أيام الحزن والغضب في مصر
مرسل: السبت إبريل 28, 2012 11:25 pm
ما جرى في مصر أمس، الثاني من فبراير 2011م، كان مذهلا بكل المقاييس، وقد كان من المفترض ألا يسمح أي عاقل بحدوث ما حدث من اعتداء على جماهير المحتجين سلميا في التحرير، والبادي للعيان أنه يوجد من يدفع بالأحداث إلى ذروتها، وكأننا أمام مخطط مدروس، يجري تنفيذه بدقة، ويبدو أن النظام الحاكم في مصر وخصوصا وزارة الداخلية المصرية قد تورط في هذا المخطط بوعي أو دون وعي منه، فقد كان من الواجب أن يستمع قادة النظام إلى صوت العقل، وأن يقدموا عروضا تمتص نقمة الشعب وتخفف من إحساسه بالظلم، بدلا من الاندفاع في مواجهة جمهور المحتجين في الخامس والعشرين من يناير مما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى.
إن ما جرى ويجري في مصر يطرح مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بأطراف لها علاقة بالصراع الدائر في مصر، وفي مقدمة هذه الأطراف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول غرب أوروبا، ما الذي تريده هذه الولايات المتحدة وحلفاؤها، ولماذا تخلت عن الرئيس مبارك بهذه البساطة وبهذه السرعة؟ وما الذي تريده إسرائيل؟ وبقية دول الغرب؟ ما الذي يريده المحتجون في ميدان التحرير بعد أن أعلن الرئيس مبارك عن تخليه عن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة، وبعد أن أكد أن ابنه جمال لن يرشح نفسه أيضا، وأنه سيتم تعديل المادتين 76/77 من الدستور المصري؟ وهل يقبل الرئيس المصري بمبدأ حل مجلس الشعب المصري بسهولة؟ وهل تظل الجماهير المحتشدة على إصرارها على الرحيل الفوري للرئيس؟
الأسئلة السابقة تحتاج إلى إجابات محددة من جميع الأطراف المعنية بالأزمة في مصر، ومن حق أي مواطن أن يتخيل الإجابات التي يمكن أن يفكر فيها كل طرف من الأطراف، أمريكا وإسرائيل ودول غرب أوربا تريد تنفيذ مخطط قديم لشرق أوسط جديد، يسوده الاضطراب وتعمه الفوضى بحيث ينشغل بصراعاته عن ميدان الصراع الرئيسي مع إسرائيل، وبحيث تصبح إسرائيل عضوا طبيعيا في المنطقة، أمريكا تريد لمصر نظاما إسلاميا على النمط التركي في مصر، بحيث يظل هذا النظام على علاقة وطيدة بإسرائيل كما هو الحال مع تركيا، وكأن مصر وشعب مصر لا ينتمون إلى أمة عربية امتهنت كرامتها أكثر من مرة على يد إسرائيل والغرب، وقد بلغت القحة برئيس وزراء إسرائيل إلى حد استخدام كلمة يجب في حديثه عما يجري في مصر، حين قال: “يجب على أية حكومة قادمة في مصر أن تلتزم بالاتفاقيات الموقعة بين مصر وإسرائيل” وكأنه يصدر الأوامر أو التهديد المبطن لكل أبناء الشعب المصري المطالبين بحقوقهم المشروعة والتي اعترف رموز النظام القائم في مصر بمشروعيتها، ولعل سبب تخلي أمريكا عن الرئيس مبارك يعود إلى رفضه اقتراح نتنياهو بتسلم مصر المسئولية عن قطاع غزة بعد احتلال إسرائيل له من جديد، إضافة إلى سبب آخر لا يقل أهمية عن السابق، وهو عدم ممارسة مصر للضغوط على الرئيس محمود عباس للتوقف عن حملته السياسية التي بدأت تؤتي ثمارها في الميدان الدبلوماسي الدولي باعتراف عدد من الدول في أمريكا اللاتينية بدولة فلسطينية في حدود 67، فالسلطة تسعى بشكل حثيث إلى خوض المعركة السياسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم لمحاصرة إسرائيل عالميا، وكأن إسرائيل لا تكتفي بنزع سيادة مصر عن صحراء سيناء بعد اتفاقيات كامب ديفيد بين السادات وإسرائيل، وكأن مصر أيضا ملزمة بتصدير الغاز المصري بأرخص الأثمان إلى إسرائيل ليعاد تصديره إلى غزة بأسعار مرتفعة تصل إلى حوالي مائة جنيه أو أكثر قليلا لكل عبوة سعة 12 كيلو من الغاز.
أما المحتجون في ميدان التحرير فقد عرضوا مطلبا رئيسيا ينحصر في رحيل الرئيس مبارك عن السلطة، ومحاسبة المسئولين عن الفساد وإراقة الدماء في ميدان التحرير، وهنا من حق البعض أن يتساءل: هل هناك تصور واضح لدى المحتجين لمرحلة ما بعد مبارك؟ وما شكل هذه المرحلة؟ وهل دخول مصر إلى حالة من الفوضى في مصلحة الشعب المصري؟ وهل كان من الواجب قبول تنازلات الرئيس مبارك الأخيرة واعتبارها نقطة ارتكاز يمكن الانطلاق منها نحو تغيير هادئ ومتزن يحافظ على النسيج الاجتماعي للشعب المصري، أم أن الإصرار على رحيل الرئيس سيظل هو الهدف الرئيس لهذه الحركة الشعبية، إن القلب ليحزن لما تردى إليه الوضع في مصر أيا كان الطرف الذي يقف وراء هذا الصراع وهذه الفوضى، وأيا كانت الجهة التي دفعت الذين يدعون أنهم مؤيدون للرئيس المصري، في حين أنهم أساءوا بفعلتهم إلى الرئيس ووسعوا الهوة بينه وبين المحتجين، وزادت من إصرار المحتجين على مطالبهم، وإن استمر هؤلاء في مهاجمة المحتجين فإن المصادمات ستمتد لتشمل كل المحافظات في مصر وستتحول إلى حرب أهلية تذكرنا بما جرى في روسيا القيصرية إبان الحرب الأهلية على الرغم من هيمنة وإرهاب البوليس السياسي القيصري، وعندئذ ستصل الأحداث إلى نقطة اللاعودة، لقد نضجت الظروف في مصر للتغيير، وعلى الجميع إدراك ذلك قبل فوات الأوان، المصريون جميعا مطالبون بالتمسك بوحدة الوطن والشعب وحقن الدماء وعدم التمادى في هذا الصراع إلى المدى الذي يؤدي إلى خسارة مصر لدورها الريادي في المنطقة، لأن ضعف مصر ضعف للعرب جميعا، وما دام رموز النظام يعترفون بشرعية مطالب الشرائح الاجتماعية المسحوقة التي تعاني من البطالة واليأس من تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة بين سكان البلد الواحد، ما دام هناك اعتراف بشرعية هذه المطالب الشعبية، لماذا لا يتم تقديم ضمانات مؤكدة لحدوث تغيير حقيقي من أجل رفع الظلم والاستغلال عن كاهل المواطنين.
لقد أدى الخطاب الأخير للرئيس مبارك إلى حالة من الاسترخاء والرضا في الشارع المصري، ولكنها لم تصل إلى درجة القبول التام بالتنازلات المطروحة، هذا الرضا كان سيؤدي إلى فتح باب الحوار الجاد بين الحكومة والمحتجين، ولكن يبدو أن أطرافا ليس من مصلحتها أن يتحقق هذا الحوار أو أن يسود السلم الاجتماعي في مصر، مما دفعها إلى العمل على إشعال فتيل الصراع من جديد فقامت بمهاجمة المحتجين في ميدان التحرير، لإرباك الشارع المصري وإحراج النظام وقطع الطريق على أية بادرة تؤدي إلى التوصل إلى تحقيق مخرج من عنق زجاجة ميدان التحرير التي انحشر الجميع بداخلها.
إن قبول الرئيس مبارك بحل مجلس الشعب المنتخب حديثا إنما يعني الاعتراف الضمني بتزوير هذه الانتخابات، وسيقود ذلك بالتالي إلى المطالبة بمحاكمة المزورين، ولعل فتح الباب أمام قبول الطعون ليبت القضاء فيها يمكن أن يشكل مخرجا يحفظ ماء وجه الجميع، في حين يترك أمر حل المجلس للرئيس القادم والحكومة التي تمثل غالبية الشرائح الاجتماعية في مصر حتى يتحقق نوع من التوازن بين طبقات وشرائح المجتمع، يبقى مطلب تعديل الدستور قائما حتى يستند إلى موقف واضح من القضاء الذي يشهد الكثيرون بنزاهته ونزاهة معظم قضاة مصر، بحيث تنبري لجان قانونية تمثل جميع الأطراف ذات المصلحة في استقرار مصر ومنع انزلاقها إلى هاوية حرب أهلية يمتد لهيبها ليشمل جميع دول الجوار، وتستنزف طاقات الأمة العربية فيما لا طائل من ورائه.
ما جرى في الفترة الممتدة بين الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن، يعيد إلى الأذهان تلك الأيام العصيبة التي مرت بها مصر منذ هزيمة حزيران سنة 1967م، وما شعر به الشعب المصري والأمة العربية من مهانة، حين استقال جمال عبد الناصر وحين أعلن عن استعداده لتحمل مسئولية الهزيمة كاملة، وحين خرجت جماهير الشعب المصري يومي 9 و 10 يونيو لتعلن رفضها للهزيمة وتمسكها بالقائد الذي جرحته الهزيمة، والذي أعلنها مدوية: ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وانطلاقا من لاءات مؤتمر الخرطوم أوعز جمال عبد الناصر إلى الفريق أحمد إسماعيل وقادة الجيش بإعادة بناء الجيش المصري من جديد استعدادا لمعركة التحرير واسترداد ما أخذ بالقوة، ولكن الأجل لم يمهل القائد فخرجت الجماهير طوعا باكية الرئيس ومعبرة عن حزنها العميق لهذه الخسارة الفادحة، ألم يتساءل البعض لماذا ظل عبد الناصر في قلوب الملايين بعد رحيله منذ أكثر من أربعين عاما؟ ولماذا يرفع الشباب الذين لم يروا عبد الناصر، لماذا يرفعون صوره في مصر والسودان وغيرهما من بلاد العرب، أعتقد أنه كان رمزا وسيظل رمزا للقائد الذي احتضن الفقراء وتبنى الدفاع عن مصالح وفتح باب التعليم العالي أمام أبنائهم، ولم يعد التعليم الجامعي حكرا على أبناء الأغنياء، إن أبناء مصر وأبناء كل الأمة العربية بحاجة إلى تكافؤ الفرص والعدل الاجتماعي والمساواة في الحقوق والواجبات، والإحساس بأن القائد والزعيم يتفهم مشاعرهم ويتبناها كما تبناها جمال عبد الناصر، لقد عشت أيام الكرامة والشعور بالعزة العربية في زمن عبد الناصر، وأعتقد أنه من حق هؤلاء الشباب أن يجدوا في القائد أبا يحتضن طموحاتهم وآمالهم.
أيام حزن مرت تلتها أيام غضب عندما ارتفع سعر الخبز في مصر، مما دفع الجماهير إلى الخروج يومي 17/18 يناير فيما عرف بانتفاضة الخبز التي وصفها السادات بانتفاضة الحرامية، إلى انتفاضة الخامس والعشرين من يناير والتي كانت عفوية لم يفجرها أي حزب من الأحزاب ولا يستطيع أحد ادعاء ذلك، وما زالت بعض الأحزاب تقتدي بإبليس الذي ينظر بإحدى عينيه إلى الجنة، وبالعين الأخرى إلى النار، ويتردد في حسم موقفه انتظارا لما سيسفر عنه هذا الصراع، شهر يناير هو شهر الهبات الجماهيرية في مصر، والمفروض أن تتم تلبية مطالب الجماهير حتى لا يفاجئنا يناير جديد بهبة جديدة.
إننا في فلسطين أكثر الناس تأثرا بما يجري في مصر؛ فقوة مصر ومنعتها قوة لنا ولقضيتنا، وقوة للعرب جميعا، نحن بحاجة إلى مصر قوية أكثر من حاجة مصر لنا أو لغيرنا من العرب، على الجميع ألا يسمح لأمريكا أو لإسرائيل أو لغيرهما من دول الغرب والعالم بالتدخل في شئون مصر الداخلية، لأن جميع المتدخلين في شئون مصر لهم أجنداتهم الخاصة التي لا تتقاطع مع مصالح الشعب المصري ولا مع مصالح الشباب وطموحاتهم، يجب على الجميع أن يخطو كل طرف منهم خطوة إلى الأمام للالتقاء في منتصف الطريق وأن يفتحوا قلوبهم لبعضهم ليحتضنوا الوطن بين ضلوعهم، وأن يهتفوا معا :
اسلمي يما مصر إنني الفدا ذي يدي ‘ن مدت الدنيا يدا
وأن يتوجوا هتافهم بالهتاف الموحد:
لك يا مصر السلامة وسلاما يا بلادي
إن رمى الدهر سهامه أتقيها بفؤادي
واسلمي في كل حين
اسلمي يا مصر من كل شر، وليحفظك الله كنانة للعرب والمسلمين، ليحفظك الله تاريخا وشعبا وحضارة، شعب هو صاحب أقدم حضارة في التاريخ، ولن ينكسر أمام العواصف الهوجاء.
الدلائل: 2 فبراير, ثورة مصر, حسنى مبارك, محمد أيوب, مصر, ميدان التحرير
إن ما جرى ويجري في مصر يطرح مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بأطراف لها علاقة بالصراع الدائر في مصر، وفي مقدمة هذه الأطراف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول غرب أوروبا، ما الذي تريده هذه الولايات المتحدة وحلفاؤها، ولماذا تخلت عن الرئيس مبارك بهذه البساطة وبهذه السرعة؟ وما الذي تريده إسرائيل؟ وبقية دول الغرب؟ ما الذي يريده المحتجون في ميدان التحرير بعد أن أعلن الرئيس مبارك عن تخليه عن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة، وبعد أن أكد أن ابنه جمال لن يرشح نفسه أيضا، وأنه سيتم تعديل المادتين 76/77 من الدستور المصري؟ وهل يقبل الرئيس المصري بمبدأ حل مجلس الشعب المصري بسهولة؟ وهل تظل الجماهير المحتشدة على إصرارها على الرحيل الفوري للرئيس؟
الأسئلة السابقة تحتاج إلى إجابات محددة من جميع الأطراف المعنية بالأزمة في مصر، ومن حق أي مواطن أن يتخيل الإجابات التي يمكن أن يفكر فيها كل طرف من الأطراف، أمريكا وإسرائيل ودول غرب أوربا تريد تنفيذ مخطط قديم لشرق أوسط جديد، يسوده الاضطراب وتعمه الفوضى بحيث ينشغل بصراعاته عن ميدان الصراع الرئيسي مع إسرائيل، وبحيث تصبح إسرائيل عضوا طبيعيا في المنطقة، أمريكا تريد لمصر نظاما إسلاميا على النمط التركي في مصر، بحيث يظل هذا النظام على علاقة وطيدة بإسرائيل كما هو الحال مع تركيا، وكأن مصر وشعب مصر لا ينتمون إلى أمة عربية امتهنت كرامتها أكثر من مرة على يد إسرائيل والغرب، وقد بلغت القحة برئيس وزراء إسرائيل إلى حد استخدام كلمة يجب في حديثه عما يجري في مصر، حين قال: “يجب على أية حكومة قادمة في مصر أن تلتزم بالاتفاقيات الموقعة بين مصر وإسرائيل” وكأنه يصدر الأوامر أو التهديد المبطن لكل أبناء الشعب المصري المطالبين بحقوقهم المشروعة والتي اعترف رموز النظام القائم في مصر بمشروعيتها، ولعل سبب تخلي أمريكا عن الرئيس مبارك يعود إلى رفضه اقتراح نتنياهو بتسلم مصر المسئولية عن قطاع غزة بعد احتلال إسرائيل له من جديد، إضافة إلى سبب آخر لا يقل أهمية عن السابق، وهو عدم ممارسة مصر للضغوط على الرئيس محمود عباس للتوقف عن حملته السياسية التي بدأت تؤتي ثمارها في الميدان الدبلوماسي الدولي باعتراف عدد من الدول في أمريكا اللاتينية بدولة فلسطينية في حدود 67، فالسلطة تسعى بشكل حثيث إلى خوض المعركة السياسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم لمحاصرة إسرائيل عالميا، وكأن إسرائيل لا تكتفي بنزع سيادة مصر عن صحراء سيناء بعد اتفاقيات كامب ديفيد بين السادات وإسرائيل، وكأن مصر أيضا ملزمة بتصدير الغاز المصري بأرخص الأثمان إلى إسرائيل ليعاد تصديره إلى غزة بأسعار مرتفعة تصل إلى حوالي مائة جنيه أو أكثر قليلا لكل عبوة سعة 12 كيلو من الغاز.
أما المحتجون في ميدان التحرير فقد عرضوا مطلبا رئيسيا ينحصر في رحيل الرئيس مبارك عن السلطة، ومحاسبة المسئولين عن الفساد وإراقة الدماء في ميدان التحرير، وهنا من حق البعض أن يتساءل: هل هناك تصور واضح لدى المحتجين لمرحلة ما بعد مبارك؟ وما شكل هذه المرحلة؟ وهل دخول مصر إلى حالة من الفوضى في مصلحة الشعب المصري؟ وهل كان من الواجب قبول تنازلات الرئيس مبارك الأخيرة واعتبارها نقطة ارتكاز يمكن الانطلاق منها نحو تغيير هادئ ومتزن يحافظ على النسيج الاجتماعي للشعب المصري، أم أن الإصرار على رحيل الرئيس سيظل هو الهدف الرئيس لهذه الحركة الشعبية، إن القلب ليحزن لما تردى إليه الوضع في مصر أيا كان الطرف الذي يقف وراء هذا الصراع وهذه الفوضى، وأيا كانت الجهة التي دفعت الذين يدعون أنهم مؤيدون للرئيس المصري، في حين أنهم أساءوا بفعلتهم إلى الرئيس ووسعوا الهوة بينه وبين المحتجين، وزادت من إصرار المحتجين على مطالبهم، وإن استمر هؤلاء في مهاجمة المحتجين فإن المصادمات ستمتد لتشمل كل المحافظات في مصر وستتحول إلى حرب أهلية تذكرنا بما جرى في روسيا القيصرية إبان الحرب الأهلية على الرغم من هيمنة وإرهاب البوليس السياسي القيصري، وعندئذ ستصل الأحداث إلى نقطة اللاعودة، لقد نضجت الظروف في مصر للتغيير، وعلى الجميع إدراك ذلك قبل فوات الأوان، المصريون جميعا مطالبون بالتمسك بوحدة الوطن والشعب وحقن الدماء وعدم التمادى في هذا الصراع إلى المدى الذي يؤدي إلى خسارة مصر لدورها الريادي في المنطقة، لأن ضعف مصر ضعف للعرب جميعا، وما دام رموز النظام يعترفون بشرعية مطالب الشرائح الاجتماعية المسحوقة التي تعاني من البطالة واليأس من تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة بين سكان البلد الواحد، ما دام هناك اعتراف بشرعية هذه المطالب الشعبية، لماذا لا يتم تقديم ضمانات مؤكدة لحدوث تغيير حقيقي من أجل رفع الظلم والاستغلال عن كاهل المواطنين.
لقد أدى الخطاب الأخير للرئيس مبارك إلى حالة من الاسترخاء والرضا في الشارع المصري، ولكنها لم تصل إلى درجة القبول التام بالتنازلات المطروحة، هذا الرضا كان سيؤدي إلى فتح باب الحوار الجاد بين الحكومة والمحتجين، ولكن يبدو أن أطرافا ليس من مصلحتها أن يتحقق هذا الحوار أو أن يسود السلم الاجتماعي في مصر، مما دفعها إلى العمل على إشعال فتيل الصراع من جديد فقامت بمهاجمة المحتجين في ميدان التحرير، لإرباك الشارع المصري وإحراج النظام وقطع الطريق على أية بادرة تؤدي إلى التوصل إلى تحقيق مخرج من عنق زجاجة ميدان التحرير التي انحشر الجميع بداخلها.
إن قبول الرئيس مبارك بحل مجلس الشعب المنتخب حديثا إنما يعني الاعتراف الضمني بتزوير هذه الانتخابات، وسيقود ذلك بالتالي إلى المطالبة بمحاكمة المزورين، ولعل فتح الباب أمام قبول الطعون ليبت القضاء فيها يمكن أن يشكل مخرجا يحفظ ماء وجه الجميع، في حين يترك أمر حل المجلس للرئيس القادم والحكومة التي تمثل غالبية الشرائح الاجتماعية في مصر حتى يتحقق نوع من التوازن بين طبقات وشرائح المجتمع، يبقى مطلب تعديل الدستور قائما حتى يستند إلى موقف واضح من القضاء الذي يشهد الكثيرون بنزاهته ونزاهة معظم قضاة مصر، بحيث تنبري لجان قانونية تمثل جميع الأطراف ذات المصلحة في استقرار مصر ومنع انزلاقها إلى هاوية حرب أهلية يمتد لهيبها ليشمل جميع دول الجوار، وتستنزف طاقات الأمة العربية فيما لا طائل من ورائه.
ما جرى في الفترة الممتدة بين الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن، يعيد إلى الأذهان تلك الأيام العصيبة التي مرت بها مصر منذ هزيمة حزيران سنة 1967م، وما شعر به الشعب المصري والأمة العربية من مهانة، حين استقال جمال عبد الناصر وحين أعلن عن استعداده لتحمل مسئولية الهزيمة كاملة، وحين خرجت جماهير الشعب المصري يومي 9 و 10 يونيو لتعلن رفضها للهزيمة وتمسكها بالقائد الذي جرحته الهزيمة، والذي أعلنها مدوية: ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وانطلاقا من لاءات مؤتمر الخرطوم أوعز جمال عبد الناصر إلى الفريق أحمد إسماعيل وقادة الجيش بإعادة بناء الجيش المصري من جديد استعدادا لمعركة التحرير واسترداد ما أخذ بالقوة، ولكن الأجل لم يمهل القائد فخرجت الجماهير طوعا باكية الرئيس ومعبرة عن حزنها العميق لهذه الخسارة الفادحة، ألم يتساءل البعض لماذا ظل عبد الناصر في قلوب الملايين بعد رحيله منذ أكثر من أربعين عاما؟ ولماذا يرفع الشباب الذين لم يروا عبد الناصر، لماذا يرفعون صوره في مصر والسودان وغيرهما من بلاد العرب، أعتقد أنه كان رمزا وسيظل رمزا للقائد الذي احتضن الفقراء وتبنى الدفاع عن مصالح وفتح باب التعليم العالي أمام أبنائهم، ولم يعد التعليم الجامعي حكرا على أبناء الأغنياء، إن أبناء مصر وأبناء كل الأمة العربية بحاجة إلى تكافؤ الفرص والعدل الاجتماعي والمساواة في الحقوق والواجبات، والإحساس بأن القائد والزعيم يتفهم مشاعرهم ويتبناها كما تبناها جمال عبد الناصر، لقد عشت أيام الكرامة والشعور بالعزة العربية في زمن عبد الناصر، وأعتقد أنه من حق هؤلاء الشباب أن يجدوا في القائد أبا يحتضن طموحاتهم وآمالهم.
أيام حزن مرت تلتها أيام غضب عندما ارتفع سعر الخبز في مصر، مما دفع الجماهير إلى الخروج يومي 17/18 يناير فيما عرف بانتفاضة الخبز التي وصفها السادات بانتفاضة الحرامية، إلى انتفاضة الخامس والعشرين من يناير والتي كانت عفوية لم يفجرها أي حزب من الأحزاب ولا يستطيع أحد ادعاء ذلك، وما زالت بعض الأحزاب تقتدي بإبليس الذي ينظر بإحدى عينيه إلى الجنة، وبالعين الأخرى إلى النار، ويتردد في حسم موقفه انتظارا لما سيسفر عنه هذا الصراع، شهر يناير هو شهر الهبات الجماهيرية في مصر، والمفروض أن تتم تلبية مطالب الجماهير حتى لا يفاجئنا يناير جديد بهبة جديدة.
إننا في فلسطين أكثر الناس تأثرا بما يجري في مصر؛ فقوة مصر ومنعتها قوة لنا ولقضيتنا، وقوة للعرب جميعا، نحن بحاجة إلى مصر قوية أكثر من حاجة مصر لنا أو لغيرنا من العرب، على الجميع ألا يسمح لأمريكا أو لإسرائيل أو لغيرهما من دول الغرب والعالم بالتدخل في شئون مصر الداخلية، لأن جميع المتدخلين في شئون مصر لهم أجنداتهم الخاصة التي لا تتقاطع مع مصالح الشعب المصري ولا مع مصالح الشباب وطموحاتهم، يجب على الجميع أن يخطو كل طرف منهم خطوة إلى الأمام للالتقاء في منتصف الطريق وأن يفتحوا قلوبهم لبعضهم ليحتضنوا الوطن بين ضلوعهم، وأن يهتفوا معا :
اسلمي يما مصر إنني الفدا ذي يدي ‘ن مدت الدنيا يدا
وأن يتوجوا هتافهم بالهتاف الموحد:
لك يا مصر السلامة وسلاما يا بلادي
إن رمى الدهر سهامه أتقيها بفؤادي
واسلمي في كل حين
اسلمي يا مصر من كل شر، وليحفظك الله كنانة للعرب والمسلمين، ليحفظك الله تاريخا وشعبا وحضارة، شعب هو صاحب أقدم حضارة في التاريخ، ولن ينكسر أمام العواصف الهوجاء.
الدلائل: 2 فبراير, ثورة مصر, حسنى مبارك, محمد أيوب, مصر, ميدان التحرير