منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By عبدالعزيز العسكر 5
#49410
مجلس الشيوخ الفرنسي
         يعود تاريخ مجلس الشيوخ في فرنسا إلى فترة حكم القناصل "Le Consulat" (انظر ملحق حكومة القناصل)،  التي شهدتها البلاد في أعقاب الثورة، والتي وضعت دستور سنة 1800م أو ما يعرف بدستور السنة الثامنة Constitution de l'an VIII، حسب التقويم الجمهوري الذي اعتُمد بعد الثورة. وقد نص ذلك الدستور على إنشاء مجلس للشيوخ يضم ستين عضواً يُعينون مدى الحياة، ولا يمكن عزلهم. وازداد هذا العدد بشكل منتظم خلال العهد الإمبراطوري، وأسهم المجلس في دعم سلطات نابليون الأول (1769-1821م) Napoléon I ، الذي منح جميع أعضائه لقب "نبلاء". وبصفتهم يسهرون على حماية الدستور، فإن لدى أعضاء مجلس الشيوخ صلاحية تغييره بموافقة من الحكومة، بموجب ما يعرف بالقرار المشيخي Sénatus-Consulte.
         واختفى مجلس الشيوخ من الحياة السياسية في فرنسا سنة 1814م (بعد سقوط الإمبراطورية الأولى)، ليظهر من جديد بموجب دستور سنة 1852م، ويلعب دوراً مماثلاً لدوره السابق حين قامت الإمبراطورية الثانية (1852 ـ 1870م) بزعامة لويس نابليون بونابرت Louis Napoléon Bonaparte، المعروف بنابليون الثالث (1808-1873م) Napoléon III ، والذي وضع حداً للجمهورية الثانية في فرنسا بانقلاب الثاني من ديسمبر 1852م.
         وفي عام 1875م، تم إنشاء مجلس للشيوخ يضم 75 عضواً، يعينون بشكل دائم، ولا يمكن عزلهم (وقد تم إلغاء هذه الفئة من أعضاء المجلس سنة 1884م)، بالإضافة إلى 225 عضواً آخرين يتم انتخابهم؛ ويتجدد ثلث هذا العدد كل ثلاث سنوات من خلال هيئة من الناخبين تتألف أساساً من نواب عن البلديات. وخلال فترة الجمهورية الثالثة (4 سبتمبر 1875 ـ 10 يوليه 1940م)، كان مجلس الشيوخ تماماً بمثابة مجلس ثان للبرلمان الفرنسي، يمكن له أن يتحول بسهولة فيضطلع بمهام محكمة العدل العليا. وكان رئيس المجلس حينئذ هو الرجل الثاني في الجمهورية. وبقيام الجمهورية الرابعة (3 يونيه 1944 ـ 4 أكتوبر 1958م)، تم تعويض مجلس الشيوخ بمجلس للجمهورية "Conseil de la République" ، قبل أن يُعاد إلى الوجود مرة أخرى بعد تجديد الدستور الفرنسي عام 1958م، وقيام الجمهورية الخامسة.
         ومنذ ذلك التاريخ، يعقد مجلس الشيوخ الفرنسي جلساته في قصر لوكسمبورغ "Palais du Luxembourg" المقام في باريس منذ عام 1620م)، ويضم 321 عضواً يتم انتخابهم لفترة مدتها تسع سنوات بالاقتراع العام من قبل هيئة من الناخبين تتألف من النواب، والمستشارين المحليين، والمستشارين العامين، وممثلين عن المجالس البلدية في كل محافظة من المحافظات الفرنسية. ويتم تجديد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وانتخاب رئيس جديد للمجلس كل ثلاث سنوات.
         ولمجلس الشيوخ الفرنسي دور مشابه لدور الجمعية الوطنية، فكلاهما يعملان معاً، أو أحدهما تلو الآخر، على دراسة مشروعات القوانين. فأعضاء مجلس الشيوخ يعكفون على فحص تلك المشروعات بعد إعدادها من قبل النواب في الجمعية الوطنية، ويمكن لآرائهم بِشأنها أن تسفر عن تعديل في صياغة نصوص تلك القوانين. وإذا حدث خلاف بين المجلسين، فليس أمام مجلس الشيوخ عندها سوى القبول برأي النواب في الجمعية الوطنية.
         ومن هذا المنطلق، فإن عضو مجلس الشيوخ يضطلع في الأساس بدور المشرِّع. لكن صلاحياته في هذا المجال تنحصر في اقتراح تعديلات على مشروعات القوانين والمقترحات التي يتقدم بها النواب في الجمعية الوطنية. وفي حين تتمتع الجمعية الوطنية بصلاحيات أوسع في مجال التشريع، إلا أنه لا يمكن للحكومة أن تتجاهل أو تصرف النظر عن رأي مجلس الشيوخ في كل ما يخص مراجعة الدستور.
         وباستثناء حق التصويت على حجب الثقة عن الحكومة، فإن لأعضاء مجلس الشيوخ صلاحيات مماثلة لصلاحيات زملائهم من النواب في الجمعية الوطنية من حيث مراقبة عمل الحكومة. ويتم ذلك من خلال مساءلات يوجهونها كتابة إلى الوزراء، (ويتراوح عدد تلك المساءلات ما بين 5 و6 آلاف في السنة الواحدة)، أو من خلال مناقشات تجري بعد أي إعلان يخص مسألة من مسائل السياسة العامة، أو من خلال لجان تحقيق.
         وعلاوة على صلاحية التصويت على القوانين ومراقبة الحكومة، فإن مجلس الشيوخ الفرنسي مكلف، بموجب دستور عام 1958م، بتمثيل مختلف الجماعات المحلية المنتشرة داخل تراب الجمهورية، أي البلديات، والمحافظات، والمناطق، وكذلك أقاليم ما وراء البحار. كما أن الفرنسيين المقيمين خارج فرنسا ممثلون هم كذلك داخل مجلس الشيوخ.
         ومن شأن تركيبة المجلس هذه، وأسلوب عمله، والأسلوب الذي يتم به انتخاب أعضائه، والمدة الزمنية التي تستغرقها عضوية كل منهم، أن تضمن نوعاً من الاستقرار السياسي في البلاد، خصوصاً وأن مجلس الشيوخ لا يمكن حله. ولطبيعة الاستمرارية هذه بالذات التي يتمتع بها المجلس، فإن الدستور الفرنسي يمنح رئيس مجلس الشيوخ صلاحية الاضطلاع مؤقتاً بمهام رئيس الجمهورية إذا حدث شغور لأي سبب من الأسباب في منصب الرئاسة. وقد حدث ذلك في مناسبتين في تاريخ فرنسا الحديث: في سنة 1969م، بعد استقالة الجنرال شارل ديجول Charles de Gaulle من منصبه؛ وفي سنة 1974م، حين تـوفي الـرئيس جـورج بومبيـدو (1911-1974م) Georges Pompidou  (انظر ملحق جورج بومبيدو). وعلى ذلك النحو، يشكل مجلس الشيوخ عامل استقرار مؤسساتي في فرنسا، إذ هو الذي يضمن استمرار عمل السلطات العامة في البلاد، مما سينعكس إيجابياً بالضرورة على عمل الدولة بأسرها.