صفحة 1 من 1

هل تستطيع دول الخليج احتواء تحديات" الهلال الإخواني"؟

مرسل: الأحد إبريل 15, 2012 10:21 pm
بواسطة خليل القحطاني 3
كشف موقف الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني من تصريحات محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي هدد فيها بتحريك العالم الإسلامي ضد الإمارات، إذا تم اعتقال يوسف القرضاوي، عن بعد آخر للعلاقات بين الإخوان ودول الخليج، على نحو يستدعي إعادة تقييم التصور الذي كان سائدا بين المهتمين بالمنطقة من أن الخليج هو "الحاضن" لجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها، ولكن من الواضح أن العلاقة بين الإخوان ودول الخليج أكثر تعقيدا.

نماذج التعامل الخليجي مع الإخوان

لا يعني احتضان دول الخليج لقيادات الإخوان المسلمين، وسماحها لهم بإنشاء جمعيات وتنظيمات تتبنى الفكر الإخواني، عدم وجود مخاوف لدى تلك الدول من الإخوان، طوال فترة "الغضب العربي" على الإسلاميين، حيث تفيد مراجعة تاريخ هذه العلاقة في دول الخليج الست أنها لم تكن دول مرحبة بإطلاق بوجود الإخوان المسلمين فيها ككيان، يمارس أنشطته دون قيود.

وقد اختلف حجم القيود المفروضة عليهم من دولة لأخرى، نتيجة لاعتبارات خاصة بدرجة انفتاح النظام السياسي، ونوع الثقافة السياسية السائدة في المجتمع، ودرجة تنوع القوى السياسية النشطة فيه.وبالتالي، تقدم الدول الست نماذج مختلفة للتعامل مع الإخوان.فإلى جانب قطر التي تم في 1999 تفكيك تنظيم الإخوان المسلمين فيها، هناك تضييق واضح على نشاطهم الدعوي من قبل الإمارات وعمان والسعودية.

بينما تقدم كل من البحرين والكويت، خبرتين مختلفتين،حيث سمحتا للإخوان بالمشاركة في الحياة السياسية، من خلال جمعية المنبر الإسلامي،و الحركة الدستورية الإسلامية على التوالي، وتعتبر حالة البحرين أحدث من حالة الكويت، حيث ارتبط السماح للإخوان بالمشاركة في الحياة السياسية فيها بانطلاق عملية الإصلاح السياسي منذ 1999.

لقد أصبح واضحا أن أزمة الشرعية التي تعانيها دول الخليج ليس مصدرها الشيعة فقط، فهناك مخاوف لدى النخب الحاكمة الخليجية بدرجات متفاوتة من اهتزاز شرعيتها، لصالح الإخوان المسلمين، خاصة بعد تشكل "هلال إخواني" يرتكز على نجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات في مصر وتونس، وغيرها من الدول العربية، بما في ذلك تلك التي لم تشهد ثورات، كما في حالة الكويت، حيث أصبح هذا الهلال يمتد من شمال إفريقيا، وصولا إلى الكويت، ويحظى بدعم ما من أطراف محددة في بعض الدول الخليجية.

ورغم أن شرعية هذه النخب ترتكز في جزء منها على اعتبارات تاريخية مختلطة مع اعتبارات قبلية ودينية، حيث لا يمكن تصنيفها على أنها نظم علمانية، فإن الخطاب السياسي المتقدم للإخوان، الذي ينتقد غياب الأطر المؤسسية لهذه الشرعية، يمثل تحديا مهما لهذه الشرعية.

ومتابعة رد فعل دول الخليج على تشكل هذا الهلال الإخواني، تسمح بالحديث عن دول أيدته، مثل قطر، وهو ما يمكن تفسيره باعتبارات خاصة برغبتها في التحكم في عملية التغيير التي تشهدها بعض الدول في المنطقة، من خلال دعم قوى محددة، وربما يرجع اختيارها لدعم القوى الإخوانية إلى احتضانها يوسف القرضاوي منذ عقود، والذي يتمتع بمكانة خاصة لدى الاخوان المسلمين، كما يرجع أيضا لكون الإخوان القوى الأكثر تنظيما في معظم الدول العربية التي شهدت ثورات خلال العام الماضي، مما يجعل الرهان عليهم غير خاسر.

كما أن هناك دولا نظرت لصعود الإخوان نظرة "ريبة"، كما في حالة السعودية والإمارات. فعلى سبيل المثال، تحدث ضاحي خلفان، رئيس شرطة دبي، في مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي، الذي عقد في إطار مجلس التعاون، في البحرين في 18 يناير الماضي، عن أن الإخوانهم تهديد يعادل في أهميته التهديد الإيراني لأمن الخليج. بينما هناك دول أخرى لم تول الموضوع اهتماما، لأنها حسمت علاقتها مع الإخوان فيها، وهو ما تعبر عنه حالات عمان والبحرين والكويت.

مخاوف خليجية من التغيير السياسي

ثمة تخوفات خليجية من تحول الإخوان إلى "محرك" لعملية التغيير السياسي في هذه الدول، وليس مجرد قوى تجني ثمار التغيير، كما حدث في دول الثورات.
ويرتكز هذا التخوف على عاملين، يتعلق العامل الأول بأن دول الخليج لم تحسم بعد مسار التغيير السياسي فيها، في الوقت الذي انتشرت فيه في المنطقة الثورات كأداة للتغيير السياسي. وتفيد خبرة كبت الاحتجاجات في البحرين برفض هذه الدول، بشكل أو بآخر، التغيير الذي يقوده الشعب، حيث لا تزال تتمسك بالتغيير الذي تقوده النخبة الحاكمة، وهذا يتعارض مع تحركات الإخوان في الخليج، التي هي في جزء منها ترجمة لأثر الانتشار المرتبط بصعود الإخوان المسلمين في مصر وتونس، والكويت، والمغرب، وليبيا.ولعل الكويت تقدم نموذجا أيضا، حيث يقود الإخوان المعارضة السياسية هناك للمطالبة بانتخاب رئيس وزراء شعبي، بدلا من رئيس الوزراء الذي يعينه الأمير.

وينصرف العامل الثاني إلى رغبة إخوان الخليج في الاستفادة من صعود الإخوان في الدول الأخرى، من خلال إعادة طرح فكرة أن الإضرار بالإخوان في أي دولة يستدعي تحرك الإخوان في الدول الأخرى لمساندتهم. فتصريحات يوسف القرضاوي التي أغضبت قائد شرطة دبي، كان هدفها إثارة قضية أعضاء حركة الإصلاح الإخوانية في الإمارات الذين تم سحب جنسياتهم، أكثر منها إثارة قضية السوريين، وهذا يتعارض مع اتجاه دول الخليج، خاصة بعد احتجاجات البحرين، لتقوية فكرة الانتماء للدولة، وتعزيز المواطنة، في محاولة منها لاحتواء الارتباطات الخارجية للمكونات الشيعية فيها، وكأساس جديد للدولة التي تعمل على تحديثها، باتجاه التخلص من شكل الدولة التقليدية.

المعالجة الخليجية للتحدي الإخواني

يبدو أن قدرة دول الخليج على احتواء التحدي الذي يطرحه الإخوان لشرعية النخب الحاكمة فيها محدودة، وذلك لعدة أسباب، يتعلق السبب الأول بأن أزمة الشرعية التي يثيرها الإخوان المسلمون، مصدرها قدرتهم على تقوية المجتمع وتوعيته سياسيا في مواجهة الدولة التي هي ضعيفة بطبيعتها، معتمدين في ذلك على رأسمال اجتماعي تكون من خلال انتشارهم الأفقي في المجتمعات الخليجية، من خلال النشاط الدعوي والخيري، والسيطرة على وزارات التعليم.

وهذا يجعل التحدي الذي يطرحه الإخوان لشرعية النظم الحاكمة في الخليج مختلفا نوعيا عن التحدي الذي تطرحه القوى الشيعية، حتى في حالة الدول التي يتمتعون فيها بأغلبية عددية، مثل البحرين. فقدرة الشيعة على تعبئة القوى الأخرى المختلفة معها طائفيا لدعم مطالبهم محدودة، كما أن الخدمات التي تقدمها الحسينيات الشيعية تخدم بالدرجة الأولى الشيعة. وبالتالي، فإن الانتشار الأفقي للشيعة في المجتمع البحريني، من خلال الحسينيات، هو مخصص لخدمة الشيعة فقط.

ويتعلق السبب الثاني، الذي يرتبط بالسبب الأول، بعدم فاعلية استراتيجية "الاتهام بالارتباط الخارجي"، التي تعتمدها دول الخليج، في علاج أزمة الشرعية التي يثيرها الإخوان المسلمون، نظرا لقدرة الإخوان على التأثير في المجتمع. وهذه الاستراتيجية استخدمتها دول، مثل البحرين والسعودية، في مواجهة الشيعة.

وقد اعتمد عليها النظام البحريني بعد تصاعد الاحتجاجات هناك، واتخذها مبررا لتدخل قوات درع الجزيرة، في سابقة من نوعها من أجل حماية أمن النظام. ولكن لا تزال إثارة مسألة ارتباط الإخوان الخارجي، ومبايعتهم للمرشد العام للجماعة لنزع الشرعية عنهم، غير فاعلة، خاصة مع إدراك الإخوان خطورة الكشف الصريح عن هذا الارتباط، خاصة بعد أزمة تصريحات القرضاوي، حيث صمت إخوان البحرين والكويت تحديدا عن تأييد أو التنديد بصريحات محمود غزلان، بما يشير إلى إدراكهم التكلفة العالية لأي تحرك، خلال هذه المرحلة. وتظل القاعدة الشعبية التي يتمتع بها الإخوان، والمبنية على شبكة الخدمات التي يقدمونها، متغيرا يعزز من مواقفهم.

ويمكن القول إن طبيعة العلاقة بين الإخوان ودول الخليج طوال الفترة المقبلة، مرتبطة في جزء كبير منها باستراتيجيات الإخوان، وما إذا كانت ستتجه لتحد أكبر لشرعية النظام السياسي في محاولة لدفع عملية التغيير السياسي، وربما قيادته، تأثرا بصعود الإخوان المسلمين في دول أخرى، أم أنها ستمارس أنشطتها باعتبارها إحدى القوى الاجتماعية، أو السياسية (كما في حالة البحرين والكويت)، والتي تعمل في ظل نظام سياسي، تختلف طبيعته عن النظم التي جنى فيها الإخوان ثمار التغيير السياسي.

وقد يمثل هذا الخيار الأخير تحديا كبيرا للإخوان، خاصة في الدول التي يتمتع فيها الإخوان بشعبية، دون أن يحصلوا على نفوذ سياسي يعادل تلك الشعبية.
إن احتضان دول الخليج للإخوان لم يكن سلوكا سياسيا خاليا من "التبعات غير المقصودة" Unintended consequences، وتتعلق المشكلة بقدرة هذه الدول على معالجة هذه التبعات. والأكيد أن دول الخليج ستتحرك في مواجهة أي قوى تسعى لتوظيف الدين، بمذهبيه السني والشيعي، من أجل المساس بشرعية النخب الحاكمة، التي بدأت تتأزم مع ربيع الثورات العربية.