منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص بالطلاب و اسهاماتهم الدراسية

المشرف: صفيه باوزير

#49119
الكاتب: عقيدركن / محمد حسين الغفاري.
معلوم أن الدولة كسلطة سياسية تعمل على رعاية وحماية أفراد المجتمع وتنظيم علاقات الدولة بالدول الأخرى وقد أدى تطور دور الدولة في المجتمع إلى تطور مفهوم الدبلوماسية وبالتالي آلية العلاقة الدولية .
فالدولة الحارسة اقتصر دورها على الدفاعات والأمن وتحقيق العدالة والتمثيل والانتقال من ( الدولة الحارسة ) إلى (الدولة المتدخلة) حيث اتسع نطاقها وأصبحت مسؤلة عن التوازن الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع وهذا التطور عكس نفسه على الدبلوماسية . فلم يعد الغرض منها تمثيل الدولة لدى الدول الأخرى وحمل رسائل ذات طابع سياسي فحسب ولكنها توسعت لتشمل جوانب أخرى . تشمل الدفاع الإستراتيجي والأمن الداخلي ، وتنظيم حركة السلع ورؤوس الأموال بهدف تقليص الفجوة في الميزان التجاري وميزان المدفوعات بين الدول .

مفهوم السياسة.
الدولة كسلطة سياسية تعمل على رعاية وحماية أفراد المجتمع وتنظيم علاقات الدولة بالدول الأخرى . قبل أن نتعرض للعلاقة بين السياسيين والعسكريين يجب أن نلم أولاً بمفهوم السياسة التي تنقسم إلى قسمين هما :
- السياسة الداخلية : وهي عبارة عن تنظيم علاقة الحاكمين بالمحكومين في مبادئ الحكم وهي تشمل الخطوط الرئيسية لتنظيم الحكم في الدولة خاصة اختيار الحاكمين ومدى تعاون الأحزاب المختلفة فيما بينها .
- السياسة الخارجية : وهي ما أصطلح على تسميتها بالدبلوماسية وهي عبارة عن تنظيم الروابط بين الدولة كوحدة والدول الأجنبية أو هي فن القيام بمفاوضات دولية ، ويعرفها البعض بأنها علم العلاقات الخارجية أو تنظيم مركز الدولة في الأسرة الدولية وبتعبير آخر يمكننا أن نقسم السياسة إلى نفس التقسيم الذي اتبعه العالم الألماني ( جيلينات ) فهي في نظره تنقسم إلى علم السياسة النظري وعلم السياسة العملي ويبحث الأول في الدولة من حيث نشأتها وتكوينها والقوى التي تتولى الإشراف على أعمالها .
أما الثاني فيبحث في الناحية التطبيقية للموضوع أي يبحث في الحلول السديدة للمشاكل المادية التي تنشأ في الدولة ويدرس الطرق والوسائل التي تلجأ إليها الحكومات لتسيير دولاب العمل وتحقيق غايات الدولة .
(على المرء إذا أراد السلام أن يستعد للحرب ) ( وعلى المرء إذا أراد السلام أن يفهم الحرب )
إذا حاول واضع الإستراتيجية الوصول إلى النصر من خلال الإستراتيجية العسكرية وحدها مع إغفال الجانب السياسي فإنه يؤدي ببلاده إلى كارثة ولذلك فإن من الحماقة أن تترك الحرب للعسكريين وحدهم.
وبالمقابل فإن من الحماقة تركها للسياسيين وحدهم أو حتى للاثنين معاً دون اعتبار للعديد من العوامل الأخرى . حيث أن العامل السياسي يرتبط بالعسكري والاقتصادي والاجتماعي وحتى النفساني . وتعتبر فترة الاستعداد للحرب فترة هامة بل هي في الواقع أهم من فترة الحرب نفسها فنتيجة الحرب تتوقف على مقدار ما يبذل من جهد في فترة الاستعداد لها بل إن الخبير في الشؤون العسكرية الألماني (كلاوزفتز) فسر حالة الاستعداد للحرب بأنها الحرب فعلاً لأنه اعتبر أن أي اختلاف في المآرب والأهداف بين أي دولتين يكون بمثابة إعلان الحرب بينهما وقد علل ذلك بأنه بمجرد حدوث هذه الاختلافات تبدأ الدولة بشن حرب سياسية عمادها المذكرات السياسية والضغط السياسي لإقناع الدولة الأخرى بعدالة مطالبها وإذا فشلت وسيلة الإقناع هذه فهناك الوسيلة الأخرى وهي الحرب الفعلية . أي أن هناك غاية ما وهناك وسائل لتحقيقها ومن هذه الوسائل الجهود السياسية والتي تمتد من زمن الاستعداد للحرب وأثناءها وعند انتهائها . كذا الوسائل الحربية التي تنفذ في زمن الحرب الفعلية ولا اختلاف إطلاقا بين الوسيلتين فإنهما وسيلتان لتحقيق غاية واحدة.
ومن هنا عرفت الحرب بأنها صورة من صور السياسة نفسها ولكن في صورة عملية وهذا يدلنا على الدور الرئيسي الذي تلعبه السياسة في حياة الأمم . ومن منطلق هذا المفهوم كانت القاعدة اللاتينية القديمة القائلة (على المرء إذا أراد السلام أن يستعد للحرب ) ولقد عدل الكابتن (ليدل هارت) هذه القاعدة وجعلها ( على المرء إذا أراد السلام أن يفهم الحرب ) .
العلاقة بين السياسيين والعسكريين.
ذكر ( ميكافيللي) في كتابه فن الحرب حيث قال " يظن الكثيرون أن شقة الخلاف بين العسكريين والمدنيين واسعة ولكن الصلة بينهما وثيقة لدرجة أنهما مكملان لبعض ". فمن المعلوم أن الإستراتيجية العليا للدولة هي التي تجمع بين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والنفسية وتوجهها حتى تحقق الهدف المطلوب بدون حرب فعلية و إن اضطرت فإنها تخوض غمارها وتضمن نصراً محققاً بأقل خسائر ممكنة ، ويظهر من ذلك أن الناحية العسكرية والناحية السياسية دعامتان من دعائم نجاح الإستراتيجية العليا للدولة يؤدي عدم التنسيق بينهما إلى فشل هذه السياسة . فقبل أن يقوم الساسة بإعلان الحرب عليهم أن يتأكدوا من أن استعداد الدولة أصبح كاملاً والنصر محققاً وقبل كل شي عليهم تقدير قوة الآلة التي سيستخدمونها وهنا تظهر الحاجة إلى نصيحة العسكريين ومشورتهم فالسياسة السليمة هي المبنية على إستراتيجية سليمة .
ولكن بالرغم من ذلك فإن تحديد الصلة بين السياسيين والعسكريين مسألة شائكة والاختلاف بينهما دائم ومستمر فيُتهم السياسيون بالغرور وضيق الفكر بينما يلقي العسكريون بأخطائهم على السياسيين متهمين إياهم بالبطء وإضاعة الوقت .
وتطورت هذه العلاقة بين السياسيين والعسكريين مع تقدم الزمن . ففي الزمن القديم كان الخلاف بين الهيئتين قليلاً إن لم يكن منعدماً ، هذا لأن رئيس الدولة أو ملكها كان يدير كلاً من الشؤون الخارجية والجيش فلم يكن هناك مجال لظهور خلاف بين عملين يؤديهما رجل واحد .وإلى زمن قريب كان (مارلبورو) قائداً للجيش في ميدان القتال وفي الوقت نفسه كان وزيراً للشؤون الخارجية وقيادة الجيش وفي الحرب السبعينية كان (ولهلم ، وبسمارك) يصحبان القيادة العسكرية في الميدان . لهذا كانت المشاكل السياسية تُبحث بسرعة ، فمثلاً عندما اختلف مولتكه الكبير وبسمارك على ضرب باريس بالقنابل عُرضت المشكلة بسرعة على ولهلم الذي أدلى برأيه فيها . ولما زادت أعباء الحكم تم فصل السلطتين العسكرية والسياسية ومن هنا نشأت اختلافات ويري كلاوزفتز أن المعارك والمنافسات السياسية إنما تكون مجموعة واحدة . ولم يفرق بين العمل السياسي والحربي فهما في نظره وسيلتان للوصول إلى الهدف ، وكان من رأيه أيضاً أن الوصول إلى قرار حاسم باستخدام السلاح مثله كمثل التسوية النقدية في السوق التجارية . وخلص من ذلك إلى أنه( يجب أن يكون للرجل العسكري من السلطة ما يجعله يؤثر في السياسة الخارجية للدولة بل إنه قال (يجب أن تتغير الغاية السياسية لتتماشى مع الوسائل العسكرية ) لذا فقد عرف الإستراتيجية بأنها فن استخدام السياسة للوصول إلى الغرض من القتال .
علاقة السياسة بالإستراتيجية.
الإستراتيجية العليا للدولة هي التي تجمع بين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والنفسية وتوجهها نحو تحقيق الهدف المطلوب و يعتبر تحديد الغرض السياسي للحرب أُول الخطوات للحصول على مبدأ الحشد يجب أن تعمل كلاً من السياسة والإستراتيجية - كلاً في حدوده - على تحسين مركز الجانب الآخر، بمعنى أنه يجب أن تتجه سياسة البلاد الداخلية أو الخارجية إلى تحسين موقف القوات المسلحة(القوات العسكرية عموماً ) وذلك في زمن السلم والحرب على السواء . فقد يكون لعقد معاهدة من المعاهدات مع دولة مجاورة الأثر الكبير في تحسين الموقف العسكري . وهو ما يغني عن مصروفات هائلة تصرف على إنشاء وحدات جديدة . وعلى العكس فقد تستخدم الآلة التنفيذية (الجيش) في تحسين أو كسب أي نصر سياسي كما يجب عند تحديد الغرض السياسي من الحرب أن يكون هذا الغرض في طاقة القوات المسلحة . أي لا يجب أن يكون بأي حال من الأحوال غرضاً جامحاً نكتشف عند محاولة الحصول عليه أنه خارج طاقتنا العسكرية فتصاب سياستنا بنكسة شديدة قد يتسبب عنها خسارة الحرب نفسها ، ويجب أن تكون السياسة إيجابية أي يكون للدولة قوة المبادأة فالسياسة القوية تعطي قوة دافعة للقوات العسكرية . وقد صرح جون فوستردلاس وزير الخارجية الأمريكية في بداية الخمسينات بأن حكومة الرئيس ايزنهاور قررت العمل على دفع خطر العدوان بالتوسع في إعداد قوة عسكرية هائلة ذات قدرة على الانتقام وهو ما يندرج تحت مفهوم الردع.
الدبلوماسية ومبدأ الحشد.
هناك علاقة وثيقة بين السياسة والإستراتيجية وللتدليل على هذه النقطة بالذات فإنه يضرب المثل بأحد مبادئ الحرب وهو مبدأ الحشد ، إذ أن أسمى مراتب السياسة هو مبدأ الحشد للقوات في الميدان فكيف يتم ذلك ؟
إن تحديد الغرض السياسي للحرب أُول الخطوات للحصول على مبدأ الحشد وغالباً ما يكون هذا الغرض هو تحقيق رغبة سياسية أو اقتصادية عن طريق تدمير قوة العدو العسكرية ويجب أن نضع هذا الغرض نصب أعيننا فلا نحيد عنه مهما كانت الظروف ومهما تغيرت الأحوال . ففي الوقت الذي نحيد فيه عن الغرض السياسي المرسوم نكون قد بدأنا في تحطيم ما بنيناه لتحقيق مبدأ الحشد وقد يحاول العدو اكتسابا للوقت أن يفتح ميادين جديدة بقوات بسيطة لتوجيه نظرنا وجهدنا الحربي إليها حتى لو اضطره الأمر إلى التظاهر بالهزيمة لإغراء الدولة المعادية على استغلال نجاحها في هذا الميدان الفرعي وبذلك لا يمكنها من تحقيق هدفها المرسوم . ومما يحقق مبدأ الحشد أن يكون الهدف السياسي في طاقة الجيش وأن لا يكون مبدأ الحشد قد هدم من أساسه فإذا كانت الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها أكبر من طاقتنا وإمكانياتنا ، أي بمعنى آخر أن مبدأ الحشد لن يمكننا من الحصول عليها كانت النتيجة هي الهزيمة الحتمية . فليس المهم أن يتمكن الشخص من إدخال أكبر كمية ممكنة من الطعام داخل فمه ولكن المهم هو أن يتمكن من مضغ هذا الطعام وابتلاعه وهضمه . وقد كان جينكيز خان حريصاً على أن يكون كل مشروع جديد في مدى قدرته وقدرة طاقته ولذا فلم يصب في حياته بكارثة عسكرية وبعكس ذلك نجد أن نابليون قد أُصيب بكارثة عسكرية فادحة أثناء تقدمه نحو موسكو حيث كانت الحملة فوق طاقته وخارج إمكانياته فكانت هزيمته المحققة