صفحة 1 من 1

ذريعة "التدخل الإنساني" في العلاقات الدولية

مرسل: الاثنين إبريل 16, 2012 1:02 pm
بواسطة عبدالله باكوبن 5
باشر الغرب بقيادة الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة باستثمار انهيار الاتحاد السوفياتي ومحاولة تكريس وتعميم وفرض قواعد سلوك النموذج الغربي على مستوى العالم. استند المشروع على دعامتين هما الرأسمالية متمثلة باقتصاد السوق الحر والليبرالية المتمثلة بوصفة الديمقراطية الغربية ومنظومة حقوق الإنسان من وجهة نظر الغرب ويؤسس من خلالها نظام وحيد لحقوق الإنسان يتجاوز الخواص القومية والإقليمية والخلفيات التاريخية والدينية والثقافية المختلفة لبقية الوحدات الدولية.
لقد حددت الولايات المتحدة بكل وضوح المسارات التي يجب على العالم أن يتبعها بعد الحرب الباردة, ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الخطاب السنوي للرئيس الأميركي جورج بوش الذي ألقاه عن حالة الاتحاد في يناير/كانون الثاني 1990 في الكونغرس، حيث قال (إن الولايات المتحدة الأميركية تقف على أبواب القرن الحادي والعشرين، ولا بد أن يكون هذا القرن الجديد أميركيا بقدر ما كان القرن الذي سبقه قرنا أميركيا).وهذا ما طبق من خلال استخدام كل الوسائل ابتداء من القوة العسكرية المباشرة كما حصل في الصومال وأفغانستان والعراق، إلى توظيف منظمات الأمم المتحدة غطاء لإضفاء الشرعية، وإلى وسائل كانت تعد لوقت قريب من آليات التعاون في العلاقات الدولية أو على الأقل من وسائل تحييد الدول في مواقفها بين المعسكرين المتصارعين، والمقصود بها المعونات والمساعدات الإنسانية وربطها بشروط اقتصاد السوق والنموذج الليبرالي، وكذلك تصميم وصفات جاهزة للأنظمة السياسية يعدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لربط القروض المالية بمدى التناسق والانسجام مع قواعد النظام الدولي الجديد الذي بشر به القادة والمنظرون الغربيون بعد الحرب الباردة وشرطا للقبول بالدول في عضوية المجتمع الدولي.
ثمة انتقادات وجهتها كثير من دول العالم لما يحمله هذا الاتجاه من مقاصد تفتيتية مغرضة تستهدف كيانات الدول وتدفع إلى مزيد من التشرذم بين الدول وتهديدا لاستقلالها السياسي ووحدتها الوطنية انسجاما مع تجليات العولمة ومؤسساتها الاقتصادية وكذلك الاستفادة من القدرات التكنولوجية المتفوقة في مجال الاتصالات والمعلومات لتحقيق الاختراق الثقافي بغية إضعاف المجتمعات وخلق المواطن العالمي (Universal Citizen) وإحلال المؤسسات العالمية لتحل محل الدولة القومية، وهو ما يفسح المجال للدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية للتفرد في تقرير أمور السياسة الدولية والهيمنة على الشعوب وتفتيتها بحجة تمكينها من ممارسة حقوقها.
وتكمن الخطورة في هذا الاتجاه والتحول ليس في رسم ملامحه من قبل الولايات المتحدة أو تبنيه من الدول الغربية بل في تبني المنظمة الدولية ومؤسساتها لهذا الاتجاه وتغليفه بالشرعية والقوانين الدولية، مما يعد تحولا كبيرا في مفاهيم سادت المرحلة السابقة للعلاقات الدولية قبل الحرب الباردة تخص تحولا في مفاهيم السيادة والتدخل في الشؤون الداخلية والوحدة الوطنية.
تغيرت طبيعة الصراعات في العالم بعد الحرب الباردة حيث شهدت انتقالا من الصراعات الدولية إلى زيادة كبيرة في نسبة الصراعات الداخلية، وانسجاما مع ذلك وظف الغرب آليات جديدة يدار من خلالها الصراع بعد الحرب الباردة، هذه الآليات تتكامل جميعا باتجاه تفتيت الدول القومية وتوظيف المشاكل العرقية والإثنية التي لا تخلو أي دولة منها. وفي سبيل ذلك جرى تفسير مبدأ التدخل الإنساني (Humanitarian Intervention) تفسيرا سياسيا بحتا تتحكم فيه المصالح الغربية، إذ بدأ هذا المبدأ بعد انتهاء الحرب الباردة يفقد حدوده تدريجيا وقيمته بعد أن وظف آلية جديدة لإدارة المنظور الغربي بقيادة الولايات المتحدة، فأصبح بمنزلة أداة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول والمساس بسيادتها والضغط على الحكومات من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لصالحها، وتحولت من آليات للتعاون وإشاعة مفاهيم السلام إلى أدوات للضغط والإكراه.
لقد أصبح مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان وكيفية تطبيقاتها أمرا ليس داخليا بل شأنا دوليا. وأضفت المنظمات الدولية الشرعية والغطاء الكافي لكي ينحى القانون الدولي ويتحول من حق الدول في عدم التدخل في شؤونها الداخلية إلى الحق في التدخل.
يتجسد مفهوم الحق في التدخل في أنه عملية ضغط وإكراه تمارسه منظمة دولية إقليمية، أو يأخذ شكل تحالف لجمع عدد من الدول أو حتى من جانب دولة واحدة فقط. بقصد إجبار الدولة المتدخل فيها على القيام بعمل ما، أو الامتناع عن القيام به أو العدول عن إجراءات معينة تعدها الدولة أو الدول المتدخلة إجراءات تعسفية ضد رعاياها المقيمين على أراضيها أو الأقليات الإثنية من مواطنيها. كما يعد الحق في التدخل سلوكا خارجا عن المألوف يكون هدفه المعلن أغطية وشعارات إنسانية وأمنية وبيئية تغلف جميعها آليات إدارة الصراع الدولي التي تشكل حقيقة الهدف من وراء التدخل، وهو تحقيق مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية.