- الأحد إبريل 22, 2012 4:07 am
#48711
هناك أكثر من موقف بخصوص المسألة اليهودية والقضية الفلسطينية يمكن حصرها فى ثلاث مواقف محددة وهى الرؤية الماركسية والموقف الإسلامى وكذلك موقف الحركة القومية، وسأبدأ فى هذا المقال بعرض الموقف الماركسى من المسألة اليهودية والصراع العربى الصهيونى
كارل ماركس والمسألة اليهودية:
يعبِّر ماركس عن موقفه من هذه المسألة، بكلّ وضوح، في أطروحته: "حول المسألة اليهوديَّة"، التي كتبها عام 1843، ويناقش فيها أفكار برونو باور في "المسألة اليهوديَّة".
وبالرغم من خصوصية المسألة اليهودية فى المانيا فى تلك الآونة، والحوار المتشابك مع افكار باور فى هذا الشأن فإنه يمكن تلخيص لأفكار ماركس حول الموضوع على النحو التالى:
1- يفرق ماركس بين اليهودى الواقعى واليهودى المتعصب لدينه (السبتى)، فيقول ان اليهودى الواقعى إلهه الدنيوى هو المال، وان حاجته العملية هى المنفعة الخاصة والعبادة الدنيوية له هى التجارة، وفى هذا الإطار يذكر ماركس ان تحرير اليهود يرتبط ارتباطا وثيقا بالنضال ضد الرأسمالية والتخلص من سيطرة المال والتجارة.
2- يذكر ماركس إنَّ تنظيماً للمجتمع يلغي التجارة، أي إمكانيَّة التجارة، يجعل وجود اليهودي مستحيلاً. سينحلّ وعيه الديني مثل بخار باهت في هواء الحياة الحقيقيَّة للمجتمع. ومن جهة أخرى: إذا أقرَّ اليهودي ببطلان جوهره العملي هذا وعمل على إلغائه، فإنَّه يعمل انطلاقاً من تطوُّره حتَّى هذا الوقت، في التحرُّر البشري العام وينقلب ضدَّ أقوى تعبير عملي للاغتراب الإنساني عن الذات.
3- كما يذكر إنَّ التناقض بين السلطة السياسيَّة العمليَّة لليهودي وحقوقه السياسيَّة هو التناقض بين السياسة وسلطة المال بشكل عام. فبينما تحتلّ الأولى نظريّاً مكاناً فوق الثانية، فإنَّها في الواقع مستعبدة لها.
4- يوضّح كذلك أن اليهودي الذي يعتبر عضواً خاصّاً في المجتمع البرجوازي ليس سوى الظاهرة الخاصَّة ليهوديَّة المجتمع البرجوازي.
5- يبيّن ان المال هو إله إسرائيل المتحمِّس الذي لا ينبغي أن يوجد أمامه إله آخر ويحطّ المال من قيمة جميع آلهة الإنسان الأخرى ويحوِّلها إلى سلعة وان المال هو القيمة العامَّة القائمة بذاتها لجميع الأشياء، ومن هنا فقد نهب من العالم كلّه، عالم الإنسان والطبيعة قيمته الخاصَّة فالمال هو الجوهر الغريب عن الإنسان وعمله ووجوده، وهذا الجوهر الغريب لا يسيطر عليه حسب، وإنَّما يجعله يعبده.
6- إنَّ ما هو مجرَّد في الدين اليهودي هو احتقار النظريَّة والفن والتاريخ والإنسان كغاية بحدّ ذاتها، هذا هو الموقف الحقيقي الواعي، فضيلة إنسان المال، أمَّا علاقة النوع ذاتها، العلاقة بين الرجل والمرأة.. الخ فإنَّها تصبح موضوعاً للتجارة! تصبح المرأة بضاعة يتاجر بها، إنَّ القوميَّة الخرافيَّة لليهودي هي قوميَّة التاجر، إنسان المال بشكل عام. وقانون اليهودي الذي لا أساس له ليس سوى الكاريكاتير الديني للأخلاقيَّة التي لا أساس لها وللقانون بوجه عام وللطقوس الشكليَّة حسب، تلك التي يحيط عالم المنفعة الذاتيَّة نفسه بها.
7- كما يؤسس ماركس للمسألة بالقول أن المسيحيَّة انبثقت من اليهوديَّة ثمَّ عادت وذابت في اليهوديَّة، لقد كان المسيحي منذ البدء هو اليهودي المنظِّر، واليهودي من هنا هو المسيحي العملي، وقد أصبح المسيحي العملي يهوديّاً ثانية. لقد تغلَّبت المسيحيَّة على اليهوديَّة الواقعيَّة في الظاهر فقط وقد كانت أكثر سموّاً وأكثر روحانيَّة من أن تلغي فجاجة الحاجة العمليَّة بطريقة أخرى غير تصعيدها إلى أثير المسيحيَّة هي الفكرة النبيلة لليهوديَّة، واليهوديَّة هي الاستخدام العادي للمسيحيَّة، ولكن هذا الاستخدام لم يستطع أن يصبح عامّاً إلا بعد أن استكملت المسيحيَّة كدين ناجز اغتراب الإنسان عن نفسه وعن الطبيعة نظريّاً. عند ذاك فقط استطاعت اليهوديَّة أن تصل إلى السيطرة العامَّة وتبيع (تغيِّب) الإنسان والطبيعة المتخلَّى عنهما وتجعلهما قابلين للبيع، وموضوعاً لعبوديَّة الحاجة الأنانيَّة والتجارة.
8- إنَّ التحرُّر الاجتماعي لليهودي هو تحرُّر المجتمع من اليهوديَّة، أى إنَّ تحرُّر اليهود هو في معناه الأخير تحرُّر البشريَّة من اليهوديَّة.
تلك هى باختصار أفكار كارل ماركس التى عبّر عنها فى كتابه "المسألة اليهودية" التى يربط فيها بوضوح النظرة العامة فى الذهنية الجمعية الأوروبية لليهودى كمرابى يعبد المال وأحد أحط انواع الرأسمالية وهو ما جسده "شكسبير" فى روايته تاجر البندقية بالتاجر شيلوك، إن ما تحدث عنه ماركس ليس بعيدا فى مجمله عن الرؤية الصهيونية فى فلسطين والتى تعاملت بنفس المنطق من شراء الأراضى واستثمار سيطرتها المالية على صانعى القرار فى اوروبا وامريكا.
ولتجاوز آراء كارل ماركس التى يمكن اعتبارها من زاوية الرؤية الصهيونية معادية للسامية، ومن هنا تأتى مفارقة اعتبار بعض الإسلاميين أن ماركس بصفته يهودى كان هو بشكل او آخر الأب الروحى لنشأة هذا الكيان العنصرى الصهيونى، ولكن دعونا نرى موقف لينين من القضية اليهودية وموقف الجماعات اليهودية فى روسيا القيصرية وبعد قيام الثورة البلشفية.
لينين والمشكلة القومية اليهودية:
حارب لينين بشدة ضد محاولات اليهود الروس تمييز أنفسهم وذلك من خلال تشكيل حزب لهم تحت اسم الحزب الإشتراكى الديموقراطى"البوند" والذى كان تطورا من "الاتحاد العام للعمال اليهود فى روسيا وبولندا وليتوانيا" ويضم فى عضويته اكثر من 40 الف يهودى، واكد الحزب انتمائه الى الماركسية ودعا الى قيام نظام فيدرالى فى روسيا يقوم على اساس القوميات مع ادارة ذاتية لكل قومية، وقد عارض لينين ذلك بشدة مبينا ان هناك طبقة عاملة واحدة فى روسيا وان العمال اليهود هم جزء لا يتجزأ منها والحل النهائى لمشكلة العمال اليهود فى روسيا يكون بالإندماج فى الطبقة العاملة الروسية معتبرا ان هذا الحزب شوفينى ولا يمكن اعتباره حزبا مستقلا ولا ثوريا من الأساس، و يدعو الى ربط مصير الجماهير الشعبية اليهودية بمصير الجماهير الشعبية الروسية، والى حل "المسألة اليهودية" على قاعدة النضال ضد الرأسمالية والامبريالية والحكم الاستبدادي الاوتوقراطي والتمييز العنصري والديني والاتني بمجمله، بما في ذلك النضال ضد الطغمة المالية اليهودية،ولكن بحكم طبيعته الخاصة وتطلعاته وارتباطاته الخارجية، فإن الاتجاه الصهيوني في صفوف اليهود سرعان ما تحول الى طابور خامس في روسيا، تحركه المنظمة الصهيونية العالمية والدول الامبريالية الغربية؛ اي طابور خامس معاد للشيوعية والاشتراكية، ومعاد للمصالح القومية لروسيا في الوقت ذاته. ولكن هذا الطابور الخامس الصهيوني، وبالرغم من الدعم المالي من قبل الطغمة المالية الاحتكارية اليهودية والدول الامبريالية الغربية، ظل ذا تأثير وانتشار محدودين في صفوف الجماهير الشعبية اليهودية في روسيا، ولا سيما الجماهير العمالية والفقيرة، التي سارت غالبيتها خلف الخيار الاشتراكي "الاندماجي" وخيار الثورة الديمقراطية والاشتراكية في روسيا، وقد حاول قادة الامبريالية العالمية استغلال العداء بين اليهود الروس والثورة الاشتراكية فى كثير من الأحيان وكتب ونستون تشرشل، عندما كان وزير شؤون القوَّات البريَّة والجويَّة في بريطاينا عام 1920 بأنَّه يعتبر الصهيونيَّة "ردّاً على الشيوعيَّة العالميَّة" في مجال المسألة اليهوديَّة، ولذلك فإنَّ الصهيونيَّة "يجب أن تأخذ بلبّ الشعب اليهودي"، وواضح ان الصهيونيَّة في نشأتها وطبيعة تكوينها وارتباطاتها وأهدافها كانت في موقف النقيض التام للشيوعيَّة، ولا مجال لأيٍّ منهما أن تنجح في تحقيق برنامجها إلا على حساب الأخرى.
وفي ضوء هذا كان من الطبيعي أن يكون الاتِّحاد السوفييتي والحركة الشيوعيَّة العالميَّة في حالة تناقض وعداء مع الحركة الصهيونيَّة ومشروعها الاستيطاني، ورأينا كيف أنَّ الصدام الفعلي حدث منذ البداية، وأنَّ الكومنتيرن قد أدان الصهيونيَّة ورفض فكرة الاستيطان اليهودى فى فلسطين.
قرار التقسيم واعلان دولة اسرائيل:
جاء قرار التقسيم عام 1947 واعتراف الاتحاد السوفيتى باسرائيل ليلقى بظلال كثيرة على موقفه من القضية الفلسطينية، التى كان يدعو الى قيام دولة علمانية ديموقراطية على مجمل الأراضى الفلسطينية تجمع العرب واليهود والمسيحيين جنبا الى جنب، فلماذا تم هذا التراجع فى الموقف؟ وعلى أى أساس برر إعترافه هذا؟، وقد حاول أندريه غروميكو المندوب السوفييتي في المنظَّمة الدوليَّة، آنذاك تبرير هذا الموقف الغريب بأنَّ الاتِّحاد السوفييتي تعامل مع التقسيم باعتباره أحسن الحلول السيئة المطروحة، وقد صاغ جروميكو موقف الاتحاد السوفيتى فى خطابه امام الجمعية العامة على الوجه التالى (ليس للاتِّحاد السوفييتي أيَّة مصالح مباشرة ماديَّة كانت أم غير ماديَّة في فلسطين ولكنَّه قلق من الوضع الناشئ قي هذا البلد باعتباره إحدى الدول الكبرى التي تتحمَّل مسؤوليَّة خاصَّة في حفظ السلام العالمي. وأشار إلى أن من واجب هيئة الأمم المتَّحدة أن تتَّخذ قراراّ يتناسب مع الوضع القائم في فلسطين. وقال: "إنَّ الاتِّحاد السوفييتي قد أشار عند بحث قضيَّة مستقبل فلسطين في الدورة الخاصَّة للجمعيَّة العامَّة بهيئة الأمم المتَّحدة، إلى وجود أقرب وجهين لحلّ تلك المسألة. الوجه الأوَّل: هو إقامة دولة عربيَّة ـ يهوديَّة ديمقراطيَّة موحَّدة تتساوى فيها حقوق العرب واليهود. الا إذا اتَّضح أنَّ ذلك ليس بالحلّ الواقعي، وإذا أعلن العرب واليهود أنَّ ليس بإمكانهما العيش معاً، نتيجة للعلاقات المتدهورة بينهما، فإنَّ الحكومة السوفيتية تقترح بواسطة وفدها في الجمعيَّة العامَّة تحقيق الوجه الثاني وهو تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين مستقلَّتين ديمقراطيَّتين إحداهما عربيَّة والأخرى يهوديَّة).
كانت الصراع العربى الصهيونى قد وصل الى نقطة اللاعودة بعد صراع عسكرى عنيف سبق اعلان دولة اسرائيل بين الشعب الفلسطينى والعصابات الصهيونية ارتكب فيها الصهاينة سلسلة بشعة من المجازر وسط تجاهل الشعوب العربية، ولاحقا بعد اعلان دولتهم تدخلت جيوش الحكومات الرجعية العربية فى شكل هزلى وديكورى لتحرير فلسطين وذلك لتبييض وجهها أمام شعوبها التى انتفضت مطالبة بالتحرك الفورى لإنقاذ فلسطين من الضياع، واستغل الإخوان المسلمين تلك العاطفة ليعلنوا الجهاد ويكدسوا الأسلحة من أجل أغراض خاصة بهم تكشفت فيما بعد.
عودة الى قرار التقسيم الذى أعطى لليهود حصة أكبر كثيرا من حجمهم على الأرض (55%) واعطى للفلسطيينيين النسبة الأقل ( 45%)، ووافق اليهود على القرار واسرعوا بإعلان دولتهم بينما رفض العرب هذا القرار لينتهى الأمر بإستيلاء اسرائيل على باقى الأراضى الفلسطينة بينما ضم الملك عبدالله أمير شرق الأردن للضفة الغربية معلنا قيام المملكة الأردنية الهاشمية ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية.
وقد جرى تعديل جذري على الموقف السوفييتي بعد ذلك؛ ففي العام 1956 قام الجيش الإسرائيلي بالهجوم على غزَّة وسيناء، وتدخَّلت فرنسا وبريطانيا في 31 اكتوبر وفقاً للخطَّة المتَّفق عليها. وفي الخامس من نوفمبر 1956 أنذرت الحكومة السوفييتيَّة المعتدين بأنَّ الاتِّحاد السوفييتي عازم على سحق المعتدين وإعادة السلام في الشرق الأوسط، وهدد بقصف لندن وباريس بالصواريخ النووية، وازاء هذا الوضع وخشية الولايات المتحدة من قيام حرب عالمية تم الضغط على اسرائيل وانجلترا وفرنسا لوقف الحرب وسحب قواتهم.
وفي عام 1967 وقف الاتِّحاد السوفييتي ضدّ العدوان الإسرائيلي على الأردن ومصر وسوريا، وقطع علاقاته الدبلوماسيَّة مع "إسرائيل" وكذلك فعلت "منظومة الدول الاشتراكيَّة"، وظلَّت هذه العلاقات مقطوعة إلى أن انهار الاتِّحاد السوفييتي والمنظومة المتحالفة معه في أوائل تسعينيَّات القرن الماضي.
وبعد هزيمة 1967 وقف السوفييت وحلفاؤهم بقوَّة إلى جانب مصر وسوريا وأعادوا تسليح جيشيهما، بل وفي فترة حرب الاستنـزاف، أرسل الاتِّحاد السوفييتي الكثير من الطائرات الحربيَّة بطيَّاريها، إلى مصر، بناء على طلب من قيادتها، وقد شارك هؤلاء في حماية الأجواء المصريَّة في أثناء حرب الاستنـزاف، وأستشهد بعضهم في أثناء مشاركتهم في القتال.
تلك هى مجمل المواقف المبدئية للفكر الإشتراكى والإتحاد السوفييتى السابق من المسألة اليهودية والقضية الفلسطينية دون إضافات من جانبنا على الموضوع وذلك ردا على مزاعم وترّهات الحاقدين والمعادين للفكر الإشتراكى ودوره التاريخى فى مساندة ودعم قوى التحرر الوطنى والعداء للإمبريالية.
كارل ماركس والمسألة اليهودية:
يعبِّر ماركس عن موقفه من هذه المسألة، بكلّ وضوح، في أطروحته: "حول المسألة اليهوديَّة"، التي كتبها عام 1843، ويناقش فيها أفكار برونو باور في "المسألة اليهوديَّة".
وبالرغم من خصوصية المسألة اليهودية فى المانيا فى تلك الآونة، والحوار المتشابك مع افكار باور فى هذا الشأن فإنه يمكن تلخيص لأفكار ماركس حول الموضوع على النحو التالى:
1- يفرق ماركس بين اليهودى الواقعى واليهودى المتعصب لدينه (السبتى)، فيقول ان اليهودى الواقعى إلهه الدنيوى هو المال، وان حاجته العملية هى المنفعة الخاصة والعبادة الدنيوية له هى التجارة، وفى هذا الإطار يذكر ماركس ان تحرير اليهود يرتبط ارتباطا وثيقا بالنضال ضد الرأسمالية والتخلص من سيطرة المال والتجارة.
2- يذكر ماركس إنَّ تنظيماً للمجتمع يلغي التجارة، أي إمكانيَّة التجارة، يجعل وجود اليهودي مستحيلاً. سينحلّ وعيه الديني مثل بخار باهت في هواء الحياة الحقيقيَّة للمجتمع. ومن جهة أخرى: إذا أقرَّ اليهودي ببطلان جوهره العملي هذا وعمل على إلغائه، فإنَّه يعمل انطلاقاً من تطوُّره حتَّى هذا الوقت، في التحرُّر البشري العام وينقلب ضدَّ أقوى تعبير عملي للاغتراب الإنساني عن الذات.
3- كما يذكر إنَّ التناقض بين السلطة السياسيَّة العمليَّة لليهودي وحقوقه السياسيَّة هو التناقض بين السياسة وسلطة المال بشكل عام. فبينما تحتلّ الأولى نظريّاً مكاناً فوق الثانية، فإنَّها في الواقع مستعبدة لها.
4- يوضّح كذلك أن اليهودي الذي يعتبر عضواً خاصّاً في المجتمع البرجوازي ليس سوى الظاهرة الخاصَّة ليهوديَّة المجتمع البرجوازي.
5- يبيّن ان المال هو إله إسرائيل المتحمِّس الذي لا ينبغي أن يوجد أمامه إله آخر ويحطّ المال من قيمة جميع آلهة الإنسان الأخرى ويحوِّلها إلى سلعة وان المال هو القيمة العامَّة القائمة بذاتها لجميع الأشياء، ومن هنا فقد نهب من العالم كلّه، عالم الإنسان والطبيعة قيمته الخاصَّة فالمال هو الجوهر الغريب عن الإنسان وعمله ووجوده، وهذا الجوهر الغريب لا يسيطر عليه حسب، وإنَّما يجعله يعبده.
6- إنَّ ما هو مجرَّد في الدين اليهودي هو احتقار النظريَّة والفن والتاريخ والإنسان كغاية بحدّ ذاتها، هذا هو الموقف الحقيقي الواعي، فضيلة إنسان المال، أمَّا علاقة النوع ذاتها، العلاقة بين الرجل والمرأة.. الخ فإنَّها تصبح موضوعاً للتجارة! تصبح المرأة بضاعة يتاجر بها، إنَّ القوميَّة الخرافيَّة لليهودي هي قوميَّة التاجر، إنسان المال بشكل عام. وقانون اليهودي الذي لا أساس له ليس سوى الكاريكاتير الديني للأخلاقيَّة التي لا أساس لها وللقانون بوجه عام وللطقوس الشكليَّة حسب، تلك التي يحيط عالم المنفعة الذاتيَّة نفسه بها.
7- كما يؤسس ماركس للمسألة بالقول أن المسيحيَّة انبثقت من اليهوديَّة ثمَّ عادت وذابت في اليهوديَّة، لقد كان المسيحي منذ البدء هو اليهودي المنظِّر، واليهودي من هنا هو المسيحي العملي، وقد أصبح المسيحي العملي يهوديّاً ثانية. لقد تغلَّبت المسيحيَّة على اليهوديَّة الواقعيَّة في الظاهر فقط وقد كانت أكثر سموّاً وأكثر روحانيَّة من أن تلغي فجاجة الحاجة العمليَّة بطريقة أخرى غير تصعيدها إلى أثير المسيحيَّة هي الفكرة النبيلة لليهوديَّة، واليهوديَّة هي الاستخدام العادي للمسيحيَّة، ولكن هذا الاستخدام لم يستطع أن يصبح عامّاً إلا بعد أن استكملت المسيحيَّة كدين ناجز اغتراب الإنسان عن نفسه وعن الطبيعة نظريّاً. عند ذاك فقط استطاعت اليهوديَّة أن تصل إلى السيطرة العامَّة وتبيع (تغيِّب) الإنسان والطبيعة المتخلَّى عنهما وتجعلهما قابلين للبيع، وموضوعاً لعبوديَّة الحاجة الأنانيَّة والتجارة.
8- إنَّ التحرُّر الاجتماعي لليهودي هو تحرُّر المجتمع من اليهوديَّة، أى إنَّ تحرُّر اليهود هو في معناه الأخير تحرُّر البشريَّة من اليهوديَّة.
تلك هى باختصار أفكار كارل ماركس التى عبّر عنها فى كتابه "المسألة اليهودية" التى يربط فيها بوضوح النظرة العامة فى الذهنية الجمعية الأوروبية لليهودى كمرابى يعبد المال وأحد أحط انواع الرأسمالية وهو ما جسده "شكسبير" فى روايته تاجر البندقية بالتاجر شيلوك، إن ما تحدث عنه ماركس ليس بعيدا فى مجمله عن الرؤية الصهيونية فى فلسطين والتى تعاملت بنفس المنطق من شراء الأراضى واستثمار سيطرتها المالية على صانعى القرار فى اوروبا وامريكا.
ولتجاوز آراء كارل ماركس التى يمكن اعتبارها من زاوية الرؤية الصهيونية معادية للسامية، ومن هنا تأتى مفارقة اعتبار بعض الإسلاميين أن ماركس بصفته يهودى كان هو بشكل او آخر الأب الروحى لنشأة هذا الكيان العنصرى الصهيونى، ولكن دعونا نرى موقف لينين من القضية اليهودية وموقف الجماعات اليهودية فى روسيا القيصرية وبعد قيام الثورة البلشفية.
لينين والمشكلة القومية اليهودية:
حارب لينين بشدة ضد محاولات اليهود الروس تمييز أنفسهم وذلك من خلال تشكيل حزب لهم تحت اسم الحزب الإشتراكى الديموقراطى"البوند" والذى كان تطورا من "الاتحاد العام للعمال اليهود فى روسيا وبولندا وليتوانيا" ويضم فى عضويته اكثر من 40 الف يهودى، واكد الحزب انتمائه الى الماركسية ودعا الى قيام نظام فيدرالى فى روسيا يقوم على اساس القوميات مع ادارة ذاتية لكل قومية، وقد عارض لينين ذلك بشدة مبينا ان هناك طبقة عاملة واحدة فى روسيا وان العمال اليهود هم جزء لا يتجزأ منها والحل النهائى لمشكلة العمال اليهود فى روسيا يكون بالإندماج فى الطبقة العاملة الروسية معتبرا ان هذا الحزب شوفينى ولا يمكن اعتباره حزبا مستقلا ولا ثوريا من الأساس، و يدعو الى ربط مصير الجماهير الشعبية اليهودية بمصير الجماهير الشعبية الروسية، والى حل "المسألة اليهودية" على قاعدة النضال ضد الرأسمالية والامبريالية والحكم الاستبدادي الاوتوقراطي والتمييز العنصري والديني والاتني بمجمله، بما في ذلك النضال ضد الطغمة المالية اليهودية،ولكن بحكم طبيعته الخاصة وتطلعاته وارتباطاته الخارجية، فإن الاتجاه الصهيوني في صفوف اليهود سرعان ما تحول الى طابور خامس في روسيا، تحركه المنظمة الصهيونية العالمية والدول الامبريالية الغربية؛ اي طابور خامس معاد للشيوعية والاشتراكية، ومعاد للمصالح القومية لروسيا في الوقت ذاته. ولكن هذا الطابور الخامس الصهيوني، وبالرغم من الدعم المالي من قبل الطغمة المالية الاحتكارية اليهودية والدول الامبريالية الغربية، ظل ذا تأثير وانتشار محدودين في صفوف الجماهير الشعبية اليهودية في روسيا، ولا سيما الجماهير العمالية والفقيرة، التي سارت غالبيتها خلف الخيار الاشتراكي "الاندماجي" وخيار الثورة الديمقراطية والاشتراكية في روسيا، وقد حاول قادة الامبريالية العالمية استغلال العداء بين اليهود الروس والثورة الاشتراكية فى كثير من الأحيان وكتب ونستون تشرشل، عندما كان وزير شؤون القوَّات البريَّة والجويَّة في بريطاينا عام 1920 بأنَّه يعتبر الصهيونيَّة "ردّاً على الشيوعيَّة العالميَّة" في مجال المسألة اليهوديَّة، ولذلك فإنَّ الصهيونيَّة "يجب أن تأخذ بلبّ الشعب اليهودي"، وواضح ان الصهيونيَّة في نشأتها وطبيعة تكوينها وارتباطاتها وأهدافها كانت في موقف النقيض التام للشيوعيَّة، ولا مجال لأيٍّ منهما أن تنجح في تحقيق برنامجها إلا على حساب الأخرى.
وفي ضوء هذا كان من الطبيعي أن يكون الاتِّحاد السوفييتي والحركة الشيوعيَّة العالميَّة في حالة تناقض وعداء مع الحركة الصهيونيَّة ومشروعها الاستيطاني، ورأينا كيف أنَّ الصدام الفعلي حدث منذ البداية، وأنَّ الكومنتيرن قد أدان الصهيونيَّة ورفض فكرة الاستيطان اليهودى فى فلسطين.
قرار التقسيم واعلان دولة اسرائيل:
جاء قرار التقسيم عام 1947 واعتراف الاتحاد السوفيتى باسرائيل ليلقى بظلال كثيرة على موقفه من القضية الفلسطينية، التى كان يدعو الى قيام دولة علمانية ديموقراطية على مجمل الأراضى الفلسطينية تجمع العرب واليهود والمسيحيين جنبا الى جنب، فلماذا تم هذا التراجع فى الموقف؟ وعلى أى أساس برر إعترافه هذا؟، وقد حاول أندريه غروميكو المندوب السوفييتي في المنظَّمة الدوليَّة، آنذاك تبرير هذا الموقف الغريب بأنَّ الاتِّحاد السوفييتي تعامل مع التقسيم باعتباره أحسن الحلول السيئة المطروحة، وقد صاغ جروميكو موقف الاتحاد السوفيتى فى خطابه امام الجمعية العامة على الوجه التالى (ليس للاتِّحاد السوفييتي أيَّة مصالح مباشرة ماديَّة كانت أم غير ماديَّة في فلسطين ولكنَّه قلق من الوضع الناشئ قي هذا البلد باعتباره إحدى الدول الكبرى التي تتحمَّل مسؤوليَّة خاصَّة في حفظ السلام العالمي. وأشار إلى أن من واجب هيئة الأمم المتَّحدة أن تتَّخذ قراراّ يتناسب مع الوضع القائم في فلسطين. وقال: "إنَّ الاتِّحاد السوفييتي قد أشار عند بحث قضيَّة مستقبل فلسطين في الدورة الخاصَّة للجمعيَّة العامَّة بهيئة الأمم المتَّحدة، إلى وجود أقرب وجهين لحلّ تلك المسألة. الوجه الأوَّل: هو إقامة دولة عربيَّة ـ يهوديَّة ديمقراطيَّة موحَّدة تتساوى فيها حقوق العرب واليهود. الا إذا اتَّضح أنَّ ذلك ليس بالحلّ الواقعي، وإذا أعلن العرب واليهود أنَّ ليس بإمكانهما العيش معاً، نتيجة للعلاقات المتدهورة بينهما، فإنَّ الحكومة السوفيتية تقترح بواسطة وفدها في الجمعيَّة العامَّة تحقيق الوجه الثاني وهو تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين مستقلَّتين ديمقراطيَّتين إحداهما عربيَّة والأخرى يهوديَّة).
كانت الصراع العربى الصهيونى قد وصل الى نقطة اللاعودة بعد صراع عسكرى عنيف سبق اعلان دولة اسرائيل بين الشعب الفلسطينى والعصابات الصهيونية ارتكب فيها الصهاينة سلسلة بشعة من المجازر وسط تجاهل الشعوب العربية، ولاحقا بعد اعلان دولتهم تدخلت جيوش الحكومات الرجعية العربية فى شكل هزلى وديكورى لتحرير فلسطين وذلك لتبييض وجهها أمام شعوبها التى انتفضت مطالبة بالتحرك الفورى لإنقاذ فلسطين من الضياع، واستغل الإخوان المسلمين تلك العاطفة ليعلنوا الجهاد ويكدسوا الأسلحة من أجل أغراض خاصة بهم تكشفت فيما بعد.
عودة الى قرار التقسيم الذى أعطى لليهود حصة أكبر كثيرا من حجمهم على الأرض (55%) واعطى للفلسطيينيين النسبة الأقل ( 45%)، ووافق اليهود على القرار واسرعوا بإعلان دولتهم بينما رفض العرب هذا القرار لينتهى الأمر بإستيلاء اسرائيل على باقى الأراضى الفلسطينة بينما ضم الملك عبدالله أمير شرق الأردن للضفة الغربية معلنا قيام المملكة الأردنية الهاشمية ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية.
وقد جرى تعديل جذري على الموقف السوفييتي بعد ذلك؛ ففي العام 1956 قام الجيش الإسرائيلي بالهجوم على غزَّة وسيناء، وتدخَّلت فرنسا وبريطانيا في 31 اكتوبر وفقاً للخطَّة المتَّفق عليها. وفي الخامس من نوفمبر 1956 أنذرت الحكومة السوفييتيَّة المعتدين بأنَّ الاتِّحاد السوفييتي عازم على سحق المعتدين وإعادة السلام في الشرق الأوسط، وهدد بقصف لندن وباريس بالصواريخ النووية، وازاء هذا الوضع وخشية الولايات المتحدة من قيام حرب عالمية تم الضغط على اسرائيل وانجلترا وفرنسا لوقف الحرب وسحب قواتهم.
وفي عام 1967 وقف الاتِّحاد السوفييتي ضدّ العدوان الإسرائيلي على الأردن ومصر وسوريا، وقطع علاقاته الدبلوماسيَّة مع "إسرائيل" وكذلك فعلت "منظومة الدول الاشتراكيَّة"، وظلَّت هذه العلاقات مقطوعة إلى أن انهار الاتِّحاد السوفييتي والمنظومة المتحالفة معه في أوائل تسعينيَّات القرن الماضي.
وبعد هزيمة 1967 وقف السوفييت وحلفاؤهم بقوَّة إلى جانب مصر وسوريا وأعادوا تسليح جيشيهما، بل وفي فترة حرب الاستنـزاف، أرسل الاتِّحاد السوفييتي الكثير من الطائرات الحربيَّة بطيَّاريها، إلى مصر، بناء على طلب من قيادتها، وقد شارك هؤلاء في حماية الأجواء المصريَّة في أثناء حرب الاستنـزاف، وأستشهد بعضهم في أثناء مشاركتهم في القتال.
تلك هى مجمل المواقف المبدئية للفكر الإشتراكى والإتحاد السوفييتى السابق من المسألة اليهودية والقضية الفلسطينية دون إضافات من جانبنا على الموضوع وذلك ردا على مزاعم وترّهات الحاقدين والمعادين للفكر الإشتراكى ودوره التاريخى فى مساندة ودعم قوى التحرر الوطنى والعداء للإمبريالية.