صفحة 1 من 1

دعوة للكتابة في أسبوع الشخصيات التاريخية(د.أحمد)

مرسل: الجمعة مارس 14, 2008 5:44 pm
بواسطة د.أحمد وهبان
أخواني وأخواتي :
أعبر لكم جميعا عن سعادتي البالغة بتواصلنا من خلال هذا المنتدى ، ولتحقيق فوائد أكثر ما رأيكم لو خصصنا كل أسبوع لموضوع معين نكتب فيه جميعا ، ولنبدأ هذا الأسبوع بموضوع (شخصيات صنعت التاريخ)، وعلى كل منا أن يختار شخصية تاريخية ما هو معجب بها أوحتى غير معجب بها ولكن يحب الكتابة عنها ،سواء أكانت شخصية من التاريخ الإسلامي أو تاريخ أوربا أوأحد زعماء العالم المعاصر وهكذا. أرجو أن تكون الفكرة قد أعجبتكم وفي انتظار موضوعاتكم ومقالاتكم حول الفكرة في المنتدى العام.
اقبلوا تحياتي د.أحمد وهبان

مرسل: الجمعة مارس 14, 2008 6:10 pm
بواسطة ريم محمد السديري
فكره رااااااااااااااائعه يا دكتور

وانا حابه اتكلم عن شخصيه اسلاميه عظيمه صنعت التاريخ او التاريخ صنعها

شخصيه رائعه بكل معنا الكلمه على الاقل من وجهة نظري الخاصه

ربما الذين يعرفونها او سمعو بها قليلين

لكن اطلعوا على هالشخصيه التاريخيه العظيمه واكييييد ما راح تندمون

هالشخصيه انا اعتبرها قدوه ومثل اعلى


هي شخصيه

محمد بن ابي عامر ( الملك المنصور )

مرسل: الجمعة مارس 14, 2008 6:15 pm
بواسطة ريم محمد السديري
والان اقدم لكم معلومات بسيطه عن المنصور العظيم


من هــو ؟



ترجمة الملك الأعظم المنصور أبي عامر محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر ابن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري من قرية تركش وعبد الملك جده هو الوافد على الأندلس مع طارق في أول الداخلين من العرب وأما المنصور فقد ذكره ابن حيان في كتابه المخصوص بالدولة العامرية والفتح في المطمح والحجاري في المسهب والشقندي في الطرف وذكر الجميع أن أصله من قرية تركش وأنه رحل إلى قرطبة وتأدب بها ثم اقتعد دكانا عند باب القصر يكتب فيه لمن يعن له كتب من الخدم والمرافعين للسلطان إلى أن طلبت السيدة صبح أم المؤيد من يكتب عنها فعرفها به من كان يأنس إليه بالجلوس من فتيان القصر فترقى إلى أن كتب عنها فاستحسنته ونبهت عليه الحكم ورغبت في تشريفه بالخدمة فولاه قضاء بعض المواضع فظهرت منه نجابة فترقى إلى الزكاة والمواريث بإشبيلية وتمكن في قلب السيدة بما استمالها به من التحف والخدمة ما لم يتمكن لغيره ولم يقصر مع ذلك في خدمة المصحفي الحاجب إلى أن توفي الحكم وولي ابنه هشام المؤيد وهو ابن اثنتي عشرة سنة فجاشت الروم فجهز المصحفي ابن أبي عامر لدفاعهم فنصره الله عليهم وتمكن حبه من قلوب الناس وكان جوادا عاقلا ذكيا استعان بالمصحفي على الصقالبة ثم بغالب على المصحفي وكان غالب صاحب مدينة سالم وتزوج ابن أبي عامر ابنته أسماء وكان اعظم عرس بالأندلس واستعان بجعفر ابن علي بن حمدون على غالب ثم بعبد الرحمن بن محمد بن هشام التجيبي على جعفر وله في الحزم والكيد والجلد ما أفرد له ابن حيان تأليفا وعدد غزواته المنشاة من قرطبة نيف وخمسون غزوة ولم تهزم له راية وقبره بمدينة سالم في أقصى شرق الأندلس ومن شعره :

رميت بنفسي هول كل عظيمة وخاطرت والحر الكريم يخاطر

وما صاحبي إلا جنان مشيع وأسمر خطي وأبيض باتر

فسدت بنفسي أهل كل سيادة وفاخرت حتى لم أجد من أفاخر

وما شدت بنيانا ولكن زيادة على ما بنى عبد المليك وعامر

رفعنا المعالي بالعوال حديثه وأورثناها في القديم معافر

وإني لزجاء الجيوش إلى الوغى أسود تلاقيها أسود خوادر


مرسل: الجمعة مارس 14, 2008 6:21 pm
بواسطة ريم محمد السديري
ترجمة ابن أبي عامر في المطمح


وقال في المطمح في حق ابن أبي عامر إنه تمرس ببلاد الشرك أعظم تمرس ومحا من طواغيتها كل تعجرف وتغطرس وغادرهم صرعى البقاع وتركهم أذل من وتد بقاع ووالى على بلادهم الوقائع وسدد إلى أكبادهم سهام الفجائع وأغص بالحمام أرواحهم ونغص بتلك الآلام بكورهم ورواحهم ومن أوضح الأمور هنالك وأفصح الأخبار في ذلك أن أحد رسله كان كثير النتياب لذلك الجناب فسار في بعض مسيراته إلى غريسية فلا منتزه إلا مر عليه متفرجا ولا منزل إلا سار عليه معرجا فحل في ذلك أكثر الكنائس هالك فبينا هو يجول في ساحتها ويجيل العين في مساحتها إذ عرضت له امرأة قديمة الأسر قويمة على طول الكسر فكلمته وعرفته بنفسها وأعلمته وقالت له أيرضى المنصور أن ينسى بتنعمه بوسعها ويتمتع بلبوس العافية وقد نضت لبوسها وزعمت أن لها عدة سنين بتلك الكنيسة محبسة وبكل ذل وصغار ملبسة وناشدته الله في إنهاء قصتها وإبراء غصتها واستحلفته بأغلظ الأيمان وأخذت عليه في ذلك اوكد مواثيق الرحمن فلما وصل إلى المنصور عرفه بما يجب تعريفه به وإلامه وهو مصغ إليه حتى تم كلامه فلما فرغ قال له المنصور هل وقفت هناك على أمر أنكرته أم لم تقف على غير ما ذكرته فأعلمه بقصة المراة وما خرجت عنه إليه وبالمواثيق التي أخذت عليه فعتبه ولامه على أن لم يبدأ بها كلامه ثم أخذ للجهاد من فوره وعرض من ممن الأجناد في نجده وغوره وأصبح غازيا على سرجه مباهيا مروان يوم مرجه حتى وافى ابن شانجة في جمعه فأخذت مهابته ببصره وسمعه فبادر بالكتاب إليه بتعرف ما الجلية ويحلف له بأعظم ألية أنه ما جنى ذنبا ولا جفا عن مضجع الطاعة جنبا فعنف أرساله وقال لهم كان قد عاقدني أن لا يبقى ببلاده مأسورة وما مأسور ولو حملته في حواصلها النسور وقد بلغني بعد بقاء فلانة المسلمة في تلك الكنيسة ووالله لا أنتهي عن أرضه حتى أكتسحها فأرسل إليه المرأة في اثنتين معها وأقسم أنه ما أبصرهن ولا سمع بهن وأعلمه أن الكنيسة التي أشار بعلمها قد بالغ في هدمها تحقيقا لقوله وتضرع إليه في الأخذ فيه بطوله فاستحيا منه وصرف الجيش عنه وأوصل المرأة إلى نفسه وألحف توحشها بأنسه وغير من حالها وعاد بسواكب نعماه على جدبها وإمحالها إلى قومها وكحلها بما كان شرد من نومها انتهى .

وقال في المطمح أيضا في حقه ما نصه فرد نابه على من تقدمه وصرفه واستخدمه فإنه كان أمضاهم سنانا وأذكاهم جنانا وأتمهم جلالا وأعظمهم استقلالا فآل أمره إلى ما آل وأوهم العقول بذلك المآل فإنه كان آية الله في اتفاق سعده وقربه من الملك بعد بعده بهر وتملك فما خفق بأرضه لواء عدو بعد خمول كابد منه غصصا وشرقا وتعذر مأمول طارد فيه سهرا وأرقا حتى أنجز له الموعود وفر نحسه أمام تلك السعود فقام بتدبير الخلافة وأقعد من كان له فيها إنافة وساس الأمور أحسن سياسة وداس الخطوب بأخشن دياسة فانتظمت له الممالك واتضحت به المسالك وانتشر الأمن في كل طريق واستشعر اليمن كل فريق وملك الأندلس بضعا وعشرين حجة لم تدحض لسعادتها حجة ولم تزخر لمكروه بها لجة لبس فيه البهاء والإشراق وتنفست عن مثل أنفاس العراق وكانت أيامه أحمد أيام وسهام بأسه أسد سهام غزا الروم شاتيا وصائفا ومضى فأوغل في تلك الشعاب وتغلغل حتىراع ليث الغاب ومشى تحت أوليته صيد القبائل واستجرت في ظلها بيض الظبا وسمر الذوابل وهو يقتضي الأرواح بغير سوم وينتضي الصفاح على كل روم ويتلف من لا ينساق للخلافة وينقاد ويخطف منهم كل كوكب وقاد حتى استبد وانفرد وأنس إليه من الكاعة ما نفر وشرد وانتظمت له الأندلس بالعدوة واجتمعت في ملكه اجتماع قريش بدار الندوة ومع هذا لم يخلع اسم الحجابة ولم يدع السمع لخليفته والإجابة ظاهر يخالفه الباطن واسم تنافره مواقع الحكم والمواطن وأذل قبائل الأندلس بإجازة البرابر وأخمل بهم أولئك الأعلام الأكابر فإنه قاومهم بأضدادهم واستكثر من أعدادهم حتى تغلبوا على الجمهور وسلبوا عنهم الظهور ووثبوا عليهم الوثوب المشهور الذي أعاد أكثر الأندلس قفرا يبابا وملأها وحشا وذئابا وأعراها من الأمان برهة من الزمان وعلى هذه الهيئة فهو وابنه المظفر كانا آخر سعد الأندلس وحد السرور بها والتأنس وغزواته فيها شائعة الأثر رائعة كالسيف ذي الأثر وحسبه وافر ونسبه معافر وكانت أمه تميمة فحاز الشرف بطرفيه والتحف بمطرفيه ولذا قال القسطلي فيه :

تلاقت عليه من تميم ويعرب شموس تلالا في العلا وبدور

من الحميريين الذين أكفهم سحائب تهمي بالندى وبحور

وتصرف قبل ولايته في شتى الولايات وجاء من التحدث بمنتهى أمره بآيات حتى صح زجره وجاء بصبحه فجره تؤثر عنه في ذلك أخبار فيها عجب واعتبار وكان أديبا محسنا وعالما متفننا فمن ذلك قوله يمني نفسه بملك مصر والحجاز ويستدعي صدور تلك الأعجاز

منع العين أن تذوق المناما حبها أن ترى الصفا والمقاما

لي ديون بالشرق عند الناس قد أحلوا بالمشعرين والحراما

إن قضوها نالوا الأماني وإلا جعلوا دونها رقابا وهاما

عن قريب ترى خيول هشام يبلغ النيل خطوها والشآما









دهاء المنصور ووصوله إلى الحجابة بعد إقصاء المصحفي



قال ابن بسام نقلا عن ابن حيان إنه لما انتهت خلافة بني مروان بالأندلس إلى الحكم تاسع الأئمة وكان مع فضله قد استهواه حب الولد حتى خالف الحزم في توريثه الملك بعده في سن الصبا دون مشيخة الإخوة وفتيان العشيرة ومن كان ينهض بالأمر ويستقل بالملك قال ابن بسام وكان يقال لا يزال ملك بني أمية بالأندلس في إقبال ودوام ما توارثه الأبناء عن الآباء فإذا انتقل إلى الإخوة وتوارثوه فيما بينهم أدبر وانصرم ولعل الحكم لحظ ذلك فلما مات الحكم أخفى جؤذر وفائق فتياه ذلك وعزما على صرف البيعة إلى أخيه المغيرة وكان فائق قد قال له إن هذا لا يتم لنا إلا بقتل جعفر المصحفي فقال له جؤذر ونستفتح أمرنا بسفك دم شيخ مولانا فقال له هو والله ما أقول لك ثم بعثا إلى المصحفي ونعيا إليه الحكم وعرفاه رأيهما في المغيرة فقال لهما المصحفي وهل أنا إلا تبع لكما وأنتما صاحبا القصر ومدبرا الأمر فشرعا في تدبير ما عزما عليه .

وخرج المصحفي وجمع أجناده وقواده ونعى إليهم الحكم وعرفهم مقصود جؤذر وفائق في المغيرة وقال إن بقينا على ابن مولانا كانت الدولة لنا وإن بدلنا استبدلنا فقالوا الرأي رأيك فبادر المصحفي بإنفاذ محمد بن أبي عامر مع طائفة من الجند إلى دار المغيرة لقتله فوافاه ولا خبر عنده فنعى إليه الحكم أخاه فجزع وعرفه جلوس ابنه هشام في الخلافة فقال أنا سامع مطيع فكتب إلى المصحفي بحاله وما هو عليه من الاستجابة فأجابه المصحفي بالقبض عليه وإلا وجه غيره ليقتله فقتله خنقا فلما قتل المغيرة واستوثق الأمر لهشام بن الحكم .

افتتح المصحفي أمره بالتواضع والسياسة واطراح الكبر ومساواة الوزراء في الفرش وكان ذلك من أول ما استحسن منه وتوفر على الاستئثار بالأعمال والاحتجان للأموال وعارضه محمد بن أبي عامر فتى ماجد أخذ معه بطرفي نقيض بالبخل جودا وبالاستبداد أثرة وتملك قلوب الرجال إلى أن تحركت همته للمشاركة في التدبير بحق الوزارة وقوي على أمره بنظره في الوكالة وخدمته للسيدة صبح أم هشام وكانت حاله عند جميع الخدم أفضل الأحوال بتصديه لمواقع الإرادة ومبالغته في تأدية لطيف الخدمة فأخرجت له أم هشام الخليفة إلى الحاجب جعفر المصحفي بأن لا ينفرد عنه برأي وكان غير متخيل منه سكوتا إلى ثقته فامتثل الأمر وأطلعه على سره وبالغ في بره وبالغ محمد بن أبي عامر في مخادعته والنصح له فوصل المصحفي يده بيده واستراح إلى كفايته وابن أبي عامر يمكر به ويضرب عليه ويغري به الحرة ويناقضه في أكثر ما يعامل به الناس ويقضي حوائجهم .

ولم يزل على ما هذه سبيله إلى أن انحل أمر المصحفي وهوى نجمه وتفرد محمد بن أبي عامر بالأمر ومنع أصحاب الحكم وأجلاهم وأهلكهم وشردهم وشتتهم وصادرهم وأقام من صنائعهم من استغنى به عنهم وصادر الصقالبة وأهلكهم وأبادهم في أسرع مدة قال ابن حيان وجاشت النصرانية بموت الحكم وخرجوا على أهل الثغور فوصلوا إلى باب قرطبة ولم يجدوا عند جعفر المصحفي غناء ولا نصرة وكان مما أتى عليه أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم لما تخيله من أن في ذلك النجاة من العدو ولم تقع حيلته لأكثر منه مع وفور الجيوش وجموع الأموال وكان ذلك من سقطات جعفر فأنف محمد بن أبي عامر من هذه الدنية وأشار على جعفر بتبديد الجيش بالجهاد وخوفه سوء العاقبة في تركه وأجمع الوزراء على ذلك إلا من شذ منهم واختار ابن أبي عامر الرجال وتجهز للغزاة واستصحب مائة ألف دينار ونفذ بالجيش ودخل على الثغر الجوفي ونازل حصن الحافة ودخل الربض وغنم وقفل فوصل الحضرة بالسبي بعد اثنين وخمسين يوما فعظم السرور به وخلصت قلوب الأجناد له واستهلكوا في طاعته لما رأوه من كرمه .

ومن أخبار كرمه ما حكاه محمد بن أفلح غلام الحكم قال دفعت إلى ما لا أطيقه من نفقة في عرس ابنة لي ولم يبق معي سوى لجام محلى ولما ضاقت بي الأسباب قصدته بدار الضرب حين كان صاحبها والدراهم بين يديه موضوعة مطبوعة فأعلمته ما جئت له فابتهج بما سمعه مني وأعطاني من تلك الدراهم وزن اللجام بحديده وسيوره فملأ حجري وكنت غير مصدق بما جرى لعظمه وعملت العرس وفضلت لي فضلة كثيرة وأحبه قلبي حتى لو حملني على خلع طاعة مولاي الحكم لفعلت وكان ذلك في أيام الحكم قبل أن يقتعد ابن أبي عامر الذروة. وقال غير واحد إنه صنع يومئذ قصرا من فضة لصبح أم هشام وحمله على رؤوس الرجال فجلب حبها بذلك وقامت بأمره عند سيدها الحكم وحدث الحكم خواصه بذلك وقال إن هذا الفتى قد جلب عقول حرمنا بما يتحفهم به. قالوا وكان الحكم لشدة نظره في علم الحدثان يتخيل في ابن أبي عامر أنه المذكور في الحدثان ويقول لأصحابه أما تنظرون إلى صفرة كفيه ويقول في بعض الأحيان لو كانت به شجة لقلت إنه هو بلا شك فقضى الله أن تلك الشجة حصلت للمنصور يوم ضربه غالب بعد موت الحكم بمدة .

قال ابن حيان وكان بين المصحفي وغالب صاحب مدينة سالم وشيخ الموالي وفارس الأندلس عداوة عظيمة ومباينة شديدة ومقاطعة مستحكمة وأعجز المصحفي أمره وضعف عن مباراته وشكا ذلك إلى الوزراء فأشاروا عليه بملاطفته واستصلاحه وشعر بذلك ابن أبي عامر فأقبل على خدمته وتجرد لإتمام إرادته ولم يزل على ذلك حتى خرج الأمر بأن ينهض غالب إلى تقدمة جيش الثغر وخرج ابن أبي عامر إلى غزوته الثانية واجتمع به وتعاقدا على الإيقاع بالمصحفي وقفل ابن أبي عامر ظافرا غانما وبعد صيته فخرج أمر الخليفة هشام بصرف المصحفي عن المدينة وكانت في يده يومئذ وخلع على ابن أبي عامر ولا خبر عند المصحفي وملك ابن أبي عامر الباب بولايته للشرطة وأخذ عن المصحفي وجوه الحيلة وخلاه وليس بيده من الأمر إلا أقله وكان ذلك بإعانة غالب له وضبط المدينة ضبطا أنسى به أهل الحضرة من سلف من الكفاة وتولى السياسة .

وانهمك ابن أبي عامر في صحبة غالب ففطن المصحفي لتدبير ابن أبي عامر عليه فكاتب غالبا يستصلحه وخطب أسماء ابنته لابنه عثمان فأجابه غالب لذلك وكادت المصاهرة تتم له وبلغ ابن أبي عامر الأمر فقامت قيامته وكاتب غالبا يخوفه الحيلة ويهيج حقوده وألقى عليه أهل الدار وكاتبوه فصرفوه عن ذلك ورجع غالب إلى ابن أبي عامر فأنكحه البنت المذكورة وتم له العقد في محرم سنة سبع وستين وثلاثمائة فأدخل السلطان تلك الابنة إلى قصره وجهزها إلى محمد بن أبي عامر من قبله فظهر أمره وعز جانبه وكثر رجاله وصار جعفر المصحفي بالنسبة إليه كل شيء واستقدم السلطان غالبا وقلده الحجابة شركة مع جعفر المصحفي ودخل ابن أبي عامر على ابنته ليلة النيروز وكانت أعظم ليلة عرس في الأندلس .

وأيقن المصحفي بالنكبة وكف عن اعتراض ابن أبي عامر في شيء من التدبير وابن أبي عامر يسايره ولا يظاهره وانفض عنه الناس وأقبلوا على ابن أبي عامر إلى أن صار المصحفي يغدو إلى قصر قرطبة ويروح وهو وحده وليس بيده من الحجابة سوى اسمها وعوقب المصحفي بإعانته على ولاية هشام وقتل المغيرة ثم سخط السلطان على المصحفي وأولاده وأهله وأسبابه وأصحابه وطولبوا بالأموال وأخذوا برفع الحساب لما تصرفوا فيه وتوصل ابن أبي عامر بذلك إلى اجتثاث أصولهم وفروعهم .

وكان هشام ابن أخي المصحفي قد توصل إلى أن سرق من رؤوس النصارى التي كانت تحمل بين يدي ابن أبي عامر في الغزاة الثالثة ليقدم بها على الحضرة وغاظه ذلك منه فبادره بالقتل في المطبق قبل عمه جعفر المصحفي فما استقصى ابن أبي عامر مال جعفر حتى باع داره بالرصافة وكانت من أعظم قصور قرطبة واستمرت النكبة عليه سنتين مرة يحتبس ومرة يترك ومرة يقر بالحضرة ومرة ينفر عنها ولا براح له من المطالبة بالمال ولم يزل على هذا الحكم حتى استصفي ولم يبق فيه محتمل واعتقل في المطبق بالزهراء إلى أن هلك وأخرج إلى أهله ميتا وذكر أنه سمه في ماء شربه.

قال محمد بن إسماعيل سرت مع محمد بن مسلمة إلى الزهراء لنسلم جسد جعفر بن عثمان إلى أهله بأمر المنصور وسرنا إلى منزله فكان مغطى بخلق كساء لبعض البوابين ألقاه على سريره وغسل على فردة باب اختلع من ناحية الدار وأخرج وما حضر أحد جنازته سوى إمام مسجده المستدعى للصلاة عليه ومن حضر من ولده فعجبت من الزمان انتهى .

وما أحسن عبارة المطمح عن هذه القضية إذ قال قال محمد بن إسماعيل كاتب المنصور سرت بأمره لتسليم جسد جعفر إلى أهله وولده والحضور على إنزاله في ملحده فنظرته ولا أثر فيه وليس عليه شيء يواريه غير كساء خلق لبعض البوابين فدعا له محمد بن مسلمة بغاسل فغسله والله على فردة باب اقتطع من جانب الدار وأنا أعتبر من تصرف الأقدار وخرجنا بنعشه إلى قبره وما معنا سوى إمام مسجده المستدعى للصلاة عليه وما تجاسر أحد منا للنظر إليه وإن لي في شأنه لخبرا ما سمع بمثله طالب وعظ ولا وقع في سمع ولا تصور في لحظ وقفت له في طريقه من قصره أيام نهيه وأمره أروم أن أناوله قصة كانت به مختصة فوالله ما تمكنت من الدنو منه بحيلة لكثافة موكبه وكثرة من حف به وأخذ الناس السكك عليه وأفواه الطرق داعين ومارين بين يديه وساعين حتى ناولت قصتي بعض كتابه الذين نصبهم جناحي موكبه لأخذ القصص فانصرفت وفي نفسي ما فيها من الشرق بحاله والغصص فلم تطل المدة حتى غضب عليه المنصور واعتقله ونقله معه في الغزوات واحتمله واتفق أن نزلت بجليقية إلى جانب خبائه في ليلة نهى فيها المنصور عن وقود النيران ليخفى على العدو أثره ولا ينكشف إليه خبره فرأيت والله عثمان ولده يسقيه دقيقا قد خلطه بماء يقيم به أوده ويمسك بسببه رمقه بضعف حال وعدم زاد وهو يقول بحر الطويل :

تعاطيت صرف الحادثات فلم أزل أراها توفي عند موعدها الحرا

فلله أيام مضت بسبيلها فإني لا أنسى لها أبدا ذكرا

تجافت بها عنا الحوادت برهة وأبدت لنا منها الطلاقة والبشرا

ليالي ما يدري الزمان مكانها ولا نظرت منها حوادثه شزرا

وما هذه الأيام إلا سحائب على كل أرض تمطر الخير والشرا


مرسل: الجمعة مارس 14, 2008 6:27 pm
بواسطة ريم محمد السديري
نكبة المصحفي



قال الفتح في المطمح وكان مما أعين به المنصور على المصحفي ميل الوزراء إليه وإيثارهم له عليه وسعيهم في ترقية وأخذهم بالعصبية فيه فإنها وإن لم تكن حمية أعرابية فقد كانت سلفية سلطانية يقتفي القوم فيها سبيل سلفهم ويمنعون بها ابتذال شرفهم غادروها سيرة وخلفوها عادة أثيرة تشاح الخلف فيها تشاح أهل الديانة وصانوا بها مراتبهم أعظم صيانة ورأوا أن أحدا لا يلحق فيها غاية ولا يتعاقد لها راية فلما اصطفى الحكم المستنصر بالله جعفر بن عثمان واصطنعه ووضعه من أثرته حيث وضعه وهو نزيع بينهم ونابغ في الحال وانتقال الرتبة وكف عن اعتراض محمد وشركته في التدبير وانقبض الناس من الرواح إليه والتبكير وانثالوا على ابن أبي عامر فخف موكبه وغار من سماء العز كوكبة وتوالى عليه سعي ابن أبي عامر وطلبه إلى أن صار يغدو إلى قرطبة ويروح وليس بيده من الحجابة إلا اسمها وابن أبي عامر مشتمل على رسمها حتى محاه وهتك ظله وأضحاه قال محمد بن إسماعيل رأيته يساق إلى مجلس الوزارة للمحاسبة راجلا فأقبل يدرم وجوارحه باللواعج تضطرم وواثق الضاغط ينهره والزمع بي فاستدرك ما تحبه وتشتهيه وترى ما كنت ترتجيه ويا ليت أن الموت يباع فأغلي سومة حتى يرده من أطال عليه حومة ثم قال:

لا تأمنن من الزمان تقلبا إن الزمان بأهله يتقلب

ولقد أراني والليوث تخافني فأخافني من بعد ذاك الثعلب

حسب الكريم مذلة ومهانة أن لا يزال إلى لئيم يطلب

فلما بلغ المجلس جلس في آخره دون أن يسلم على أحد أو يومىء إليه بعين أو يد فلما أخذ مجلسه تسرع إليه الوزير محمد بن حفص بن جابر فعنفه واستجفاه وأنكر عليه ترك السلام وجفاه وجعفر معرض عنه إلى أن كثر القول منه فقال له يا هذا جهلت المبرّة فاستجهلت معلمها وكفرت النعم فقصدت بالأذى ولم ترهب مقدمها ولو أتيت نكرا لكان غيرك أدرى وقد وقعت في أمر ما أظنك تخلص منه ولا يسعك السكوت عنه ونسيت الأيادي الجميلة والمبرات الجليلة فلما سمع محمد بن حفص ذلك من قوله قال هذا البهت بعينه وأي أياديك الغر التي مننت بها وعينت أداء واجبها أيد كذا أم يد كذا وعد أشياء أنكرها منه أيام إمارته وتصرف الدهر طوع إشارته فقال جعفر أنشد الله من له علم بما أذكره إلا إعتراف به فلا ينكره وأنا أحوج إلى السكوت ولا تحجب دعوتي فيه عن الملكوت فقال الوزير أحمد بن عباس قد كان بعض ما ذكرته يا أبا الحسن وغير هذا أولى بك وأنت فيما أنت فيه من محنتك وطلبك فقال أحرجني الرجل فتكلمت وأحوجني إلى ما به أعلمت فأقبل الوزير ابن جهور على محمد بن حفص وقال أسأت إلى الحاجب وأوجبت عليه غير الواجب أوما علمت أن منكوب السلطان لا يسلم على أوليائه لأنه إن فعل ألزمهم الرد بقوله تعالى:" وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" (النساء 86 ) فإن فعلوا لطاف بهم من إنكار السلطان ما يخشى ويخاف لأنه تأنيس لمن أوحش وتأمين لمن أخاف وإن تركوا الرد أسخطوا الله فصار الإمساك أحسن ومثل هذا لا يخفى على أبي الحسن فانكسر ابن حفص وخجل مما أتى به من النقص وبلغه أن قوما توجعوا له وتفجعوا مما وصله فكتب إلهم:

أحن إلى أنفاسكم فأظنها بواعث أنفاس الحياة إلى نفسي

وإن زمانا صرت فيه مقيداَ لأثقل من رضوى وأضيق من رمس












ابن أبي عامر وغالب الناصري


وأما غالب الناصري فإنه حضر مع ابن أبي عامر في بعض الغزوات وصعدا إلى بعض القلاع لينظرا في أمرها فجرت محاورة بين ابن أبي عامر وغالب فسبه غالب وقال له يا كلب أنت الذي أفسدت الدولة وخربت القلاع وتحكمت في الدولة وسل سيفه فضربه وكان بعض الناس حبس يده فلم تتم الضربة وشجه فألقى ابن أبي عامر نفسه من رأس القلعة خوفا من أن يجهز عليه فقضى الله تعالى أنه وجد شيئا في الهواء منعه من الهلاك فاحتمله أصحابه وعالجوه حتى برئ ولحق غالب بالنصارى فجيش بهم وقابله ابن أبي عامر بمن معه من جيوش الإسلام فحكمت الأقدار بهلاك غالب وتم لابن أبي عامر ما جد له وتخلصت دولته من الشوائب .





ابن أبي عامر والمؤيد


قالوا ولما وقعت وحشة بين ابن أبي عامر والمؤيد وكان سببها تضريب الحساد فيما بينهما وعلم أنه ما دهي إلا من جانب حاشية القصر فرقهم ومزقهم ولم يدع فيه منهم إلا من وثق به أو عجز عنه ثم ذكر له أن الحرم قد انبسطت أيديهن في الأموال المختزنة بالقصر وما كانت السيدة صبح تفعله من إخراج الأموال عندما حدث من تغيرها على ابن أبي عامر وأنها أخرجت في بعض الأيام مائة كوز مختومة على أعناق الخدم الصقالبة فيها الذهب والفضة وموهت ذلك كله بالمري والشهد وغيره والأصباغ المتخذة بقصر الخلافة وكتبت على رؤوس الكيزان أسماء ذلك ومرت على صاحب المدينة فما شك أنه ليس فيها إلا ما هو عليها وكان مبلغ ما حملت فيها من الذهب ثمانين ألف دينار فأحضر ابن أبي عامر جماعة وأعلمهم أن الخليفة مشغول عن حفظ الأموال بانهماكه في العبادة وأن في إضاعتها آفة على المسلمين وأشار بنقلها إلى حيث يؤمن عليها فيه فحمل منها خمسة آلاف ألف دينار عن قيمة ورق وسبعمائة ألف دينار .

وكانت صبح قد دافعت عما بالقصر من الأموال ولم تمكن من إخراجها فاجتمع ابن أبي عامر بالخليفة هشام واعترف له بالفضل والغناء في حفظ قواعد الدولة فخرست ألسنة العدا والحسدة وعلم المنصور ما في نفوس الناس لظهور هشام ورؤيتهم له إذ كان منهم من لم يره قط فأبرزه للناس وركب الركبة المشهورة واجتمع لذلك من الخلق ما لا يحصى وكانت عليه الطويلة والقضيب في يده زي الخلافة والمنصور يسايره .

ثم خرج المنصور لآخر غزواته وقد مرض المرض الذي مات فيه وواصل شن الغارات وقويت عليه العلة فاتخذ له سرير خشب ووطئ عليه ما يقعد عليه وجعلت عليه ستارة وكان يحمل على أعناق الرجال والعساكر تحف به وكان هجر الأطباء في تلك العلة لاختلافهم فيها وأيقن بالموت وكان يقول إن زماني يشتمل على عشرين ألف مرتزق ما أصبح فيهم أسوأ حالة مني ولعله يعني من حضر تلك الغزاة وإلا فعساكر الأندلس ذلك الزمان أكثر من ذلك العدد .

واشتغل ذهنه بأمر قرطبة وهو في مدينة سالم فلما أيقن بالوفاة أوصى ابنه عبد الملك وجماعته وخلا بولده وكان يكرر وصايته وكلما أراد أن ينصرف يرده وعبد الملك يبكي وهو ينكر عليه بكاءه ويقول وهذا من أول العجز وأمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر وخرج عبد الملك إلى قرطبة ومعه القاضي أبو ذكوان فدخلها أول شوال وسكن الإرجاف بموت والده وعرف الخليفة كيف تركه وفاة المنصور بن أبي عامر.





أخبار في سيرة المنصور


وفي المنصور أيضا قال بعض مؤرخي المغرب مازجا كلامه ببعض كلام الفتح بعد ذكر استعانته ببعض الناس على بعض وذكر قتله لجعفر ابن علي فقال بعده ما صورته ثم انفرد بنفسه وصار ينادي صروف الدهر هل من مبارز فلما لم يجده حمل الدهر على حكمه فانقاد له وساعده فاستقام أمره منفردا بمملكة لا سلف له فيها ومن أوضح الدلائل على سعده أنه لم ينكب قط في حرب شهدها وما توجهت عليه هزيمة وما انصرف عن موطن إلا قاهرا غالبا على كثرة ما زاول من الحروب ومارس من الأعداء وواجه من الأمم وإنها لخاصة ما أحسب أحدا من الملوك الإسلامية شاركه فيها ومن أعظم ما أعين به مع قوة سعده وتمكن جده سعة جوده وكثرة بذله فقد كان في ذلك أعجوبة الزمان وأول ما اتكأ على أرائك الملوك وارتفق وانتشر عليه لواء السعد وخفق حط صاحبه المصحفي وأثار له كامن حقده الخفي حتى أصاره للهموم لبيسا وفي غيابت السجن حبيسا فكتب إليه يستعطفه بقوله:

هبني أسأت فأين العفو والكرم إذ قادني نحوك الإذعان والندم

يا خير من مدت الأيدي إليه أما ترثي لشيخ رماه عندك القلم

بالغت في السخط فاصفح مقتدر إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا

فما زاده ذلك إلا حنقا وحقدا وما أفادته الأبيات إلا تضما ووفدا فراجعه بما أيأسه وأراه مرمسه وأطبق عليه محبسه وضيق تروحه من المحنة وتنفسه :

الآن يا جاهلا زلت بك القدم تبغي التكرم لما فاتك الكرم

أغريت بي ملكا لولا تثبته ما جاز لي عنده نطق ولا كلم

فايأس من العيش إذ قد صرت في طبق إن الملوك إذا ما استنقموا نقموا

نفسي إذا سخطت ليس براضية ولو تشفع فيك العرب والعجم

وكان من أخباره الداخلة في أبواب البر والقربة بنيان المسجد الجامع إلى أن قال ومن ذلك بناؤه قنطرة على نهر قرطبة الأعظم ابتدأ بناءها المنصور سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وفرغ منها في النصف من سنة تسع وسبعين وانتهت النفقة عليها إلى مائة ألف دينار وأربعين ألف دينار فعظمت بها المنفعة وصارت صدرا في مناقبه الجليلة وكانت هنالك قطعة أرض فيها فحضر الشيخ عندهم فساوموه بالقطعة وعرفوه وجه الحاجة إليها وأن المنصور لا يريد إلا إنصافه فيها فرماهم الشيخ بالغرض الأقصى عنده فيما ظنه أنها لا تخرج عنه بأقل من عشرة دنانير ذهبا كانت عنده أقصى الأمنية وشرطها صحاحا فاغتنم الأمناء غفلته ونقدوه الثمن وأشهدوا عليه ثم أخبروا المنصور بخبره فضحك من جهالته وأنف من غبنه وأمر أن يعطى عشرة أمثال ما سأل وتدفع له صحاحا كما قال فقبض الشيخ مائة دينار ذهبا فكاد أن يخرج من عقله وأن يجن عند قبضها من الفرح وجاء محتفلا في شكر المنصور وصارت قصته خبرا سائرا .

ومن ذلك أيضا بناء قنطرة على نهر إستجة وهو نهر شنيل وتجشم لها أعظم مؤنة وسهل الطريق الوعرة والشعاب الصعبة .

ومن ذلك أيضا أنه خط بيده مصحفا كان يحمله معه في أسفاره يدرس فيه ويتبرك به ومن قوة رجائه أنه اغتنى بجمع ما علق بوجهه من الغبار في غزواته ومواطن جهاده فكان الخدم يأخذونه عنه بالمناديل في كل منزل من منازله حتى اجتمع له منه صرة ضخمة عهد بتصييره في حنوطه وكان يحملها حيث سار مع أكفانه توقعا لحلول منيته وقد كان اتخذ الأكفان من أطيب مكسبه من الضيعة الموروثة عن أبيه وغزل بناته وكان يسأل الله تعالى أن يتوفاه في طريق الجهاد فكان كذلك وكان متسما بصحة باطنه واعترافه بذنبه وخوفه من ربه وكثرة جهاده وإذا ذكر بالله ذر وإذا خوف من عقابه ازدجر ولم يزل متنزها عن كل ما يفتتن به الملوك سوى الخمر لكنه أقلع عنها قبل موته بسنتين وكان عدله في الخاصة والعامة وبسط الحق على الأقرب فالأقرب من خاصته وحاشيته أمرا مضروبا به المثل .

ومن عدله أنه وقف عليه رجل من الامة بمجلسه فنادى يا ناصر الحق إن لي مظلمة عند ذلك الوصيف الذي على رأسك وأشار إلى الفتى صاحب الدرقة وكان له فضل محل عنده ثم قال وقد دعوته إلى الحاكم فلم يأت فقال له المنصور أوعبد الرحمن بن فطيس بهذا العجز والمهانة كنا نظنه أمضى من ذلك اذكر مظلمتك يا هذا فذكر الرجل معاملة كانت جارية بينهما فقطعها من غير نصف فقال المنصور ما أعظم بليتنا بهذه الحاشية ثم نظر إلى الصقلبي وقد ذهل عقله فقال له ادفع الدرقة إلى فلان وانزل صاغرا وساو خصمك في مقامه حتى يرفعك الحق أو يضعك ففعل ومثل بين يديه ثم قال لصاحب شرطته الخاص به خذ بيد هذا الفاسق الظالم وقدمه مع خصمه إلى صاحب المظالم لينفذ عليه حكمه بأغلظ ما يوجبه الحق من سجن أو غيره ففعل ذلك وعاد الرجل إليه شاكرا فقال له المنصور قد انتصفت أنت اذهب لسبيلك وبقي انتصافي أنا ممن تهاون بمنزلتي فتناول الصقلبي بأنواع من المذلة وأبعده عن الخدمة .

ومن ذلك قصة فتاه الكبير المعروف بالبورقي مع التاجر المغربي فإنهما تنازعا في خصومة توجهت فيها اليمين على الفتى المذكور وهو يومئذ أكبر خدم المنصور وإليه أمر داره وحرمه فجافع الحاكم وظن أن جاهه يمنع من إحلافه فصرخ بالمنصور في طريقه إلى الجامع متظلما من الفتى وقبض نعمته منه ونفاه ومن ذلك قصة محمد فصاد المنصور وخادمه وأمينه على نفسه فإن المنصور احتاجه يوما إلى الفصد وكان كثير التعهد له فأنفذ رسوله إلى محمد فألفاه الرسول محبوسا في سجن القاضي محمد بن زرب لحيف ظهر منه على امرأته قدر أن سبيله من الخدمة يحميه من العقوبة فلما عاد الرسول إلى المنصور بقصته أمر بإخراجه من السجن مع قريب من رقباء السجن يلزمه إلى أن يفرغ من عمله عنده ثم يرده إلى محبسه ففعل ذلك على ما رسمه وذهب الفاصد إلى شكوى ما ناله فقطع عليه المنصور وقال له يا محمد إنه القاضي وهو في عدله ولو أخذني الحق ما أطقت الامتناع منه عد إلى محبسك أو اعترف بالحق فهو الذي يطلقك فانكسر الحاجم وزالت عنه ريح العناية وبلغت قصته للقاضي فصالحه مع زوجته وزاد القاضي شدة في أحكامه .

وقال ابن حيان إنه كان جالسا في بعض الليالي وكانت ليلة شديدة البرد والريح والمطر فدعا بأحد الفرسان وقال له انهض الآن إلى فج طليارش وأقم فيه فأول خاطر يخطر عليك سقه إلي قال فنهض الفارس وبقي في هرم على حمار له ومعه واقفا على فرسه إذ وقف عليه قرب الفجر شيخ هرم على حمار له ومعه آلة الحطب فقال له الفارس إلى أين تريد يا شيخ فقال وراء حطب فقال الفارس في نفسه هذا شيخ مسكين نهض إلى الجبل يسوق حطبا فما عسى أن يريد المنصور منه قال فتركته فسار عني قليلا ثم فكرت في قول المنصور وخفت سطوته فنهضت إلى الشيخ وقلت له ارجع إلى مولانا المنصور فقال له وما عسى أن يريد المنصور من شيخ مثلي سألتك بالله أن تتركني لطلب معيشتي فقال له الفارس لا أفعل ثم قدم به على المنصور ومثله بين يديه وهو جالس لم ينم ليلته تلك فقال المنصور للصقالبة فتشوه ففتشوه فلم يجدوا معه شيئا فقال فتشوا برذعة حماره فوجدوا داخلها كتابا من نصارى كانوا قد نزعوا إلى المنصور يخدمون عنده إلى أصحابهم من النصارى ليقبلوا ويضربوا في إحدى النواحي الموطومة فلما انبلج الصبح أمر بإخراج أولئك النصارى إلى باب الزاهرة فضربت أعناقهم وضربت رقبة الشيخ معهم .

ثم ذكر المؤرخ عطفا على دهائه قصة الجوهري التاجر وذلك أن رجلا جوهريا من تجار المشرق قصد المنصور من مدينة عدن بجوهر كثير وأحجار نفيسة فأخذ المنصور من ذلك ما استحسنه ودفع إلى التاجر الجوهري صرته وكانت قطعة يمانية فأخذ التاجر في انصرافه طريق الرملة على شط النهر فلما توسطها واليوم قائظ وعرقه منصب دعته نفسه إلى التبرد في النهر فوضع ثيابه وتلك الصرة على الشط فمرت حدأة فاختطفت الصرة تحسبها لحمة وصاعدت في الأفق بها ذاهبة فقطعت الأفق الذي تنظر إليه عين التاجر فقامت قيامته وعلم أنه لا يقدر أن يستدفع ذلك بحيلة فأسر الحزن في نفسه ولحقه لأجل ذلك علة اضطراب فيها وحضر الدفع إلى التجار فحضر الرجل لذلك بنفسه فاستبان للمنصور ما بالرجل من المهانة والكآبة وفقد ما كان عنده من النشاط وشدة العارضة فسأله المنصور ما شأنه فأعلمه بقصته فقال له هلا أتيت إلينا بحدثان وقوع الأمر فكنا نستظهر على الحيلة فهل هديت إلى الناحية التي أخذ الطائر إليها قال مر مشرقا على سمت هذا الجبل الذي يلي قصرك يعني الرملة الساعة فمضى وجاء بهم سريعا فأمرهم بالبحث عمن غير حال الإقلال منهم سريعا وانتقل عن الإضافة دون تدرج فتناظروا في ذلك ثم قالوا يا مولانا ما نعلم إلا رجلا من ضعفائنا كان يعمل هو وأولاده بأيديهم ويتناولون السبق بأقدامهم عجزا عن شراء دابة فابتاع اليوم دابة واكتسى هو وولده كسوة متوسطة فأمر بإحضاره من الغد وأمر التاجر بالغدو إلى الباب فحضر الرجل بعينه بين يدي المنصور فاستدناه والتاجر حاضر وقا له سبب ضاع منا وسقط إليك ما فعلت به قال هوذا يا مولاي وضرب بيده إلى حجزة سراويله فأخرج الصرة بعينها فصاح التاجر بطرا وكاد يطير فرحا فقال به المنصور صف لي حديثها فقال بينا أنا أعمل في جناني تحت نخلة إذ سقطت أمامي فأختها وراقني منظرها فقلت إن الطائر اختلسها من قصرك لقرب الجوار فاحترزت بها ودعتني فاقتي إلى أخذ عشرة مثاقيل عيونا كانت معها مصرورة وقلت أقل ما يكون في كرم مولاي أن يسمح لي بها فأعجب المنصور ما كان منه وقال للتاجر خذ صرتك وانظرها واصدقني عن عددها ففعل وقال وحق رأسك يا مولاي ما ضاع منها شيء سوى الدنانير التي ذكرها وقد وهبتها له فقال المنصور نحن أولى بذلك منك ولا ننغص عليك فرحك ولولا جمعه بين الإصرار والإقرار لكان ثوابه موفورا عليه ثم أمر للتاجر بعشرة دنانير عوضا من دنانيره وللجنان بعشرة دنانير ثوابا لتأنيه عن فساد ما وقع بيده وقال لو بدأنا بالاعتراف قبل البحث لأوسعنا جزاء قال فأخذ التاجر في الثناء على المنصور وقد عاوده نشاطه وقال والله لأبثن في الأقطار عظيم ملكك ولأنبئن أنك تملك إنسها فلا تعتصم منك ولا تمتنع ولا تؤذي جارك فضحك المنصور وقال اقصد في قولك يغفر الله لك فعجب الناس من تلطف المنصور في أمره وحيلته في تفريج كربته


مرسل: الجمعة مارس 14, 2008 6:30 pm
بواسطة ريم محمد السديري
أخبار المنصور من كتاب الأزهار المنثورة


وقد رأيت أن أذكر هنا أخبارا نقلتها الأزهار المنثورة في الأخبار المأثورة :



قال في الزهرة التاسعة والعشرين تقدم إلى المنصور وانزمار بن أبي بكر البرزالي أحد جند المغاربة وقد جلس للعرض والتمييز والميدان غاص بالناس فقال له بكلام يضحك الثكلى يا مولاي ما لي ولك أسكني فإني في الفحص فقال وما ذلك يا وانزمار وأين دارك أواسعة الأقطار فقال أخرجتني عنها والله نعمتك أعطيتني من الضياع ما انصب علي منها من الأطعمة ما ملأ بيوتي وأخرجني عنها وأنا بربري مجوع حديث عهد بالبؤس أتراني أبعد القمح عني ليس ذلك من رأي فتطلق المنصور وقال لله درك من فذ عيي لعيك في شكر النعمة أبلغ عندنا وآخذ بقلوبنا من كلام كل أشدق متزيد وبليغ متفنن وأقبل المنصور على من حوله من أهل الأندلس فقال يا أصحابنا هكذا فلتشكر الأيادي وتستدام النعم لا ما أنتم عليه من الجحد اللازم والتشكي المبرح وأمر له بأفضل المنازل الخالية .



وفي الموفية ثلاثين ما نصه أصبح المنصور صبيحة أحد وكان يوم راحة الخدمة الذي أعفوا فيه من قصد الخدمة في مطر وابل غب أيام مثله شعري هل شذ أحد منهم عن التقدير فأغرب في البكور اخرج وتأمل يقوله لحاجبه فخرج وعاد إليه ضاحكا وقال يا مولاي على الباب ثلاثة من البرابرة أبو الناس ابن صالح واثنان معه وهم بحال من البلل إنما توصف بالمشاهدة فقال أوصلهم إلي وعجل فدخلوا عليه في حال الملاح بللا ونداوة فضحك إليهم وأدنى مجلسهم وقال خبروني كيف جئتم وعلى أي حال وصلتم وقد استكان كل ذي روح في كنه ولاذ كل كائر بوكره فقال له أبو الناس بكلامه يا مولانا ليس كل التجار قعد عن سوقه وإذا عذر التجار على طلب الربح بالفلوس فنحن أعذر بإدراكها بالبدر ومن غير رؤوس الأموال وهم يتناوبون الأسواق على أقدامهم ويذيلون في قصدها ثيابهم ونحن نأتيك على خيلك ونذيل على صهواتها ملابسك ونجعل الفضل في قصدك مضمونا إذا جعله أولئك طعما ورجاء فترى لنا أن نجلس عن سوقنا هذا فضحك المنصور ودعا بالكسا والصلات فدفعت لهم وانصرفوا .



وفي الزهرة الرابعة والأربعين ما نصه كان بقرطبة على عهد الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر فتى من أهل الأدب قد رقت حاله في الطب فتعلق بكتاب العمل واختلف إلى الخزانة مدة حتى قلد بعض الأعمال فاستهلك كثيرا من المال فلما ضم إلى الحساب أبرز عليه ثلاثة آلاف دينار فرفع خبره إلى المنصور فأمر بإحضاره فلما مثل بين يديه ولزم الإقرار بما برز عليه قال له يا فاسق ما الذي جرأك على مال السلطان تنتهبه فقال قضاء غلب الرأي وفقر أفسد الأمانة فقال المنصور والله لأجعلنك نكالا لغيرك ليحضر كبل وحداد فأحضر فكبل الفتى وقال احملوه إلى السجن وأمر الضابط بامتحانه والشدة عليه فلما قام أنشأ يقول:

أواه أواه وكم ذا أرى أكثر من تذكار أواه

ما لامرىء حول ولا قوة الحول والقوة لله

أما ترى عفوأبي عامر لا بد أن تتبعه منه

كذلك الله إذا ما عفا عن عبده أدخله الجنة

فأمر بإطلاقه وسوغه ذلك المال وأبرأه من التبعة فيه .



وفي الخامسة والأربعين عرض على المنصور بن أبي عامر اسم أحد خدمه في جملة من طال سجنه وكان شديد الحقد عليه فوقع على اسمه بأن لا سبيل إلى إطلاقه حتى يلحق بأمه الهاوية وعرف الرجل بتوقيعه فاغتم وأجهد نفسه في الدعاء والمناجاة فأرق المنصور إثر ذلك واستدعى النوم فلم يقدر عليه وكان يأتيه عند تنويمه آت كريه الشخص مرارا إلى أن علم أنه نذير من ربه فانقاد لأمره ودعا بالدواة في مرقده فكتب بإطلاقه وقال في كتابه هذا طليق الله على رغم أنف ابن أبي عامر وتحدث الناس زمانا بما كان منه .



وفي الثامنة والأربعين ما نصه انتهت هيبة المنصور بن أبي عامر وضبطه للجند واستخدام ذكور الرجال وقوام الملك إلى غاية لم يصلها ملك قبله فكانت مواقفهم في الميدان على احتفاله مثلا في الإطراق حتى إن الخيل لتمتثل إطراق فرسانها فلا تكثر الصهيل والحمحمة ولقد وقعت عينه على بارقة سيف قد سله بعض الجند بأقصى الميدان لهزل أو جد بحيث ظن أن لحظ المنصور لا يناله فقال علي بشاهر السيف فمثل بين يديه لوقته فقال ما حملك على أن شهرت سيفك في مكان لا يشهر فيه إلا عن إذن فقال إني أشرت به إلى صاحبي مغمدا فذلق من غمده فقال إن مثل هذا لا يسوغ بالدعوى وأمر به فضربت عنقه بسيفه وطيف برأسه ونودي عليه.



وحكى غير واحد أن المنصور كان به داء في رجله واحتاج إلى الكي فأمر الذي يكويه بذلك وهو قاعد في موضع مشرف على أهل مملكته فجعل يأمر وينهى ويفري الفري في اموره ورجله تكوى والناس لا يشعرون حتى شموا رائحة الجلد واللحم فتعجبوا من ذلك وهو غير مكترث وأخباره رحمه الله تعالى تحتمل مجلدات فلنمسك العنان رحمه الله تعالى .



ومن أعجب ما وقع له ما شوهد بخزانة فاس في كتاب ألفه صاحبه في الأزهار والأنوار حكى فيه في ترجمة النيلوفر أن المنصور لما قدم عليه رسول ملك الروم الذي هو أعظم ملوكهم في ذلك الزمان ليطلع على أحوال المسلمين وقوتهم فأمر المنصور أن يغرس في بركة عظيمة ذات أميال نيلوفر ثم أمر بأربعة قناطير من الذهب وأربعة قناطير من الفضة فسبكت قطعا صغارا على قدر ما تسع النيلوفرة ثم ملأ بها جميع النيلوفر الذي في البركة وأرسل إلى الرومي فحضر عنده قبل الفجر في مجلسه السامي بالزاهرة بحيث يشرف على موضع البركة فلما قرب طلوع الشمس جاء ألف من الصقالبة عليهم أقبية الذهب والفضة ومناطق الذهب والفضة وبإحدى يديهم خمسمائة أطباق ذهب وبيد خمسمائة أطباق فضة فتعجب الرسول من حسن صورهم وجميل شارتهم فلم يدر ما المراد فحين أشرقت الشمس ظهر النيلوفر من البركة وبادروا لأخذ الذهب والفضة من النيلوفر وكانوا يجعلون الذهب في أطباق الفضة والفضة في أطباق الذهب حتى التقطوا جميع ما فيها وجاؤوا به فوضعوه بين يدي المنصور حتى صار كوما بين يديه فتعجب النصراني من ذلك وأعظمه وطلب المهادنة من المسلمين وذهب مسرعا إلى مرسله وقال له لا تعاد هؤلاء القوم فإني رأيت الأرض تخدمهم بكنوزها ، انتهى. وهذه القضية من الغرائب وإنها لحيلة عجيبة في إظهار عز الإسلام وأهله وكان المنصور بن أبي عامر آية الله سبحانه في السعد ونصرة الإسلام رحمه الله .














غزوة شنت ياقب

غزوة المنصور لمدينة شنت ياقب قاصية غليسية وأعظم مشاهد النصارى الكائنة ببلاد الأندلس وما يتصل بها من الأرض الكبيرة وكانت كنيستها عندهم بمنزلة الكعبة عندنا وللكعبة المثل الأعلى فيها يحلفون وإليها يحجون من أقصى بلاد رومة وما وراءها ويزعمون أن القبر المزور فيها قبر ياقب الجواري أحد الاثنى عشر وكان أخصهم بعيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وهم يسمونه أخاه للزومه إياه وياقب بلسانهم يعقوب وكان أسقفا ببيت المقدس فجعل يستقري الأرضين داعيا لمن فيها حتى انتهى إلى هذه القاصية ثم عاد إلى أرض الشام فمات بها وله مائة وعشرون سنة شمسية فاحتمل أصحابه رمته فدفنوها بهذه الكنيسة التي كانت أقصى أثره ولم يطمع أحد من ملوك الإسلام في قصدها ولا الوصول إليها لصعوبة مدخلها وخشونة مكانها وبعد شقتها فخرج المنصور إليها من قرطبة غازيا بالصائفة يوم السبت لست بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وهي غزوته الثامنة والأربعون ودخل على مدينة قورية فلما وصل إلى مدينة غليسية وافاه عدد عظيم من الفوامس المتمسكين بالطاعة في رحالهم وعلى أتم احتفالهم فصاروا في عسكر المسلمين وركبوا في المغاورة سبيلهم وكان المنصور تقدم في الأندلس وجهزه برجاله البحريين وصنوف المترجلين وحمل الأقوات والأطعمة والعدد والأسلحة استظهارا على نفوذ العزيمة إلى أن خرج بموضع برتقال على نهر دويره فدخل في النهر إلى المكان الذي عمل المنصور على العبور منه فعقد هنالك من هذا الأسطول جسرا بقرب الحصن الذي هنالك ووجه المنصور ما كان فيه من الميرة إلى الجند فتوسعوا في التزود منه إلى أرض العدو ثم نهض منه يريد شنت ياقب فقطع أرضين متباعدة الأقطار وقطع بالعبور عدة أنهار كبار وخلجان يمدها البحر الأخضر ثم أفضى العسكر بعد ذلك إلى بسائط جليلة من بلاد فرطارش وما يتصل بها ثم أفضى إلى جبل شامخ شديد الوعر لا مسلك فيه ولا طرق ولم يهتد الأدلاء إلىسواه فقدم المنصور الفعلة الجديدة لتوسعة شعابه وتسهيل مسالكه فقطعه العسكر وعبروا بعد وادي منيه وانبسط المسلمون بعد ذلك في بسائط عريضة وأرضين أريضة وانتهت مغيرتهم إلى دير قسطان وبسيط بلنبو على البحر المحيط وفتحوا حصن شنت بلاية وغنموه وعبروا سباحة إلى جزيرة من البحر المحيط لجأ إليها خلق عظيم من أهل تلك النواحي فسبوا من بها ممن لجأ إليها وانتهى العسكر إلى جبل مراسية المتصل من أكثر جهاته بالبحر المحيط فتخللوا أقطاره واستخرجوا من كان فيه وحازوا غنائمه ثم أجاز المسلمون بعد هذا خليجا في معبرين أرشد الأدلاء إليهما ثم نهر أيلة ثم أفضوا إلى بسائط واسعة العمارة كثيرة الفائدة ثم انتهوا إلى موضع من أقاصي بلادهم ومن بلاد القبط والنوبة وغيرهما فغادروا المسلمون قاعا وكان النزول بعده على مدينة شنت ياقب البائسة وذلك يوم الأربعاء لليلتين خلتا من شعبان فوجدها المسلمون خالية من أهلها فحاز المسملون غنائمها وهدموا مصانعها وأسوارها وكنيستها وعفوا آثارها ووكل المنصور بقبر ياقب من يحفظه ويدفع الأذى عنه وكانت مصانعها بديعة محكمة فغودرت هشيما كأن لم تغن بالأمس وانتسفت بعوثه بعد ذلك سائر البسائط وانتهت الجيوش إلى جزيرة شنت مانكش منقطع هذا الصفع على البحر المحيط وهي غاية لم يبلغها قبلهم مسلم ولا وطئها لغير أهلها قدم فلم يكن بعدها للخيل مجال ولا وراءها انتقال وانكفأ المنصور عن باب شنت ياقب وقد بلغ غاية لم يبلغها مسلم قبله فجعل في طريقه القصد على عمل برمند بن أردون ليسقريه عائثا ومفسدا حتى وقع في عمل الفوامس المعاهدين الذين في عسكره فأمر بالكف عنها ومر مجتازا حتى خرج إلى حصن بليقية من افتتاحه فأجاز هنالك القوامس بجملتهم على أقدارهم وكساهم وكسا رجالهم وصرفهم إلى بلادهم وكتب بالفتح من جليقية وكان بلغ ما كساه في غزواته هذه لملوك الروم ولمن حسن غناؤه من المسلمين ألفين ومائتين وخمسا وثمانين شقة من عنبرتين وأحد عشر سقلاطونا وخمس عشرة مريشا وسبعة أنماط ديباج وثوبي ديباج رومي وفروي فنك ووافى جميع العسكر قرطبة غانما وعظمت النعمة والمنة على المسلمين ولم يجد المنصور بشنت ياقب إلا شيخا من الرهبان جالسا على القبر فسأله عن مقامه فقال أونس يعقوب فأمر بالكف عنه قال وحدّث شعلة قال: قلت للمنصور ليلة طال سهره فيها قد أفرط مولانا في السهر وبدنه يحتاج إلى أكثر من هذا النوم وهو أعلم بما يتركه عدم النوم من علة العصب فقال يا شعلة الملك لا ينام إذا نامت الرعية ولو استوفيت نومي لما كان في دور هذا البلد العظيم عين نائمة .






وفاة المنصور بن أبي عامر

ووجد المنصور خفة فأحضر جماعة بين يديه وهو كالخيال لا يبين الكلام وأكثر كلامه بالإشارة كالمسلم المودع وخرجوا من عنده فكان آخر العهد به وتوفي رحمه الله في غزاته للإفرنج بصفر سنة ثنتين وتسعين وثلاثمائة عن 66 عاما وحمل على سريره على أعناق الرجال وعسكره يحف به وبين يديه إلى أن وصل إلى مدينة سالم إذ أوصى أن يدفن حيث يقبض فدفن في قصره بمدينة سالم ونقش على قبره الأبيات التالية :

آثاره تنبيك عن أخباره حتى كأنك بالعيون تراه


تالله ما ملك الجزيرة مثله حقا ولا قاد الجيوش سواه


ودامت دولته ستا وعشرين سنة غزا فيها اثنتين وخمسين غزوة واحدة في الشتاء وأخرى في الصيف لم ينهزم في واحدة منها طوال حكمه الذي استمر خمسا وعشرين سنة ، وجاست خيله في أمكنه لم يكن قد خفق فيها علم إسلامي من قبل .

واضطرب العسكر وتلوم ولده أياما وفارقه بعض العسكر إلى هشام وقفل هو إلى قرطبة فيمن بقي معه ولبس فتيان المنصور المسوح والأكسية بعد الوشي والحبر والخز وقام ولده عبد الملك المظفر بالأمر وأجراه هشام الخليفة على عادة أبيه وخلع عليه وكتب له السجل بولاية الحجابة وكان الفتيان قد اضطربوا فقوم المائل وأصلح الفاسد وجرت الأمور على السداد وانشرحت الصدور بما شرع فيه من عمارة البلاد فكان أسعد مولود ولد في الأندلس .


مرسل: الجمعة مارس 14, 2008 7:56 pm
بواسطة أسيل البابطين
فكره راااائعه يا دكتور ,,

وتزيد من ثقافتنا ,,

الله يعطيك العافية ع الفكرة وع المجهود ,,

واشكرك اخت ريم ع المجهود ,,

وفقنا الله واياكم لما يحبه ويرضاه ,,


اختكم

مرسل: الجمعة مارس 14, 2008 11:54 pm
بواسطة حنان الجعيدان
الللللللللللللللللللللللللللللله
#########
بصراحة الفكرة جدا روعة
#########
يعطيك العافية دكتور
#########
بالنسبة لي فأنا أعتبر جميع الشخصيات لها طابعا خاصا في النفس

:D
:o
:D
:o
تقبلوا مروري وتحياتي للجميع

شكرا

مرسل: السبت مارس 15, 2008 9:45 am
بواسطة د.أحمد وهبان
مشكورة جدا ياريم ولو إن بقالي يومين أقرأ الموضوع ومش بيخلص :D على فكرة ياريت تنقليه كموضوع أساسي في المنتدى العام لأنه كده موضوع كرد.كنت عايز أسألك عن العلم الآخر غير السعودي ولماذا؟ خالص تحياتي وفي انتظار جديدك

شكرا حنان وأسيل

مرسل: السبت مارس 15, 2008 9:47 am
بواسطة د.أحمد وهبان
شكرا حنان وأسيل وفي انتظار أعمالكما

Re: شكرا

مرسل: السبت مارس 15, 2008 12:19 pm
بواسطة ريم محمد السديري
د.أحمد وهبان كتب:مشكورة جدا ياريم ولو إن بقالي يومين أقرأ الموضوع ومش بيخلص :D على فكرة ياريت تنقليه كموضوع أساسي في المنتدى العام لأنه كده موضوع كرد.كنت عايز أسألك عن العلم الآخر غير السعودي ولماذا؟ خالص تحياتي وفي انتظار جديدك



اهلين يا كتور ... ولو العفو و اسفه على الاطاله :oops:

انا نقلت المووع الى المنتدى العام بعنوان المنصور :)

اها قصدك علم اسبانيا السبب هو انو انا من عشااااق اسبانيا ( الأندلس ) و كل ما اتذكرر الاندلس و قادة الاندلس العظماء امثال الداخل و المنصور احس بالفخر و الاعجاب لما يمتلكونه من قوه عزيمه وقوه اراده والتصميم على الوصول الى الهدف ولما في الاندلس من اثار اسلاميه عظيمه كـ جامع قرطبه في قرطبة & قصر الحمراء في غرناطه & البرج الذهبي في اشبيله ....الخ

وكل الشكر لك يا دكتور :D

مرسل: السبت مارس 15, 2008 2:44 pm
بواسطة وجد الحسون
السلام عليكم
د. أحمد
أعجبتني الفكره واتوقع ان تلاقي صدى رائع
لأن لكل شخص قدوه ومثل رائع من العظماء التاريخيين :)

شكرا لكي وجد

مرسل: السبت مارس 15, 2008 3:15 pm
بواسطة د.أحمد وهبان
شكرا لكي وجد ونرجوا أن تحديثنا عن شخصيتك التاريخية المفضلة تحياتي

مرسل: الأحد مارس 16, 2008 4:15 pm
بواسطة مها أحمد السديري
يعطيك العافيه دكتور على الموضوع الروعه ...

أنا حابه أشارك بس مو بشخصيه معينه بذكر أكثر من شخصيه أثرت فيني ...

نظرا أن الموضوع طويل ...

ولا أريد أن أشارك به كــ رد ...

فــ سوف أنزل موضوع خاص فيه بالقسم العام ...

أتمنى منك دكتور تطلع عليه ...

عنوان الموضوع ((شخصيات تركت بصمة في تاريخنا ))