صفحة 1 من 1

صدام الحضارات واحتمالات مستقبلية

مرسل: السبت إبريل 28, 2012 7:52 pm
بواسطة محمد المنجي5


تعد سياسة توازن القوى من أقدم السياسات التي حكمت العلاقة بين الدول والامبراطوريات، فالعلاقة بين أثينا واسبارطة، وبين روما وقرطاجة، وبين الدول الأوروبية في الفترة الممتدة من القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر، كانت تحكمها سياسة التوازن بشكل أو بآخر وغالباً ما كان شكل التوازن الدولي يتغير عقب زوال أحد الأطراف الأساسيين فيه، إما لتفككه من الداخل وإما بسبب هزيمته في حرب عالمية، وهذا ماحدث عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وكذلك بعد انتهاء الحرب الباردة يتفكك الاتحاد السوفييتي، فبعد انتصار دول الحلفاء على دول المحور في الحرب العالمية الثانية تغير شكل التوازن الدولي من توازن متعدد الأقطاب إلى ثنائي القطبية طرفاه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من جهة والاتحاد السوفييتي والدول التي كانت تدور في فلكه من جهة أخرى، حيث عمل كل طرف على استخدام جميع الوسائل والسياسات والأساليب من أجل زيادة قوته وإضعاف قوة الطرف الآخر كي يبقى على درجة من القوة بحيث لايصبح تحت رحمة الطرف الآخر بل في حالة توازن معه على الأقل.‏

وهكذا بقي النظام الدولي يعيش توازناً دولياً ثنائي القطبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى انتهاء الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991.‏

ليتحول إلى أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت في العام ذاته عن ولادة (نظام دولي جديد) سمته الأساسية- من وجهة النظر الأميركية- الرفاه والاستقرار الدولي بدلاً من النظام السابق الذي ساده العنف وعدم الاستقرار وبغض النظر عن اختلاف آراء الباحثين في العلاقات الدولية حول ماهية النظام الدولي الجديد ووجوده من عدمه، إلا أنه لايمكن تجاهل بروز قوى دولية جديدة على الساحة الدولية، والذي بدأ مع مطلع سبعينيات القرن العشرين، وأخذ بالتبلور أكثر مع بدايات القرن الحادي والعشرين، ومما لاشك فيه أن ماتملكه هذه القوى من مقومات القوة سيكون له دور كبير في تحديد شكل التوازن الدولي وأطراف توازن القوى في المستقبل المنظور، ومن الجدير ذكره أن الباحث عندما يستخدم مصطلح «التوازن الدولي» فإنه يقصد التعبير عن ذات المعنى الذي يتضمنه مصطلح «توازن القوى لأسباب ومبررات سترد في نص الدراسة، فالاتحاد الأوروبي يملك قوة اقتصادية ضخمة ورغبة جادة في تحقيق وحدته السياسية وتطوير مؤسساته وهياكله التنظيمية، ما قد يؤهله للعب دور أكبر في السياسة الدولية، أما بالنسبة لروسيا الاتحادية، فرغم خسارتها الحرب الباردة واستمرار معاناتها من بعض المشكلات الداخلية والخارجية إلا أنها لاتزال تملك ترسانة نووية كبيرة فضلاً عن عزمها على تجاوز نقاط ضعفها الداخلية والخارجية وهذا مابدا جلياً في سلوك روسيا الاتحادية تجاه الأزمة الجورجية- الروسية حول أوسيتيا الجنوبية في آب 2008 ما قد يتيح لها ممارسة دور رئيس في تحديد معالم هيكل النظام الدولي في المستقبل، وتعد اليابان قطباً رئيساً محتملاً نظراً لقدراتها الاقتصادية والتكنولوجية وتطلعاتها الإقليمية والدولية للحصول على مركز عالمي، كذلك الصين فمنذ سبعينيات القرن العشرين وهي تعيش تحولات اقتصادية مهمة جعلتها الدولة الأولى في العالم من حيث معدل النمو ما قد يؤهلها لتكون قطباً دولياً في المرحلة المقبلة، وإن تباين هذه الدول فيما تحققه من نسب نمو في المجالات كافة، وبالمقارنة بينها وبين ما تحققه الولايات المتحدة الأميركية جعلت الإجابات تتعدد عند التساؤل عن ماهية الاحتمالات المستقبلية لشكل التوازن الدولي، ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة في استشراف مستقبل التوازن الدولي عقب انتهاء الحرب الباردة بعد دراسة عوامل القوة والضعف في أبرز الدول المرشحة للقطبية الدولية كل على حدة.‏

ومقارنتها مع عوامل القوة والضعف في الولايات المتحدة الأميركية.‏

تحاول هذه الدراسة الإجابة عن التساؤل التالي:‏

أي من الدول التالية: الاتحاد الأوروبي، روسيا الاتحادية، اليابان، الصين لديها مقومات القطبية الدولية المنافسة لقطبية الولايات المتحدة الأميركية وما مشاهد المستقبل المحتملة؟.‏

ينطلق المؤلف يامن خالد يسوف -للإجابة عن السؤالين السابقين من الفرضيتين التاليتين:- إن النظام الدولي يسير نحو نظام متعدد الأقطاب في المدى البعيد وأقطابه هي: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان والصين وذلك لما تملكه هذه القوى من مقومات القطبية الدولية.‏

والفرضية الثانية تنطلق من أنه سوف يستمر النظام الدولي في مرحلته الانتقالية كنظام أحادي القطبية ولكن بدرجات متفاوتة ومتباينة من القطبية خلال هذه المرحلة.‏

تقع الدراسة في مقدمة وثلاثة فصول مشفوعة بخاتمة حيث حاول الباحث في الفصل الأول تكوين إطار نظري للدراسة يشكل قاعدة انطلاق فكرية لما يسعى للوصول إليه في الفصول اللاحقة، لذا تم تقسيم الفصل الأول إلى مبحثين، اهتم المبحث الأول بالتعريف بمفهوم التوازن الدولي، والثاني بدراسة أبرز العوامل المؤثرة فيه، أما الفصل الثاني فقد تم من خلاله رصد أهم التغيرات التي أثرت في التوازن الدولي عقب انتهاء الحرب الباردة وعليه تضمن خمسة مباحث .‏

فاختص الأول بدراسة أبرز التغيرات التي طرأت على البيئة الدولية بعد الحرب الباردة, والمبحث الثاني بدراسة ازدياد التكامل الدولي وأثر ذلك في التوازن الدولي، أما المبحث الثالث فقد رصد أثر تغير دور المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات على التوازن الدولي، هذا على حين جاء المبحث الرابع ليوضح أثر انتشار العولمة وتعدد أشكالها على التوازن الدولي، أما المبحث الخامس فهو يوضح أبرز ملامح الفوضى والعنف التي نتجت عن تحول النظام الدولي من الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية وجاء الفصل الثالث تحت عنوان النظام الدولي الجديد واحتمالات توازن القوى وقد تم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث، يستعرض أولها توضيح الرؤى المختلفة للنظام الدولي الحالي، ويدرس ثانيها عوامل القوة والضعف للقوى المرشحة للقطبية الدولية في المستقبل المنظور وهي الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية واليابان والصين بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية على حين يتناول المبحث الثالث المستقبلات المحتملة للتوازن الدولي بالدراسة والتحليل