- الأحد إبريل 22, 2012 10:42 am
#48726
المجتمع.. وتغيير قواعد اللعبة في إيران
2012/03/18
- شيماء بهاء الدين*
لم تعد المجتمعات بمنأى عن السياسة، بل لم تكن يومًا، إلا أن الأمر الآن قد أصبح أكثر وضوحًا وسرعة، كما أضحى محلا لبحث دارسي العلوم السياسية.ونرى في عالمنا العديد من الشواهد على فاعلية المجتمعات وتفاعلاتها مع ما يثور من تحولات سياسية واقتصادية ذات أبعاد داخلية وخارجية. وقد قدم المجتمع الإيراني مثالا في هذا الصدد في تفاعله مع مجريات الانتخابات الرئاسية في بلاده في عام 2009 وما تلاها من تطورات. ولا شك أن الثورات العربية – التي عدت بدورها خير مثال على فاعلية المجتمعات - قد قدمت دعمًا معنويًا لكافة المجتمعات الراغبة في التغيير على المستوى العالمي انعكس فيما شهدته كبرى المدن الأوروبية والأمريكية من احتجاجات، كما أن المطالبين بالإصلاح في المجتمع الإيراني قد اعتبروا هذه الثورات تتسق مع مطالبهم، علمًا بأن للمحافظين أيضًا تحركاتهم في الشارع. وفي هذا السياق، تزداد التوقعات بمزيد من التحرك للمجتمع الإيراني، بل والفاعلية المؤثرة. وهناك عدة مؤشرات تعضد هذه الفرضية على أكثر من مستوى: - التطورات المتصلة بالنظام السياسي، والمتمثلة في تطورين أساسيين: - الخلافات المتصاعدة بين المرشد الأعلى "علي خامنئي" ورئيس الجمهورية "أحمدي نجاد" التي كان أبرزها ما حدث في أبريل 1102 من إلغاء الأول قرار الأخير استبعاد وزير الاستخبارات "حيدر مصلحي". ذلك إضافة إلى أسباب أخرى بينها تلميح نجاد في سبتمبر 1102 إلى إمكانية تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. - يرتبط بما سبق الانقسام داخل المحافظين حول الانتخابات التشريعية تليها الرئاسية، وذلك على خلفية الانقسام بين تيار المهدوية الذي يتزعمه "نجاد"، ويقول باقتراب عودة المهدي المنتظر، ومن ثم ينتقص من سلطات الولي الفقيه ، وبين التيار المتمسك بولاية الفقيه كما هي بسلطاتها المطلقة. - تطور إدراكات المعارضة الإصلاحية، حيث إدراك ما تُعانيه من ضعفٍ وتشرذم، ومن ثم ارتفاع الأصوات المطالبة بإعادة ترتيب الأولويات ومزيد من الاتجاه للانخراط في المجتمع. - ارتفاع حدة التهديدات الخارجية، ذلك بما يتمثل في تزايد احتمالات توجيه ضربة لإيران، علمًا بأن أصابع الاتهام تُوجه إلى كلٍ من "خامنئي" و"نجاد" في هذا الصدد بدرجة كبيرة؛ نتيجة الفشل في صياغة دبلوماسية أكثر ذكاءً في الدفاع عما تراه إيران حقًا لها من امتلاك طاقة نووية سلمية. - اتساع الحركة المعارضة داخل المجتمع ذاته، فقد امتدت إلى مختلف الأقاليم بتركيباتها السكانية المتنوعة (كما سنرى). وسنحاول في هذا الإطار الوقوف على أهم عوامل تشكيل حال المجتمع الإيراني في وقته الراهن، ثم سيكون تلمس أبرز ملامح التحول والتطور به – لاسيما تجاه الإصلاح - من خلال بعض المؤشرات.
عوامل تشكيل الأوضاع الراهنة للمجتمع الإيراني ورؤيته السياسية:
1- المذهب الشيعي:
مثل المذهب الشيعي أهم مرتكزات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 حيث نص الدستور الإيراني على أن المذهب الإمامي الإثنى عشر هو المذهب الرسمي للدولة. إلا أن ارتباط إيران بالمذهب الشيعي ليس وليد هذه الثورة بالتأكيد، وإنما وُثقت العلاقة بين إيران والمذهب الشيعي منذ عام 907هـ، ومن المعلوم أن الدولة الصفوية قد اتخذت المذهب الشيعي مرتكزًا في تنافسها على النفوذ في المنطقة. فطالما كان للمذهب الشيعي دور سياسي على مر التاريخ على المستويين الداخلي والخارجي. ومن أهم أسس ومنطلقات المذهب الشيعي عقيدة "الإمامة"، والتي انبثقت عنها "ولاية الفقيه". فمع غيبة الإمام الثاني عشر، والتي بها فقد الشيعة مالهم من إمامة وسلطة لانحصار الإمامة في أحفاد "الحسين بن علي"، حدث فراغ فيما يتعلق بالإمامة، وكان الحل من جانب الفقهاء هو ضرورة السعي لتنفيذ أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية تمهيدًا إلى ظهور المهدي المنتظر، ذلك الطرح الذي تولدت نظرية "ولاية الفقيه"، إذ يقوم الولي الفقيه بهذه المهمة.. وبناءً على ذلك، لا يمكن لعلماء الشيعة إعطاء أي مشروعية للحكومات التي يتولى أمرها حكام غير علماء وغير ملتزمين بالأحكام والقضايا الشرعية. وعلى جانبٍ آخر، فإن من أهم مبادئ المذهب الشيعي، والتي يعتنقها الشعب الإيراني الشعور بالمظلومية والسعي لنصرة المستضعفين في الأرض؛ ما يعني رغبة في اتجاه صوب رفض الظلم وتحقيق العدل، الأمر الذي من شأنه تفجير غضب هذا الشعب إذا ما شعر أنه هو ذاته قد يكون محلاً للظلم، أو أن ولاية الفقيه لم تقم بما يتصوره لها.
2- تصور الثورة الإسلامية لدور الشعب الإيراني:
لقد جاءت الثورة الإسلامية في إيران بنظام جمهوري، أي أن إرادة الشعب تمثل ركنًا أساسًا له، ولكن هذا يأتي في إطار رؤية معينة للكون قامت عليها هذه الثورة، فكيف ترى الله، وكيف تتصور دور الإنسان، وعلى أي نحو ترى دورها إزاء العالم. حيث يجيء في المادة الثانية من الدستور الإيراني أن: الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة ودورها الأساسي في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام، وكذلك الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله هي أيضًا من الثوابت الأصلية التي تتكامل مع غيرها من العناصر المرتبطة في تشكيل الشخصية الحقيقية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران. كما تؤكد المادة السادسة على أن الاعتماد على رأي الأمة - الذي يتجلى عبر الانتخابات والاستفتاءات - هو الأصل الرئيسي الذي تقوم عليه إدارة شؤون البلاد في جمهورية إيران الإسلامية. هذا، كما تعتبر المادة الثامنة أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية جماعية وتضامنية بين الناس والحكومة. وذلك بحكم الآية القرآنية: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (سورة التوبة: آية (71) . أيضًا، من المهم الالتفات إلى "نظام القيادة الشعبية الدينية" في إيران، والذي يتمحور هدفه الأساسى حول هداية الإنسان والمجتمع، باعتباره ذات الهدف الذي قام الرسول "صلى الله عليه وسلم" والأئمة ببذل كل ما لديهم في سبيل إدراكه وتحقيقه. وقد عمد مؤسسو هذا النظام –وعلى رأسهم الإمام الخميني- إلى تشكيله عبر مسارين: الأول المحافظة على القواعد المشكلة لنموذجي الديمقراطية الإسلامية ، الأول في عصر الرسول "صلى الله عليه وسلم" وأيضًا في عصر الإمام "علي". والثاني: الاستفادة من بعض المؤسسات الموجودة في النظم السياسية الأخرى، والتي هي نتاج الأنظمة الديمقراطية.
3- التركيب الديمجرافي:
يمكن القول إنه برغم المكسب الذي تحقق لإيران من خلال أهمية موقعها الجغرافي، خسرت أمام ذلك وحدة السكان وتجانسهم، حيث يضم المجتمع الإيراني عدد كبير من العرقيات والأديان المختلفة. وبحسب إحصائية سكانية رسمية، فإن تعداد سكان إيران قد تجاوز 71 مليون نسمة، يتوزع علي عدة جماعات عرقية أهمها: الفرس 51٪، الآذاريين 24٪ ، الجيلاكيين- المازندانيين 8٪ ، العرب 3٪، الأكراد 7٪، اللور 2٪، البلوش 2٪، الأتراك 2٪، عرقيات أخرى 1٪ ويعيش 61٪ من إجمالي عدد السكان في المدن، فيما تعيش النسبة الباقية (39٪) في الريف. أما عن الأديان، فإنه فيما تمثل نسبة المسلمين حوالي 98.8٪ من السكان, منهم 90٪ يعتنقون المذهب الشيعي و 10٪ ينتمون إلى المذهب السني (في حين تتحدث بعض المصادر عن 25٪ من السنة), بينما يمثل المسيحيون 0.7٪، واليهود 0.3٪. الزرادشتيون 0.1٪ وتمثل باقي الديانات الأخرى نسبة 0.1٪ من إجمالي عدد السكان. ومثل هذه التركيبة لا بد وأن تترك أثرها في كل من السلطة والمجتمع.
4- الوضع الاقتصادي:
هناك قول بأن معظم التغييرات التي حدثت في إيران في العقود الماضية تمت تحت وطأة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ورغبة الثورة في إرضاء الشرائح الاجتماعية المختلفة، وبشكلٍ يتشكل وعيها على المقارنة بين مرحلتي ما قبل الثورة الإسلامية الإيرانية وما بعدها.
ففي بدايات الثورة الإيرانية اعتمدت الدولة على إعادة توزيع الدخل ومساعدة الفقراء بالأساس، وهو ما أطلق مركزية الدولة وتحكمها في الاقتصاد انطلاقًا من رؤى مثالية خاصة بالثورة. وهي وسائل يراها الخبراء تبدو طبيعية مع أي ثورة جديدة تحاول توسيع أرضيتها جماهيريًا وضمان استقرارها. كما أن الثورة حاولت بدرجة أو بأخرى من خلال اكتسابها الرضاء الجماهيري التخلص من الطابع النخبوي الذي ارتبط بنظام الشاه الإمبراطوري. ولكن مع وصول خاتمي للحكم بدأ العمل أكثر على ٍدعم اقتصاد السوق والآليات المرتبطة به، وبشكل خاص العمليات المرتبطة بالخصخصة.ورغم ذلك، فإن التحول من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق لم يتم بشكل كلي وشامل، فمازالت الدولة تحتكر جوانب كبيرة من الاقتصاد في ضوء الدور الهائل والمؤثر للنفط كمصدر مهم من مصادر الدخل القومي في إيران، والذي يعد تذبذب أسعاره من أكثر الأمور التي تضغط على الاقتصاد الإيراني، لاسيما فيما يتصل بقضية الدعم التي تمس المجتمع الإيراني بشكلٍ مباشر، وبالتالي في تقييمه للأداء السياسي. كما أن مما ساهم في الدفع بحركة المجتمع خلال عام 1102 بلوغ معدل التضخم 11٪ وبلوغ نسبة البطالة النسبة ذاتها يُشكل الشباب منها 70٪.
5- النظام التعليمي والنشر:
يحظى التعليم في إيران باهتمامٍ بالغ ليس فقط لصبغه بصبغة الثورة الإسلامية وإنما ينظر إليه باعتباره القاطرة التي تحقق لإيران مكانتها العالمية والإقليمية المنشودة. وهذه الرؤية ساهمت بشكلٍ ما في إيجاد مجتمع قوي علميًا منفتح على الثقافات المختلفة مع الاحتفاظ بالصبغة الإسلامية، هذا المجتمع يبحث عن دوره الآن. وعن نشأة هذا النظام التعليمي، فقد كان من الأمور الضرورية مع بداية الثورة الإسلامية السعي إلى إصلاح النظام التعليمي ليفي بمتطلبات النظام الجديد، وذلك من خلال القيام بثورة ثقافية. وقد بادر الخميني في شهر إبريل 1980 إلى تحقيق هذه الغاية حينما أصدر مرسومًا يدعو إلى تشكيل مجلس للثورة الثقافية الذي حدد مهامه على النحو التالي: تمحيص جميع البرامج والمشكلات التعليمية، وصياغة استراتيجيات وسياسات تعليمية على أسس ثقافية إسلامية، وإعداد مناهج علمية في جميع جوانب الدراسة تعتمد على متطلبات واحتياجات المجتمع، وتدريب واختيار هيئة التدريس المؤهلة والملتزمة بقضية الثورة. ويضم النظام التعليمي الإيراني، خمس مراحل رئيسة كالآتي: 1- رياض الأطفال 2- المرحلة الابتدائية 3- المرحلة المتوسطة: ويطلق عليها المرحلة التوجيهية. 4- المرحلة الثانوية. 5- المرحلة الجامعية، حيث توجد الجامعات المتخصصة التي تعد من أهم عوامل التقدم الإيراني. وقد تم وضع مناهج تعكس قيم المجتمع، سواء عن طريق إعادة صياغة كتب المناهج القائمة أو عن طريق إضافة مواد دراسية جديدة. ففي علم الاقتصاد مثلاً بدأت المناهج الدراسية الجديدة التركيز على مبدأ الاكتفاء الذاتي وغرس الإيمان به، والثقة بالقوى البشرية العاملة، بالإضافة إلى زرع قيم ومبادئ تخدم الخطط التنموية الاقتصادية.
2012/03/18
- شيماء بهاء الدين*
لم تعد المجتمعات بمنأى عن السياسة، بل لم تكن يومًا، إلا أن الأمر الآن قد أصبح أكثر وضوحًا وسرعة، كما أضحى محلا لبحث دارسي العلوم السياسية.ونرى في عالمنا العديد من الشواهد على فاعلية المجتمعات وتفاعلاتها مع ما يثور من تحولات سياسية واقتصادية ذات أبعاد داخلية وخارجية. وقد قدم المجتمع الإيراني مثالا في هذا الصدد في تفاعله مع مجريات الانتخابات الرئاسية في بلاده في عام 2009 وما تلاها من تطورات. ولا شك أن الثورات العربية – التي عدت بدورها خير مثال على فاعلية المجتمعات - قد قدمت دعمًا معنويًا لكافة المجتمعات الراغبة في التغيير على المستوى العالمي انعكس فيما شهدته كبرى المدن الأوروبية والأمريكية من احتجاجات، كما أن المطالبين بالإصلاح في المجتمع الإيراني قد اعتبروا هذه الثورات تتسق مع مطالبهم، علمًا بأن للمحافظين أيضًا تحركاتهم في الشارع. وفي هذا السياق، تزداد التوقعات بمزيد من التحرك للمجتمع الإيراني، بل والفاعلية المؤثرة. وهناك عدة مؤشرات تعضد هذه الفرضية على أكثر من مستوى: - التطورات المتصلة بالنظام السياسي، والمتمثلة في تطورين أساسيين: - الخلافات المتصاعدة بين المرشد الأعلى "علي خامنئي" ورئيس الجمهورية "أحمدي نجاد" التي كان أبرزها ما حدث في أبريل 1102 من إلغاء الأول قرار الأخير استبعاد وزير الاستخبارات "حيدر مصلحي". ذلك إضافة إلى أسباب أخرى بينها تلميح نجاد في سبتمبر 1102 إلى إمكانية تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. - يرتبط بما سبق الانقسام داخل المحافظين حول الانتخابات التشريعية تليها الرئاسية، وذلك على خلفية الانقسام بين تيار المهدوية الذي يتزعمه "نجاد"، ويقول باقتراب عودة المهدي المنتظر، ومن ثم ينتقص من سلطات الولي الفقيه ، وبين التيار المتمسك بولاية الفقيه كما هي بسلطاتها المطلقة. - تطور إدراكات المعارضة الإصلاحية، حيث إدراك ما تُعانيه من ضعفٍ وتشرذم، ومن ثم ارتفاع الأصوات المطالبة بإعادة ترتيب الأولويات ومزيد من الاتجاه للانخراط في المجتمع. - ارتفاع حدة التهديدات الخارجية، ذلك بما يتمثل في تزايد احتمالات توجيه ضربة لإيران، علمًا بأن أصابع الاتهام تُوجه إلى كلٍ من "خامنئي" و"نجاد" في هذا الصدد بدرجة كبيرة؛ نتيجة الفشل في صياغة دبلوماسية أكثر ذكاءً في الدفاع عما تراه إيران حقًا لها من امتلاك طاقة نووية سلمية. - اتساع الحركة المعارضة داخل المجتمع ذاته، فقد امتدت إلى مختلف الأقاليم بتركيباتها السكانية المتنوعة (كما سنرى). وسنحاول في هذا الإطار الوقوف على أهم عوامل تشكيل حال المجتمع الإيراني في وقته الراهن، ثم سيكون تلمس أبرز ملامح التحول والتطور به – لاسيما تجاه الإصلاح - من خلال بعض المؤشرات.
عوامل تشكيل الأوضاع الراهنة للمجتمع الإيراني ورؤيته السياسية:
1- المذهب الشيعي:
مثل المذهب الشيعي أهم مرتكزات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 حيث نص الدستور الإيراني على أن المذهب الإمامي الإثنى عشر هو المذهب الرسمي للدولة. إلا أن ارتباط إيران بالمذهب الشيعي ليس وليد هذه الثورة بالتأكيد، وإنما وُثقت العلاقة بين إيران والمذهب الشيعي منذ عام 907هـ، ومن المعلوم أن الدولة الصفوية قد اتخذت المذهب الشيعي مرتكزًا في تنافسها على النفوذ في المنطقة. فطالما كان للمذهب الشيعي دور سياسي على مر التاريخ على المستويين الداخلي والخارجي. ومن أهم أسس ومنطلقات المذهب الشيعي عقيدة "الإمامة"، والتي انبثقت عنها "ولاية الفقيه". فمع غيبة الإمام الثاني عشر، والتي بها فقد الشيعة مالهم من إمامة وسلطة لانحصار الإمامة في أحفاد "الحسين بن علي"، حدث فراغ فيما يتعلق بالإمامة، وكان الحل من جانب الفقهاء هو ضرورة السعي لتنفيذ أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية تمهيدًا إلى ظهور المهدي المنتظر، ذلك الطرح الذي تولدت نظرية "ولاية الفقيه"، إذ يقوم الولي الفقيه بهذه المهمة.. وبناءً على ذلك، لا يمكن لعلماء الشيعة إعطاء أي مشروعية للحكومات التي يتولى أمرها حكام غير علماء وغير ملتزمين بالأحكام والقضايا الشرعية. وعلى جانبٍ آخر، فإن من أهم مبادئ المذهب الشيعي، والتي يعتنقها الشعب الإيراني الشعور بالمظلومية والسعي لنصرة المستضعفين في الأرض؛ ما يعني رغبة في اتجاه صوب رفض الظلم وتحقيق العدل، الأمر الذي من شأنه تفجير غضب هذا الشعب إذا ما شعر أنه هو ذاته قد يكون محلاً للظلم، أو أن ولاية الفقيه لم تقم بما يتصوره لها.
2- تصور الثورة الإسلامية لدور الشعب الإيراني:
لقد جاءت الثورة الإسلامية في إيران بنظام جمهوري، أي أن إرادة الشعب تمثل ركنًا أساسًا له، ولكن هذا يأتي في إطار رؤية معينة للكون قامت عليها هذه الثورة، فكيف ترى الله، وكيف تتصور دور الإنسان، وعلى أي نحو ترى دورها إزاء العالم. حيث يجيء في المادة الثانية من الدستور الإيراني أن: الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة ودورها الأساسي في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام، وكذلك الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله هي أيضًا من الثوابت الأصلية التي تتكامل مع غيرها من العناصر المرتبطة في تشكيل الشخصية الحقيقية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران. كما تؤكد المادة السادسة على أن الاعتماد على رأي الأمة - الذي يتجلى عبر الانتخابات والاستفتاءات - هو الأصل الرئيسي الذي تقوم عليه إدارة شؤون البلاد في جمهورية إيران الإسلامية. هذا، كما تعتبر المادة الثامنة أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية جماعية وتضامنية بين الناس والحكومة. وذلك بحكم الآية القرآنية: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (سورة التوبة: آية (71) . أيضًا، من المهم الالتفات إلى "نظام القيادة الشعبية الدينية" في إيران، والذي يتمحور هدفه الأساسى حول هداية الإنسان والمجتمع، باعتباره ذات الهدف الذي قام الرسول "صلى الله عليه وسلم" والأئمة ببذل كل ما لديهم في سبيل إدراكه وتحقيقه. وقد عمد مؤسسو هذا النظام –وعلى رأسهم الإمام الخميني- إلى تشكيله عبر مسارين: الأول المحافظة على القواعد المشكلة لنموذجي الديمقراطية الإسلامية ، الأول في عصر الرسول "صلى الله عليه وسلم" وأيضًا في عصر الإمام "علي". والثاني: الاستفادة من بعض المؤسسات الموجودة في النظم السياسية الأخرى، والتي هي نتاج الأنظمة الديمقراطية.
3- التركيب الديمجرافي:
يمكن القول إنه برغم المكسب الذي تحقق لإيران من خلال أهمية موقعها الجغرافي، خسرت أمام ذلك وحدة السكان وتجانسهم، حيث يضم المجتمع الإيراني عدد كبير من العرقيات والأديان المختلفة. وبحسب إحصائية سكانية رسمية، فإن تعداد سكان إيران قد تجاوز 71 مليون نسمة، يتوزع علي عدة جماعات عرقية أهمها: الفرس 51٪، الآذاريين 24٪ ، الجيلاكيين- المازندانيين 8٪ ، العرب 3٪، الأكراد 7٪، اللور 2٪، البلوش 2٪، الأتراك 2٪، عرقيات أخرى 1٪ ويعيش 61٪ من إجمالي عدد السكان في المدن، فيما تعيش النسبة الباقية (39٪) في الريف. أما عن الأديان، فإنه فيما تمثل نسبة المسلمين حوالي 98.8٪ من السكان, منهم 90٪ يعتنقون المذهب الشيعي و 10٪ ينتمون إلى المذهب السني (في حين تتحدث بعض المصادر عن 25٪ من السنة), بينما يمثل المسيحيون 0.7٪، واليهود 0.3٪. الزرادشتيون 0.1٪ وتمثل باقي الديانات الأخرى نسبة 0.1٪ من إجمالي عدد السكان. ومثل هذه التركيبة لا بد وأن تترك أثرها في كل من السلطة والمجتمع.
4- الوضع الاقتصادي:
هناك قول بأن معظم التغييرات التي حدثت في إيران في العقود الماضية تمت تحت وطأة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ورغبة الثورة في إرضاء الشرائح الاجتماعية المختلفة، وبشكلٍ يتشكل وعيها على المقارنة بين مرحلتي ما قبل الثورة الإسلامية الإيرانية وما بعدها.
ففي بدايات الثورة الإيرانية اعتمدت الدولة على إعادة توزيع الدخل ومساعدة الفقراء بالأساس، وهو ما أطلق مركزية الدولة وتحكمها في الاقتصاد انطلاقًا من رؤى مثالية خاصة بالثورة. وهي وسائل يراها الخبراء تبدو طبيعية مع أي ثورة جديدة تحاول توسيع أرضيتها جماهيريًا وضمان استقرارها. كما أن الثورة حاولت بدرجة أو بأخرى من خلال اكتسابها الرضاء الجماهيري التخلص من الطابع النخبوي الذي ارتبط بنظام الشاه الإمبراطوري. ولكن مع وصول خاتمي للحكم بدأ العمل أكثر على ٍدعم اقتصاد السوق والآليات المرتبطة به، وبشكل خاص العمليات المرتبطة بالخصخصة.ورغم ذلك، فإن التحول من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق لم يتم بشكل كلي وشامل، فمازالت الدولة تحتكر جوانب كبيرة من الاقتصاد في ضوء الدور الهائل والمؤثر للنفط كمصدر مهم من مصادر الدخل القومي في إيران، والذي يعد تذبذب أسعاره من أكثر الأمور التي تضغط على الاقتصاد الإيراني، لاسيما فيما يتصل بقضية الدعم التي تمس المجتمع الإيراني بشكلٍ مباشر، وبالتالي في تقييمه للأداء السياسي. كما أن مما ساهم في الدفع بحركة المجتمع خلال عام 1102 بلوغ معدل التضخم 11٪ وبلوغ نسبة البطالة النسبة ذاتها يُشكل الشباب منها 70٪.
5- النظام التعليمي والنشر:
يحظى التعليم في إيران باهتمامٍ بالغ ليس فقط لصبغه بصبغة الثورة الإسلامية وإنما ينظر إليه باعتباره القاطرة التي تحقق لإيران مكانتها العالمية والإقليمية المنشودة. وهذه الرؤية ساهمت بشكلٍ ما في إيجاد مجتمع قوي علميًا منفتح على الثقافات المختلفة مع الاحتفاظ بالصبغة الإسلامية، هذا المجتمع يبحث عن دوره الآن. وعن نشأة هذا النظام التعليمي، فقد كان من الأمور الضرورية مع بداية الثورة الإسلامية السعي إلى إصلاح النظام التعليمي ليفي بمتطلبات النظام الجديد، وذلك من خلال القيام بثورة ثقافية. وقد بادر الخميني في شهر إبريل 1980 إلى تحقيق هذه الغاية حينما أصدر مرسومًا يدعو إلى تشكيل مجلس للثورة الثقافية الذي حدد مهامه على النحو التالي: تمحيص جميع البرامج والمشكلات التعليمية، وصياغة استراتيجيات وسياسات تعليمية على أسس ثقافية إسلامية، وإعداد مناهج علمية في جميع جوانب الدراسة تعتمد على متطلبات واحتياجات المجتمع، وتدريب واختيار هيئة التدريس المؤهلة والملتزمة بقضية الثورة. ويضم النظام التعليمي الإيراني، خمس مراحل رئيسة كالآتي: 1- رياض الأطفال 2- المرحلة الابتدائية 3- المرحلة المتوسطة: ويطلق عليها المرحلة التوجيهية. 4- المرحلة الثانوية. 5- المرحلة الجامعية، حيث توجد الجامعات المتخصصة التي تعد من أهم عوامل التقدم الإيراني. وقد تم وضع مناهج تعكس قيم المجتمع، سواء عن طريق إعادة صياغة كتب المناهج القائمة أو عن طريق إضافة مواد دراسية جديدة. ففي علم الاقتصاد مثلاً بدأت المناهج الدراسية الجديدة التركيز على مبدأ الاكتفاء الذاتي وغرس الإيمان به، والثقة بالقوى البشرية العاملة، بالإضافة إلى زرع قيم ومبادئ تخدم الخطط التنموية الاقتصادية.