- الأحد إبريل 22, 2012 2:23 pm
#48752
س: هل يعترف الإسلام بالحدود الجغرافية؟
ج: نعم، يعترف بالحدود الجغرافية التي بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، بمعناها الصحيح، وأما البلاد الإسلامية فلا حدود بينها.
لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة والبلاد الإسلامية بلد واحد، قال تعالى: ((وإن هذه أمتكم أمة واحدة))[1].
وقال سبحانه: ((إنما المؤمنون إخوة))[2].
وقال (صلى الله عليه وآله): «المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم هم يد على من سواهم»[3].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد...»[4].
وسيكون التعامل مع مختلف الدول الإسلامية والمسلمين تعامل الدولة مع شعبها الواحد، في إطار الإخوة والحرية.
وأما التعامل بالنسبة إلى بلاد الكفر فبالتي هي أحسن وحسب قانون الإلزام، و (تبادل المصالح) والمعاهدات المشروعة، قال تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم))[5].
إزالة الحدود
س: إذن كيف يُتعامل مع هذه الحدود الجغرافية؟
ج: يجب إزالتها من الوجود، فإنها بدعة مصطنعة وأشياء وهمية لا أساس لها في الإسلام، وقد جاء بها الاستعمار ليمزق بها جسد الأمة الواحدة عبر الإقليمية فيسهل السيطرة عليها، فـ ((أرض الله واسعة))[6] لا تحدها حدود، فمن اللازم السعي لإزالتها بالطرق السلمية وعبر نشر الوعي.
لا فوضى في ذلك
س: ألا تستدعي إزالة الحدود الفوضى والهرج والمرج؟
ج: كلا، كما لم تكن فوضى في القرون الماضية وقبل جعل الحدود، وكما لوحظ ذلك في عدة دول، فقد تم إزالة الحدود بين ولايات الهند، وكذلك بين الدول الأوروبية ولم توجب الفوضى..
ومتى ما أحسنا التصرف وحكمنا العقل واتخذنا سياسة السلم ونبذنا العنف فستكون النتيجة طيبة ومرضية بإذن الله تعالى، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه»[7].
الوسائل والآليات
س: ما هي الوسائل الممكنة لهذا العمل؟
ج: يمكن ذلك عبر متابعة القادة ورؤساء الدول الإسلامية بالجلوس إلى طاولة المحادثات واتخاذ القرارات المناسبة والعملية لذلك، والاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال، فأوروبا مثلاً كيف استطاعت من توحيد دولها وتأسيس السوق الأوروبية المشتركة وأخيراً إصدار العملة الموحدة، وكذلك غاندي في الهند.. وما نحن بأقل من هؤلاء بل لدينا من مقومات الوحدة الكثير، الدين، الأرض، التاريخ، الثقافة، وغيرها، بعد الاتكال على الله عزوجل في تسديد الخطى، قال تعالى: ((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))[8].
المسلم في البلد الإسلامي
س: هل يعتبر المسلم الذي ولد في بلد آخر أجنبياً؟
ج: كلا، فالمسلمون إخوة، والمسلم أينما كان وفي أية بقعة من بلاد الإسلام يعتبر من أهل ذلك البلد، ولا فرق بين بلد إسلامي وبلد إسلامي آخر.
فالمؤمنون اخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وفي الحديث الشريف:
«أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى»[9].
فميزان التفاضل عند الله هو التقوى، قال تعالى: ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم))[10].
الأخوة الإسلامية
س: وضحوا لنا ذلك؟
ج: بناء على قانون الأخوة الإسلامية، فالمسلم في أي بلد كان متساوٍ أمام القانون الإسلامي، له ما لسائر المسلمين، وعليه ما عليهم، فيستطيع شراء الأرض وسائر الممتلكات المنقولة وغير المنقولة ويتمكن من إحياء الأراضي بالزراعة والعمارة وما أشبه، أو يقوم بالتجارة وكافة المعاملات الأخرى، وكذلك يمكنه أن يتزوج منهم أو يزوجهم، فهو بمثابة أي فرد من أهل ذلك البلد، وهذه هي الإخوة الإسلامية بمعناها الصحيح التي أرادها الله لنا.
وقد قام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عند دخوله المدينة المنورة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في خطوة منه (صلى الله عليه وآله) لبناء المجتمع الواحد الذي تذوب فيه الأنانيات، ويكون المعيار الوحيد فيه هو التقوى والعمل الصالح، وكذلك نرى كيف استقبل الأنصار هذه الخطوة وآثروا إخوانهم المهاجرين بكل ما يملكون «فكان إذا بعث (صلى الله عليه وآله) أحداً من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ويقول: خذ ما شئت وكل ما شئت، وكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت فأنزل الله ((ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً)) يعني حضر أو لم يحضر، إذا ((ملكتم مفاتحه))[11]»[12].
كما أن بعض الأنصار كان يطلق إحدى زوجاته ليتزوج بها المهاجر، وبهذه الروح المباركة تمكن المسلمون من نشر مبادئ الدين الحنيف.
الحكومة الواحدة
س: كيف يتمكن المسلمون، السنة والشيعة معاً من تشكيل الحكومة الواحدة الإسلامية، والتي يمتد شعاعها ليشمل كافة المسلمين، حيث يبلغ تعدادهم مليار وستمائة مليون نسمة[13]؟
ج: يمكن ذلك عبر طريق تشكيل (المجلس الإسلامي الأعلى) حيث تأخذ نسبة تواجد المسلمين (السنة والشيعة) بنظر الاعتبار، مثلاً عشرة أشخاص من كل مجموعة، فإذا كان الحكم يتعلق بالشيعة يؤخذ برأي أكثرية هذه العشرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السنة.
أما إذا كان الحكم يتعلق بالمسلمين كافة فيؤخذ برأي الأكثرية من السنة والشيعة معاً، فان الحكم في الإسلام ليس استبدادياً بل مبتنياً على التفاهم والحوار الهادف والتأكيد على مبدأ الشورى والاستشارة الدائمة.
وهو نص صريح، نطق به القرآن الكريم، حيث قال عزوجل: ((وأمرهم شورى بينهم))[14].
وقال تعالى: ((وشاورهم في الأمر))[15].
وذلك لكي تُضمن سلامة اتخاذ القرار وعدم تدخل الأهواء فيه، ومداراة الأفراد من صنّاع القرار، وكذلك إشراك والأخذ برأي ذوي الاختصاص منهم، كل في مجال اختصاصه.
الانتخابات الحرة
س: هل يعترف الإسلام بالانتخابات الحرة؟
ج: نعم، فمرجع المسلمين الأعلى والذي بيده ناصية الحكم، يتم تعيينه عن طريق انتخاب الأمة بعد إعطاء رأيها له، وكذلك شورى الفقهاء المراجع إن كان المرجع أكثر من واحد.
فالقائد ـ بالنسبة لغير المعصوم (عليه السلام) ـ ينتخب برأي الأمة مضافاً إلى الشرائط التي قررها الإسلام والتي يجب توفرها فيه.
الحكم في الإسلام
س: هل الحكم في الإسلام فردي أو شورى؟
ج: الحكم شورى، يعني إذا كان للأمة أكثر من مرجع تقليد، فيجب إشراك الجميع في الحكومة على نحو الاستشارة، وما قررته الأكثرية منهم يلزم الأخذ والعمل به.
فلا يعترف الإسلام بالاستبداد والتسلط الديكتاتوري، وإنما الحاكم من الشعب والى الشعب، يرعى مصالحهم ويطمئن إلى أحوالهم، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أ أقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش...»[16].
ويكون القائد كأحدهم، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأحد المسلمين، يجلس بين أصحابه (ينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية)[17] لا يتميز عنهم، حتى أن الغريب القادم لا يعرفه.
شورى الفقهاء المراجع
س: ما هي شورى الفقهاء المراجع؟
ج: كل مسلم لم يصل إلى مرحلة الاجتهاد عليه أن يقلد مرجعاً جامعاً للشرائط المذكورة في الرسائل العملية، وبما أنه لا نيابة خاصة في عصر غيبة الإمام المهدي المنتظر„ بل الفقهاء المراجع هم وكلاء للإمام „ فيلزم على مراجع التقليد أن ينضموا تحت (مجلس شورى الفقهاء المراجع) ويمارسوا إدارة البلاد الإسلامية حسب رأي الأكثرية، فإذا ما توفى أحدهم، أو فقد شرط العلم أو العدالة في واحد من هؤلاء المراجع، فعلى مقلديه أن يختاروا مرجعاً آخر يحل محل المرجع المتوفى أو الفاقد للشروط، ويكون ذلك بإشراف المجلس الاستشاري وموافقة شورى الفقهاء المراجع، وبهذه الصورة نضمن استمرار الحكومة وقيادتها الشرعية وسوف لن يكون هناك خلل أو فراغ في مسألة الإدارة العليا، وهذه الصورة هي مصداق عملي لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال (صلى الله عليه وآله): الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي»[18] وتفصيل هذا البحث في (الفقه)[19].
ولاية الفقيه
س: إذا استفرد أحد الفقهاء بولاية الفقيه هل تجب طاعته؟
ج: الولاية لشورى الفقهاء المراجع.
س: هل تكون ولاية الفقيه مطلقة؟
ج: كلا، وإنما الولاية لشورى الفقهاء وفي الإطار الشرعي الذي حدده القرآن الكريم والسنة المطهرة المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).
س: إذا استفرد أحد الفقهاء بولاية الفقيه وأصدر حكماً أو فتوى بعنوان حكم الحاكم، فهل تكون له الولاية على فقيه آخر؟
ج: لا ولاية لفقيه على فقيه آخر.
س: هل يجوز لفقيه جامع للشرائط أن يفرض سلطته على فقيه آخر جامع للشرائط؟
ج: كلا.
س: هل يشترط في شورى الفقهاء المراجع مضافاً إلى الشروط الفقهية أن تنتخبهم الأمة؟
ج: نعم، فالأمة لها رأيها فيمن سيأخذ بزمام الحكم.
الحرية أصل في الإسلام
س: هل كل شيء في الإسلام حر؟
ج: نعم، بشرط أن لا يكون محرماً، فللإنسان الحق في أن يختار أي شيء، أو يقول أي كلام، أو يفعل أي فعل، أو ما أشبه، حسب إرادته كما تقرر ذلك في العقل والشرع[20].
مضافاً إلى أن المحرمات عند المسلمين لا يؤخذ بها غير المسلمين في إطار قانون (الإلزام) على ما ذكرنا تفصيله في الفقه[21].
وأما الطوائف المذهبية غير المسلمة فهم أحرار في العمل بمعتقداتهم وشعائرهم فيما بينهم على أن لا يتجاهروا بالمنكرات.
الأحزاب الحرة
س: هل يعترف الإسلام بوجود الأحزاب؟
ج: نعم، فالأمة لها الحق في تشكيل الأحزاب، وكل فرد يستطيع الانتماء إلى أي حزب شاء، بشرط أن تكون هذه الأحزاب تحت إشراف الفقهاء المراجع. ويشترط في عملها أن لا يكون خلاف الإسلام باعتبار أن البلاد إسلامية وذات أكثرية مسلمة.
الأحزاب الوطنية
س: هل يسمح للأحزاب الوطنية بالعمل من أجل بناء وتقدم الوطن؟
ج: نعم، بشرط أن لا تخالف الإسلام، فالحزب الوطني إنما يريد بناء الوطن في مختلف أبعاد البناء: السياسة، الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك، وهذا مما لا بأس به.
أنواع الأحزاب
س: إلى كم قسم تقسم الأحزاب في البلاد الإسلامية؟
ج: ثلاثة أقسام: الأول: الأحزاب الإسلامية التي تدعو للعمل بالإسلام وما يتعلق ببلاد الإسلام.
الثاني: الأحزاب الوطنية التي تعمل من أجل تقدم الوطن الإسلامي، في مختلف مجالات الحياة العامة: السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والفكرية، ولا تخالف العقيدة الإسلامية.
الثالث: الأحزاب والقوميات التي تعمل ضمن إطار شأنها الداخلي، ويحق لها أن تمارس لغتها الخاصة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وفتح المدارس الخاصة وما أشبه، على أن لا ينشروا ما يعادي الإسلام.
الصحافة والإعلام
س: هل يحق لأي فرد أو جماعة من تأسيس صحيفة، مجلة، إذاعة، تلفاز، أو ما أشبه، وأن يقول ما يشاء؟
ج: نعم، ضمن إطار الإسلام أو الوطن الإسلامي بأن لا يعمل ضد الإسلام. فالإنسان يولد حراً ويختار طريقه بنفسه، قال تعالى: ((لا إكراه في الدين))[22].
وهذه الحرية التي يمنحها الإسلام للأفراد لا تعني التعدي على حقوق الآخرين والمساس بكرامتهم بقول أو فعل، فالمجتمع الذي يبغيه الإسلام مجتمع حر وطاهر، الكل فيه آمن، لا يخشى من أحد على أحد، قال تعالى: ((ويل لكل همزة لمزة))[23].
الطوائف المذهبية
س: هل الطوائف المذهبية غير المسلمة، لها الحق في تشكيل الأحزاب؟
ج: نعم، في إطار شؤونهم الداخلية، على أن لا يقوموا بالتأثير على المسلمين ـ كما سبق ـ فان الدولة الإسلامية تتعايش مع الأقليات بأفضل ما يمكن، فالأقليات لها أحكامها الخاصة بها، سواء أكانت من أهل الكتاب كالمجوس والنصارى، أو غير أهل الكتاب كالبوذية والبرهمية وما إلى ذلك، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعامل حتى مع المشركين بأفضل أسلوب، ولم يجبر أحداً منهم على الإسلام أو قوانينه.
علاقة البلدان الإسلامية
س: ما هي نوع العلاقة بين البلدان الإسلامية هل هي وحدة أم اتحاد؟
ج: هي الوحدة، لأن المسلمين كافة يعتبرون أمة واحدة لهم حكومة واحدة، حالهم حال الأمم الأخرى الواحدة، كالأمة في الهند والصين وأمريكا حيث لها حكومة واحدة وإن تعددت الولايات.
قال تعالى: ((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون))[24]. وقال سبحانه: ((إنما المؤمنون إخوة))[25].
هذا هو الواقع الذي أراده الله لنا وقد تركناه فتأخرنا، وقد استطاع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) خلال مدة وجيزة من توحيد جزيرة العرب بعد أن آمن الناس ونفضوا عنهم غبار القومية والإقليمية والقبلية وغيرها.
الولايات المختلفة
س: ما نوع الحكومة الإسلامية بالنسبة إلى ولاياتها مثل: العراق، مصر وإيران وغيرها؟
ج: بأي كيفية أجازتها شورى الفقهاء المراجع التي تستشير أيضاً الأحزاب الحرة والاخصائيين، بحيث لا تكون منافية للقوانين الإسلامية..
فعليها الرجوع إلى ماضيها المجيد من العمل بالقرآن والسنة الشريفة وتسعى جادة إلى إقامة حكومة الإسلام الواحدة والالتفاف حول راية الدين المبين.
قال تعالى: ((إنهم يرونه بعيداً * ونراه قريباً))[26].
المعاهدات الدولية
س: هل يمكن للدولة الإسلامية عقد المعاهدات مع بقية دول العالم؟
ج: نعم، مثلما عقد النبي (صلى الله عليه وآله) المعاهدة مع الكفّار عام الحديبية أو مع يهود المدينة أو من أشبه، بشرط أن لا تكون هذه المعاهدة بضرر الإسلام والمسلمين والبلاد الإسلامية، قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة))[27].
وقال سبحانه: ((وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))[28].
فمن مقومات الدولة هي المحافظة على أمنها وذلك عن طريق إقامة علاقات طيبة وحسن الجوار مع الدول المجاورة وغيرها.
القانون الوضعي
س: هل يعترف الإسلام بالهوية، الجنسية، البطاقة الشخصية، إجازة العمل وما أشبه؟
ج: لا يعترف الإسلام بأي شيء من هذا القبيل: الهوية الجنسية، البطاقة الشخصية، إجازة الاستيراد والتصدير أو إجازة العمل، أو ما أشبه.
وبما أن جميع الأعمال هي حرة باستثناء المحرمات فلا يحق لأي فرد كان منع الآخرين مزاولة أعمالهم أو إجبارهم على إنجاز عمل معين أو فرض الضرائب عليهم إلا ما قرر الشرع.
فالحرية في الدولة الإسلامية مضمونة ومكفولة، وهي أحد دعائم ومقومات الدولة الناجحة فلا كبت ولا ضغوط ولا قيود على الأفراد، وإنما هم أحرار في كل حركاتهم وسكناتهم.
اللانظام والفوضى
س: ألا يسبب ذلك حالة اللانظام والفوضى؟
ج: لا يكون ذلك، والدليل عليه أن أربعة عشر قرناً مرت على البلاد الإسلامية ولم يحدث شيء من الفوضى واللانظام، إلى أن أخذت البلاد بالقوانين الغربية فوقعت فيما لا يحصى من المشاكل والمآسي.
إن ما نراه في بلادنا اليوم من فوضى واضطرابات هو نتيجة كبت الحريات وحكم الاستبداد والديكتاتورية، لأن الاستبداد له مردود سلبي على المجتمع ويوجب الفوضى واللانظام.
تاريخ القانون الوضعي
س: إذن متى وجدت هذه الأمور في البلاد الإسلامية؟
ج: منذ نصف قرن، عندما تسلط الكفار على البلاد الإسلامية وسلطوا عليها أذنابهم من الحكام، ففرضوا هذه الأمور.
وذلك لإيقاف عجلة التقدم وحرف فكر الأمة الإسلامية ونظرها عما تملك من كتاب الله وسنة الرسول (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار (عليهم السلام)، اللذَين هما صالحان وملائمان لكل عصر ومصر كما صرح بذلك الصادق المصدق حيث قال (صلى الله عليه وآله): «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»[29].
تحديد هوية المجرمين
س: إذا ألغيت الهويات فكيف يمكن تحديد هوية اللصوص والمفسدين والقتلة وسائر المجرمين؟
ج: بنفس الطريقة التي كانت تجري قبل نصف قرن لتحديد هويتهم.
ثم إن اللازم العمل بجميع قوانين الإسلام المتكاملة، لا أن نعمل بجزء منها وندع الباقي، قال تعالى: ((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض))[30]، فيكون التطبيق ناقصاً وغير عملي وتكون النتيجة غير مرضية وغير متوقعة. قال تعالى: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم))[31].
إلغاء القوانين غير الإسلامية
س: يستشكل البعض أن الزمان قد تغير وهذا الزمان غير الزمان السابق، وبما الدنيا قد تغيرت فاللازم تغيير هذه القوانين؟
ج: إذا كان القصد التغيير الكوني، كتغيير البحار والسماوات والأشجار والحيوانات والشمس والقمر والنجوم، فإنها لم تتغير، أما إذا كان القصد بأن قوانين الحكومات قد تغيرت فهذا هو الواقع الذي نشاهده، ولكن هذا التغيير غير صحيح لأن القوانين التي جاء بها الشرق أو الغرب معقدة، وستكون بضرر الإنسان المسلم وغيره، فيلزم إسقاط هذه القوانين وإلغاؤها وإحلال الحرية مكانها.
الإلغاء التدريجي
س: هل بالإمكان إلغاء هذه القوانين جملة واحدة؟
ج: يلزم أن تكون إلغاء هذه القوانين غير الإسلامية بدراسة كاملة وتحت إشراف شورى الفقهاء المراجع وأخصائيين من الأحزاب الحرة، وبصورة تدريجية، وبسرعة مناسبة، مراعياً في ذلك الحكمة في التصرف.
فلو نظرنا إلى تاريخ الإسلام ومعالجته لبعض الأمور والقضايا التي كانت ضاربة بجذورها في أعماق المجتمع، لرأينا كيف تمكن من القضاء عليها عبر التدرج في تحريمها، مثل مسألة شرب الخمور.
مجالات الحرية
س: ما هي المجالات التي تشملها الحرية الإسلامية والمجالات التي لا تشملها الحرية؟
ج: جميع المجالات هي حرة في الإسلام: كالتجارة والزراعة والصناعة، والثقافة، وامتلاك المباحات، واختيار الإنسان لأي عمل يقوم به، إلا المحرمات فهي خارجة عن دائرة الحرية، وهي قليلة جداً، وجاء المنع عنها لمصلحة البشر ولضمان حرياته الأخرى.
فاللازم أن يفهم كل فرد في أي مجال كان، حدود الحرية المعطاة له وان لا يتجاوزها ليعمل على انتهاك حقوق الآخرين والإضرار بمصالحهم، فالحرية في غير المحرمات تكون على أساس قاعدة: «لا ضرر ولا إضرار في الإسلام»[32].
قوانين المرور
س: هل يحق للفرد عدم التقيد بقوانين المرور؟
ج: كل قانون تتم المصادقة عليه من قبل شورى الفقهاء المراجع وبمساعدة ذوي الخبرة والاختصاص الزمنيين والأحزاب الحرة حتى وإن كان قانوناً ثانوياً بحيث يكون داخلاً ضمن قاعدة (الأهم والمهم) أو قانون (لا ضرر ولا حرج) وما أشبه، فانه يجب العمل والتقيد به، لأن هذه القوانين تعتبر من الأحكام الإسلامية الثانوية والتي تحددها شورى الفقهاء المراجع.
وتفصيل هذا الأمر مذكور في (الفقه).
مضافاً إلى أن هذه القوانين إنما وضعت لتنظيم الحياة وجعلها بسيطة غير معقدة حيث يشعر الكل فيها بالأمن والأمان، فإذا ما عطلت فلسوف تصبح الحياة جحيماً لا تطاق، لأن كل فرد سوف يسعى لتحقيق ذاته ومصالحه على حساب الآخرين وعندها سوف تحل الفوضى واللانظام وهذا ما لا يرضى به الدين والعقل[33].
جهاز المخابرات
س: كيف تتعامل الدولة مع جهاز المخابرات؟
ج: جهاز المخابرات بالصورة التي بينها الإسلام شرعي، أما ما نراه اليوم في البلاد الإسلامية فغير جائز.
إن مهمة جهاز الأمن تتحدد في أمرين:
1: مراقبة موظفي الدولة في عدم التقصير أو التخريب في الأعمال الموكلة إليهم وأن لا يؤذوا أفراد الشعب بأخذ الرشوة وما أشبه.
2: مراقبة أعداء المسلمين حتى لا يباغتوا البلاد الإسلامية بالهجوم المفاجئ عليها.
وفي الحديث الشريف: «إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه»[34].
وقال تعالى: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة))[35].
فجهاز الأمن بالمعنى الصحيح يسخر كل طاقاته وجهوده في سبيل خدمة مصالح الأمة على أساس تقوى الله والإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح.
ولكن ما نراه اليوم عكس ذلك، فقد أصبحت مهمة جهاز المخابرات في دول العالم وبالخصوص في عالمنا هي حفظ شخص الطاغية الحاكم وأذنابه وذلك عبر التجسس على الشعب والضغط عليه.
أما في الإسلام فلا يوجد مثل هذا، لأن التجسس حرام وخلاف العقل.
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ))[36].
الحسبة
س: هل يوجد محتسب في الدولة؟ وهل يعتبر المحتسب جاسوساً؟
ج: المحتسب غير الجاسوس، لأن عمل المحتسب كالشرطي، فهو يتحرك في داخل الأسواق ويقوم بالمراقبة حتى لا يظلم أحد أحداً، وقد ذكرنا تفصيل الموضوع في (الفقه)، ولا يلزم عليه التستر فحكمه حكم الشرطي مع ملاحظة أن الشرطي واجبه المحافظة على النظام العام، أما المحتسب فوظيفته المحافظة على حقوق الناس، فالحسبة فرع من فروع القضاء.
وبعبارة أخرى: المحتسب هو آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر في السوق وبالنسبة إلى المعاملات فيرصد الحالات غير الشرعية من قبل الباعة والمشترين وينبه عليها ويرشد إلى الصحيح منها، عندها يكون السوق سوقاً إسلامياً قائماً على العدل والإنصاف.
ج: نعم، يعترف بالحدود الجغرافية التي بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، بمعناها الصحيح، وأما البلاد الإسلامية فلا حدود بينها.
لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة والبلاد الإسلامية بلد واحد، قال تعالى: ((وإن هذه أمتكم أمة واحدة))[1].
وقال سبحانه: ((إنما المؤمنون إخوة))[2].
وقال (صلى الله عليه وآله): «المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم هم يد على من سواهم»[3].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد...»[4].
وسيكون التعامل مع مختلف الدول الإسلامية والمسلمين تعامل الدولة مع شعبها الواحد، في إطار الإخوة والحرية.
وأما التعامل بالنسبة إلى بلاد الكفر فبالتي هي أحسن وحسب قانون الإلزام، و (تبادل المصالح) والمعاهدات المشروعة، قال تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم))[5].
إزالة الحدود
س: إذن كيف يُتعامل مع هذه الحدود الجغرافية؟
ج: يجب إزالتها من الوجود، فإنها بدعة مصطنعة وأشياء وهمية لا أساس لها في الإسلام، وقد جاء بها الاستعمار ليمزق بها جسد الأمة الواحدة عبر الإقليمية فيسهل السيطرة عليها، فـ ((أرض الله واسعة))[6] لا تحدها حدود، فمن اللازم السعي لإزالتها بالطرق السلمية وعبر نشر الوعي.
لا فوضى في ذلك
س: ألا تستدعي إزالة الحدود الفوضى والهرج والمرج؟
ج: كلا، كما لم تكن فوضى في القرون الماضية وقبل جعل الحدود، وكما لوحظ ذلك في عدة دول، فقد تم إزالة الحدود بين ولايات الهند، وكذلك بين الدول الأوروبية ولم توجب الفوضى..
ومتى ما أحسنا التصرف وحكمنا العقل واتخذنا سياسة السلم ونبذنا العنف فستكون النتيجة طيبة ومرضية بإذن الله تعالى، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه»[7].
الوسائل والآليات
س: ما هي الوسائل الممكنة لهذا العمل؟
ج: يمكن ذلك عبر متابعة القادة ورؤساء الدول الإسلامية بالجلوس إلى طاولة المحادثات واتخاذ القرارات المناسبة والعملية لذلك، والاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال، فأوروبا مثلاً كيف استطاعت من توحيد دولها وتأسيس السوق الأوروبية المشتركة وأخيراً إصدار العملة الموحدة، وكذلك غاندي في الهند.. وما نحن بأقل من هؤلاء بل لدينا من مقومات الوحدة الكثير، الدين، الأرض، التاريخ، الثقافة، وغيرها، بعد الاتكال على الله عزوجل في تسديد الخطى، قال تعالى: ((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))[8].
المسلم في البلد الإسلامي
س: هل يعتبر المسلم الذي ولد في بلد آخر أجنبياً؟
ج: كلا، فالمسلمون إخوة، والمسلم أينما كان وفي أية بقعة من بلاد الإسلام يعتبر من أهل ذلك البلد، ولا فرق بين بلد إسلامي وبلد إسلامي آخر.
فالمؤمنون اخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وفي الحديث الشريف:
«أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى»[9].
فميزان التفاضل عند الله هو التقوى، قال تعالى: ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم))[10].
الأخوة الإسلامية
س: وضحوا لنا ذلك؟
ج: بناء على قانون الأخوة الإسلامية، فالمسلم في أي بلد كان متساوٍ أمام القانون الإسلامي، له ما لسائر المسلمين، وعليه ما عليهم، فيستطيع شراء الأرض وسائر الممتلكات المنقولة وغير المنقولة ويتمكن من إحياء الأراضي بالزراعة والعمارة وما أشبه، أو يقوم بالتجارة وكافة المعاملات الأخرى، وكذلك يمكنه أن يتزوج منهم أو يزوجهم، فهو بمثابة أي فرد من أهل ذلك البلد، وهذه هي الإخوة الإسلامية بمعناها الصحيح التي أرادها الله لنا.
وقد قام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عند دخوله المدينة المنورة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في خطوة منه (صلى الله عليه وآله) لبناء المجتمع الواحد الذي تذوب فيه الأنانيات، ويكون المعيار الوحيد فيه هو التقوى والعمل الصالح، وكذلك نرى كيف استقبل الأنصار هذه الخطوة وآثروا إخوانهم المهاجرين بكل ما يملكون «فكان إذا بعث (صلى الله عليه وآله) أحداً من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ويقول: خذ ما شئت وكل ما شئت، وكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت فأنزل الله ((ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً)) يعني حضر أو لم يحضر، إذا ((ملكتم مفاتحه))[11]»[12].
كما أن بعض الأنصار كان يطلق إحدى زوجاته ليتزوج بها المهاجر، وبهذه الروح المباركة تمكن المسلمون من نشر مبادئ الدين الحنيف.
الحكومة الواحدة
س: كيف يتمكن المسلمون، السنة والشيعة معاً من تشكيل الحكومة الواحدة الإسلامية، والتي يمتد شعاعها ليشمل كافة المسلمين، حيث يبلغ تعدادهم مليار وستمائة مليون نسمة[13]؟
ج: يمكن ذلك عبر طريق تشكيل (المجلس الإسلامي الأعلى) حيث تأخذ نسبة تواجد المسلمين (السنة والشيعة) بنظر الاعتبار، مثلاً عشرة أشخاص من كل مجموعة، فإذا كان الحكم يتعلق بالشيعة يؤخذ برأي أكثرية هذه العشرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السنة.
أما إذا كان الحكم يتعلق بالمسلمين كافة فيؤخذ برأي الأكثرية من السنة والشيعة معاً، فان الحكم في الإسلام ليس استبدادياً بل مبتنياً على التفاهم والحوار الهادف والتأكيد على مبدأ الشورى والاستشارة الدائمة.
وهو نص صريح، نطق به القرآن الكريم، حيث قال عزوجل: ((وأمرهم شورى بينهم))[14].
وقال تعالى: ((وشاورهم في الأمر))[15].
وذلك لكي تُضمن سلامة اتخاذ القرار وعدم تدخل الأهواء فيه، ومداراة الأفراد من صنّاع القرار، وكذلك إشراك والأخذ برأي ذوي الاختصاص منهم، كل في مجال اختصاصه.
الانتخابات الحرة
س: هل يعترف الإسلام بالانتخابات الحرة؟
ج: نعم، فمرجع المسلمين الأعلى والذي بيده ناصية الحكم، يتم تعيينه عن طريق انتخاب الأمة بعد إعطاء رأيها له، وكذلك شورى الفقهاء المراجع إن كان المرجع أكثر من واحد.
فالقائد ـ بالنسبة لغير المعصوم (عليه السلام) ـ ينتخب برأي الأمة مضافاً إلى الشرائط التي قررها الإسلام والتي يجب توفرها فيه.
الحكم في الإسلام
س: هل الحكم في الإسلام فردي أو شورى؟
ج: الحكم شورى، يعني إذا كان للأمة أكثر من مرجع تقليد، فيجب إشراك الجميع في الحكومة على نحو الاستشارة، وما قررته الأكثرية منهم يلزم الأخذ والعمل به.
فلا يعترف الإسلام بالاستبداد والتسلط الديكتاتوري، وإنما الحاكم من الشعب والى الشعب، يرعى مصالحهم ويطمئن إلى أحوالهم، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أ أقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش...»[16].
ويكون القائد كأحدهم، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأحد المسلمين، يجلس بين أصحابه (ينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية)[17] لا يتميز عنهم، حتى أن الغريب القادم لا يعرفه.
شورى الفقهاء المراجع
س: ما هي شورى الفقهاء المراجع؟
ج: كل مسلم لم يصل إلى مرحلة الاجتهاد عليه أن يقلد مرجعاً جامعاً للشرائط المذكورة في الرسائل العملية، وبما أنه لا نيابة خاصة في عصر غيبة الإمام المهدي المنتظر„ بل الفقهاء المراجع هم وكلاء للإمام „ فيلزم على مراجع التقليد أن ينضموا تحت (مجلس شورى الفقهاء المراجع) ويمارسوا إدارة البلاد الإسلامية حسب رأي الأكثرية، فإذا ما توفى أحدهم، أو فقد شرط العلم أو العدالة في واحد من هؤلاء المراجع، فعلى مقلديه أن يختاروا مرجعاً آخر يحل محل المرجع المتوفى أو الفاقد للشروط، ويكون ذلك بإشراف المجلس الاستشاري وموافقة شورى الفقهاء المراجع، وبهذه الصورة نضمن استمرار الحكومة وقيادتها الشرعية وسوف لن يكون هناك خلل أو فراغ في مسألة الإدارة العليا، وهذه الصورة هي مصداق عملي لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال (صلى الله عليه وآله): الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي»[18] وتفصيل هذا البحث في (الفقه)[19].
ولاية الفقيه
س: إذا استفرد أحد الفقهاء بولاية الفقيه هل تجب طاعته؟
ج: الولاية لشورى الفقهاء المراجع.
س: هل تكون ولاية الفقيه مطلقة؟
ج: كلا، وإنما الولاية لشورى الفقهاء وفي الإطار الشرعي الذي حدده القرآن الكريم والسنة المطهرة المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).
س: إذا استفرد أحد الفقهاء بولاية الفقيه وأصدر حكماً أو فتوى بعنوان حكم الحاكم، فهل تكون له الولاية على فقيه آخر؟
ج: لا ولاية لفقيه على فقيه آخر.
س: هل يجوز لفقيه جامع للشرائط أن يفرض سلطته على فقيه آخر جامع للشرائط؟
ج: كلا.
س: هل يشترط في شورى الفقهاء المراجع مضافاً إلى الشروط الفقهية أن تنتخبهم الأمة؟
ج: نعم، فالأمة لها رأيها فيمن سيأخذ بزمام الحكم.
الحرية أصل في الإسلام
س: هل كل شيء في الإسلام حر؟
ج: نعم، بشرط أن لا يكون محرماً، فللإنسان الحق في أن يختار أي شيء، أو يقول أي كلام، أو يفعل أي فعل، أو ما أشبه، حسب إرادته كما تقرر ذلك في العقل والشرع[20].
مضافاً إلى أن المحرمات عند المسلمين لا يؤخذ بها غير المسلمين في إطار قانون (الإلزام) على ما ذكرنا تفصيله في الفقه[21].
وأما الطوائف المذهبية غير المسلمة فهم أحرار في العمل بمعتقداتهم وشعائرهم فيما بينهم على أن لا يتجاهروا بالمنكرات.
الأحزاب الحرة
س: هل يعترف الإسلام بوجود الأحزاب؟
ج: نعم، فالأمة لها الحق في تشكيل الأحزاب، وكل فرد يستطيع الانتماء إلى أي حزب شاء، بشرط أن تكون هذه الأحزاب تحت إشراف الفقهاء المراجع. ويشترط في عملها أن لا يكون خلاف الإسلام باعتبار أن البلاد إسلامية وذات أكثرية مسلمة.
الأحزاب الوطنية
س: هل يسمح للأحزاب الوطنية بالعمل من أجل بناء وتقدم الوطن؟
ج: نعم، بشرط أن لا تخالف الإسلام، فالحزب الوطني إنما يريد بناء الوطن في مختلف أبعاد البناء: السياسة، الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك، وهذا مما لا بأس به.
أنواع الأحزاب
س: إلى كم قسم تقسم الأحزاب في البلاد الإسلامية؟
ج: ثلاثة أقسام: الأول: الأحزاب الإسلامية التي تدعو للعمل بالإسلام وما يتعلق ببلاد الإسلام.
الثاني: الأحزاب الوطنية التي تعمل من أجل تقدم الوطن الإسلامي، في مختلف مجالات الحياة العامة: السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والفكرية، ولا تخالف العقيدة الإسلامية.
الثالث: الأحزاب والقوميات التي تعمل ضمن إطار شأنها الداخلي، ويحق لها أن تمارس لغتها الخاصة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وفتح المدارس الخاصة وما أشبه، على أن لا ينشروا ما يعادي الإسلام.
الصحافة والإعلام
س: هل يحق لأي فرد أو جماعة من تأسيس صحيفة، مجلة، إذاعة، تلفاز، أو ما أشبه، وأن يقول ما يشاء؟
ج: نعم، ضمن إطار الإسلام أو الوطن الإسلامي بأن لا يعمل ضد الإسلام. فالإنسان يولد حراً ويختار طريقه بنفسه، قال تعالى: ((لا إكراه في الدين))[22].
وهذه الحرية التي يمنحها الإسلام للأفراد لا تعني التعدي على حقوق الآخرين والمساس بكرامتهم بقول أو فعل، فالمجتمع الذي يبغيه الإسلام مجتمع حر وطاهر، الكل فيه آمن، لا يخشى من أحد على أحد، قال تعالى: ((ويل لكل همزة لمزة))[23].
الطوائف المذهبية
س: هل الطوائف المذهبية غير المسلمة، لها الحق في تشكيل الأحزاب؟
ج: نعم، في إطار شؤونهم الداخلية، على أن لا يقوموا بالتأثير على المسلمين ـ كما سبق ـ فان الدولة الإسلامية تتعايش مع الأقليات بأفضل ما يمكن، فالأقليات لها أحكامها الخاصة بها، سواء أكانت من أهل الكتاب كالمجوس والنصارى، أو غير أهل الكتاب كالبوذية والبرهمية وما إلى ذلك، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعامل حتى مع المشركين بأفضل أسلوب، ولم يجبر أحداً منهم على الإسلام أو قوانينه.
علاقة البلدان الإسلامية
س: ما هي نوع العلاقة بين البلدان الإسلامية هل هي وحدة أم اتحاد؟
ج: هي الوحدة، لأن المسلمين كافة يعتبرون أمة واحدة لهم حكومة واحدة، حالهم حال الأمم الأخرى الواحدة، كالأمة في الهند والصين وأمريكا حيث لها حكومة واحدة وإن تعددت الولايات.
قال تعالى: ((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون))[24]. وقال سبحانه: ((إنما المؤمنون إخوة))[25].
هذا هو الواقع الذي أراده الله لنا وقد تركناه فتأخرنا، وقد استطاع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) خلال مدة وجيزة من توحيد جزيرة العرب بعد أن آمن الناس ونفضوا عنهم غبار القومية والإقليمية والقبلية وغيرها.
الولايات المختلفة
س: ما نوع الحكومة الإسلامية بالنسبة إلى ولاياتها مثل: العراق، مصر وإيران وغيرها؟
ج: بأي كيفية أجازتها شورى الفقهاء المراجع التي تستشير أيضاً الأحزاب الحرة والاخصائيين، بحيث لا تكون منافية للقوانين الإسلامية..
فعليها الرجوع إلى ماضيها المجيد من العمل بالقرآن والسنة الشريفة وتسعى جادة إلى إقامة حكومة الإسلام الواحدة والالتفاف حول راية الدين المبين.
قال تعالى: ((إنهم يرونه بعيداً * ونراه قريباً))[26].
المعاهدات الدولية
س: هل يمكن للدولة الإسلامية عقد المعاهدات مع بقية دول العالم؟
ج: نعم، مثلما عقد النبي (صلى الله عليه وآله) المعاهدة مع الكفّار عام الحديبية أو مع يهود المدينة أو من أشبه، بشرط أن لا تكون هذه المعاهدة بضرر الإسلام والمسلمين والبلاد الإسلامية، قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة))[27].
وقال سبحانه: ((وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))[28].
فمن مقومات الدولة هي المحافظة على أمنها وذلك عن طريق إقامة علاقات طيبة وحسن الجوار مع الدول المجاورة وغيرها.
القانون الوضعي
س: هل يعترف الإسلام بالهوية، الجنسية، البطاقة الشخصية، إجازة العمل وما أشبه؟
ج: لا يعترف الإسلام بأي شيء من هذا القبيل: الهوية الجنسية، البطاقة الشخصية، إجازة الاستيراد والتصدير أو إجازة العمل، أو ما أشبه.
وبما أن جميع الأعمال هي حرة باستثناء المحرمات فلا يحق لأي فرد كان منع الآخرين مزاولة أعمالهم أو إجبارهم على إنجاز عمل معين أو فرض الضرائب عليهم إلا ما قرر الشرع.
فالحرية في الدولة الإسلامية مضمونة ومكفولة، وهي أحد دعائم ومقومات الدولة الناجحة فلا كبت ولا ضغوط ولا قيود على الأفراد، وإنما هم أحرار في كل حركاتهم وسكناتهم.
اللانظام والفوضى
س: ألا يسبب ذلك حالة اللانظام والفوضى؟
ج: لا يكون ذلك، والدليل عليه أن أربعة عشر قرناً مرت على البلاد الإسلامية ولم يحدث شيء من الفوضى واللانظام، إلى أن أخذت البلاد بالقوانين الغربية فوقعت فيما لا يحصى من المشاكل والمآسي.
إن ما نراه في بلادنا اليوم من فوضى واضطرابات هو نتيجة كبت الحريات وحكم الاستبداد والديكتاتورية، لأن الاستبداد له مردود سلبي على المجتمع ويوجب الفوضى واللانظام.
تاريخ القانون الوضعي
س: إذن متى وجدت هذه الأمور في البلاد الإسلامية؟
ج: منذ نصف قرن، عندما تسلط الكفار على البلاد الإسلامية وسلطوا عليها أذنابهم من الحكام، ففرضوا هذه الأمور.
وذلك لإيقاف عجلة التقدم وحرف فكر الأمة الإسلامية ونظرها عما تملك من كتاب الله وسنة الرسول (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار (عليهم السلام)، اللذَين هما صالحان وملائمان لكل عصر ومصر كما صرح بذلك الصادق المصدق حيث قال (صلى الله عليه وآله): «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»[29].
تحديد هوية المجرمين
س: إذا ألغيت الهويات فكيف يمكن تحديد هوية اللصوص والمفسدين والقتلة وسائر المجرمين؟
ج: بنفس الطريقة التي كانت تجري قبل نصف قرن لتحديد هويتهم.
ثم إن اللازم العمل بجميع قوانين الإسلام المتكاملة، لا أن نعمل بجزء منها وندع الباقي، قال تعالى: ((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض))[30]، فيكون التطبيق ناقصاً وغير عملي وتكون النتيجة غير مرضية وغير متوقعة. قال تعالى: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم))[31].
إلغاء القوانين غير الإسلامية
س: يستشكل البعض أن الزمان قد تغير وهذا الزمان غير الزمان السابق، وبما الدنيا قد تغيرت فاللازم تغيير هذه القوانين؟
ج: إذا كان القصد التغيير الكوني، كتغيير البحار والسماوات والأشجار والحيوانات والشمس والقمر والنجوم، فإنها لم تتغير، أما إذا كان القصد بأن قوانين الحكومات قد تغيرت فهذا هو الواقع الذي نشاهده، ولكن هذا التغيير غير صحيح لأن القوانين التي جاء بها الشرق أو الغرب معقدة، وستكون بضرر الإنسان المسلم وغيره، فيلزم إسقاط هذه القوانين وإلغاؤها وإحلال الحرية مكانها.
الإلغاء التدريجي
س: هل بالإمكان إلغاء هذه القوانين جملة واحدة؟
ج: يلزم أن تكون إلغاء هذه القوانين غير الإسلامية بدراسة كاملة وتحت إشراف شورى الفقهاء المراجع وأخصائيين من الأحزاب الحرة، وبصورة تدريجية، وبسرعة مناسبة، مراعياً في ذلك الحكمة في التصرف.
فلو نظرنا إلى تاريخ الإسلام ومعالجته لبعض الأمور والقضايا التي كانت ضاربة بجذورها في أعماق المجتمع، لرأينا كيف تمكن من القضاء عليها عبر التدرج في تحريمها، مثل مسألة شرب الخمور.
مجالات الحرية
س: ما هي المجالات التي تشملها الحرية الإسلامية والمجالات التي لا تشملها الحرية؟
ج: جميع المجالات هي حرة في الإسلام: كالتجارة والزراعة والصناعة، والثقافة، وامتلاك المباحات، واختيار الإنسان لأي عمل يقوم به، إلا المحرمات فهي خارجة عن دائرة الحرية، وهي قليلة جداً، وجاء المنع عنها لمصلحة البشر ولضمان حرياته الأخرى.
فاللازم أن يفهم كل فرد في أي مجال كان، حدود الحرية المعطاة له وان لا يتجاوزها ليعمل على انتهاك حقوق الآخرين والإضرار بمصالحهم، فالحرية في غير المحرمات تكون على أساس قاعدة: «لا ضرر ولا إضرار في الإسلام»[32].
قوانين المرور
س: هل يحق للفرد عدم التقيد بقوانين المرور؟
ج: كل قانون تتم المصادقة عليه من قبل شورى الفقهاء المراجع وبمساعدة ذوي الخبرة والاختصاص الزمنيين والأحزاب الحرة حتى وإن كان قانوناً ثانوياً بحيث يكون داخلاً ضمن قاعدة (الأهم والمهم) أو قانون (لا ضرر ولا حرج) وما أشبه، فانه يجب العمل والتقيد به، لأن هذه القوانين تعتبر من الأحكام الإسلامية الثانوية والتي تحددها شورى الفقهاء المراجع.
وتفصيل هذا الأمر مذكور في (الفقه).
مضافاً إلى أن هذه القوانين إنما وضعت لتنظيم الحياة وجعلها بسيطة غير معقدة حيث يشعر الكل فيها بالأمن والأمان، فإذا ما عطلت فلسوف تصبح الحياة جحيماً لا تطاق، لأن كل فرد سوف يسعى لتحقيق ذاته ومصالحه على حساب الآخرين وعندها سوف تحل الفوضى واللانظام وهذا ما لا يرضى به الدين والعقل[33].
جهاز المخابرات
س: كيف تتعامل الدولة مع جهاز المخابرات؟
ج: جهاز المخابرات بالصورة التي بينها الإسلام شرعي، أما ما نراه اليوم في البلاد الإسلامية فغير جائز.
إن مهمة جهاز الأمن تتحدد في أمرين:
1: مراقبة موظفي الدولة في عدم التقصير أو التخريب في الأعمال الموكلة إليهم وأن لا يؤذوا أفراد الشعب بأخذ الرشوة وما أشبه.
2: مراقبة أعداء المسلمين حتى لا يباغتوا البلاد الإسلامية بالهجوم المفاجئ عليها.
وفي الحديث الشريف: «إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه»[34].
وقال تعالى: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة))[35].
فجهاز الأمن بالمعنى الصحيح يسخر كل طاقاته وجهوده في سبيل خدمة مصالح الأمة على أساس تقوى الله والإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح.
ولكن ما نراه اليوم عكس ذلك، فقد أصبحت مهمة جهاز المخابرات في دول العالم وبالخصوص في عالمنا هي حفظ شخص الطاغية الحاكم وأذنابه وذلك عبر التجسس على الشعب والضغط عليه.
أما في الإسلام فلا يوجد مثل هذا، لأن التجسس حرام وخلاف العقل.
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ))[36].
الحسبة
س: هل يوجد محتسب في الدولة؟ وهل يعتبر المحتسب جاسوساً؟
ج: المحتسب غير الجاسوس، لأن عمل المحتسب كالشرطي، فهو يتحرك في داخل الأسواق ويقوم بالمراقبة حتى لا يظلم أحد أحداً، وقد ذكرنا تفصيل الموضوع في (الفقه)، ولا يلزم عليه التستر فحكمه حكم الشرطي مع ملاحظة أن الشرطي واجبه المحافظة على النظام العام، أما المحتسب فوظيفته المحافظة على حقوق الناس، فالحسبة فرع من فروع القضاء.
وبعبارة أخرى: المحتسب هو آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر في السوق وبالنسبة إلى المعاملات فيرصد الحالات غير الشرعية من قبل الباعة والمشترين وينبه عليها ويرشد إلى الصحيح منها، عندها يكون السوق سوقاً إسلامياً قائماً على العدل والإنصاف.