صفحة 1 من 1

علم السياسة والتحليل السياسي

مرسل: الأربعاء إبريل 25, 2012 11:39 am
بواسطة نواف السبيعي1

علم السياسة والتحليل السياسي
محمد محفوظ

    من التعريفات الأساسية لعلم السياسة، أنه علم السلطة، إذ لا تتحقق مفاهيم السياسة والعمل السياسي، بلا سلطة اجتماعية – سياسية، تمارس من خلالها السياسات ومفاهيم علم السياسة.. ويقول وليم روبسون: (إن علم السياسة يقوم على دراسة السلطة في المجتمع، وعلى دراسة أسسها وعملية ممارستها وأهدافها ونتائجها) فهو يحدد بهذا التعريف أن علم السياسة، هو محصور في إطار بنية السلطة وأهدافها، وطريق ممارسة النخب السياسية للسلطة.. وليست السلطة أو الدولة في حقيقتها وجوهرها إلا نوع من التنظيم السياسي والقانوني المتكامل للجماعة البشرية، لذا فإن من الأمور والمكونات النظرية الأولى، التي ينبغي أن يتعرف إليها المحلل السياسي هي السلطة بنيتها، هيكلها، مؤسساتها، التركيب السياسي لها، والواقع الاجتماعي لها.. بمعنى أن السلطة السياسية انبثقت من أي واقع اجتماعي؛ لأنه لا شك أن واقع السلطة الاجتماعي، سيؤثر بشكل طبيعي على القرارات والسياسات الداخلية والخارجية للسلطة.. وكذلك العلاقة التي تربط النخب السياسية بشرائح وفئات المجتمع المختلفة.. هل هي تخضع لقواعد وقوانين ثابتة، أم هي علاقة يحددها مزاج النخب ومصالحها الشخصية والسياسية؟.. وهل هذه السلطة أو الدولة تتمتع بكل قوانين السيادة الداخلية والخارجية؟، من قبيل هل هي التي تتولى شؤون حماية أمنها، وأمن المواطنين، أم غيرها من الدول والقوى؟، وهل هي تخضع لرقابة خارجية في تسيير شؤونها السياسية والاقتصادية والعسكرية أم لا؟، وهل هي حرة في انتخاب نظام الحكم الذي ترتضيه لنفسها من دون تدخل أي سلطة أو قوة أم لا؟.. كما أنه من الضروري معرفة نسبة تدخل النظام والسلطة في الحقل الاقتصادي، وطبيعة القرارات الحكومية إلزامية – استبدادية - ديمقراطية أو ما أشبه، والقيم الحاكمة في المجموعات الاجتماعية وبنية النفوذ في النخب السياسية السائدة..

إن جميع هذه العناصر والتساؤلات تشكل ما يسمى ب (علم السلطة) التي لها الدور الأكبر في سن القوانين، وتنفيذ السياسات، وتشكيل الأخلاق، وصنع الدبلوماسيات..

المحلل السياسي، لا يتمكن من معرفة حقيقة الأحداث والظواهر السياسية، من دون الاطلاع والمعرفة النظرية على بنية السلطة وطبيعتها وأهدافها، وأي واقع اجتماعي تشكله
وبكلمة: أن هذه العناصر بتداخلاتها وعلاقاتها، تشكل مصدر النشاط السياسي بكل صوره وأشكاله.. والمحلل السياسي، لا يتمكن من معرفة حقيقة الأحداث والظواهر السياسية، من دون الإطلاع والمعرفة النظرية على بنية السلطة وطبيعتها وأهدافها، وأي واقع اجتماعي تشكله، وأي شكل سياسي ترتضيه وتسعى إلى تنفيذه في المجتمع.. وفي هذا الإطار يبقى علم السلطة هو المكون النظري الأول للمحلل السياسي.

(2)

معرفة المؤثرات التالية

الموقع الجغرافي

من حيث المساحة والموقع والتضاريس، وكبر حجم الدولة، وجميع الأمور التي تؤثر في القرار السياسي للدولة.. يذهب بعض المفكرين بعيدا إذ يرون أن الموقع الجغرافي، هو العامل الأول في التأثير في القرار السياسي.. ويجعلون عملية تأثير الجغرافيا في السياسة عملية حتمية لا مناص لها.. ونحن نذهب إلى أن للجغرافيا تأثير في العلاقة والقرار السياسيين، ولكنه تأثير لا يصل إلى حد الحتمي، حيث إن الاتساع في حجم الدولة، يمكنها من إيواء واستيعاب كمية ضخمة من السكان، ويعطيها وفرة وتنوعا في الموارد والثروات الطبيعية.. كما أن الاتساع الجغرافي قد يعطي الدولة بعض المزايا العسكرية، من عمق دفاعي يصعب على العدو اختراقه.. فمثلا جمهورية روسيا الاتحادية تستطيع أن تصل إلى مراكز الصناعة والإنتاج في غرب أوروبا، أسرع بكثير مما تقدر دول أوروبا الغربية إلى الوصول إلى مراكز جمهورية روسيا الاتحادية.. كل ذلك بفضل الموقع والاتساع الجغرافي، الذي تتمتع به روسيا الاتحادية، كما أن الموقع الجغرافي قد يعطي ويهب الدولة موانع وعوائق طبيعية تزيد من الاقتدار العسكري للدولة.. إذا اقترنت هذه العوائق الطبيعية بوجود قوة عسكرية كافية تساعد على حماية الدولة.. فجبال البرانس مثلا تعطي حماية عسكرية لا يستهان بها، والأرض بالمفهوم الاقتصادي الذي يتعدى القشرة المعروفة المستعملة للأغراض الإنسانية والعمرانية والزراعية، لتشمل جميع المواد الخام الأساسية، وقوى الطبيعة الثروات الدفينة وكافة المواد الصالحة للاستعمال والاستهلاك والتصنيع والتمويل، إلى سلع مفيدة لتلبية حاجات الإنسان واستمرار حياته.. كل هذه الأمور المرتبطة بالأرض كمصدر اقتصادي، له تأثير في عالم السياسة.. فأهم العوامل التي أسهمت في هزيمة هتلر في الحرب الكونية الثانية، وبخاصة في الصحراء الغربية (معركة العلمين) كان عدم وجود البترول، ما جعل دباباته لا قيمة لها بالمرة.. وهذا ما مكن مونتغمري، القائد العسكري البريطاني، من الانقضاض على خصمه والانتصار عليه، ودحر قوى ألمانيا النازية بقيادة ثعلب الصحراء (رومل)..

وجماع القول: فإن الموقع الجغرافي للدولة ومناخها ومواردها الطبيعية، متغيرات مهمة وحقائق شاخصة، تؤثر في شكل الدولة، وفي النظام السياسي القائم، وفي قوة الدولة وعلاقاتها بغيرها من الدول والشعوب.. وليس أدل على تأثير الموقع الجغرافي في السياسية، من ظهور علم (الجيبوبولتيك) الذي يتناول المتغير الجغرافي وعلاقاته بالسياسة..

المسألة الديمغرافية (السكانية)

ويمكننا القول: إن القرارات السياسية سواء كانت قرارات حرب أو سلم للمسألة السكانية تأثير لا يستهان به في هذه القرارات.. فإسرائيل مثلا دائما تنتخب في حروبها أسلوب حروب الاستنزاف أو الحروب السريعة؛ لأن قدرتها السكانية، لا تسمح لها بحروب طويلة الأمد.. وتظهر أهمية السكان للدولة والنظام السياسي، من أنهم يشكلون عصب القوة البشرية اللازمة، لإدارة أجهزة الإنتاج المدني.. ولا يمكن أن نتصور حكومة بلا قدرة بشرية، لتسيير شؤونها الإدارية والاجتماعية والسياسية وما أشبه.. كما أن السكان هم الذين يشكلون المؤسسة العسكرية التي تحمي الدولة وثغورها.. وعلى ضوء ذلك فإن للكثافة السكانية - أو عدمها - دور مباشر في العملية السياسية المحلية والخارجية.. فكثير من الدول تعد ضعيفة ليس لموقعها الجغرافي مثلا، وإنما لقلة سكانها، ما يجعلها عرضة لقوى إقليمية أو دولية تسيطر عليها.. كما أن الدولة ذات الكثافة السكانية تعد قوة إستراتيجية وعمقا بشريا، يصعب احتلالها، والسيطرة عليها.. لأن العمق البشري سيكون سندا لسياسة الدولة.. فجمهورية مصر العربية مثلا على الصعيدين القومي والأفريقي، لها تأثير قوي في مسار الأحداث السياسية والاجتماعية والعسكرية.. ولا ريب أن أحد عوامل هذا الدور والتأثير المتميز لمصر، يرجع إلى كثافتها السكانية، ما يجعلها قوة سياسية، وذات تأثير ضخم على صعيد مشكلات الشرق الأوسط قاطبة.. والقيمة العملية لكبر حجم السكان وكثافتهم، تبدو من الناحية الاقتصادية في مجال الإنتاج الاقتصادي بالذات.. فمنطقة الخليج مثلا لقلة سكانها، فهي تستورد اليد العاملة من أجل عملية الإنتاج الاقتصادي للدولة.. وفي المقابل الدول ذات الكثافة السكانية يكون لديها فائض بشري خارج عن الدورة الاقتصادية للبلد.. لذلك تسمح بتصدير اليد العاملة للدول الأخرى.. كما أن للتنوع الأثني والعرقي والمذهبي والديني للسكان تأثير في عالم السياسة.. فمثلا لا يمكن فهم ما يجري في لبنان من دون معرفة التركيبة السكانية المعقدة للشعب اللبناني.. فالتعددية الهائلة للأطراف، والقوى القادرة على التأثير في المسيرة السياسية، ومن تعدد انتماءات هذه الأطراف، ومصالحها، وتضاربها الشديد، وطبيعة الجذور التاريخية المشوهة للتركيبة اللبنانية القائمة سياسيا، عسكريا، ثقافيا، اجتماعيا، اقتصاديا، لكل هذه الأمور تأثير في فصول الأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية، التي تجري في لبنان.. (فالتركيب السكاني اللبناني الذي أفرز وبمساعدة دول كبرى، مؤسسات طائفية ودستور يعتمد على التعدد المذهبي، وبنية دستورية وقانونية، قامت على أساس أن الجغرافية هي التي تحدد مصير لبنان.. فهو بسبب موقعه الجغرافي يعد رأس جسر نموذجي، وأنه مفترق طرق كما يقول أحد مؤسسي الدستور اللبناني (ميشيل شيما) فهو يسعى بكل الإمكانات والسبل إلى عزل لبنان عن محيطه العربي والإسلامي، ودفعه بقوة في عجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي..

فالتركيب السكاني المتعدد والمتنوعة مصادره ومشاربه ومدارسه المذهبية والفكرية والسياسية، له دور لا يستهان به في عالم السياسة..