ساسيات النظام الاقتصادي الإسلامي في مجال التطبيق
مرسل: السبت إبريل 28, 2012 7:31 pm
تعاني معظم النظم الاقتصادية المعاصرة الوضعية من العديد من المشكلات العملية، ولم تفلح في تحقيق الإشباع الروحي والمعنوي وكذلك المادي للشعوب، ولقد انهار النظام الاقتصادي الاشتراكي والشيوعي، كما يعاني النظام الاقتصادي الرأسمالي من سكرات الموت .... وبدأ الاتجاه نحو العولمة والجات ونحو ذلك .
ولقد تخبطت الدول العربية الإسلامية في مجال التطبيق بين النظم الاقتصادية الوضعية، وتعاني العديد من المشكلات مثل : التخلف والتضخم والغلاء والتبعية الغذائية والمديونيات والفوائد الربوية، الخلل النقدي والبطالة ... وكل صور الفساد المالي والاقتصادي وبدأت تسأل عن النظام الاقتصادي المناسب الذي يعالج تلك المشكلات، ومعها النظام الاقتصادي الإسلامي ولكن لا تطبقه إما تجاهلا وإما جهلا .
إن تطبيق الحلول المستوردة من الشرق أو الغرب لم يسفر إلا عن مزيدا من التخلف لأنها تتعارض مع عقيدة ومثل وأخلاق وسلوكيات المسلمين، لذلك يجب أن تطبق مفاهيم وأسس ونظام الاقتصاد الإسلامي وهذا هو المقصود من هذه الدراسة المتواضعة، ولقد صدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم :" يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا كَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى " ( طه الآية : 123-126 ) ولقد صدق من قال :"لن ينصلح حال هذه الأمة إلاّ بما انصلح به أولها ، فشريعة الإسلام هي أساس إصلاح حالنا"، .
وسوف يتم التركيز في هذه الدراسة على الجوانب التطبيقية للاقتصاد الإسلامي من حيث المقومات والبنيات وإجراءات التطبيق .
مفهوم النظام الاقتصادي الإسلامي
يعتبر المال هو عصب الحياة على الأرض وأساس استعمارها وتسخيرها لإعانة الإنسان على العبادة، ولقد تضمنت الشريعة الإسلامية القواعد الكلية التي تحكم نظم النشاط الاقتصادي مثل سائر الأنشطة الأخرى، كما دعى إلي الاجتهاد في تطبيق هذه القواعد، مما يتفق مع ظروف الزمان والمكان، وبذلك يجمع الاقتصاد الإسلامي بين ثبات القواعد الكلية ومرونة التطبيق من حيث الإجراءات والأساليب والأدوات .
والنظام الاقتصادي الإسلامي : يستهدف إشباع حاجات الإنسان الأصلية وذلك في إطار من القيم والأخلاق الإسلامية، والسلوكيات الحسنة والتي تتفاعل مع بعضها البعض فتولد توازنا دائما بين الفرد والمجتمع من حيث مصالح كل منهما ونشاطه، والنتيجة هي إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية بأفضل شكل ممكن، وتحقيق رقى الإنسان في كافة ميادين الحياة والمحافظة على ذاتيته وكرامته .
ويهدف النظام الاقتصادي الإسلامي إلي تنظيم المعاملات بشكل يستطيع معها الوصول إلي مستوى معيشي كريم لأفراد المجتمع، يتصف بالنمو المطرد والمستقر وذلك من خلال التوظيف الكامل للموارد البشرية والطبيعية والعدالة في توزيع الدخل والثروات بما يحقق للفرد الحياة الكريمة الرغدة في الدنيا والفوز برضاء الله في الآخرة .
ويحكم النظـام الاقتصادي الإسلامي مجموعة من القواعد والأسس المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية على النحو الذي سوف نفصله في البند التالي ، ومن أهم هذه المصادر ما يلي :
• القرآن الكريم .
• سنة رسول الله .
• إجماع الفقهاء .
• التراث الإسلامي .
القواعد الكلية للنظام الاقتصادي الإسلامي
يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي بطبيعته على القواعد الكلية التالية :
أولاً : الالتزام بالقيم الإيمانية عند ممارسة النشاط الاقتصادي، ويعتبر ذلك عبادة إذا ما قصد به وجه الله سبحانه وتعالى، لذلك يجب أن يراعي فيه التقوى والخشية من المحاسبة أمام الله، وهذا يحقق نوعا من تميز الاقتصاد الإسلامي على ما عداه من النظم الاقتصادية الأخرى مثل وهي الرقابة الذاتية والإيمان الكامل باليوم الآخر والمحاسبة أمام الله عز وجل عن كسبة وإنفاقه .
ثانياً : الالتزام بالقيم الأخلاقية في المعاملات الاقتصادية ومن أهمها : الأمانة والصدق، والسماحة في المعاملات، والاعتدال، والقناعة في الربح، والتيسير على المعسر، والتصدق على المفلس، والتعاون على البر، والالتزام بروح الأخوة والإيثار .
ثالثاً : الأصل في المعاملات الاقتصادية الحل إلا ما نص الشرع على تحريمه مثل الربا بكافة صوره والاحتكار والغش والغرر والرشوة، وكل معاملة تؤدي إلي أكل أموال الغير ظلما وعدوانا واستحلالها بدون وجه حق .
رابعاً : لا يجوز للدولة أن تأخذ من أموال الناس ما يزيد عن الزكاة (أو الجزية) أو غيرها من الرسوم المقررة إلا بقرار سياسي مبني على مشاورة أهل الحل والعقد من المسلمين وموافقتهم، وذلك بعد تعويض من يؤخذ منهم المال بالحق وأساس ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله " (رواه مسلم ) .
خامساً : أساس الكسب المشروع بذل الجهد والتعرض للمخاطر، وربط الغنم بالغرم، فلا كسب بلا جهد، ولا جهد بلا كسب، مصداقا لقول الله تبارك وتعالى: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِه"ِ (تبارك "15") .
سادساً : أن الله قد خلق من الأرزاق ما يكفل حياة كريمة للمخلوقات وعلى الإنسان أن يسعى في الحصول على الرزق الطيب، ولما كان الإنسان يميل بغريزته إلي الاستكثار من الطيبات فوق الضروريات والحاجيات، لذلك ظهر ما يسمى بالندرة النسبية وعلاجها يكون عن طريق ترشيد الاستهلاك وزيادة الإنتاج، مصداقا لقول الله تبارك وتعالى " وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً " ( سورة النساء "100") .
سابعاً : أن العمل الصالح المتقن وسيلة الكسب المادي وغايته التقوية على عبادة الله، فالمادة وسيلة بناء الجسد، والعبادة لتغذية الروح، ويلزم على الفرد أن يوازن بينهما بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر .
ثامناً : إن المعاملات الاقتصادية هي علاقات تعاقدية تخضع لشروط العقد وأحكامه بصفة عامة والبيوع بصفة خاصة، ومن ثم يجب توثيقها بالكتابة والتسجيل أو غيرهما، ولقد أشار إلي ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ " (البقرة " 282") .
تاسعاً : حماية الملكية الخاصة المكونة بالحق والمقيدة بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين وأدائها لحقوق المجتمع، ويجوز أن يكون بجانبها الملكية العامة والملكية التعاونية ليقوما بدورهما في التنمية الشاملة في المجالات التي يحجم عنها الأفراد .
عاشراً : مجال المعاملات الاقتصادية هو الطيبات طبقاً للأولويات الإسلامية وهي الضروريات فالحاجيات فالتحسينات لتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية وهي حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال .
تمثل القواعد السابقة الكليات المستقرة، وعلى الفقهاء الاجتهاد في مجال الفروع والأساليب وإجراءات التطبيق بما يلائم ظروف كل زمان ومكان، وهذا ما يعطي البرنامج الاقتصادي الإسلامي سمة الثبات والمرونة .
دوافع تطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي
يتضمن النظام الاقتصادي الإسلامي مجموعة من الضمانات والحوافز والدوافع والبواعث التي تكفل تطبيقه ويمكن تصنيفها إلي :
1- الوازع الإيماني: المتمثل في الرقابة الذاتية واستشعار المحاسبة أمام الله .
2- الوازع الاجتماعي: المتمثل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- وازع السلطان: المتمثل في الأجهزة الحكومية المنوطة بتطبيق شرع الله .
مقومات النظام الاقتصادي الإسلامي في مجال التطبيق
يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على مجموعة من المقومات الأساسية هي:-
1- نظام زكاة المال بمؤسساته المختلفة وذلك إلي جانب النظم المالية الإسلامية مثل : الجزية والخراج والعشور والفئ واللقطة، ويجوز أن يطبق معه نظام الضرائب العادلة إذا لم تكف حصيلة الزكاة .
2- نظام ضريبة التكافل الاجتماعي على غير المسلمين المقيمين بالدول الإسلامية.
3- نظام الإرث والوقف والوصايا وما في حكمها مثل الهبات والتبرعات .
4- المؤسسات التي تباشر الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الوحدات الحكومية التي تقوم بأعمال التوجيه الاقتصادي والرقابة عليه في ضوء أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
5- نظام السوق الطاهرة النظيفة الخالية من الشوائب والتي تعمل في ظل الحرية الفردية المقيدة بضوابط شرعية .
6- أي نظم فرعية مكملة يراها أولو أمر المسلمين لازمة ولا تتعارض مع الإسلام لأن الأصل في المعاملات هو الحل، إلا ما اصطدم بنص صريح في القرآن والسنة .
7- كما تقبل الشريعة الإسلامية أي مقومات أخرى معاصرة من وضع البشر متى كانت لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، كما يجب أن تسخر الوسائل والأدوات التجريدية المختلفة لتفعيل تطبيق مفاهيم وأسس ومبادئ الاقتصاد الإسلامي، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها .
وتتفاعل هذه المقومات مع بعضها لتسيير النظام الاقتصادي حسب القواعد الكلية للشريعة الإسلامية المشار لها وطبقا للأساليب والإجراءات التي تتفق مع مقتضيات الزمان