- السبت إبريل 28, 2012 1:51 am
#49192
دون حاجة لتنظير أكاديمي ومصطلحات ضخمة كانت إمبراطورية روسيا القيصرية ومنذ منتصف القرن السادس عشر تطبق فكرة الدولة العضوية Organic State حتى قبل أن تصاغ في قوالب نظرية.
وأرست روسيا المنهج الذي قامت عليه الأطماع الاستعمارية فيما بعد باعتمادها على الدور المحوري لجمع المعلومات الجغرافية عن الشعوب المجاورة وتدعيم رحلات علمية "بريئة" تقدم أبحاثاً في ميادين شتى لخدمة التوسع فيما بعد، وكان ذلك يجري على قدم وساق حتى أفول شمس الإمبراطورية القيصرية في 1917.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي واحداً من تلك الدول التي منعت تدريس الجيوبوليتيك في جامعاتها؛ استناداً إلى أن الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية في ألمانيا جلبَا الكوارث على القارة الأوربية والعالم بأسره.
ولم تظهر كتب في هذين العلمين ذات قيمة إلا في منتصف التسعينيات، هذا بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي نفسه كان أكثر النماذج وضوحاً في التطبيق الحرفي لمبادئ الطمع الجغرافي "السمعة السيئة للجيوبوليتيك" لدرجة أن من أكثر النكات شيوعاً في أوروبا في الستينيات كانت تلك التي يسأل فيها مدرس تلميذه سؤالا جغرافياً مباشراً: "من هم جيران الاتحاد السوفيتي؟" وبدلاً من أن يعدد الطالب أسماء الدول المجاورة تأتي إجابته: "جيران الاتحاد السوفيتي هم مَن يرغب هذا الاتحاد في أن يصبحوا جيراناً له"؛ في
دلالة تهكمية على أن هذه الحدود متغيرة، وتعتمد على مستوى التوسع والضم الذي تمليه الأطماع الجغرافية السوفيتية.
وبتفكك الاتحاد السوفيتي مع نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وبتغير القدرات العسكرية النسبية له انكمشت الحدود، وصارت تطال الحدود الأصلية لروسيا ما قبل السوفيتية.
وقد دعا هذا أحد المفكرين السياسيين صبيحة تفكك الاتحاد السوفيتي إلى أن يعبر درامياً عن هذا بقوله: "يبدو أنه لا مفر من أن نتجرع الكأس حتى الثمالة؛ بالأمس انهدم البيت السوفيتي، واليوم تتهدم روسيا. وما الشيشان إلا مشهد في فصول تهدم البيت. أما بقية المشاهد فستتوالى بخروج مناطق الحكم الذاتي، تعقبها الأقاليم، ثم تتعاقب المشاهد والفصول عبر انفصال وحدات أصغر فأصغر".
وعلى الجانب الآخر كان قد ظهر على المسرح الجغرافي -مع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية- مفهوم جديد للجيوبوليتيك وهو "الحدود الشفافة"، التي يقصد بها الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة. أو ما يسميه تايلور -أشهر باحثي الجغرافيا السياسية في العقدين الأخيرين- بـ"جغرافية السيطرة من دون إمبراطورية".
والسيطرة من دون إمبراطورية هي أفضل تجسيد لتطوير الأفكار الجيوبوليتيكية، بعيداً عن الأطر التقليدية للنمو العضوي للدولة.
وهذا التطوير يسمح بأن يصبح العالم كله "المجال الحيوي" للولايات المتحدة، بعدما عاشت الأخيرة حتى الحرب العالمية الثانية في عزلة جغرافية ممتعة اختارتها لنفسها.
وأهم سمة في هذا المجال الحيوي هو "اللامواجهة"؛ استناداً إلى مزايا الحرب الإلكترونية، وتوظيف الخصوم المتناحرين في إدارة الحرب بالإنابة، أو التدخل في لحظة محددة باعتباره تدخلاً إنسانيا لصالح العدل والحرية.
وفي نفس الوقت تدفع الولايات المتحدة في هذا المجال الحيوي -دون حاجة لتوسيع الحدود- بمبيعات أسلحتها وتحصل شركاتها على أفضل فرص "إعادة الإعمار" وحقوق التنقيب عن الثروات، ناهيك عن الانفراد بغسل الأدمغة بأفكار جديدة أعد لها سلفاً.
وأرست روسيا المنهج الذي قامت عليه الأطماع الاستعمارية فيما بعد باعتمادها على الدور المحوري لجمع المعلومات الجغرافية عن الشعوب المجاورة وتدعيم رحلات علمية "بريئة" تقدم أبحاثاً في ميادين شتى لخدمة التوسع فيما بعد، وكان ذلك يجري على قدم وساق حتى أفول شمس الإمبراطورية القيصرية في 1917.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي واحداً من تلك الدول التي منعت تدريس الجيوبوليتيك في جامعاتها؛ استناداً إلى أن الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية في ألمانيا جلبَا الكوارث على القارة الأوربية والعالم بأسره.
ولم تظهر كتب في هذين العلمين ذات قيمة إلا في منتصف التسعينيات، هذا بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي نفسه كان أكثر النماذج وضوحاً في التطبيق الحرفي لمبادئ الطمع الجغرافي "السمعة السيئة للجيوبوليتيك" لدرجة أن من أكثر النكات شيوعاً في أوروبا في الستينيات كانت تلك التي يسأل فيها مدرس تلميذه سؤالا جغرافياً مباشراً: "من هم جيران الاتحاد السوفيتي؟" وبدلاً من أن يعدد الطالب أسماء الدول المجاورة تأتي إجابته: "جيران الاتحاد السوفيتي هم مَن يرغب هذا الاتحاد في أن يصبحوا جيراناً له"؛ في
دلالة تهكمية على أن هذه الحدود متغيرة، وتعتمد على مستوى التوسع والضم الذي تمليه الأطماع الجغرافية السوفيتية.
وبتفكك الاتحاد السوفيتي مع نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وبتغير القدرات العسكرية النسبية له انكمشت الحدود، وصارت تطال الحدود الأصلية لروسيا ما قبل السوفيتية.
وقد دعا هذا أحد المفكرين السياسيين صبيحة تفكك الاتحاد السوفيتي إلى أن يعبر درامياً عن هذا بقوله: "يبدو أنه لا مفر من أن نتجرع الكأس حتى الثمالة؛ بالأمس انهدم البيت السوفيتي، واليوم تتهدم روسيا. وما الشيشان إلا مشهد في فصول تهدم البيت. أما بقية المشاهد فستتوالى بخروج مناطق الحكم الذاتي، تعقبها الأقاليم، ثم تتعاقب المشاهد والفصول عبر انفصال وحدات أصغر فأصغر".
وعلى الجانب الآخر كان قد ظهر على المسرح الجغرافي -مع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية- مفهوم جديد للجيوبوليتيك وهو "الحدود الشفافة"، التي يقصد بها الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة. أو ما يسميه تايلور -أشهر باحثي الجغرافيا السياسية في العقدين الأخيرين- بـ"جغرافية السيطرة من دون إمبراطورية".
والسيطرة من دون إمبراطورية هي أفضل تجسيد لتطوير الأفكار الجيوبوليتيكية، بعيداً عن الأطر التقليدية للنمو العضوي للدولة.
وهذا التطوير يسمح بأن يصبح العالم كله "المجال الحيوي" للولايات المتحدة، بعدما عاشت الأخيرة حتى الحرب العالمية الثانية في عزلة جغرافية ممتعة اختارتها لنفسها.
وأهم سمة في هذا المجال الحيوي هو "اللامواجهة"؛ استناداً إلى مزايا الحرب الإلكترونية، وتوظيف الخصوم المتناحرين في إدارة الحرب بالإنابة، أو التدخل في لحظة محددة باعتباره تدخلاً إنسانيا لصالح العدل والحرية.
وفي نفس الوقت تدفع الولايات المتحدة في هذا المجال الحيوي -دون حاجة لتوسيع الحدود- بمبيعات أسلحتها وتحصل شركاتها على أفضل فرص "إعادة الإعمار" وحقوق التنقيب عن الثروات، ناهيك عن الانفراد بغسل الأدمغة بأفكار جديدة أعد لها سلفاً.