدد الصين مركز الولايات المتحدة، باعتبارها القوة الاقتصادية العظمي.
وفي تقييمهما للتجربة الصينية، يري المؤلفان أن درجة الرفاهية بالصين لا تزال دون المستوي، ومن غير المتوقع أن تستمر، لاسيما في ظل حقيقة أن المؤسسات السياسية في الصين موجهة فقط نحو تمكين النخبة من خدمة مصالحها الخاصة، خاصة مع سيطرة الحزب الحاكم على الجيش والإعلام والكوادر السياسية. وهذه التركيبة وإن مكنت الاقتصاد من تجاوز الفقر، فإنه لن يصل إلى النموذج الغربي في الرفاهية.
هل يمكن نشر الرفاهية في العالم؟
ركز الفصل العاشر على السبل المختلفة لنشر الرفاهية في العالم. وتناول الفصل الحادي عشر ما سماه "الحلقة المتصاعدة"، مستعرضا كيف أن المؤسسات التي تشجع الرفاهية تخلق ردود فعل إيجابية تمنع الجهود التي تبذلها النخب لتقويض ذلك التقدم. وعلى العكس من ذلك، استعرض الفصل الثاني عشر ما سماه "الحلقة المفرغة"، وخلالها تؤدي المؤسسات التي تخلق الفقر إلى ردود فعل سلبية تضمن استمرارها.
وحاول الفصل الثالث عشر الإجابة على سؤال "لماذا تفشل الأمم في الوقت الحالي؟"، ويقدم لذلك إجابة وحيدة، هي "المؤسسات" بمعني القواعد السياسية، التي يراها السبب وراء أي نجاح أو فشل اقتصادي.وللتدليل على رؤيته، يستعرض الكتاب في الفصل الرابع عشر، تحت عنوان "كسر القوالب"، كيف غيرت بعض الدول مسعاها الاقتصادي بتغيير مؤسساتها السياسية.
وفي النهاية، يقدم الفصل الخامس عشر من الكتاب مقاربة لفهم الخط الفاصل بين الفقر والرفاهية، محاولا استطلاع كيف كان يمكن أن يكون العالم مختلفا، لو نجحت محاولات محاربة الفقر، ولماذا فشلت غالبية هذه المحاولات؟.