منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By علي المسلم ٨
#49083
بسم الله الرحمن الرحيم


كان، رحمه الله ، يدخن بشراهة

غازي عبداللطيف جمجوم

كان آخر عزاء ذهبت إليه يخص أحد الأرحام ولم أكن على معرفة مباشرة بالفقيد الذي كان ــ رحمه الله ــ قرب منتصف الخمسينات من العمر ولكني عرفت أن وفاته كانت نتيجة الإصابة بسرطان الرئة، وأن حالته تدهورت بصورة سريعة خلال أشهر قصيرة. بعد العزاء بأيام كنت جالسا مع بعض أصدقاء الفقيد وزملائه منذ أيام الدراسة ممن كانوا يتحدثون بحسرة واندهاش من وفاته السريعة والمفاجئة. كان أكثر ما لفت انتباهي تكرار جملة «كان ــ يرحمه الله ــ يدخن بشراهة». ومع رضاء الجميع بقضاء المولى عز وجل وقدره، وأن كل نفس ذائقة الموت إذا جاء أجلها المحدد، كان هناك إجماع واضح على ربط الوفاة بالتدخين الشره. ورغم أن الطب أثبت بما لا يدع مجالا للشك تسبب التدخين في كثير من الأمراض مثل أمراض القلب والشرايين وأمراض الرئة والأمراض السرطانية، وخاصة سرطان الرئة، وغيرها، إلا أن الغالبية من المدخنين بل حتى من عامة الناس لا يتوقعون حدوث هذه الأمراض إلا في عمر متقدم، مثلا بعد السبعين من العمر. وبما أن متوسط العمر المتوقع في بلادنا حاليا هو 74 سنة فإن الفرق بين سن الوفاة بسبب أمراض التدخين أو لأسباب أخرى، في حسابهم، ليس كبيرا بذلك القدر، وقد لا يستاهل، في نظرهم، التضحية بالمتعة التي يجنونها من التدخين لسنوات طويلة. لكن الأمر يختلف عندما تحدث الوفاة بسبب مضاعفات التدخين في سن مبكرة نسبيا، كما هي الحال في الحالة التي أتحدث عنها. لا شك أن هناك عوامل كثيرة تتحكم في السن الذي تظهر فيه أمراض التدخين، مثل كمية التدخين والعوامل الوراثية والحالة الصحية العامة للمدخن والعمر الذي بدأ فيه بممارسة التدخين، إلى غير ذلك، وطبعا بعض المدخنين قد لا يصابون بأي مضاعفات قبل أن تحين منيتهم لأسباب أخرى. وهكذا يبقى الأمر في علم الغيب بالنسبة لأي فرد، أما بالنسبة لإجمالي فئة المدخنين فلا شك أن التدخين يقتطع سنوات كثيرة من حياتهم. وقد قدر مركز مكافحة الأمراض الأمريكي أن التدخين يقتطع حوالى 14 عاما من عمر المدخنين في المتوسط. وفي دراسة نشرت قبل بضع سنوات في مجلة «لانست» الطبية تبين أن عدد من ماتوا مبكرا بسبب التدخين في العالم في عام 2000م كان 4.8 مليون شخص، أكثر من نصفهم (2.69 مليون) ماتوا بين سن 30 و 69 سنة. أي أنه ليس من المستغرب حدوث الوفاة نتيجة مضاعفات التدخين في الخمسينات من العمر أو حتى قبل ذلك بكثير..

الوفاة المبكرة لأي شخص، أمر محزن، وقد لا يستسيغ البعض ربطها بأي سبب معين مثل التدخين أو غيره من الأشياء التي أثبتت الدراسات العلمية الموثقة خطرها، ولكن الصدمة التي تنتج عند وفاة قريب أو عزيز يجب أن تنبهنا بأننا لسنا بمنأى عن الإحصاءات التي تظهرها هذه الدراسات، وأنه لا يمكن لنا الوثوق بأن الحظ سيحابينا دائما بحيث نكون الاستثناء الذي لا تطاله نتائج هذه المغامرة الخطرة.