صفحة 1 من 1

نظام الأمن الإقليمي في القانون الدولي العام

مرسل: السبت إبريل 28, 2012 7:38 pm
بواسطة محمد المنجي5

نظام الأمن الإقليمي في القانون الدولي العام
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
هناك وجهتا نظر مختلفتين، حول ضرورة وجدوى إقامة تنظيمات إقليمية إلى جانب المنظمات الدولية العالمية([1]):
الأولى: يعتبر القائلين بها، أن المزايا التي تتمتع بها التجمعات الإقليمية تجعلها أكثر قدرة على خدمة قضايا الأمن والسلم الإقليميين، من التنظيمات الدولية بسبب عدة عناصر أبرزها:
- إن التنظيم الإقليمي بحكم وجوده في منطقة جغرافية معينة ومحدودة مكانياً، عادة ما يكون أكثر قدرة على التعامل الإيجابي مع قضايا هذه المنطقة ومشكلاتها.
- إن العمل الإقليمي قد يساعد على إبعاد المنطقة التي توجد في نطاقه، عن الصراعات الدولية الكبرى، أي عزل القضايا الإقليمية عن القضايا الدولية الأكثر تعقيداً، لعدم وجود روابط مادية وحضارية بين أطرافها.
- إن وجود تنظيمات دولية إقليمية، في نطاق تنظيم دولي عالمي، قد يكون مفيداً في تخفيف العبء عن كاهل هذا التنظيم الدولي، كما أنه يسهل عملية توزيع الأدوار وتقسيم المهام وتكاملها.
- إن الاعتراف بوجود تنظيمات دولية اقليمية هو اعتراف بأمر واقع فعلاً. إذ يصعب إنكار الروابط التي تجمع بين مجموعات معينة من الدول (مجموعة الدول العربية، مجموعة الدول الإفريقية...)
الثانية: تعتبر أن نشوء تجمعات إقليمية هو عامل تجزئة على المستوى الدولي وتنفي الإيجابيات التي تتحدث عنها وجهة النظر الأولى بالقول([2]):
- بعض الدول الأعضاء في تنظيم إقليمي معين تفضل اللجوء إلى المنظمات الدولية العالمية، كما أن المنازعات بين دول هذا الإقليم قد تكون ذات منشأ دولي تتجاوز الواقع الإقليمي.
- إن نشوء تنظيمات دولية إقليمية متعددة، قد يؤدي مع الوقت إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بإمكانية تطوير التنظيم الدولي المعاصر. وفي الوقت الذي يسعى فيه التنظيم الدولي العالمي إلى العمل على التقريب بين مختلف شعوب العالم. تعمل هذه المنظمات الإقليمية على إبراز التمايزات بين هذه الشعوب.
- إنه من غير الصحيح افتراض أن الروابط بين الدول المتجاورة جغرافياً هي دائماً أقوى من تلك التي تقوم بين بعض هذه الدول ودول أخرى خارج المنطقة.
- من المبالغة الاعتقاد بأن المشكلات والقضايا الإقليمية كلها تعتبر ذات منشأ إقليمي خالص أو غالب، وإنما قد يرجع بعضها إلى أسباب دولية وخارجة عن الإطار الإقليمي.
- إن إنشاء منظمات إقليمية قد يؤدي إلى تغليب الاعتبارات والمصالح الإقليمية المحدودة، الأمر الذي يضعف الإلتزامات الدولية، لدول الإقليم.
واقع الأمر أنه لا يوجد تعارض حتمي، بين فكرتي الإقليمية والعالمية، وإنما هما فكرتان تكمل إحداهما الأخرى إلى حد بعيد، وعليه فإن التنظيمات الدولية الإقليمية يمكن في حدود معينة وبشروط خاصة، أن تكون بين العامل المهمة التي تزيد من فعالية التنظيم الدولي العالمي.
المبحث الأول: مفهوم الأمن الإقليمي
يعرّف الأمن الإقليمي، بأنه عبارة عن "سياسة مجموعة من الدول، تنتمي إلى إقليم واحد، تسعى للدخول في تنظيم وتعاون عسكري-أمني لدول الإقليم، لمنع أية قوة أجنبية من التدخل في هذا الإقليم، على قاعدة التنسيق والتكامل الأمني والعسكري على جبهاتها الداخلية"([3]).
ويعمل نظام الأمن الإقليمي، على تأمين مجموعة من الدول داخلياً، ودفع التهديد الخارجي عنها. بما يكفل لها الأمن والاستقرار. إذا ما توافقت مصالح وغايات وأهداف هذه المجموعة، أو تماثلت التحديات التي تواجهها، وذلك عبر صياغة تدابير محددة بين دول المجموعة ضمن نطاق إقليمي واحد. انطلاقاً من: توافق الإرادات، والمصالح الذاتية، والمصالح المشتركة.
ويرى البعض([4]) ضرورة توافر خصائص معينة للحصول على تعاون أمني، يؤدي إلى إقامة منظومة أمنية مؤسسية أبرزها:
- وجود نخب سياسية تلتزم بهذا التعاون الأمني ومؤمنة بفوائده.
- وجود رأي عام ضاغط لتحقيق هذا التعاون.
- توافر عناصر خارجية إيجابية ذات مصلحة في قيام واستمرار هذا التعاون.
ولكن الإشكالية هنا تكمن في كيفية التمييز بين شروط قيام النظم الأمنية الإقليمية، وشروط استمرارها ونجاحها. من خلال تحديد السمات النظامية، التي تشكل ملامح الإقليم القائم في تلك المنطقة، والتي تشتمل على عدة أبعاد هي([5]): وحدات النظام والتفاعل، حدود النظام، هيكل النظام.
وفي هذا السياق، فإن عملية إقامة وإدارة النظام الأمني الإقليمي، تختلف بمضامينها وأوزانها من منطقة إقليمية إلى أخرى، ومن ترتيب أمني معين إلى آخر، وفقاً لشروط قيام هذا النظام وفعاليته، وأوضاع موازين القوى العسكرية القائمة في الإقليم، والتوازنات القائمة بين أطرافه، وتأثير القوى الإقليمية والدولية فيه.
وبالمعايير الدولية المتعارف عليها، فإن النظام الأمني الإقليمي يحتاج إلى مجموعة من الركائز والمقومات أبرزها التالي([6]):
- وضع حلول عملية وحاسمة للصراعات والنزاعات في الإقليم، وعدم إثارة القضايا الخلافية، أو حلها بالطرق السلمية والتفاهم المشترك. لضمان الاستقرار الداخلي لدول الإقليم ومنعاً للتدخل الخارجي، الذي يشكل تهديداً لأمن الإقليم وسيادته.
- تخلي دول الإقليم عن استخدام القوة العسكرية، في سعيها إلى تغيير الوضع القائم، والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية، ونبذ استخدام القوة أو التهديد بها.
- العمل على تفعيل العلاقات بين دول الإقليم على كافة الأصعدة، وتشجيع التعاون والتكامل، في مختلف الأنشطة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
- احترام حقوق الإنسان الحريات العامة، واشراك المجتمع المدني في النشاطات السياسية والاقتصادية والأمنية، بما في ذلك المشاركة في إدارة مؤسسات النظام الأمني الإقليمي.
- اتخاذ اجراءات حاسمة للسيطرة على التسلح ونزع السلاح.
- اعتبار الأمن الإقليمي جزءاً لا يتجزأ من الأمن الدولي.
لقد تباينت الأراء حول مفهوم الإقليمية، ولكنها تمحورت حول محاور أهمها:
أ‌- المفهوم الجغرافي:
يمثل العامل الجغرافي، القاسم المشترك في مختلف التعريفات التي خلص إليها الفقه الدولي فيما يتعلق بالإقليمية، باعتبار أن الإقليمية في حد ذاتها، هي أصلاً فكرة جغرافية. والروابط الجغرافية المقصودة، تتمثل في علاقات التجاور الجغرافي أو المكاني، وهذا يعني أن التنظيم الإقليمي يجب أن لا يضم بين أعضائه دولاً من خارج المنطقة التي يشملها الاختصاص المكاني.. بينما يعتبر آخرون أن دخول دولة من خارج جغرافية الإقليم لا يصطدم بالضرورة بمفهوم الإقليمية جغرافياً.
ب‌- المفهوم الثقافي-الحضاري:
لا بد للعامل الجغرافي من عناصر أخرى تعززه، وهي تتمثل بالروابط الثقافية والتاريخية المشتركة، التي تربط بين عدد من الدول، التي تتجاور أقاليمها جغرافياً، وعليه فإن التنظيم الإقليمي أو المنظمة الإقليمية، هي تلك المنظمة التي تضم في عضويتها مجموعة من الدول تتميز فيما بينها، ليس فقط بالتجاور الجغرافي وإنما أيضاً بالترابط الحضاري، والتشابه في الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ج- المفهوم السياسي:
وهو يعني إلتقاء المصالح السياسية والاقتصادية لمجموعة من الدول، بصرف النظر عن مواقعها الجغرافية أو انتماءاتها الثقافية والحضارية، وبالقدر نفسه، أن تتعارض المصالح فيما بين مجموعة من الدول المتجاورة جغرافياً والمترابطة حضارياً.
وقد سعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الإلتزام بروح أحكام الفصل الثامن من ميثاقها، في التعامل مع مصطلح الإقليمية والمفهوم الذي يحكمه، وذلك بإيلاء أهمية خاصة، ولو بطريقة غير مباشرة للتداخل بين معياري التجاور الجغرافي والترابط الحضاري-الثقافي.
المبحث الثاني: نظام الأمن الإقليمي في ميثاق الأمم المتحدة
شكل البعد الدولي للأمن الإقليمي، والمنظمات المعنية به، عنصراً حاسماً في مستويات فعاليته، وحجم أدواره، وقد تبلور ذلك بصورة أولية في نطاق عصبة الأمم 1919، والتي لم تنجح في تحقيق أهدافها، لتحل محلها منظمة الأمم المتحدة بعيد الحرب العالمية الثانية 1945، تعبيراً عن تطور وتفعيل الإرادة الدولية في تنظيم الأمن الجماعي، استناداً إلى وانطلاقاً من الميثاق الذي قامت عليه.
لقد حدد الفصل الثامن من الميثاق، شروطاً خاصة لقيام المنظمات الإقليمية، هي([7]):
- أن تكون المعاهدات المنشئة للمنظمات الإقليمية غير متعارضة مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة.
- أن يكون العمل الإقليمي صالحاً ومناسباً لمعالجة الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، والجهة التي تحدد الصلاحية والمناسبة، نصت عليها الفقرة 3 من المادة 52 من الميثاق: "ان عرض النزاع يتم بطلب من الدول التي يعنيها الأمر، وتقرير الصلاحية والمناسبة هو من اختصاص المنظمة الدولية الواقع في اطارها النزاع، أما إذا جاء بالإحالة عليها من مجلس الأمن، فهو الذي يكون معنياً بتحديد صلاحية ومناسبة العمل الإقليمي.
- وإذا كان نشاط المنظمات الإقليمية، يقوم على أساس المواثيق المنشئة لها، وعلى قرارات تصدرها لغاية تنفيذ أعمالها. فإن هذه المواثيق وتلك القرارات، لا بد وأن تنسجم مع مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، وإلا فإنها تخرج عن إطار المشروعية الدولية.
- أن يكون مجلس الأمن على علم بما يجري أو ما يزمع اجراؤه من أعمال لحفظ السلام والأمن. كما يمارس حقه في الإشراف والرقابة على أعمال المنظمات الإقليمية، وحقه في التدخل لحل النزاع في أي وقت، وعندما يرى ذلك ضرورياً. ويقتضي ذلك أن تقوم المنظمات الإقليمية بإعلام مجلس الأمن بما يجري في هذا الإطار، وبما تقدم عليه من أعمال بهذا الخصوص.
واقع الأمر أن مصطلح النظام الإقليمي لم يشع استخدامه على نطاق واسع في إطار العلاقات الدولية المعاصرة إلا مع قيام عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى([8]). وقد ورد النص الخاص بالتنظيمات الإقليمية في عهد العصبة في المادة (21)، التي اتفق من خلالها على أنه :"لا تعتبر متعارضة مع عهد عصبة الأمم، أي من التعهدات الدولية التي تكفل استتباب السلام، كما هو الحال في اتفاقيات التحكيم وفي الاتفاقيات الإقليمية..." وواضح من هذا النص أن عهد العصبة قد أجاز امكان انشاء تنظيمات اقليمية جنباً إلى جنب مع العصبة ذاتها، شريطة أن لا تكون المواثيق المنشئة لهذه التنظيمات متعارضة مع أحكام العهد نفسه.
أما بالنسبة لميثاق الأمم المتحدة، فقد أفرد للمنظمات الإقليمية فصلاً مستقلاً من فصوله التسعة عشر، دلالة على اهتمامه المميز بها، وهو الفصل الثامن المواد من 52 -54 التي تحدثت بالتفصيل عن "الوكالات والترتيبات الإقليمية". وطبقاً لأحكام الفصل المذكور فإن واضعي ميثاق الأمم المتحدة قد أبرزوا الإطار القانوني الحاكم لعلاقة الأمم المتحدة بالمنظمات الدولية الإقليمية على اختلاف انواعها بحيث يمكن القول أن المنظمات الإقليمية شكّلت جزءاً من النظام العام للأمم المتحدة:
- فقد نصّ ميثاق الأمم المتحدة بداية في المادة (52/1) منه على عدم ممانعته في إمكان انشاء تنظيمات اقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلام والأمن الدوليين بمفهومها الشامل، ما قد يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً، ما دامت هذه التنظيمات أو تلك الوكالات تمارس نشاطها بما يتلاءم ومقاصد الأمم المتحدة.
- وقد أشار الميثاق، إلى أنه من المرغوب فيه أن يبذل أطراف النزاع الدولي جهودهم من أجل إيجاد تسوية سلمية لهذا النزاع في إطار إقليمي، قبل التفكير في عرضه على الأجهزة المختصة في الأمم المتحدة (المادة 52/2).
- إن من حق مجلس الأمن أن يستخدم هذه التنظيمات الإقليمية في أعمال القمع وغيرها من تدابير الأمن الجماعي، كلما دعت الضرورة الدولية إلى ذلك (المادة 53/1).
- إن المنظمات المذكورة، لا يحق لها اللجوء إلى هذا النوع من الإجراءات أي إجراءات القمع وغيرها من تدابير الأمن الجماعي المنصوص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا بعد الحصول على إذن مسبق من مجلس الأمن (المادة 53/1).
وبالنسبة لعلاقة الأمم المتحدة بالمنظمات الدولية الإقليمية، في ما يتصل بتدابير واجراءات القمع، فهي تتحدد على النحو التالي([9]):
- إن مجلس الأمن باعتباره الجهاز الدولي الذي نيطت به أساساً مسؤولية السلم والأمن الدوليين (المادة 24/1 من ميثاق الأمم المتحدة، هو وحده الذي له الاختصاص الأصيل في اللجوء إلى تدابير القمع ذات الطابع العسكري... ويمكنه أن يستخدمها بنفسه... وله أن يعهد بهذه المهمة إلى عدد من الدول الأعضاء، كما حدث بالنسبة للعمليات العسكرية اليت اتخذتها قوات التحالف الدولي ضد العراق في كانون الثاني/يناير 1991 وذلك وفقاً للمادة 48 من الميثاق، وله أيضاً أن يلجأ إلى المنظمات الإقليمية الدولية.
- وهنا يطرح السؤال، عن المدى الذي يمكن للقرار الذي يصدره مجلس الأمن ويعهد به إلى إحدى المنظمات؟ وهل من المقبول أن يعهد مجلس الأمن لمنظمة دولية إقليمية معنية بالقيام بأعمال قمع ضد دولة ليست عضواً فيها، أو في منطقة خارج نطاق الاختصاص المكاني؟ ويرى البعض في الجواب على هذين التساؤلين([10]): أن قرار مجلس الأمن يكون خلافاً للمنظمة الدولية الإقليمية بموجب المادتين 25و 103 من ميثاق الأمم المتحدة. إذ أن التزامها بالميثاق له الأولوية على ما عداه، ومن جهة أخرى ومع استبعاد أن يلجأ مجلس الأمن إلى تكليف منظمة دولية إقليمية لتنفيذ أعمال قمع خارج نطاقها الجغرافي، فإن للمجلس الصفة الإستنسابية للقيام بذلك، خاصة إذا وجد أن المنظمة الإقليمية الدولية المعنية تتوافر لديها المقومات اللازمة للتحرك الإيجابي.
- على أنه إذا كان لمجلس الأمن أن يعهد لأي من المنظمات الدولية الإقليمية القيام بأعمال قمع معينة، بناء على تكليف صريح منه، فإن لهذه المنظمات الحق – على سبيل الاستثناء- في القيام بمثل هذه الأعمال بنفسها ومن دون أي تكليف، في حالة الدفاع الشرعي الجماعي سواء بتطبيق المادة 51 من الميثاق أو بتطبيق المبادئ العامة المستقرة في القانون الدولي.
ماذا عن الأمم المتحدة والإقليمية الجديدة؟
تمثل الإقليمية الجديدة، اتجاهاً أساسياً إلى جانب العالمية المتصاعدة، والقومية المتجددة في فترة ما بعد الحرب الباردة. وتشكل ديناميكية الإقليمية الجديدة إلى حد كبير بالتفاعل مع هذه الإتجاهات، والمؤسسات الدولية مثل الإمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، التي كانت من نتاج المفاوضات الناجحة لمنظمة الغات.
ولأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة، عقد مجلس الأمن اجتماعاً على مستوى القمة في 31 كانون الثاني/يناير 1992، لجعل الأمم المتحدة أكثر قدرة على إحداث التغييرات المطلوبة في العالم، ولعب دور أكثر فعالية على الصعيد الدولي. وقد جاء في البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن بأن "جميع الدول الأعضاء تتوقع أن تقوم الأمم المتحدة بدور محوري في هذه المرحلة الحاسمة. وأعضاء المجلس يؤكدون أهمية تقوية الأمم وتحسينها من أجل زيادة فعاليتها([11]).
وطلب البيان الذي دعا الأمين العام إلى تقديم توصياته في هذا الصدد إلى أن يتناول الأمين العام أيضاً "المساهمة التي تقدمها المنظمات الإقليمية بما يتفق مع الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمساعدة المجلس في أعماله". وفي وقت لاحق صدر بيان رئاسي باسم مجلس الأمن في 28 كانون الثاني/يناير 1993، يدعو المنظمات الإقليمية إلى أن تدرس على سبيل الأولوية ما يلي:
- وسائل تعزيز مهامها في صيانة السلم والأمن الدوليين في مناطق اختصاصها، مع مراعاة سمات كل إقليم، وأن تنظر على الأخص في تدابير الدبلوماسية الوقائية. بما في ذلك تقصي الحقائق وبناء الثقة والمساعي الحميدة وبناء السلم وحفظه.
- الوسائل والأساليب الكفيلة بزيادة التنسيق بين جهودها وجهود الأمم المتحدة.
وقد تركزت استجابة المنظمات الإقليمية لدعوة الأمين العام على الاعتراف بالدور الذي يمكن أن تقوم به هذه المنظمات، والذي يسمح لها بأن تساهم مساهمة فعالة في صون السلام والأمن، كما أبرزت أهمية التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة. وجاءت ثلاثة إجابات من منظمات الجنوب، قدمت رؤيتها بشأن كيفية تطوير هذه العلاقة الإقليمية الدولية([12]):
- رد منظمة الوحدة الإفريقية، والذي جاء فيه أن "العلاقة يجب أن تقوم بطريقة تؤدي إلى الاستفادة من الميزة النسبية للمنظمات الإقليمية من ناحية، وللأمم المتحدة من ناحية أخرى، على النحو الأفضل". وأن "منظمة الوحدة الأفريقية تأتي إلى هذه المشاركة بأهميتها السياسية باعتبارها منظمة إقليمية على نطاق القارة الإفريقية، تستعين بقربها من مواقع الخلاف الإفريقية المحلية ومعرفتها بها على نحو أفضل، وبالتجربة التاريخية المشتركة والثقافة المشتركة لدولها الأعضاء والإرادة السياسية لحل مشاكلها الخاصة".
- رد منظمة الدول الأمريكية، والذي حمل انتقاداً شديداً لنهج الأمم المتحدة إزاء إقامة علاقة جديدة من حيث "الاتجاه إلى رؤية هذا التعاون من جانب واحد، يوجه معظم الإهتمام إلى المساعدة التي قد تستطيع المنظمات الإقليمية أن تقدمها للأمم المتحدة، واعطاء اهتمام أقل للمساندة التي قد تستطيع الأمم المتحدة أن توفرها للهيئات الإقليمية وأن التعاون، حتى يكون فعالاً، يجب أن يكون متبادلاً، وحددت المنظمة من أن "لا يكون مناسباً أن تحدد المنظمة العالمية الأنشطة التي ينبغي أن تقوم بها الأجهزة الإقليمية" واعتبرت أنه حتى يكون التعاون بناء يجب عدم المساس بروح الاعتراف المتبادل بهوية كل من المنظمتين واختصاصهما.
- وقد ردت جامعة الدول العربية، فقدمت المقترحات التالية: إجراء مشاورات مباشرة وفورية في حالات النزاع التي تهدد السلام والأمن في المنطقة العربية، وإيجاد آليات مشتركة بين المنظمتين لجمع المعلومات والبيانات وتحليلها، وتقوم هذه الآليات بمهمة إنذار مبكر، وتشكيل بعثات مشتركة لتقصي الحقائق، والتشاور بشأن تدبير نشر القوات بصورة وقائية وطبيعية، والتنسيق والتخطيط والتنفيذ المشترك لبعض المشاريع، وخصوصاً توفير المساعدة من أجل التنمية عن طريق المنظمات الإقليمية المعنية.
وبناء على التوصيات التي قدمتها اللجنة الخاصة، فقد اعتمدت الجمعية العامة قراراً أعلنت فيه "تعزيز التعاون بين الأمم المتحدة والترتيبات والوكالات الإقليمية في صون السلم والأمن الدوليين"، وقد أخذ الإعلان بنهج محاولة تسوية المنازعات المحلية أولاً في الإطار الإقليمي وأشار إلى أن مجلس الأمن سوف يشجع على الأخذ بهذا النهج فقد رأى مع ذلك ألا يتخذ اي إجراء ذو طبيعة قسرية بمقتضى الترتيبات الإقليمية أو بواسطة الوكالات الإقليمية من دون ترخيص من المجلس([13]).
المبحث الثالث: نظام الأمن الإقليمي العربي
أولاً: مميزاته:
تنطبق على مفهوم النظام الإقليمي العربي المعايير الرئيسية في تعريف النظم الإقليمية، التواصل الجغرافي (منظومة البلاد العربية من موريتانيا إلى الخليج) والتماثل إذ تتمتع هذه المنظومة بالعديد من عناصر التشابه التاريخية والاقتصادية والاجتماعية بين مكوناتها، والتفاعلات. فالبلاد العربية تشهد تدفقاً سكانياً مستمراً وكثيفاً فيما بينها.
وينفرد النظام العربي عن غيره من النظم الإقليمية الأخرى في العالم، بالبعد القومي، وهو اعتبار معنوي ونفسي له نتائج سياسية مهمة، يتجلى في تيار فكري سائد، وفي حركة سياسية متقاطعة دائماً معه، وأهمية هذا البعد، في أنه لا يجعل التفاعل بين أجزاء النظام بمثابة علاقات بين الدول فقط، بل يعطيها بعداً رمزياً وقيمة خاصة، مما يجعلها لا تخضع للقواعد العامة بين الدول وإن كانت تتضمنها، بل هي ذات طبيعة خاصة، دفعت بعض المفكرين العرب إلى الدعوة لبلورة قواعد "قانون دولي عربي" يعكس هذه الوضعية الخاصة للبلاد العربية في علاقاتها فيما بينها([14]). والاقتصاد السياسي للنظام الإقليمي العربي يتسم بثلاث خصائص هي:
- التباين والتنوع: إذ أن الدول المشكّلة لهذا النظام تشهد تباينات واسعة من حيث المساحة وعدد السكان، بعضها تقليدي كوضع مصر من حيث عدد السكان والقدرات العسكرية، وبعضها حديث مع بداية السبعينات بسبب الأموال النفطية وتمايز دولها. وما ترتب على ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية، بين عناصر النظام.
- عدم التناسق في المكانة: بين أعضاء النظام العربي، مثل المجموعة الخليجية الغنية برؤوس الأموال والتي تتطلع للعب دور أكثر فعالية في تفاعلات النظام دون أن تمتلك مقومات القوة الأخرى، من سكانية واجتماعية وسياسية وعسكرية. وبالمقابل دول عربية أخرى تمتلك المقومات السكانية والسياسية والعسكرية (مصر) وتعاني من ضعف القدرات المالية للتنمية. إضافة إلى دول فقيرة (موريتانيا، اليمن، الصومال...).
- التفاوت في توزيع الثروة: وبالتالي بروز التطور اللامتكافئ على الصعيد التنموي، في مختلف مستوياته الاجتماعية والاقتصادية وتأثيره على العلاقات السياسية بين عناصر النظام العربي.
ثانياً: بنيته المؤسساتية:
1- جامعة الدول العربية:
تنطلق الدراسات حول النظام الإقليمي العربي، من مفهوم الأمن القومي باعتبار أن الوطن العربي بشكل وحدة قومية-سياسية واحدة، وأن التجزئة هي فعل استعماري-خارجي، تتعارض والمصالح الحقيقية الجامعة والموحدة لعناصر النظام.
تعتبر الجامعة العربية منذ قيامها عام 1945 الإطار المؤسسي والتأسيسي لنظام الأمن الإقليمي العربي، والتي تعنى بـ "توثيق الصلات بين الدول الأعضاء، وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون فيما بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها والحرص على مصالحها المشتركة على كافة الأصعدة والمستويات، ومنها تحقيق الأمن الإقليمي، بما يوفر الاستقرار الداخلي لكل دولة وعناصر الحماية لها ضد الاختراقات المحتملة للأمن القومي العربي"([15]).
والجامعة ليست تنظيماً إقليمياً يضم دولاً مختلفة الهوية القومية كما في منظمة الوحدة الإفريقية أو منظمة الدول الأمريكية، وهي ليست تنظيماً إقليمياً تندرج في عضويته دولة من دول النظام المهيمن في النظام السياسي الدولي كما في منظمة الدول الأمريكية أو منظمة الكوميكون. وهي أكثر المنظمات الإقليمية تعرضاً لتأثيرات البيئة الدولية وتدخلاتها، بسبب عقيدة النظام الذي تنتمي إليه، وإمكانات النظام الجغرافية وموارده الطبيعية وتفاعلاته ومحدداته القومية على سلوك أعضاء النظام.
ويمكن تحديد وظائف الجامعة العامة فيما يلي:
- أنها منبر قومي: لأن الأقطار العربية على اختلاف اتجاهاتها تراعي أن تكون مواقفها المعلنة في مؤتمرات الجامعة ومجالسها، متمشية مع الإطار القومي أي مع عقيدة النظام العربي.
- أنها حلقة توازن: في التحالفات العربية، والتخفيف من الآثار المترتبة على اختلالات موازين القوى في النظام الإقليمي، عبر المساومات والتسويات المؤقتة، وانقاذ الموقف العربي من الإنقسامات الخطيرة وابقائه عند الحد الأدنى التضامني.
- ومقابل المرونة الشديدة في دور الجامعة، على صعيد الإقليم، فهي متشددة في علاقات العرب بالعالم، خاصة لجهة دورها في إيجاد شروط عادلة لتسوية أزمة المنطقة والحفاظ على الحقوق العربية، وحقوق الشعب الفلسطيني تحديداً.
تستند الجامعة العربية في وظيفتها الإقليمية على ركيزتين أساسيتين:
الركيزة الأولى: تسوية النزاعات العربية سلمياً، بدءاً بالحؤول دون تفاقم الخلافات العربية، وفق المادة الخامسة من الميثاق التي نصت على أنه "لا يجوز اللجوء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، واعتماد الوساطة أو التحكيم لتسوية الخلافات"([16]).
وقد ميّزت المادة المذكورة بين نوعين من المنازعات:
أ‌- المنازعات التي لا تتعلق باستقلالية الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، وفي هذه الحالة فإن على مجلس الجامعة أن يقوم بالتحكيم بين المتنازعين، من دون اشراكهما في مداولات المجلس وقراراته، وتصدر هذه القرارات بأغلبية الآراء. وفي بعض الحالات تبرز إشكالية الترابط بين نزاع محدود بين دولتين عربيتين، ومقتضيات استقلالية الدولتين المدنيتين وسيادتهما، وهنا يصاب دور الجامعة بالشلل، لأنه يحظر على الجامعة التدخل في هذا النوع من النزاعات التي تمس الأمن الوطني لكل بلد. وقد شهدت الساحة العربية نزاعات عديدة من هذا النوع كالنزاع الأردني-العربي حول ضم الضف- الكويتي عام 1961 و 1990. فالتحكيم الوارد في هذا النوع من النزاعات هو تحكيم اختياري، وفعالية دور الجامعة في سياقه محدود جداً، خاصة وأن المادة 19 من الميثاق والتي تحدثت عن انشاء محكمة العدل العربية لم تطبق([17]).
ب‌- المنازعات التي يخشى منها وقوع حرب بين دولتين من دول الجامعة أو بين دولتين إحداهما عضو في الجامعة، والأخرى خارج الإقليم العربي، وفي هذا المجال تبرز إشكاليات المادة الخامسة من الميثاق لجهة:
- التمييز بين نزاع يخشى منه وقوع حرب، وآخر لا يخشى منه وقوعها، كضرورة وقائية تتعلق بدور الجامعة الاستباقي لأي نزاع، وحصره ضمن حدود ضيقة، خاصة وأن مجلس الجامعة لا يحق له أن يتدخل لحل نزاع معين، إلا إذا طلب منه ذلك أطراف النزاع.
- المعيار الذي يمكن الاستناد إليه لتقرير ما إذا كان نزاع معين قد يؤدي إلى حرب أم لا.
- عدم إلزامية قرارات مجلس الجامعة بالنسبة للمتنازعين، وهو ما يفقد الجامعة دورها الفاعل، ويفسح في المجال لتدويل أي نزاع عربي. إذ حسب المادة السابعة من الميثاق([18]) فإن قرارات التحكيم في مجلس الجامعة، تكون ملزمة إذا صدرت بالإجماع، وملزمة فقط للدول الموقعة عليها في حال التصويت عليها بالأكثرية.
وقد تحدث ميثاق الجامعة عند انشاء محكمة العدل العربية على غرار محكمة العدل الدولية – لكنها لم تنفذ – في المادة الثامنة عشرة. وعن الوساطة والتحكيم سبيلاً لحل النزاعات بين الدول العربية، ولم يكن وارداً موضوع تشكيل قوات خاصة بالجامعة، لكن طبيعة الأزمات التي حصلت لاحقاً، استدعت تشكيل هذه القوات – المؤقتة والاستثنائية- كما حصل في الكويت 1961 وفي لبنان 1975-1976، وقد تدخلت الجامعة في عدة محطات أبرزها([19]):
- أزمة الضفة الغربية عام 1950:
عندما وقع خلاف بين الدول العربية، في أعقاب إعلان الأمير الأردني عبد الله قراره بضم القدس والقسم الغربي إلى الأردن ليعلن بعدها، قيام المملكة الأردنية الهاشمية التي ضمت ضفتي نهر الأردن الشرقية والغربية بما فيها القدس، وقد اعتبر مجلس الجامعة في حينه، أن هذه الخطوة مخالفة وتتعارض مع حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن الخلاف حول صلاحية المجلس سياسياً وقانونياً حول مسألة التمثيل الفلسطيني – بالرغم من وجود ملحق خاص بفلسطين في ميثاق الجامعة، ومن وجود حكومة عموم فلسطين ولم تستطع الجامعة اتخاذ قرار إدانة بحق الأردن، واقتصرت جهودها على التهدئة، والاعتراف بالأمر الواقع لاحقاً.
- أزمة الكويت عام 1961:
بعد إعلان استقلال دولة الكويت عام 1961 وإعلان جلاء الجيش البريطاني عنها، أعلن الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم ضم الكويت وإلحاقها بمحافظة البصرة، عندها تحرك الأمين العام للجامعة بموجب الميثاق وقام بدور أساسي في تشكيل قوات عربية وارسالها إلى منطقة النزاع وكان ذلك لأول مرة منذ نشوء الجامعة، وقد أسفر التدخل – السياسي والأمني – على وضع حد للأزمة.
- الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1976:
عندما أثمرت جهود الأمين العام للجامعة العربية محمد رياض، التحرك على مستوى مجلس الجامعة، ثم على مستوى القمة، بتشكيل قوات حفظ السلام العربية، التي تحولت فيما بعد إلى قوات الردع العربية، والتي ساهمت في تهدئة الأوضاع مرحلياً على الساحة اللبنانية.
الركيزة الثانية: معاهدة الدفاع العربي المشترك
استندت المعاهدة إلى ميثاق الجامعة، وميثاق الأمم المتحدة في انشائها واكتساب مشروعيتها القانونية، كما جاء في ديباجة الميثاق:"سعي الحكومات العربية إلى صيانة الأمن والسلام وفقاً لمبادئ ميثاق الجامعة العربية وميثاق الأمم المتحدة وأهدافها"([20]).
وبموجبها أنشأ مجلس الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية، المختص بجميع الشؤون المتعلقة بتنفيذ أحكام المواد 2، 3، 4، 5 منها، وقد نصت المادة الثانية على : "تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعاً، لذلك فإنها، عملاً بحق الدفاع الشرعي-الفردي والجماعي- عن كيانها، تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وأن تتخذ على الفور، منفردة ومجتمعة، جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء، ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابها"([21]).
ونصت المادة الثالثة من المعاهدة على :"تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناء على طلب إحداها، كلما هددت سلامة أراضي أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية الدفاعية التي يقتضيها الموقف"([22]).
ونصت المادة الرابعة على: "رغبة في تنفيذ الإلتزامات السالفة الذكر على أكمل وجه، تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها، وتشترك بحسب مواردها وحاجاتها في تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أي اعتداء مسلح".
ونصت المادة الخامسة على :"تؤلف لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائله وأساليبه... وترفع هذه اللجنة الدائمة تقاريرها عما يدخل في دائرة أعمالها إلى مجلس الدفاع المشترك".
دبلوماسية القمة والتجمعات الإقليمية الفرعية
في سياق تطور دور الجامعة العربية وفعاليتها، برزت تطورات هامة في النطاق الإقليمي العربي أبرزها:
1- ما عرف بدبلوماسية القمة العربية:
حيث عقدت سلسلة قمم عربية بدءاً من عام 1964، لتتحول فيما بعد إلى قمة سنوية دورية، تتناوب على رئاستها الدول العربية.
لقد اقتضت الضرورات معالجة الملفات العربية العالقة، أو الداهمة على مستوى القمة، نظراً للقيود التي تكبل دور الجامعة العربية لجهة اشتراط الاجماع على القرارات الهامة لضمان تنفيذها أو الأخذ بها، أو لجهة التوازنات داخل النظام الإقليمي العربي ومحاوره المتعددة.
لقد أسفرت القمم العربية المتلاحقة عن نتائج ايجابية كثيرة ساهمت في تبريد الصراعات والخلافات العربية-العربية وضبطها، وإن لم تتمكن من حسم موجبات ومقتضيات التضامن العربي حول القضايا الجوهرية العالقة، أو لجهة تفعيل المستويات الاستراتيجية للتنسيق والتعاون، فضلاً عن تحديات العلاقة بين النظام العربي الإقليمي والأنظمة الإقليمية المجاورة، أو التجمعات والمنظمات الإقليمية والدولية.
ففي تشرين الأول/اكتوبر من عام 2000، تكرست دبلوماسية القمة كإطار للعمل العربي المشترك، في قمة القاهرة، إذ تمت الموافقة على إضافة ملحق لميثاق الجامعة، حول الانعقاد الدوري لمجلسها على مستوى القمة بصفته أعلى سلطة فيها، حيث نصت المادة الأولى من هذا الملحق على أن ينعقد مجلس الجامعة على مستويات: ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية أو من ينوب عنهم على مستوى القمة، وزراء الخارجية أو من ينوب عنهم، المندوبون الدائمون.
كما نصت المادة الثالثة، على أن ينعقد المجلس على مستوى القمة، بصفة منتظمة، في دورة عادية مرة في السنة في شهر آذار/مارس، وله أن ينعقد عند الضرورة أو عند بروز مستجدات تتصل بسلامة الأمن القومي العربي بصفة استثنائية.
وقد نصت المادة الثانية من الملحق، على أن يقوم مجلس الجامعة على مستوى القمة بالنظر في القضايا المتعلقة باستراتيجيات الأمن القومي العربي من كافة جوانبه وتنسيق السياسات العليا للدول العربية تجاه القضايا ذات الأهمية الإقليمية والدولية، وعلى وجه الخصوص، النظر في ذات الأهمية الإقليمية والدولية، وعلى وجه الخصوص، النظر في التقارير والمشاريع المشتركة، وتعيين الأمين العام، وتعديل الميثاق، وفي مادته الخامسة نص الملحق على أن قرارات القمة تصدر بتوافق الآراء([23]).
ركزت القمم العربية أعمالها بشكل رئيسي حول استحقاقات النظام الإقليمي الأمني العربي، ومحاورها في سياق تطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وصلتها بتطورات الأحداث الإقليمية والدولية، كما يلي:
ففي قمة أنشاص 28-29/5/1946 قرر الملوك والرؤساء العرب أن فلسطين هي القلب وأن مصيرها مرتبط بمصير دول الجامعة – كانت في حينه سبع دول – وأن الصهيونية خطر داهم، وأن الدول العربية قررت أن تتخذ كل الوسائل الممكنة للدفاع عن كيان فلسطين، وفي قمة القاهرة 13-17/1/1964 انشأت القمة قيادة موحدة لجيوش الدول العربية، وفي قمة الاسكندرية 5-11/9/1964، حددت القمة أن الهدف القومي النهائي هو تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، وأن الهدف العاجل هو تفرغ الدفاع العربي على وجه يؤمن للدول التي تجري فيها روافد نهر الأردن حرية العمل العربي في الأرض العربية، وفي قمة الدار البيضاء 13-17/9/1965 اتفق الملوك والرؤساء على الخطط العربية في سبيل تحرير فلسطين، وبعد عدوان حزيران/يونيو 1967، عقدت قمة الخرطوم 29-8/1/1967، واتفق فيها على ضرورة إزالة آثار العدوان مع عدم الصلح والاعتراف والتفاوض. وفي عمان 25-27/11/1980 عقدت القمة، وأقرت برنامج العمل العربي المشترك لمواجهة العدو الصهيوني، وصادقت على أربع وثائق اعتبرت حجر الزاوية الاقتصادي للأمن القومي العربي.
وفي فاس/المغرب عقدت القمة دورتين واتخذت في الثانية 6-9/9/1982 قراراً بانسحاب اسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس العربية، وإزالة المستوطنات وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. وفي قمة الجزائر 7-9/6/1988، التزمت القمة بتقديم المساندة لضمان استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وفي قمة القاهرة 21-23/6/1996، قررت القمة "أن تمسك الدول العربية بمواصلة عملية السلام لتحقيق السلام العادل والشامل هو هدف وخيار استراتيجي، وفي قمة بيروت 27-28/3/2002 عبر الملوك والرؤساء العرب عن اقتناع دولهم بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف، لذلك طالبوا اسرائيل أن تعلن أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضاً، كما طالبوها بالإنسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194 تاريخ 11/12/1948، وفي مقابل ذلك تقوم الدول العربية باعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، وتدخل مع اسرائيل في اتفاقيات سلام وتنشئ معها علاقات طبيعية وقد عبر الملوك والرؤساء في قمة شرم الشيخ 1/3/2003 عن تأكيدهم مبادرة السلام نفسها، واعتبار ما تقوم به اسرائيل من عدوان شامل ومخطط على الشعب الفلسطيني وسلطته ومؤسساته الوطنية يرمي إلى انهاء عملية السلام في الشرق الأوسط([24]).
في هذا السياق فإن مؤسسة القمة العربية، وخلال عشرات القمم التي عقدتها، لم تستطع بلورة استراتيجية متكاملة للأمن القومي العربي، وظلت الخلافات حول هذه الاستراتيجية وآلياتها قائمة متمثلة في([25]):
- فقدان الإرادة السياسية الجماعية، جعل نسبة تنفيذ قرارات مجلس الجامعة والقمم العربية المتعاقبة، نسبة هزيلة، وغير مسندة إلى توازن قوى فاعلة تحميها، وتدخلها في حيز التنفيذ.
- تلاحق الاختيارات في حروب الخليج (الأولى بين العراق وإيران، والثانية بين العراق والكويت، والثالثة: في الحرب الدولية على العراق)، وفي حرب الإبادة التي تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني، والأزمات في لبنان والسودان والصومال وموريتانيا والمغرب العربي، والتي كشفت وهن الأمن القومي العربي، وغياب الإرادة الجامعة لحمايته.
- الخلافات على استراتيجيات العمل العربي المشترك سواء لجهة حماية المبادرة العربية للسلام، وامكانات تسويقها على المستوى الدولي أو لجهة البحث في البدائل المتاحة في ظل تراجع عملية السلام، وهذا ما ظهر جلياً في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في دمشق نيسان/ابريل 2008، والتي أبرزت المعطيات التالية([26]):
o وصول الخلافات العربية إلى حد عدم مشاركة البعض في القمة، أو خفض مستوى التمثيل فيها من البعض الأخر، وتحذير البعض من تدهور أسوأ العلاقات قد يصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية واغلاق الحدود مما اضطر الحضور إلى المبادرة لتكليف مجلس الجامعة بمناقشة موضوع العلاقات العربية-العربية، ورفعها إلى القمة بالإضافة إلى تفعيل مجلس السلم والأمن العربي، أو وضع آلية انذار مبكر (كما اقترح الأمين العام للجامعة)، لوقف تدهور العلاقات بين بلد عربي وآخر.
o استمرار الخلاف حول الملف الإيراني والعلاقات مع طهران، بين داع للحوار معها وعدم معاداتها وبين مطالب بالتوافق العربي المسبق على آلية عربية للحوار، وتحديد منطلقاته ومبادئه.
o استمرار الخلاف حول مقاربة الملف الفلسطيني، سواء لجهة تفعيل المبادرة العربية للسلام، في ضوء التطورات الإقليمية والدولية الجديدة أو لجهة معالجة حالة الإنقسام الفلسطينية، والتي تشكل انعكاساً لحالة الإنقسامات العربية.
o عدم التجاوب مع الرغبة العراقية، في أن يتضمن إعلان البيان الختامي للقمة إشارة إلى رفض الإرهاب، والدعوة إلى محاربته، ودعم الجهود العراقية على الصعيدين الأمني والسياسي لتحقيق المصالحة الوطنية.
o تراكم الملفات المختلف عليها، مما جعل معالجتها يحتاج إلى صفقة متكاملة يصعب الوصول إليها في ظل تصاعد الإصطفاف العربي، على محاور متناقضة ومتصادمة، حول خيارات استراتيجية.
o الإشارة إلى التلازم به استمرار الجانب العربي في طرح مبادرة السلام العربية وبين تنفيذ اسرائيل لكافة التزاماتها في إطار المرجعيات الدولية لتحقيق السلام في المنطقة، وربطهما معاً، بضرورة إجراء تقييم ومراجعة شاملة للاستراتيجية العربية إزاء جهود عملية السلام، تمهيداً لإقرار خطوات التحرك العربي المقبلة في ضوء هذا التقييم.
o وفي إشارة خاصة ومستجدة في قرارات القمم العربية، إلقاء الضوء على تصاعد الهجمة الشرسة على الإسلام، وتنامي ظاهرة العداء له، وهي مبعث قلق كبير، والدعوة إلى تعاون أوثق بين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمات ذات الصلة، لمواجهة هذه الظاهرة ومواجهة الجهل والعنصرية المتزايدين إزاء الإسلام الذي يدعو إلى الاعتدال والتسامح وتقبل الآخر([27]).
في المقابل تقيم كل الدول العربية مجتمعة علاقات دبلوماسية طبيعية مع اسرائيل، ومن ضمنها معاهدة سلام تعترف بحق اسرائيل في الوجود، وبحدود آمنة ومعترف بها.
وقد نوقشت هذه المبادرة في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت، نهاية شهر آذار/مارس 2002، حيث تمت الموافقة عليها، بعد إدخال بعض التعديلات، خاصة لجهة البند المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينين إلى ديارهم، ورفض الدول العربية توطين أي منهم في أراضيها.
ب- التجمعات العربية الفرعية:
نشأت عدة تجمعات إقليمية فرعية عربية خارج إطار الجامعة العربية، بدءاً بمجلس التعاون الخليجي عام 1971، ومجلس التعاون العربي 1989، واتحاد المغرب العربي 1989، وقد وجدت هذه التجمعات سندها القانوني في المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية([28])، التي تجيز للدول الأعضاء أن تعقد فيما بينها من الاتفاقات ما تشاء لتحقيق هدفها.
مجلس التعاون الخليجي:
واقع الأمر أن مجلس التعاون الخليجي يشكل الحلقة الأبرز من حلقات التجارب الإقليمية الفرعية، بفعل استمراره وتطوره في كافة مستويات التعاون الجاد بين أعضائه وتأكيد حضوره العربي والإقليمي والدولي. في حين فشلت أو غابت واقعياً عن ساحة الفعل بقية التجارب، لذلك من الضروري تناوله بشيء من التفصيل.
إن العصب المركزي الذي شدّ أواصر التعاون بين دول المجلس هو التحديات والاستحقاقات الداهمة التي فرضها الموقع الجيواستراتيجي للمجموعة الخليجية، باعتبارها مصدر الطاقة الرئيسي في العالم، وبفعل ارتباط أمن الطاقة انتاجاً وامدادات، بالمصالح الحيوية لدول العالم وتكتلاته الاقتصادية-الصناعية-الحياتية الكبرى".
وفضلاً عن ضرورات التعاون داخل الإقليم الخليجي، على كل الأصعدة الأمنية-العسكرية، والاقتصادية-الاجتماعية، فهناك ضرورات مواجهة التطورات الهامة، الإقليمية والدولية المتصاعدة على الساحة الخليجية ومحيطها الأقرب: الحرب الإيرانية-العراقية، احتلال العراق للكويت، وحرب الخليج الثانية، وصعود الدور الإيراني بطموحاته الذاتية والإقليمية، وتصادمه مع التوازنات الإقليمية والدولية على حد سواء.
صحيح أن الجوانب الاقتصادية قد طغى في الفترة التأسيسية لمجلس التعاون الخليجي على ما عداه، إلا أن انشاء المجلس فعلياً، كان استجابة لهواجس، هي في جوهرها أمنية-عسكرية-سياسية، بينها المخاطر التي ترتبت على الحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988، والتداعيات التي أسفرت عنها حرب الخليج الثانية، ثم الإحتلال الأميركي (من ضمن تحالف دولي) للعراق، والأبرز على هذا الصعيد وفي سياقه العام، تداعيات الحرب الدولية على الإرهاب، في أعقاب الهجمات الإرهابية الدراماتيكية على الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001.
وإذا كان النظام الأساسي للمجلس قد خلا من النص على أية تدابير بشأن مواجهة العدوان الذي قد تتعرض له إحدى دوله، إلا أن اهتمامه بالجوانب المتعلقة بالأمن الخليجي الجماعي جاء مبكراً، باعتبار الجانب الدفاعي الأمني هو حجر الأساس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، وفي هذا السياق جاءت المناورات العسكرية المشتركة في تشرين الأول/اكتوبر 1983 في دولة الإمارات، ثم الإعلان عن تشكيل "درع الجزيرة" في حزيران/يونيو 1984.
كان أول اختبار جاد لمجلس التعاون الخليجي في آب/أغسطس 1990، مع غزو العراق للكويت، وتشكيل التحالف الدولي-العربي لتحريرها، عبر بيانه القاطع في 3 آب/ أغسطس من العام المذكور الذي شدد فيه على الإنسحاب العراقي الفوري وغير المشروط من الكويت، وعدم الاعتراف بنتائج العدوان، ومطالبة الجامعة العربية باتخاذ موقف عربي موحد من الموضوع، والأهم من ذلك هو الدور المحوري المالي-اللوجستي-العسكري، الذي لعبته المجموعة الخليجية في تشكيلات التحالف الدولي الإقليمي، الذي استعاد الكويت إلى الأسرة الخليجية.
أما الاختبار الأبرز، فهو تداعيات الانتشار النووي في الخليج (إيران) على دول المجلس، والذي شكل تحدياً جسيماً أمام دول المنطقة، لأنه لا يستهدف كياناتها السياسية فحسب، بل لأن تأثيراته يمكن أن تشمل شعوب المنطقة ومواردها الطبيعية. ناهيك عن أن اللجوء إلى استخدام الطاقة النووية في الصراعات والحروب والأزمات، قد يعرض المنطقة إلى إنهيار خطير في منظومة الأمن والتوازنات الإقليمية والدولية.
ما هي أبرز تداعيات الإنتشار النووي في الخليج على دول مجلس التعاون تحديداً([29]):
- من نتائج امتلاك إيران للقدرة النووية، تكريس الخلل القائم في موازين القوى، إذ أن إمكانية التمدد الإيراني المتاحة هي في الغرب باتجاه دول مجلس التعاون الخليجي.
- ومن التداعيات الأمنية إمكانية استغلال إيران لجالياتها المقيمة في الخليج واللعب على النعرات العرقية والطائفية.
- احتمالات اللجوء إلى سيناريوهات ضرب القدرة النووية الإيرانية، من قبل الولايات المتحدة، أو إسرائيل، أو كليهما معاً، وتداعيات الرد الإيراني المحتمل (الضربة الثانية)، واستهداف المواقع والقواعد الأميركية في الخليج، مما يعني تفجير المنطقة بأسرها.
- وترى بعض الدراسات أن إيران قد تستخدم قدراتها النووية في الضغط على دول المنطقة لتحقيق مصالحها الاقتصادية.
- ومن التداعيات تصدع وحدة الموقف الخليجي، بين مؤيد لإيران وحقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ومتحفظ على امتلاكها للطاقة النووية في مستوياتها العليا (التخصيب)، الذي سيتحول إلى طاقة نووية عسكرية، هذا إذا لم يكن قد تحول فعلاً.
- وترصد المنظمات المناهضة لآثار الأسلحة النووية، على المناخ والبيئة وبالتالي على الحياة المدنية، في منطقة قاسية مناخياً ويشار هنا إلى المفاعل الرئيسي في إيران – بوشهر – القريب من منطقة الخليج يقع على بعد 280 كلم من مدينة الكويت، والذي يشكل خطورة بسبب ضعف اجراءات السلامة الإيرانية، ووقوعه على خط الزلازل في المنطقة واحتمالات الحوادث والتسرب النووي.
- وحول مستقبل الانتشار النووي في الخليج يطرح المراقبون عدة سيناريوهات([30]):
o الأول: أن يؤدي احتمال دخول إيران ميدان صنع الأسلحة النووية، إلى فرض هيمنتها على المنطقة، ورؤيتها لدورها وتوازناتها خاصة مع دخول إيران كعنصر فاعل في المواجهة مع الوجود الأميركي في الخليج، ومع اسرائيل على خط الصراع العربي-الإسرائيلي، ويشار هنا إلى استعراضات القوة الإيرانية، بتطوير الأسلحة الصاروخية بعيدة المدى، مثل صاروخ شهاب 3، الذي وضع في الخدمة ويبلغ مداه 1300 كلم، وصاروخ شهاب 4 الذي يصل مداه إلى 3000 كلم.
o الثاني: أن يسفر الإنتشار النووي عن سباق تسلح نووي في المنطقة وامتلاك القدرات النووية أو الحصول على ضمانات نووية من الخارج.
o الثالث: اللجوء إلى صيغ تعاون إقليمي، على قاعدة المصالح الجامعة لدول المنطقة في مواجهة الانتشار النووي، والإرهاب وتحديات التنمية والتطوير والاستقرار.
3- غلبة التحالفات الخارجية:
أ‌- محور الاعتدال والغرب:
لقد تغير مفهوم الأمن الإقليمي العربي، بعد حرب الخليج الثانية، وتداعياتها حتى الآن، وآفاق استحقاقاتها المستقبلية، حيث يلف الغموض طبيعة التوازنات الأمنية والعسكرية التي ستتحكم بالصراعات والتحالفات في الإقليم العربي ومحيطه. لقد بادرت مصر في أعقاب هذه الحرب لتمرير رؤيتها لأمن الإقليم العربي، والقائمة تقوم على اعتبار إيران، مصدر "التهديد" لهذا الأمن أو التعارض معه في المرحلة الحالية على الأقل، وأن التعاون العربي-الإيراني على هذا الصعيد، يجب أن يرتكز على أولوية ترتيب آليات الأمن القومي العربي.
وفي هذا السياق كان السعي المصري الحثيث لتسويق صيغة إعلان دمشق في آذار/مارس 1994، والتي تدعو إلى إقامة ترتيبات أمن جماعي بين مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر وسوريا (شاركتا في حرب الخليج الثانية مع التحالف الدولي)، برعاية ودعم غربيين لردع التهديد الموجه إلى تلك الدول من إيران. وفي نفس الوقت لم ترحب مصر بالإتفاقات العسكرية التي وقعتها بعض الدول الخليجية مع بعض الدول الغربية، على أساس أن ترتيبات الأمن يجب أن ترتكز في البداية على الدول الثماني وتقتضي توقيع بروتوكولات تعاون عسكري شاملة([31]).
لكن هذه الصيغة المصرية رفضت من قبل سوريا ودول الخليج معاً، ولأسباب مختلفة بل ومتناقضة. بحيث أظهر هذا الرفض، نشؤ محاور عربية أمنية تركزت على محورين كلاهما يستبعد مصر من التنسيق الأمني، العسكري المباشر.
المشكلة التي تطرح نفسها على صيغة وواقع النظام الإقليمي الأمني العربي، تتمثل في عدم وجود قيود على التحالفات العربية الفردية أو الثنائية داخل الإقليم وخارجه، قياساً على معايير الحد الأدنى من التضامن الإقليمي الأمني العربي.
والنموذج الذي كان صارخاً في آثاره وتداعياته في هذا المجال تمثل في توقيع مصر أكبر دولة عربية والمحور الأساسي في الصراع العربي الإسرائيلي وتجلياته المختلفة، مع اسرائيل معاهدة "كمب دايفيد" الشهيرة والتي أدت فيما أدت إليه إلى اضطرار القمة العربية المنعقدة استثنائياً في بغداد 1979 إلى تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، ومقاطعتها اقتصادياً، ونقل مقر الجامعة إلى تونس، في أخطر أزمة يتعرض لها النظام الإقليمي العربي. وقد استمر هذا الوضع الشاذ حتى انعقاد قمة الدار البيضاء عام 1989، وانعقاد القمة الثانية في عام 1990، واللتين اسفرتا تدريجياً عن عودة العلاقات بين مصر وكل دولة عربية بصورة منفردة.
من البديهي القول أن التعاون العربي الإقليمي في إطار الجامعة العربية، لا يحول دون إقامة علاقات إقليمية ودولية، بمقتضى القرار السيادي لكل دولة عربية على حدة. بل ربمبا تكون هذه العلاقات أو التفاهمات في بعض الأحيان في خدمة الأمن القومي العربي وتحصينه، ودعم فعاليته. ولكن النتائج التي أظهرتها التجارب على هذا الصعيد. أكدت ومع وقوع هذا الأمن في شرك سياسة المحاور والتجاذبات، وأدت ولا تزال إلى وهن التضامن العربي، وتراجع مستويات التنسيق والتكامل، وضعف التأثير العربي الجماعي في حل المشكلات المحلية والإقليميةة، واستدراج عروض متناحرة لتدخلات إقليمية (من خارج الإقليم العربي) ودولية أسفرت عن أضرار فادحة بالمصالح الاستراتيجية للإقليم الأمني العربي، وحاصرت خياراته الإستراتيجية وفرضت عليه أجندات تتناقض في الكثير من وجوهها مع الأولويات القومية واستحقاقاتها.
إحدى أبرز معطيات تراجع أهمية النظام العربي كوحدة إقليمية فاعلة، تتمثل في غلبة التحالفات الخارجية على توثيق الروابط وتفعيل مؤسسات التضامن العربي، نتيجة اختلافات الرؤى والمصالح بين الدول العربية ذاتها – من جهة – وتعامل القوى الدولية مع الإقليم العربي بصورة فردية أو ثنائية على الأكثر، ودخولها على خطوط العلاقات العربية-العربية لتفريقها، وجعلها في مواقع الصراع بين بعضها البعض.
وترى بعض الدراسات في هذا السياق، أنه يمكن استحضار مراحل التطور في علاقات التحالف بين الولايات المتحدة وبعض البلدان العربية، كما يلي([32]):
المرحلة الأولى:
وخلالها ركزت الولايات المتحدة الأميركية على البلدان العربية، وخاصة الدول الخليجية، انطلاقاً من مبدأ كارتر عام 1980، وتأسيس قوة التدخل السريع لحماية المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وفي أولويتها ضمان تدفق النفط، مروراً بتدشين تأسيس القيادة الأميركية الوسطى في الخليج خلال إدارة ورنالد ريغان، لمواجهة النفوذ السوفياتي بعد غزو افغانستان أواخر السبعينات، ثم تأسيس القيادة العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وبعض بلدان الشرق الأوسط أواخر الثمانينات, وفي هذه المرحلة تعاطت الولايات المتحدة مع منطقة الخليج باعتبارها أحد الأقنية الخلفية التي لا يجوز التهاون مع مصادر تهديدها أو التفريط في حمايتها والدفاع عنها.
المرحلة الثانية:
وهي المرحلة التي بدأت بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 والتي شهدت توثيق التحالف بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، على قاعدة الرغبة المشتركة والمتبادلة بينها وبين الدول الخليجية، في الدخول بتحالفات ثنائية وجماعية مباشرة، من أجل مواجهة التهديدات والمخاطر المستجدة، وقد شجعت الإدارة الأميركية هذا التوجه، في خدمة مبدأ الاحتواء المزدوج كوقف مخاطر الصعود الإيراني والخطر العراقي.
المرحلة الثالثة:
بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وهي مرحلة يمكن أن نطلق عليها مرحلة "التحالف الطوعي" فمنذ ذلك الحين بدا واضحاً ارتفاع كلفة استمرار التحالف مع الولايات المتحدة خاصة مع ارتفاع العديد من الأصوات الرافضة لبقاء مثل هذا التحالف بصيغته القديمة، وهو ما بدا واضحاً في دول محافظة كالسعودية، توازياً مع تراجع الصورة الأمريكية بفعل الغزو غير المشروع للعراق من جهة، والتماهي الأمريكي مع الموقف الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين من جهة أخرى.
لذا رأينا أواخر عام 2003 خروجاً محرجاً للقوات الأمريكية من السعودية وانتقالها إلى قاعدتي "العُديد والسيلية" في قطر. وأبرز ما يميز هذه المرحلة هو ضعف جاذبية التحالف مع الولايات المتحدة بفعل عاملين مهمين، أولهما الأخطاء العديدة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية تحت قيادة الرئيس جورج بوش الإبن وأدت إلى تشوّه صورة الولايات المتحدة الأمريكية لدى شعوب المنطقة. وثانيهما، الطفرة الاقتصادية والاستثمارية التي حدثت في منطقة الخليج بفعل العوائد النفطية الهائلة التي تحقق منذ منتصف 2004 حين قفز سعر برميل النفط من 24 دولاراً للبرميل إلى 50 دولاراً، وتحوّل بعض بلدانه من مجرد خزانات نفطية إلى سوق استثمارية لديها قدرة هائلة على جذب رؤوس الأموال العالمية وتحولها كي تصبح مركزاً تجارياً عالمياً، قد يمهد لظهور "نمور" اقتصادية خليجية.
إن دلالات الإرتباط الأمريكي بالمنطقة العربية لم تعد تتوقف فقط عند حسابات الإرتباط المصلحي المباشر لكلا الطرفين، بل وصل الأمر مؤخراً في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر إلى درجة الإرتباط النوعي الذي يفوق في قوته مجرد حصد المزايا البينة لكلا الطرفيين، وبحيث باتت رغبة الإرتباط بينهما تفوق رغبة الإرتباط الإقليمي([33]). ولم يعد احتياج منطقة مثل منطقة الخليج العربي للتعاون والتحالف مع الولايات المتحدة رغبة في الدخول تحت مظلة الحماية والأمن الأمريكي فحسب، وإنما رغبة أيضاً في إغراء الولايات المتحدة بالبقاء طرفاً أساسياً في التفاعلات الإقليمية ذاتها. والدليل على ذلك أنه على الرغم من تأسيس مجلس التعاون الخليجي، الذي جاء أصلاً للاستعاضة عن الفراغ الذي خلفه سوء أداء النظام الإقليمي العربي، وتكرار أزماته ووضوح عجزه، خصوصاً بعد توقيع معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979، إلا أن ذلك لم ينف دخول وحدات النظام الإقليمي الخليجي في معاهدات واتفاقات للدفاع المشترك والتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، والدول الغربية. ومنذ ذلك الحين بدأت تتسع حلقات الإرتباط بين الدول العربية والولايات المتحدة تحديداً، والعديد من الدول العربية مقابل تراجع الإرتباطات العربية-العربية.
واقع الأمر أن ديناميكية التحالفات العربية الخارجية استندت على شعور عربي رسمي بأن الإطار الدولي أصبح أكثر ضماناً من الإطار العربي، وهو يعبر عن ضرورات استراتيجية فرضتها حقبة العولمة، وأبرزها الإندماج الاستراتيجي والأمني والاقتصادي فضلاً عن التهديدات على المستوى الدولي (الإرهاب والأمن...).
وعليه فإن العلاقة أصبحت عكسية بين الإطارين العربي والدولي، فكلما زاد التنافر بين وحدات النظام العربي الإقليمي، كلما زادت الروابط بين هذه الوحدات والإطار الدولي، بحيث تحول هذا الإطار إلى الضمانة الأساسية لحماية الوحدات العربية الإقليمية من المتغيرات الإقليمية المجاورة، والدولية المستجدة.
وهنا يطرح السؤال عن العوامل الرئيسية التي تدفع باتجاه تغليب التحالف العربي-الدولي على حساب الروابط العربية-العربية؟ وفي الجواب على هذا التساؤل تطرح بعض الدراسات العناصر التالية:
- العنصر الأمني-الاستراتيجي:
لا يزال المحدد الأمني يمثل تعبيراً أساسياً في تفوق الإطار الدولي كبديل لنظيره العربي، ليس فقط لما أثبته هذا الأخير من فشل واضح وصريح في التعاطي مع العديد من الأزمات، وإنما أيضاً لتغير مفهوم الأمن ووظائفه بحد ذاته. فليس غريباً القول بأنه لا يوجد حتى الآن برنامج عربي مشترك للأمن الإقليمي، وعندما يشار إلى الأمن العربي، فإن ثمة اختلافات واضحة في تحديد ماهية هذا المفهوم وماذا يعني بالضبط.
والأهم من ذلك أن ثمة تعريفاً جديداً للأمن القومي بدأ يسود وينتشر في العديد من الدول العربية، خاصة بعد الغزو العراقي للكويت أوائل التسعينات، ووضح بشدة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. فثمة تصورات وطنية "قطرية" للأمن أصبحت الأكثر رواجاً وتفضيلاً من الإطار العربي الجامع. وإذا كان هذا الأمر مستهجناً في دول ذات ثقل تاريخي في المنطقة مثل مصر والمغرب، فليس غريباً أن تتجه الدول الصغيرة في المنطقة، كدول الخليج، إلى إعادة تعريف أمنها الوطني بعيداً عن أية "حواشي" إقليمية أو عربية. ووجدت هذه الدول عزاءها في الاعتماد على قوى من خارج المنطقة للحفاظ على أمنها بعد الشرخ الرأسي الذي أصاب النظام الإقليمي العربي عقب الغزو العراقي للكويت بداية التسعينات على نحو ما أوضحنا آنفاً. وليس أدل على انعدام ثقة هذه البلدان في الانضواء تحت مظلة أمنية عربية مشتركة، من ذلك الفشل الذريع الذي مُني به "إعلان دمشق" (معاهدة التحالف التي وقعتها دول مجلس التعاون الخليجي مع كل من مصر وسوريا عقب حرب الخليج الثانية عام 1991) وانهارت معه آخر مظلة أمنية عربية.
وقد ازداد التعاون الأمني بين الدول العربية والولايات المتحدة بشكل كثيف عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وذلك نتيجة للهواجس التي أثارها البرنامج النووي الإيراني من جهة، والاستغلال الأمريكي لتبعات هذه الهواجس من أجل تكثيف روابطها مع دول الخليج من جهة أخرى، ناهيك عن مخاوف انتشار الفوضى والإرهاب في المنطقة بسبب حالة عدم الاستقرار الموجودة بالعراق من جهة ثالثة.
ولم ينقطع التعاون الأمني والعسكري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1991 وحتى الآن، بل زادت درجته وتم توقيع العديد من الاتفاقات الثنائية بين معظم دول الخليج والولايات المتحدةة بهدف الدفاع المشترك. ورغم كثافة هذا التعاون إلا أن ثمة ملاحظات جديرة بالاهتمام في هذا السياق. وهي حرص الولايات المتحدة الأمريكية على المحافظة على الميزة النسبية العسكرية التي تحتكرها اسرائيل كحد تبقى متفوقة على العرب كافة. بما فيها الدول التي تتعاون معها عسكرياً، واستراتيجياً. مع الإشارة إلى الإلتزام الأميركي بموجب قرار الكونغرس لعام 1994 بعدم تقديم أي دعم عسكري للدول التي تقاطع اسرائيل داخل الجامعة العربية.
وقد زادت المساعدات العسكرية الأميركية لدول الخليج بعد 11 أيلول/سبتمبر في خدمة التحالف الدولي ضد الإرهاب ومواجهة التهديدات الناجمة عن المخاطر الإقليمية، وفي هذا الإطار جاءت صفقات الأسلحة التي أقرها الكونغرس الأميركي صيف 2007، والتي تقضي ببيع أسلحة متطورة لدول الخليج العربي ومصر والتي بلغت قيمتها 30 مليار دولار وستنفذ على مدى عشرة أعوام([34]).
-العنصر الاقتصادي:
في الوقت الذي تعثرت فيه معظم مشاريع التعاون العربي المشترك على الصعيد الاقتقصادي، خاصة لجهة المشروع الأبرز وهو قيام "السوق العربية المشتركة" وتأخير قيام منطقة التجارة الحرة، سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى توثيق تعاونها الاقتقصادي مع البلدان العربية وخاصة دول الخليج، من خلال الدعوة لإنشاء منطقة تجارة حرة كبرى بحلول عام 2010، وقد بدأت بالفعل الخطوات التأسيسية لهذه المنطقة، هذا فضلاً عن الاتفاقات التجارية الثنائية، مع البحرين في أيلول/سبتمبر 2004، ومع سلطنة عمان في نفس السنة، والجدير بالملاحظة هنا، أن شرط هذه الإتفاقيات إنهاء المقاطعة العربية الإسرائيلية.
-العنصر السياسي:
لا يتعلق العنصر السياسي في عناصر التحالف العربي الخارجي بوجود تهديد أجنبي للأنظمة السياسية القائمة في الدول العربية، خاصة دول الخليج، وإنما بالأساس بالتهديدات الداخلية التي قد تأتي بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في هذه البلدان، ومدى قدرتها على المواءمة بين بنيتها الثقافية والاجتماعية التقليدية والانفتاح الفكري والمعلوماتي على العالم الخارجي، وقد دفعت التحديات التي فرضتها ثورة الاتصالات والترابط الكوني السريع وتداخل منظومات المعيشة ببعض الدول الخليجية بضرورة إعادة التفكير في الوضع السياسي الداخلي، فكان أن قام بعض منها بعمل إصلاحات سياسية محدودة، طمعاً في تحديث مجتمعاتها. والآن لا يكاد يخلو مجتمع خليجي من إجراء للعملية الإنتخابية، ناهيك عن وجود قدر لا بأس به من النزاهة والموضوعية في مخرجات العملية الإنتخابية.






الوجود العسكري الأميركي في الخليج([35])
الدولة
القوات الأمريكية/التسهيلات
الوظيفة
المملكة العربية السعودية
400 عسكري أمريكي
تدريب الجيش السعودي والحرس الوطني
الكويت
900 ألف عسكري أمريكي متواجدون:
- في قاعدة جابر آل سالم الجوية.
- معسكر عرقجان جنوب الكويت.
- معسكر الدوحة شمال غرب مدينة الكويت.
المساعدة في عملية "تحرير العراق"
الإمارات العربية المتحدة
1800 عسكري أمريكي متواجدون في القاعدة الجوية بالظفراء وفي منطقة جبل علي.
مساعدة عملية تحرير العراق وعدم العمليات في أفغانستان.
قطر
6000 عسكري من القوات الجوية، قاعدة العُديد العسكرية التي يوجد بها مقر القيادة الأمريكية الوسطى – قاعدة السيلية.
محور العمليات الجوية في الخليج.
سلطنة عمان
يوجد بها 25 وحدة للقوات الجوية.
خدمة عمليات الطوارئ
البحرين
يوجد بها 4700 جندي أمريكي من قوات البحرية الأمريكية، متمركزين في المنامة، ميناء آل سلمان، قاعدة الشيخ عيسى الجوية.
جميعها تقدم الدعم الفني واللوجستي للعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان ومواجهة خطر القاعدة.

المحور السوري- الإيراني:
اعتمدت إيران في السنوات القليلة الماضية على "سياسة الأذرع الإقليمية" لإقامة مناطق نفوذ لها، ولتخفيف الضغط عنها في النزاع الدائر بينها وبين الغرب على ملفها النووي. وقد شكلت العلاقة مع دمشق نقطة الإرتكاز في هذه السياسة، والتي تفرعت إلى الإمساك بورقتين هامتين على جهة الصراع العربي-الإسرائيلي: حزب الله في لبنان، وحركة حماس في قطاع غزة، مستفيدة من نتائج الحرب الباردة العربية- العربية، بين مصر والسعودية من جهة وسوريا من جهة ثانية. والضغوطات السياسية والاقتصادية العربية-الغربية على دمشق للتكيف مع موجبات التحالف العربي-الغربي في مقاربة الملفات الساخنة في لبنان وفلسطين والعراق.
وفي خدمة هذه السياسة سرّعت إيران من خطواتها تجاه دمشق، بالدفع نحو تفاهمات وترتيبات، تصل إلى مرتبة التحالف الإستراتيجي، خاصة على المستوى الأمني العسكري، تمثلت بـ ([36]):
- تعزيز العلاقات الدفاعية بتدريب الضباط السوريين في الأكاديميات العسكرية الإيرانية، وتسويق الثقافة العسكرية الإيرانية في المؤسسة العسكرية السورية.
- بناء محطات تنصت متطورة في سوريا.
- انشاء مصانع لإنتاج الصواريخ، وتدريب الضباط السورين عليها في إيران.
- تمويل صفقات تسلح سوري من طائرات ودبابات، شملت: 400 دبابة روسية متطورة من طراز ـ 720، و18 طائرة ميغ 31 و 8طائرات سوخوي 24، وهيلوكوبترات من طراز كيويان 8.
- انشاء مصنع لإنتاج الراجمات الصاروخية.
- تزويد الجيش السوري بمدرعات "البرقع" ودبابات "ذو الفقار".
- تزويد البحرية السورية بصواريخ س 801 وس 802 (استخدمها حزب الله في ضرب البارجة الإسرائيية في حرب تموز 2006).
- نشر شبكة صاروخية على الأراضي السورية بموجب اتفاق دفاعي وقع عام 2005، تتكون من صواريخ سكود سي-ب، وشهاب 3، على أن ينتهي العمل بها عام 2007([37]).
شكلت حرب تموز/يوليو 2006 ذروة التنسيق السوري-الإيراني، والتي أعطت نتائجها زخماً قوياً للتحالف، وقدرته ليس على الصمود فحسب، بل وتحقيق انتصار يمكنه من تعديل موازين القوى لصالحه. متقاطعاً مع حسم الصراع الداخلي الفلسطيني لصالح حركة حماس "في قطاع غزة" كرصيد اضافي لتحالف يعزز قدراته ويدعم دوره في التفاعلات الإقليمية([38]).
وفي مقلب آخر فإن قراءتين متباينتين للأوضاع المستجدة بعد حرب تموز/يوليو حملتا مؤشرات إعادة تموضع سوري في التوازنات الإقليمية والدولية، مقابل قلق إيراني يرفض تقبل أو تصديق فكرة وجود سوريا في مسار آخر مختلف عن النهج والمسار الذي أسسته إيران في المنطقة.
فالقراءة السورية اتجهت لجعل الإنجازات نقطة انطلاق لتفاوضها مع الغرب واسرائيل، خاصة في ضوء استئناف المفاوضات السورية-الإسرائيلية برعاية تركية والإندفاعة الأوروبية تجاه دمشق في رزمة حوافز مغرية لفك العزلة عنها، ثم اتجاه للتهدئة على جهة الخلاف مع تيار الاعتدال العربي، في أجواء انعقاد القمة العربية وترؤس سوريا لها، وتطلعاً إلى تفويت الفترة الأخيرة من حكم الإدارة الأمريكية دون مواجهات ساخنة بانتظار الإدارة الجديدة.
وبالمقابل فإن القراءة الإيرانية رأت في الإنجازات المحققة، خطوة أولى لتعزيز نفوذها في لبنان وفلسطين، وقوة إضافية لطهران في سياق التصادم مع الغرب، وفي خدمة تثبيت مركزها الشرق أوسطي، ودفع العرب لتقديم التنازلات لها في الملفات الخلافية، وتعزيز طموحاتها الإقليمية عموماً.
إن الطارئ المرحلي في العلاقات السورية-الإيرانية شكل اختلافاً في الرؤى في تقدير الفرص والمخاطر التي حملتها الخطة الدولية وطبيعة الاستراتيجيات المناسبة للتعامل مع المتغيرات الإقليمية، والقدرة على توظيفها بما يخدم مصالح كل طرف، وهذا المتغير الاستراتيجي إذا ما أضيف إلى خلافات تكتيكية كبيرة في التعامل مع قضايا العراق وفلسطين ولبنان بين الحليفين، سيوضح حكماً نوعية المسارات التي تتوجه إليها السياسات في البلدين.

4- مأزق الأمن القومي العربي بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر:
بالإضافة إلى كل ما تقدم فإن العوامل الأبرز التي طرأت على نظام الأمن الإقليمي العربي تمثلت في تداعيات الأحداث الإقليمية والدولية في مرحلة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة والتي وضعت الإقليم الشرق الأوسطي في مأزق حرج:
- وضع بعض الدول العربية على قائمة الدول المستهدفة بالحرب على الإرهاب (اليمن، العراق، الصومال)، وتهديد البعض الآخر بفرض عقوبات عليه (سوريا، السودان، لبنان، ليبيا)، وفي هذا السياق صدر تقرير الخارجية الأمريكية السنوي في شهر أيار/مايو 2002 مصنفاً أربع دول عربية على رأس الدول الراعية للإرهاب (العراق، سوريا، ليبيا، السودان)، وموجهاً تهديدات بضربات عسكرية كما أعلن في حينه وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد في حزيران/يونيو 2002 من أن الولايات المتحدة تعتزم وضع قواعد عقيدة عسكرية جديدة تنص على الحق في توجيه الضربة الأولى إلى تلك الدول([39]).
- وقد تركزت الحملة الأميركية ضد العراق. بهدف تغيير نظامه، وبدء الاستعدادات العملية لتحقيق هذا الهدف، بكل ما يترتب على ذلك من عوامل عدم استقرار في المنطقة ككل.
- وفي سياق الحملة الأميركية، وضعت الجماعات الأصولية-المسلحة –خصوصاً- على قائمة الإرهاب، وما شكله ذلك من إحراج للأنظمة العربية، حتى منها الحليفة للولايات المتحدة، لاضطرارها إلى فتح مواجهة مع هذه الجماعات على جبهاتها الداخلية وخارجها.
- الإعلان عن طروحات أميركية جديدة حيال منطقة الشرق الأوسط، تولتها مراكز الدراسات الاستراتيجية، تتحدث عن " إعادة هندستها بما فيها النظام الإقليمي العربي" أي "إعادة فك وتركيب بعض الدول طبقاً للأدوار المطلوبة من هذه الدول، وفق المعايير الأميركية للحرب على الإرهاب، أي باختصار إقامة نظام شرق أوسطي جديد على حساب النظام الإقليمي القائم.
- سعي إسرائيل لاستغلال الحملة الأميركية لتشديد قبضتها الاحتلالية في الضفة وغزة، واستهداف المقاومة الإسلامية في لبنان والتحريض ضد إيران، وبدء التحضير لعمل عسكري ضد مفاعلاتها النووية. وسط تأييد محموم من قبل الإدارة الأميركية، لكل الخطط الإسرائيلية والتنسيق المباشر معها
1- مستقبل النظام الإقليمي العربي:
في ضوء ما تقدم يطرح السؤال عن مستقبل النظام الأمني العربي، فإنه من الصعب التوصل إلى توافق أمني لعدم توافر العناصر الأساسية لمفهوم الأمن القومي العربي، حيث لا يوجد إدراك، ومن ثم لا يوجد اتفاق على الغايات والأهداف والمصالح العربية المطلوب حمايتها، سواء في بعدها القومي أو القطري، وأولويات تنفيذها. كذلك لا يوجد اتفاق على العدائيات التي تهدد الأمن القومي العربي وترتيب أولوياتها، بعد إضافة بعد جديد غير مسبوق، وهو التهديدات العربية-العربية([40]).
لقد استهلكت الخلافات العربية-العربية جانباً كبيراً من اهتمامات الجامعة العربية وتركت آثارها السلبية في نشاطاتها المختلفة، مما حدّ من مقدرة الجامعة على التفاعل النشط مع البعدين الإقليمي والدولي([41])، بالإضافة إلى مجموعة ثغرات في النظام الإقليمي العربي، تتمثل في: تحديات التطبيقات الديمقراطية، المبادرات والمشاريع الخارجية الضاغطة، تفاقم سيادة النظرة القطرية على المواقف الجماعية، وغياب التكامل العربي في الاقتصاد والأمن والدفاع وقيام بعض الدول العربية إذا لم نقل كلها: بعقد اتفاقيات التجارة الحرة والاتفاقيات الأمنية والدفاعية مع القوى الأجنبية([42]).
إن مستقبل النظام الإقليمي العربي وأمنه ودوره مرتبط بالأمور التالية([43]):
- إن الوطن العربي يملك طاقات بشرية وموارد اقتصادية وموقعاً استراتيجياً يجعله يؤدي دوراً فعالاً في النظام الدولي في حال استغلال هذه الطاقات والموارد.
- أهمية أن تعي دول الارتكاز الجغرافي، دورها القومي. وأن استراتيجية اسرائيل الإقليمية تسعى إلى احتواء مكانه ودوره، بالتحالف مع الدول الكبرى ودعمها، فإسرائيل "بما تقوم به في المنطقة وعلى نطاقها المباشر لم تعد بعيدة عن ذلك الحلم الذي تصوره مؤسس دولتها ديفيد بن غوريون، وهو حلم يسعى إلى حصر مصر وراء حدودها مع اطلاق يد اسرائيل في الشرق العربي([44]).
- أن تعي الدولة القطرية الصغيرة وخاصة البترولية منها، خطورة القوى الأجنبية على وجودها على المدى المتوسط والبعيد، وأن ارتباطها بالارتكاز الجغرافي العربي هو الذي يحقق لها أمنها ويحافظ على هويتها.
- أن تقدم الدول البترولية الدعم والمساعدة إلى دول الارتكاز الجغرافي والقلب الآسيوي، لتمكين من لعب دوره على جبهة المواجهة المباشرة خاصة وأنها قادرة من خلال حجم ودائعها الخيالي على تقديم هذا الدعم، فقد يبلغ حجم الودائع العربية في سويسرا ونيويورك تريليون دولار([45]).
بالإضافة إلى هذا كله، تبقى مسؤولية المحافظة على الجامعة العربية في الحد الأدنى من إلتزامات التضامن العربي وفعاليته في الحفاظ على النظام الإقليمي العربي، بل وتعزيز دور الجامعة، وتوسيع هامش تحركها واسناد فعاليتها، فضلاً عن تطوير ميثاقها، بما يستجيب للتحديات الإقليمية والدولية، وتوفير سبل مواجهتها، خاصة وأن الجامعة حققت نقلة نوعية في السنوات القليلة الماضية، وأكدت جدوى دورها، في التعامل مع الموقف السياسي والأمني المتدهور في الشرق الأوسط، سواء ما يتعلق بفلسطين أو العراق ولبنان والسودان، أو ما يتعلق بالأمن الإقليمي، ويشير الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في هذا السياق إلى تحركات الجامعة الإقليمية والدولية([46])، فقد قررت وعلى أعلى مستوياتها التقدم بمبادرة سلام واضحة المعالم تنص على اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، بعد الدخول في اتفاقية سلام بينها وبين العرب، تحقق الأمن لجميع دول المنطقة، إذا التزمت اسرائيل بالإنسحاب الشامل من الأراضي العربية المحتلة، وانجاز حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين والقبول بدولة فلسطين مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ الرابع من حزيران/يونيو 1967، تكون القدس عاصمتها.
وفيما يتعلق بالعراق فقد قامت الجامعة العربية بدورها بكل وضوح وتصميم، منذ الأيام الأولى لغزو العراق للكويت عام 1990، حيث أصدرت الجامعة على مستوى القمة بالقاهرة أب/أغسطس، قرارها الذي أكد: إلتزام الجامعة بقرارات مجلس الأمن الصادرة في هذا الصدد، وإدانة العدوان وعدم الاعتراف بأية نتائج ترتبت عليه، والمطالبة بانسحاب قوات الغزو فوراً إلى مواقعها السابقة. وتأكيد سيادة الكويت وسلامتها الإقليمية، وتأييدها في كل إجراءاتها لتحرير أرضها. وهذا القرار لعب دوراً رئيسياً في تحقيق الشرعية لقيام تحالف عربي دولي لتحرير الكويت 1991([47]).
كما قامت الجامعة والدبلوماسية العربية الجماعية، بجهد ضخم لتدعيم مهمة آلية مجلس الأمن للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وبجهود أكبر لدعم الجهود الدولية الرامية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بأسلحة الدمار الشامل. بتصويت العضو العربي في مجلس الأمن – سوريا – لصالح القرار 1441 الخاص بذلك.
مطالبة الجامعة العربية بضرورة حل الأزمة-العراقية بالطرق السلمية في إطار الشرعية الدولية (قرار القمة العربية في شرم الشيخ/ مصر في آذار/مارس 2002)، والحؤول دون التصعيد العسكري الخطير في المنطقة.
حرص الجامعة على تحديد رؤيتها الأحادية للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، والذي لا يتحقق إلا بإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية كخطوة في سبيل اخلاء المنطقة بكاملها من كافة أنواع هذه الأسلحة على النحو الذي نصت عليه الفقرة 14 من قرار مجلس الأمن رقم 687 لعام 1991، الصادر تحت الفصل السابع من الميثاق، مع الإشارة إلى أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها إسرائيل، وعلى رأسها الأسلحة النووية وضرورة البدء في التعرض لها والتفتيش عليها تمهيداً لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في كافة منطقة الشرق الأوسط.