تعرف على دولة جيبوتي
مرسل: الأحد إبريل 29, 2012 3:07 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
جيبوتي دولة عربية، تقع في الركن الشرقي من قارة إفريقيا وعاصمتها جيبوتي وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. وتبلغ مساحتها حوالي 23,200كم². ويقدر عدد سكانها بحوالي 603,600 نسمة، وعملتها الرسمية الفرنك الجيبوتي. وقد استقلت عن فرنسا عام 1977م، وانضمت إلى الأمم المتحدة في نفس العام. وكانت تسمى فيما مضى الصومال الفرنسي وذلك قبل الاستقلال. ويدين غالبية السكان بالإسلام ما عدا فئة قليلة من النصارى والوثنيين.
وتقع جيبوتي في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، وتقابل عدن، ويحدها من الشمال إرتريا ومن الغرب إثيوبيا ومن الشرق البحر الأحمر. وتمتاز بموقعها الاستراتيجي المهم المطل على المدخل الضيق للبحر الأحمر عند مضيق باب المندب الذي تقع عليه عدة جزر صغيرة. ولذا فإنها تتحكم في مدخل البحر الأحمر الجنوبي، وقد كانت ولا زالت المنفذ الرئيسي لتجارة إثيوبيا الخارجية، وذلك لقربها من مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني في جنوب إثيوبيا، فضلاً عن اتصالها المباشر بأديس أبابا عن طريق الخط الحديدي الوحيد الذي يصلها بالساحل، ويبلغ طوله 746كم تقريبًا، وتملكه شركة فرنسية منذ عام 1917م.
نشاط العرب التجاري في جيبوتي
من المعروف أن عرب الجزيرة العربية وخاصة عرب اليمن وحضرموت وعمان، كانوا أول من عرف ساحل شرق إفريقيا قبل غيرهم من الأمم الأخرى كالإغريق والرومان. واستطاعوا أن يعبروا مضيق باب المندب، وأن يكتشفوا البلاد الواقعة إلى الجنوب من هذا المضيق، من بلاد الدناقل شمالاً إلى موزمبيق وجزيرة مدغشقر جنوباً.
وقد كان التبادل التجاري وسيلة الاتصال بين عرب شبه الجزيرة العربية وبين شرقي إفريقيا، وساعدهم على ذلك الرياح الموسمية، وموقع بلاد العرب الجغرافي على طريق التجارة بين الشرق والغرب، وكذلك خبرة العرب الملاحية وإحاطتهم بأسرار الملاحة ومعرفتهم بعلم الفلك. وأقام العرب محطات لتموين مراكبهم وتخزين بضائعهم التي كانت تأتي من داخل القارة، مما ساعد على قيام مراكز عمرانية.
الإسلام في جيبوتي
بعد أن توطدت دعائم الإسلام في الجزيرة العربية، انطلق الدعاة والوعاظ والتجار يحملون دينهم لينشروه في أنحاء الأرض، فخرجوا من الجزيرة العربية مندفعين بحماسة الدعوة، وكان من نتيجة الاضطرابات السياسية التي شهدتها الدولة الأموية أن حدثت هجرات من شبه جزيرة العرب إلى الساحل الإفريقي، ومنه تسللت إلى داخل القارة، حيث اختلطت بالسكان الأصليين من الإفريقيين. ثم وفدت خلال القرن العاشر الميلادي هجرات عربية أخرى إلى ساحل إفريقيا الشرقي، وأسس العرب المهاجرون هناك أول مدن أو مراكز تجارية معروفة في التاريخ، وكانت مقديشو أول مدينة أُسست على ساحل الصومال، ثم تلتها مدن أخرى أهمها ممبسا وملندي ولامو.
أثر ظهور الإسلام في شرق إفريقيا في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأحدث تغيرات واسعة في المجتمع. فمن الناحية السياسية حملت الهجرات العربية معها الإسلام كدين ونظام. كما حملت معها بذور الاختلافات المذهبية والدينية التي شهدها العالم الإسلامي. ومن الناحية الاقتصادية، فقد نجح العرب المسلمون في إخراج شرقي إفريقيا من عزلتها، وربطوها بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصى وبلاد البحر الأبيض المتوسط، بعد أن كان سكان شرقي إفريقيا لا يعرفون إلا الرعي والصيد وبعض الزراعات البسيطة. ومن الناحية الاجتماعية، فإن الإسلام يدعو للمساواة ولا يفرق بين أبيض وأسْود، فالمسلم كان يختلط بالأسْود ويصاهره بعكس الأبيض الذي كان يتعالى عليه وأدى ذلك إلى تغيير علاقات الزواج في شرقي إفريقيا وتكوين الشعب السواحيلي.
الغزو البرتغالي
تعرضت المدن والإمارات الإسلامية لغزو برتغالي صليبي يهدف إلى تقويض أركان السلطنات الإسلامية، والقضاء على اقتصاديات العالم الإسلامي، وذلك لأن هذه السلطنات كانت تفتقر إلى السلاح، لأنها لم تقم على الفتح بل قامت على التجارة.
وصل النفوذ البرتغالي إلى سواحل شرقي إفريقيا في أوائل القرن السادس عشر الميلادي ووطدوا نفوذهم به، فأرسلوا لهذا الغرض حملات متوالية حتى تمكنوا من السيطرة على جميع المدن العربية بالساحل الشرقي لإفريقيا.
إلا أن سلطة البرتغاليين لم تتوطد بسهولة في هذه المناطق، فقد قام العرب المسلمون بثورات وانتفاضات ضد الحكم البرتغالي، ومن أهمها ثورات ممبسا وزنجبار وبمبا عام 1528م وما بعدها.
وفي ذلك الوقت، كان العثمانيون قد استولوا على بلاد المشرق العربي، واتخذوا من عدن قاعدة لمهاجمة المحطات والمراكز التجارية البرتغالية في المحيط الهندي والخليج العربي. ومع أن العثمانيين نجحوا بعض الشيء في تخفيض الضغط البرتغالي على التجار العرب والإمارات العربية الساحلية، وحطموا كل المحاولات الرامية إلى تكوين جبهة معادية للقوى الإسلامية في البحر الأحمر وشرق إفريقيا، إلا أن جهود الأتراك لم تؤد إلى نتائج حاسمة؛ فقد فشل العثمانيون في توحيد القوى الإسلامية ضد البرتغاليين.
وفي عام 1586م، قامت الدولة العثمانية بتقديم يد العون والمساعدة عن طريق أحد أمراء البحر العثمانيين علي ميرال الذي وصل إلى مقديشو، وشجع الأهالي في الساحل الشرقي على الجهاد ضد البرتغاليين، واستطاع القائد العثماني بمساعدة الأهالي الاستيلاء على السفن البرتغالية بعد أن اعترفوا بالسلطة العثمانية، غير أن البرتغاليين قضوا عليه واستعادوا نفوذهم في تلك المناطق وتحالفوا مع الحبشة ضد المسلمين.
دور اليعاربة العُمانيين في طرد النفوذ البرتغالي. كان البرتغاليون قد وجهوا جهودهم لتحويل إثيوبيا النصرانية الأرثوذكسية إلى المذهب الكاثوليكي، معتمدين على ما لهم من نفوذ وسيطرة على التجارة بين الهند والحبشة، لكن، وحين واجهت الحبشة الفتح الإسلامي، وقفت البرتغال تسندها في وجه القوة الإسلامية التي كان على رأسها البطل الصومالي محمد جراني الذي زحف صوب الحبشة، تؤيده قوة الأتراك العثمانيين وعرب شبه الجزيرة العربية، وأمدت البرتغال الحبشة بقوة على رأسها أحد أبناء فاسكو دا جاما، وقد مُنيت القوات البرتغالية بخسائر فادحة وقتل قائدها، لكن لم تستطع القوات الإسلامية أن تحقق نصراً حاسماً على الحبشة.
ولم تهدأ ثورات العرب المسلمين والأفارقة، واستمرت في جميع أنحاء الشاطئ الشرقي، واتصل الثوار العرب في هذه المناطق بإخوانهم في أنحاء الجزيرة العربية، كما كانت هذه الثورات تجد دائماً تأييداً من العثمانيين.
كان البرتغاليون قد تعرضوا لمقاومة شديدة من جانب الأهالي في شرقي إفريقيا بمساعدة دولة اليعاربة (1624 - 1741م) في عُمان. فقد أرسل الإمام سيف بن سلطان عام 1698م أسطولاً بحرياً إلى ساحل إفريقيا الشرقي، استطاع أن يُزيل النفوذ البرتغالي من الساحل الشرقي، وحلت عُمان محل النفوذ البرتغالي ولم يبق للبرتغاليين إلا مستعمرة موزمبيق.
وكانت سياسة البرتغاليين تقوم على استغلال المستعمرات ونهب خيراتها، ومقاومة أي حركة تمرد تهدد النفوذ البرتغالي. ومع ذلك فقد نجح العرب العمانيون في طردهم وإبعادهم. ورحب بهم الأهالي كمخلِّصين لهم من قسوة الاحتلال البرتغالي وظلمه.
وبدأت الروح الاستقلالية تظهر في الساحل الشرقي لإفريقيا بعد سقوط دولة اليعاربة وحلول دولة البوسعيد محلها عام 1741م، حيث استأثر المزروعيون بحكم ممبسا وتوابعها. وبعد صراع طويل بين ممبسا وعُمان، استطاع البوسعيد في عمان السيطرة على ممبسا، وسيطر العمانيون على كل ساحل إفريقيا الشرقي، وتكونت السلطنة العمانية بقسميها الآسيوي والإفريقي، وازدهرت في عهد السيد سعيد بن سلطان، ولكنها بعد وفاته قسِّمت إلى قسمين بين ولديه، ثم خضعت هاتان الدولتان (مسقط وزنجبار) للحماية البريطانية.
الحكم المصري
في عام 1875م، جاءت حملة مصرية إلى ساحل الصومال الجنوبي، ولكنها فشلت بسبب معارضة بريطانيا لها، وقامت بريطانيا بتشديد قبضتها على شرق إفريقيا وتنفيذ مخططاتها وأغراضها فيها، بعد التنافس الدولي على تلك المنطقة بعد فتح قناة السويس للملاحة البحرية عام 1869م.
وكانت الإدارة المصرية قد مدت سيطرتها على ساحل البحر الأحمر الغربي وبعض أجزاء من بلاد الصومال. كما كان الشاطئ الجنوبي لخليج عدن تابعاً لمصر حتى عام 1884م، عندما أرغمت بريطانيا مصر على الجلاء عن جميع الموانئ المطلة على البحر الأحمر. وسرعان ما أطلت حركة التسابق الاستعماري الأوروبي على منطقة شرقي إفريقيا، وهي الحركة التي ترتب عليها تفتيت وحدة الصومال واقتسامه بين كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ثم حصول كل من إثيوبيا وكينيا على أراض منه.
التنافس الأوروبي على شرقي إفريقيا
أدى افتتاح قناة السويس عام 1869م إلى تسابق الدول الأوروبية للسيطرة على شرقي إفريقيا، فقد تشابكت مصالح كل من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا في هذه المنطقة من أجل السيطرة على الطريق التجاري المؤدي إلى الهند. وأخيرًا تم تقسيم منطقة الصومال بين كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، فهناك الصومال الفرنسي والصومال البريطاني والصومال الإيطالي.
أما الصومال الفرنسي (جيبوتي الحالية) فمساحته حوالي 22,000كم²، وعاصمته جيبوتي، ويتكون من أربعة أقسام رئيسية هي الدناقل وتاجورا ودبيش وجرياد، وعرف أيضاً باسم الصومال الشمالي، في حين عرف الصومال البريطاني بالصومال الأوسط، والصومال الإيطالي بالصومال الشرقي.
السيطرة الفرنسية
كانت فرنسا في الحقيقة أول دولة تبدي اهتماماً كبيراً بالساحل الإفريقي المطل على خليج عدن، وذلك منذ الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، كنتيجة لاستيلاء بريطانيا على عدن 1839م. وفي عام 1862م، عقدت فرنسا مع سلطان، رهيطة ويدعى ديني أحمد أبوبكر، معاهدة اتفق فيها على أن يتنازل شيوخ الدناقل للإمبراطور نابليون الثالث مقابل عشرة آلاف ريال عن ميناء أوبوك وخليجه.
ولقد أخذت فرنسا منذ هذا الوقت تعقد معاهدات مع الشيوخ المحليين أو السلاطين لتوسيع ممتلكاتها على الساحل الإفريقي المطل على خليج عدن. وحرصت فرنسا على أن يثبت في هذه المعاهدات أن هؤلاء السلاطين رؤساء مستقلون يتمتعون بسيادة تامة على بلادهم. كما صارت البوارج الفرنسية تظهر منذ ذلك الحين بكثرة في مياه خليج عدن.
ويرجع اهتمام الفرنسيين بهذا الساحل الشرقي لقارة إفريقيا إلى الاهتمام بالطريق الملاحي المؤدي إلى الهند. وإذا كان البرتغاليون قد اهتموا ـ قبل ذلك ـ بطريق رأس الرجاء الصالح، فإن الاهتمام منذ القرن الثامن عشر قد اتجه لإحياء طريق البحر الأحمر.
اشتد الصراع بين فرنسا وإنجلترا فترة من الزمن في سبيل السيطرة على هذا الطريق كوسيلة لكل من الدولتين لتهديد مصالح الأخرى.
وكانت الحملة الفرنسية على مصر في عام 1798م بمثابة ناقوس الخطر لإنجلترا، فقد عملت إنجلترا منذ ذلك الوقت على حماية نفوذها وطرق مواصلاتها في المنطقة. لم تتمكن فرنسا بعد فشل حملتها على مصر، واضطرارها إلى الجلاء عنها، وبروز مشكلاتها الداخلية والخارجية، عن تنفيذ أغراضها الاستعمارية في إفريقيا، ولكنها ما أن هدأت أوضاعها حتى عادت لتباشر أعمالها الاستعمارية التوسعية من جديد.
فاتجهت أنظار فرنسا إلى المناطق الساحلية على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر وعلى ساحل المحيط الهندي العربي. لكن فرنسا كانت تدرك الصعوبات المحتملة أمامها، وخاصة موقف إنجلترا ومعارضتها لأي نفوذ فرنسي، خاصة بعد أن احتلت عدن ومسقط. فبذلت فرنسا محاولات مع سلطان عمان السيد سعيد لإحياء العلاقات القديمة، ونجحت في عقدها معاهدة تجارية معه عام 1842م، وهي معاهدة مماثلة لتلك التي عقدها السلطان مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1833م، ومع إنجلترا في عام 1839م. وحاولت فرنسا بسط نفوذها في زنجبار، إلا أن أطماع ألمانيا قد حالت دون تحقيق الأطماع الفرنسية. لكن نشاط الفرنسيين في شرقي إفريقيا قد ظهرت نتائجه.
وفي عام 1884م بدأ استعمار فرنسا للصومال عن طريق إبرام معاهدات في عام 1884م مع سلطان تاجورا وجوبا وعيسا، ونشأ من هذه المعاهدات قاعدة لها في طريق مواصلاتها إلى مستعمراتها في الهند الصينية، لذلك كانت فرنسا تخشى من محاولة بريطانيا توحيد الشعوب الصومالية.
بدأ النشاط الفرنسي في ميناء أوبوك منذ عام 1862م، ثم ما لبثت فرنسا أن وسعت نفوذها واستولت على ميناء جيبوتي سنة 1884م، وهو يقع على الجانب الآخر من خليج تاجورا، ويمتاز بأنه أكثر منعة من ميناء أوبوك. وكان عدد سكان جيبوتي وقت احتلالها يبلغ حوالي واحد وثلاثين ألف نسمة. وكانت تعتبر القاعدة الأساسية التي يفضلها الفرنسيون. تكونت هذه المستعمرة الفرنسية ومنها انتشر النفوذ الفرنسي في الأجزاء المجاورة، وقد صارت مقراً للإدارة الفرنسية منذ عام 1892م.
سياسة فرنسا الاستعمارية. احتلت فرنسا هذا الإقليم عن طريق إبرام اتفاقيات مع السلاطين وزعماء القبائل، في مقابل بعض الهدايا البسيطة من الأقمشة والخرز والقلائد، بحيث كان السلطان يوقع على وثيقة تسجل الصداقة بينه وبين الدولة الفرنسية، وكان السلطان يوقعها دون علم بمحتوياتها المكتوبة باللغة الفرنسية وبموجبه تحصل الشركات الفرنسية على حقوق كاملة واضحة للسيادة في مقابل تعهدات غامضة من الشركة بالحماية.
وقامت فرنسا بحكم الصومال حكماً مباشراً بخلاف إنجلترا، وقضت على جميع الزعامات القبلية والمحلية في البلاد الإفريقية، وأخضعتها تحت حكمها المباشر، ومع ذلك، فعندما اضطرت فرنسا لتغيير سياستها الاستعمارية ومحاولة إشراك بعض العناصر الإفريقية في الحكم، فإن الأمر كان لا يخرج عن كونه تنفيذ سياسة الحكم المباشر التي تحتوي على بعض المبادئ البراقة التي أعلنتها الثورة الفرنسية وهي الحرية والمساواة والإخاء.
استند الفرنسيون في نظريتهم هذه إلى أن جميع سكان المستعمرات يجب أن يكونوا مواطنين فرنسيين، وعلى هذا الأساس قامت نظرية الاستيعاب والاندماج. والمقصود بعملية الاستيعاب صبغ المستعمرات الفرنسية بالصبغة الفرنسية عن طريق فرض ثقافة الفرنسيين ولغتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية على الأفارقة.
استغل الفرنسيون سياسة إلغاء الرق بتوسيع نفوذهم الاستعماري في القارة الإفريقية. وسيطروا على مساحة قدرها 13 مليون كم²، تضم حوالي 120 مليون نسمة، علماً بأن مساحة فرنسا لا تزيد عن نصف مليون كم²، ولا يتجاوز عدد سكانها 41 مليون نسمة.
عمد الفرنسيون إلى تطبيق سياسة الاستعمار الثقافي. وترتب على هذه السياسة ظهور تفرقة من نوع آخر غير التفرقة العنصرية. فقد ميز الفرنسيون بين الإفريقيين الذين قبلوا الخضوع لقانون الأحوال الشخصية الفرنسي والقانون المدني والجنائي، وبين الذين رفضوا الخضوع لهذه القوانين، وقد سُمح للحكام الفرنسيين بمعاقبتهم وسجنهم وتعذيبهم.
وعمدت فرنسا للسيطرة على ثروات مستعمراتها التي كانت مصدراً للمواد الأولية اللازمة للصناعة، كما كانت مصدرًا لسد حاجتها للأيدي العاملة الرخيصة، ولتكون هذه المستعمرات سوقاً لتصريف المنتجات الصناعية وتوظيف رؤوس الأموال الوطنية الفرنسية الفائضة عن الحاجة. وقد ترتب على فقدان فرنسا لمستعمراتها في أوروبا وآسيا وأمريكا، أن أصبح العبء الأكبر ملقى على كاهل المستعمرات الإفريقية، إذ كان على هذه المستعمرات أن تعوض فرنسا عما كانت تجنيه في الميادين التي فقدتها.
ولم تعر فرنسا أي اهتمام لمصالح شعوب مستعمراتها، حيث غيبت، تمامًا الخدمات التعليمية والصحية في المناطق التي احتلتها. وقد اقتصر الدور الفرنسي في تلك المستعمرات على المشروعات العسكرية والزراعية، ونهب خيرات البلاد، فقد كانت نسبة التعليم قليلة جداً في الصومال وجميع المستعمرات، فنسبة المتعلمين لم تزد على 18%، ومعظمهم من الفرنسيين أو الموالين لهم. وكذلك الحال بالنسبة للخدمات الصحية؛ فلا توجد مستشفيات كافية، ولا يوجد إلا طبيب لكل عشرين ألف شخص. هذا بالإضافة إلى اتباع فرنسا سياسة الاستيلاء على الأراضي الزراعية الجيدة والخصبة، ليقوم بزراعتها المستوطنون الجدد أو الشركات الفرنسية، وطرد المزارعين الوطنيين من أراضيهم. ونتيجة لهذه الأوضاع المتردية في البلاد قامت ثورات وانتفاضات ضد الحكم الفرنسي.
المقاومة الوطنية والدعوة إلى الاستقلال. عانى الشعب الجيبوتي من السياسة الفرنسية البشعة فتصدى لمقاومتها.
واجهت السلطات الفرنسية الحركات التحررية التي كانت تقوم بين الحين والآخر بالعنف والقمع، مما اضطر الشعب إلى مقاطعة الاستفتاء الذي أُجريَ بقصد إدخال جيبوتي في الاتحاد الفرنسي، غير أن فرنسا نفذت مآربها بالقوة وبالتزوير.
ومن الجدير بالذكر أن الروح الوطنية قد ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، في صورة مطالبة ببعض الحقوق السياسية.
وقد تطورت الحياة السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تطوراً تدريجياً، فظهرت عدة أحزاب مثل: الاتحاد الجمهوري الصومالي، والاتحاد الديمقراطي للعَفَر، ورابطة العيسا الديمقراطية، واتحاد العيسا الديمقراطي. وكانت فرنسا قد سمحت بإنشاء هذه الأحزاب نتيجة الأحداث والتطورات الدولية.
ومما يجدر ذكره أن الكفاح الشعبي قد بدأ يتخذ شكلاً منظماً في عام 1945م، حينما انتخب السيد محمود حربي رئيساً لفرع حزب وحدة الشباب الصومالي في جيبوتي. وفي عام 1947م، أنشأ أول نقابة للعمال وانتخب رئيساً لها، وكانت هذه النقابة تضم جميع الأيدي العاملة إلى جانب العناصر المستنيرة، وقد أصبحت هذه النقابة قوة سياسية لها اعتبارها، وأخذت تنمو وتتسع حتى تألف منها حزب الاتحاد الجمهوري الذي نادى باتحاد جميع أجزاء الصومال في جمهورية واحدة. وتمثل نشاط هذا الحزب في نشر الوعي القومي بين صفوف الشعب، حتى أصبحت قضية الاستقلال والوحدة هدفًا لكل مواطن صومالي.
أدى نمو الوعي القومي في البلاد إلى إجبار الفرنسيين على السماح بقيام مجلس تشريعي عام 1950م، نصف أعضائه من الصوماليين والنصف الآخر من المستوطنين الأجانب. وقد أسفرت نتيجة الانتخابات عن فوز جميع مرشحي حزب الاتحاد الجمهوري. وبالرغم من أن هدف الفرنسيين كان تهدئة الخواطر فقط، إلا أن هذا المجلس تمكن من أن يكون قاعدة لانطلاق القوى التحررية في البلاد. وفي عام 1956م أُجري استفتاء شعبي لاختيار ممثل الصومال في الجمعية الفرنسية، ففاز السيد محمود حربي. وفي نفس السنة جرت مقاومة صومالية وتدمير لبعض المنشآت الفرنسية التي كانت فرنسا تخزن فيها المواد التموينية والأسلحة وترسلها إلى إسرائيل. واحتجاجاً على عدوان إسرائيل على مصر عام 1956م وإزاء استمرار الكفاح والمطالبة بالاستقلال اضطر الفرنسيون إلى إصدار قانون يمنح جميع المستعمرات الفرنسية حق تأليف حكومات محلية. وعلى هذا الأساس حُل المجلس القديم، وأُجريت انتخابات جديدة دخل معركتها حزبا الاتحاد الجمهوري والحزب الوطني. وقد فاز فيها حزب الاتحاد الجمهوري بجميع المقاعد في المجلس التشريعي، وألف محمود حربي أول وزارة صومالية وكان جميع أعضائها من الصوماليين.
وعندما انتهت مدة عضوية نائب المستعمرة في مجلس الشيوخ الفرنسي، تقدم للانتخابات أحمد فتحي قوضي أحد أعضاء حزب الاتحاد الجمهوري، ففاز بعضوية مجلس الشيوخ الفرنسي. وأصبح حزب الاتحاد الجمهوري هو الذي يحكم جيبوتي بعد أن فاز بأغلبية في المجلس التشريعي، والوزارة المحلية أيضًا. وأصبح رئيس الحزب رئيسًا للوزراء وممثلاً للحزب في الجمعية الوطنية، وأحد أعضائه يمثل الصومال في مجلس الشيوخ الفرنسي.
الاستقلال والاستفتاء في عام 1958م، تولى الرئيس الفرنسي شارل ديجول السلطة في فرنسا، ووضع دستوره الجديد الذي أعلن فيه أن من حق أية مستعمرة فرنسية ترفض هذا الدستور أن تحصل على الاستقلال. وعندها قاد محمود حربي حملة دعاية واسعة النطاق ضد دستور ديجول، فانزعجت السلطات الفرنسية المحلية في الصومال وفي فرنسا ذاتها. وحاولت السلطات الفرنسية استمالته بشتى الوسائل لوقف حملته ضد دستور ديجول ولكنه رفض، لذلك عملت فرنسا على القضاء على حزب الاتحاد الجمهوري قبل الاستفتاء على دستور ديجول بوسائل عدة منها: منع الاجتماعات والمظاهرات الوطنية، كما قبضت السلطات الفرنسية على عدد كبير من المواطنين وزجَّت بهم في السجون.
ولما طُرح الاستفتاء، خُيِّرَ سكان الصومال الفرنسي بين استمرار تبعيتهم لفرنسا وبين الاستقلال. وقد أثار هذا الاستفتاء خلافاً كبيراً بين الصوماليين، ومع ذلك فقد جاءت نتيجة الاستفتاء ضد دستور ديجول بنسبة 75% بينما ادعت فرنسا أن نتيجة الاستفتاء لصالح المؤيدين لتبعية فرنسا. واتهمت العناصر الوطنية في الصومال الفرنسي السلطات الفرنسية بتزوير الاستفتاء، ليس فقط لاستمرار الاستعمار الفرنسي للمنطقة، ولكن أيضاً لإيهام الرأي العام الفرنسي والدولي بأن هناك انقساماً فعلياً خطيراً في الصومال الفرنسي، لا يشجع على قيام حكومة واحدة مستقلة.
ولما أبلغ الحاكم العام الفرنسي هذا النبأ إلى ديجول تلقى في نفس الليلة برقية بعزله وتعيين بديل له، وتمكن هذا البديل من إذاعة نتيجة مزيفة عن الاستفتاء متحدياً في هذا إجماع الشعب وإرادته، فاحتجت العناصر الوطنية على هذا الإجراء، وقامت مظاهرات صاخبة حدثت فيها اشتباكات بين الوطنيين من الصومال الفرنسي وبين رجال الجيش والشرطة الفرنسية أسفرت عن قتل وجرح مئات من المواطنين وجرح محمود حربي نفسه رغم كونه إذ ذاك رئيساً للوزارة المحلية. واحتجاجاً على هذا التصرف قدم محمود حربي استقالته من رئاسة الوزارة فقبلتها السلطات الفرنسية على الفور.
ترتب على هذه الاستقالة حل المجلس التشريعي، وصار الحاكم العام الفرنسي حاكماً عسكرياً يتمتع بجميع السلطات، وأُعدت القوة لتزييف انتخابات جديدة لتكوين مجلس تشريعي من العناصر الموالية للسلطات الفرنسية في البلاد. ولكن تمكن محمود حربي من دخول المجلس ومعه ثلاثة عشر عضواً من حزبه مؤلفين جبهة معارضة، ولو أنها تقل قليلاً عن نصف عدد أعضاء المجلس البالغ عدد أعضائه 32 عضواً، إلا أنها كانت توجه المجلس وجهة تحررية من أجل الحصول على الاستقلال.
الاستقلال التام وإعلان جمهورية جيبوتي. استمر شعب الصومال الفرنسي في كفاحه ونضاله من أجل الاستقلال، وأبدى تذمره خلال المظاهرات الصاخبة التي نادت باستقلال البلاد، والتي استقبلت الجنرال ديجول عند زيارته لمستعمرة جيبوتي عام 1966م. واستمر الشعب يناضل ويكافح في سبيل الاستقلال حتى حصل على استقلاله عام 1977م مكوناً دولة جيبوتي التي انضمت إلى الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة في نفس العام، ويرأسها حسن جوليد. والعاصمة هي جيبوتي. وتتلقى الدولة دعماً من الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وتعمل كل ما في وسعها لتحقيق التطور في شتى المجالات. ومما يجدر ذكره أن فرنسا رفضت منح الصومال الفرنسي استقلاله عام 1960م، في نفس الوقت الذي استقل فيه كل من الصومال البريطاني والإيطالي. لذا فقد تأخر حصول جيبوتي على استقلالها عن أقسام الصومال الأخرى مدة سبعة عشر عاماً.
مشكلات حديثة
أصاب القارة الإفريقية عامة وشرقي إفريقيا بشكل خاص من جراء الاستعمار الكثير من الويلات والمصائب والنكبات، فقد نتج عن هذا الاستغلال الأوروبي لشعوب القارة الفقر والجوع والمرض والأمية إلى جانب مشكلات الحدود التي تستنزف طاقات الدول الإفريقية، ومشكلات التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ومشكلة التمييز والتفرقة العنصرية. ولازالت جيبوتي تعاني من تبعات هذه المشاكل حتى يومنا هذا.
وفي عام 1999م، تم انتخاب عمر حسن جيلي رئيسًا للبلاد. عمل جيلي على استقرار جيبوتي وتنميتها، ووطد علاقات بلاده مع الدول المجاورة والدول العربية كافة وأسهم في معالجة بعض القضايا بين إرتريا وإثيوبيا والسودان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
جيبوتي دولة عربية، تقع في الركن الشرقي من قارة إفريقيا وعاصمتها جيبوتي وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. وتبلغ مساحتها حوالي 23,200كم². ويقدر عدد سكانها بحوالي 603,600 نسمة، وعملتها الرسمية الفرنك الجيبوتي. وقد استقلت عن فرنسا عام 1977م، وانضمت إلى الأمم المتحدة في نفس العام. وكانت تسمى فيما مضى الصومال الفرنسي وذلك قبل الاستقلال. ويدين غالبية السكان بالإسلام ما عدا فئة قليلة من النصارى والوثنيين.
وتقع جيبوتي في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، وتقابل عدن، ويحدها من الشمال إرتريا ومن الغرب إثيوبيا ومن الشرق البحر الأحمر. وتمتاز بموقعها الاستراتيجي المهم المطل على المدخل الضيق للبحر الأحمر عند مضيق باب المندب الذي تقع عليه عدة جزر صغيرة. ولذا فإنها تتحكم في مدخل البحر الأحمر الجنوبي، وقد كانت ولا زالت المنفذ الرئيسي لتجارة إثيوبيا الخارجية، وذلك لقربها من مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني في جنوب إثيوبيا، فضلاً عن اتصالها المباشر بأديس أبابا عن طريق الخط الحديدي الوحيد الذي يصلها بالساحل، ويبلغ طوله 746كم تقريبًا، وتملكه شركة فرنسية منذ عام 1917م.
نشاط العرب التجاري في جيبوتي
من المعروف أن عرب الجزيرة العربية وخاصة عرب اليمن وحضرموت وعمان، كانوا أول من عرف ساحل شرق إفريقيا قبل غيرهم من الأمم الأخرى كالإغريق والرومان. واستطاعوا أن يعبروا مضيق باب المندب، وأن يكتشفوا البلاد الواقعة إلى الجنوب من هذا المضيق، من بلاد الدناقل شمالاً إلى موزمبيق وجزيرة مدغشقر جنوباً.
وقد كان التبادل التجاري وسيلة الاتصال بين عرب شبه الجزيرة العربية وبين شرقي إفريقيا، وساعدهم على ذلك الرياح الموسمية، وموقع بلاد العرب الجغرافي على طريق التجارة بين الشرق والغرب، وكذلك خبرة العرب الملاحية وإحاطتهم بأسرار الملاحة ومعرفتهم بعلم الفلك. وأقام العرب محطات لتموين مراكبهم وتخزين بضائعهم التي كانت تأتي من داخل القارة، مما ساعد على قيام مراكز عمرانية.
الإسلام في جيبوتي
بعد أن توطدت دعائم الإسلام في الجزيرة العربية، انطلق الدعاة والوعاظ والتجار يحملون دينهم لينشروه في أنحاء الأرض، فخرجوا من الجزيرة العربية مندفعين بحماسة الدعوة، وكان من نتيجة الاضطرابات السياسية التي شهدتها الدولة الأموية أن حدثت هجرات من شبه جزيرة العرب إلى الساحل الإفريقي، ومنه تسللت إلى داخل القارة، حيث اختلطت بالسكان الأصليين من الإفريقيين. ثم وفدت خلال القرن العاشر الميلادي هجرات عربية أخرى إلى ساحل إفريقيا الشرقي، وأسس العرب المهاجرون هناك أول مدن أو مراكز تجارية معروفة في التاريخ، وكانت مقديشو أول مدينة أُسست على ساحل الصومال، ثم تلتها مدن أخرى أهمها ممبسا وملندي ولامو.
أثر ظهور الإسلام في شرق إفريقيا في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأحدث تغيرات واسعة في المجتمع. فمن الناحية السياسية حملت الهجرات العربية معها الإسلام كدين ونظام. كما حملت معها بذور الاختلافات المذهبية والدينية التي شهدها العالم الإسلامي. ومن الناحية الاقتصادية، فقد نجح العرب المسلمون في إخراج شرقي إفريقيا من عزلتها، وربطوها بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصى وبلاد البحر الأبيض المتوسط، بعد أن كان سكان شرقي إفريقيا لا يعرفون إلا الرعي والصيد وبعض الزراعات البسيطة. ومن الناحية الاجتماعية، فإن الإسلام يدعو للمساواة ولا يفرق بين أبيض وأسْود، فالمسلم كان يختلط بالأسْود ويصاهره بعكس الأبيض الذي كان يتعالى عليه وأدى ذلك إلى تغيير علاقات الزواج في شرقي إفريقيا وتكوين الشعب السواحيلي.
الغزو البرتغالي
تعرضت المدن والإمارات الإسلامية لغزو برتغالي صليبي يهدف إلى تقويض أركان السلطنات الإسلامية، والقضاء على اقتصاديات العالم الإسلامي، وذلك لأن هذه السلطنات كانت تفتقر إلى السلاح، لأنها لم تقم على الفتح بل قامت على التجارة.
وصل النفوذ البرتغالي إلى سواحل شرقي إفريقيا في أوائل القرن السادس عشر الميلادي ووطدوا نفوذهم به، فأرسلوا لهذا الغرض حملات متوالية حتى تمكنوا من السيطرة على جميع المدن العربية بالساحل الشرقي لإفريقيا.
إلا أن سلطة البرتغاليين لم تتوطد بسهولة في هذه المناطق، فقد قام العرب المسلمون بثورات وانتفاضات ضد الحكم البرتغالي، ومن أهمها ثورات ممبسا وزنجبار وبمبا عام 1528م وما بعدها.
وفي ذلك الوقت، كان العثمانيون قد استولوا على بلاد المشرق العربي، واتخذوا من عدن قاعدة لمهاجمة المحطات والمراكز التجارية البرتغالية في المحيط الهندي والخليج العربي. ومع أن العثمانيين نجحوا بعض الشيء في تخفيض الضغط البرتغالي على التجار العرب والإمارات العربية الساحلية، وحطموا كل المحاولات الرامية إلى تكوين جبهة معادية للقوى الإسلامية في البحر الأحمر وشرق إفريقيا، إلا أن جهود الأتراك لم تؤد إلى نتائج حاسمة؛ فقد فشل العثمانيون في توحيد القوى الإسلامية ضد البرتغاليين.
وفي عام 1586م، قامت الدولة العثمانية بتقديم يد العون والمساعدة عن طريق أحد أمراء البحر العثمانيين علي ميرال الذي وصل إلى مقديشو، وشجع الأهالي في الساحل الشرقي على الجهاد ضد البرتغاليين، واستطاع القائد العثماني بمساعدة الأهالي الاستيلاء على السفن البرتغالية بعد أن اعترفوا بالسلطة العثمانية، غير أن البرتغاليين قضوا عليه واستعادوا نفوذهم في تلك المناطق وتحالفوا مع الحبشة ضد المسلمين.
دور اليعاربة العُمانيين في طرد النفوذ البرتغالي. كان البرتغاليون قد وجهوا جهودهم لتحويل إثيوبيا النصرانية الأرثوذكسية إلى المذهب الكاثوليكي، معتمدين على ما لهم من نفوذ وسيطرة على التجارة بين الهند والحبشة، لكن، وحين واجهت الحبشة الفتح الإسلامي، وقفت البرتغال تسندها في وجه القوة الإسلامية التي كان على رأسها البطل الصومالي محمد جراني الذي زحف صوب الحبشة، تؤيده قوة الأتراك العثمانيين وعرب شبه الجزيرة العربية، وأمدت البرتغال الحبشة بقوة على رأسها أحد أبناء فاسكو دا جاما، وقد مُنيت القوات البرتغالية بخسائر فادحة وقتل قائدها، لكن لم تستطع القوات الإسلامية أن تحقق نصراً حاسماً على الحبشة.
ولم تهدأ ثورات العرب المسلمين والأفارقة، واستمرت في جميع أنحاء الشاطئ الشرقي، واتصل الثوار العرب في هذه المناطق بإخوانهم في أنحاء الجزيرة العربية، كما كانت هذه الثورات تجد دائماً تأييداً من العثمانيين.
كان البرتغاليون قد تعرضوا لمقاومة شديدة من جانب الأهالي في شرقي إفريقيا بمساعدة دولة اليعاربة (1624 - 1741م) في عُمان. فقد أرسل الإمام سيف بن سلطان عام 1698م أسطولاً بحرياً إلى ساحل إفريقيا الشرقي، استطاع أن يُزيل النفوذ البرتغالي من الساحل الشرقي، وحلت عُمان محل النفوذ البرتغالي ولم يبق للبرتغاليين إلا مستعمرة موزمبيق.
وكانت سياسة البرتغاليين تقوم على استغلال المستعمرات ونهب خيراتها، ومقاومة أي حركة تمرد تهدد النفوذ البرتغالي. ومع ذلك فقد نجح العرب العمانيون في طردهم وإبعادهم. ورحب بهم الأهالي كمخلِّصين لهم من قسوة الاحتلال البرتغالي وظلمه.
وبدأت الروح الاستقلالية تظهر في الساحل الشرقي لإفريقيا بعد سقوط دولة اليعاربة وحلول دولة البوسعيد محلها عام 1741م، حيث استأثر المزروعيون بحكم ممبسا وتوابعها. وبعد صراع طويل بين ممبسا وعُمان، استطاع البوسعيد في عمان السيطرة على ممبسا، وسيطر العمانيون على كل ساحل إفريقيا الشرقي، وتكونت السلطنة العمانية بقسميها الآسيوي والإفريقي، وازدهرت في عهد السيد سعيد بن سلطان، ولكنها بعد وفاته قسِّمت إلى قسمين بين ولديه، ثم خضعت هاتان الدولتان (مسقط وزنجبار) للحماية البريطانية.
الحكم المصري
في عام 1875م، جاءت حملة مصرية إلى ساحل الصومال الجنوبي، ولكنها فشلت بسبب معارضة بريطانيا لها، وقامت بريطانيا بتشديد قبضتها على شرق إفريقيا وتنفيذ مخططاتها وأغراضها فيها، بعد التنافس الدولي على تلك المنطقة بعد فتح قناة السويس للملاحة البحرية عام 1869م.
وكانت الإدارة المصرية قد مدت سيطرتها على ساحل البحر الأحمر الغربي وبعض أجزاء من بلاد الصومال. كما كان الشاطئ الجنوبي لخليج عدن تابعاً لمصر حتى عام 1884م، عندما أرغمت بريطانيا مصر على الجلاء عن جميع الموانئ المطلة على البحر الأحمر. وسرعان ما أطلت حركة التسابق الاستعماري الأوروبي على منطقة شرقي إفريقيا، وهي الحركة التي ترتب عليها تفتيت وحدة الصومال واقتسامه بين كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ثم حصول كل من إثيوبيا وكينيا على أراض منه.
التنافس الأوروبي على شرقي إفريقيا
أدى افتتاح قناة السويس عام 1869م إلى تسابق الدول الأوروبية للسيطرة على شرقي إفريقيا، فقد تشابكت مصالح كل من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا في هذه المنطقة من أجل السيطرة على الطريق التجاري المؤدي إلى الهند. وأخيرًا تم تقسيم منطقة الصومال بين كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، فهناك الصومال الفرنسي والصومال البريطاني والصومال الإيطالي.
أما الصومال الفرنسي (جيبوتي الحالية) فمساحته حوالي 22,000كم²، وعاصمته جيبوتي، ويتكون من أربعة أقسام رئيسية هي الدناقل وتاجورا ودبيش وجرياد، وعرف أيضاً باسم الصومال الشمالي، في حين عرف الصومال البريطاني بالصومال الأوسط، والصومال الإيطالي بالصومال الشرقي.
السيطرة الفرنسية
كانت فرنسا في الحقيقة أول دولة تبدي اهتماماً كبيراً بالساحل الإفريقي المطل على خليج عدن، وذلك منذ الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، كنتيجة لاستيلاء بريطانيا على عدن 1839م. وفي عام 1862م، عقدت فرنسا مع سلطان، رهيطة ويدعى ديني أحمد أبوبكر، معاهدة اتفق فيها على أن يتنازل شيوخ الدناقل للإمبراطور نابليون الثالث مقابل عشرة آلاف ريال عن ميناء أوبوك وخليجه.
ولقد أخذت فرنسا منذ هذا الوقت تعقد معاهدات مع الشيوخ المحليين أو السلاطين لتوسيع ممتلكاتها على الساحل الإفريقي المطل على خليج عدن. وحرصت فرنسا على أن يثبت في هذه المعاهدات أن هؤلاء السلاطين رؤساء مستقلون يتمتعون بسيادة تامة على بلادهم. كما صارت البوارج الفرنسية تظهر منذ ذلك الحين بكثرة في مياه خليج عدن.
ويرجع اهتمام الفرنسيين بهذا الساحل الشرقي لقارة إفريقيا إلى الاهتمام بالطريق الملاحي المؤدي إلى الهند. وإذا كان البرتغاليون قد اهتموا ـ قبل ذلك ـ بطريق رأس الرجاء الصالح، فإن الاهتمام منذ القرن الثامن عشر قد اتجه لإحياء طريق البحر الأحمر.
اشتد الصراع بين فرنسا وإنجلترا فترة من الزمن في سبيل السيطرة على هذا الطريق كوسيلة لكل من الدولتين لتهديد مصالح الأخرى.
وكانت الحملة الفرنسية على مصر في عام 1798م بمثابة ناقوس الخطر لإنجلترا، فقد عملت إنجلترا منذ ذلك الوقت على حماية نفوذها وطرق مواصلاتها في المنطقة. لم تتمكن فرنسا بعد فشل حملتها على مصر، واضطرارها إلى الجلاء عنها، وبروز مشكلاتها الداخلية والخارجية، عن تنفيذ أغراضها الاستعمارية في إفريقيا، ولكنها ما أن هدأت أوضاعها حتى عادت لتباشر أعمالها الاستعمارية التوسعية من جديد.
فاتجهت أنظار فرنسا إلى المناطق الساحلية على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر وعلى ساحل المحيط الهندي العربي. لكن فرنسا كانت تدرك الصعوبات المحتملة أمامها، وخاصة موقف إنجلترا ومعارضتها لأي نفوذ فرنسي، خاصة بعد أن احتلت عدن ومسقط. فبذلت فرنسا محاولات مع سلطان عمان السيد سعيد لإحياء العلاقات القديمة، ونجحت في عقدها معاهدة تجارية معه عام 1842م، وهي معاهدة مماثلة لتلك التي عقدها السلطان مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1833م، ومع إنجلترا في عام 1839م. وحاولت فرنسا بسط نفوذها في زنجبار، إلا أن أطماع ألمانيا قد حالت دون تحقيق الأطماع الفرنسية. لكن نشاط الفرنسيين في شرقي إفريقيا قد ظهرت نتائجه.
وفي عام 1884م بدأ استعمار فرنسا للصومال عن طريق إبرام معاهدات في عام 1884م مع سلطان تاجورا وجوبا وعيسا، ونشأ من هذه المعاهدات قاعدة لها في طريق مواصلاتها إلى مستعمراتها في الهند الصينية، لذلك كانت فرنسا تخشى من محاولة بريطانيا توحيد الشعوب الصومالية.
بدأ النشاط الفرنسي في ميناء أوبوك منذ عام 1862م، ثم ما لبثت فرنسا أن وسعت نفوذها واستولت على ميناء جيبوتي سنة 1884م، وهو يقع على الجانب الآخر من خليج تاجورا، ويمتاز بأنه أكثر منعة من ميناء أوبوك. وكان عدد سكان جيبوتي وقت احتلالها يبلغ حوالي واحد وثلاثين ألف نسمة. وكانت تعتبر القاعدة الأساسية التي يفضلها الفرنسيون. تكونت هذه المستعمرة الفرنسية ومنها انتشر النفوذ الفرنسي في الأجزاء المجاورة، وقد صارت مقراً للإدارة الفرنسية منذ عام 1892م.
سياسة فرنسا الاستعمارية. احتلت فرنسا هذا الإقليم عن طريق إبرام اتفاقيات مع السلاطين وزعماء القبائل، في مقابل بعض الهدايا البسيطة من الأقمشة والخرز والقلائد، بحيث كان السلطان يوقع على وثيقة تسجل الصداقة بينه وبين الدولة الفرنسية، وكان السلطان يوقعها دون علم بمحتوياتها المكتوبة باللغة الفرنسية وبموجبه تحصل الشركات الفرنسية على حقوق كاملة واضحة للسيادة في مقابل تعهدات غامضة من الشركة بالحماية.
وقامت فرنسا بحكم الصومال حكماً مباشراً بخلاف إنجلترا، وقضت على جميع الزعامات القبلية والمحلية في البلاد الإفريقية، وأخضعتها تحت حكمها المباشر، ومع ذلك، فعندما اضطرت فرنسا لتغيير سياستها الاستعمارية ومحاولة إشراك بعض العناصر الإفريقية في الحكم، فإن الأمر كان لا يخرج عن كونه تنفيذ سياسة الحكم المباشر التي تحتوي على بعض المبادئ البراقة التي أعلنتها الثورة الفرنسية وهي الحرية والمساواة والإخاء.
استند الفرنسيون في نظريتهم هذه إلى أن جميع سكان المستعمرات يجب أن يكونوا مواطنين فرنسيين، وعلى هذا الأساس قامت نظرية الاستيعاب والاندماج. والمقصود بعملية الاستيعاب صبغ المستعمرات الفرنسية بالصبغة الفرنسية عن طريق فرض ثقافة الفرنسيين ولغتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية على الأفارقة.
استغل الفرنسيون سياسة إلغاء الرق بتوسيع نفوذهم الاستعماري في القارة الإفريقية. وسيطروا على مساحة قدرها 13 مليون كم²، تضم حوالي 120 مليون نسمة، علماً بأن مساحة فرنسا لا تزيد عن نصف مليون كم²، ولا يتجاوز عدد سكانها 41 مليون نسمة.
عمد الفرنسيون إلى تطبيق سياسة الاستعمار الثقافي. وترتب على هذه السياسة ظهور تفرقة من نوع آخر غير التفرقة العنصرية. فقد ميز الفرنسيون بين الإفريقيين الذين قبلوا الخضوع لقانون الأحوال الشخصية الفرنسي والقانون المدني والجنائي، وبين الذين رفضوا الخضوع لهذه القوانين، وقد سُمح للحكام الفرنسيين بمعاقبتهم وسجنهم وتعذيبهم.
وعمدت فرنسا للسيطرة على ثروات مستعمراتها التي كانت مصدراً للمواد الأولية اللازمة للصناعة، كما كانت مصدرًا لسد حاجتها للأيدي العاملة الرخيصة، ولتكون هذه المستعمرات سوقاً لتصريف المنتجات الصناعية وتوظيف رؤوس الأموال الوطنية الفرنسية الفائضة عن الحاجة. وقد ترتب على فقدان فرنسا لمستعمراتها في أوروبا وآسيا وأمريكا، أن أصبح العبء الأكبر ملقى على كاهل المستعمرات الإفريقية، إذ كان على هذه المستعمرات أن تعوض فرنسا عما كانت تجنيه في الميادين التي فقدتها.
ولم تعر فرنسا أي اهتمام لمصالح شعوب مستعمراتها، حيث غيبت، تمامًا الخدمات التعليمية والصحية في المناطق التي احتلتها. وقد اقتصر الدور الفرنسي في تلك المستعمرات على المشروعات العسكرية والزراعية، ونهب خيرات البلاد، فقد كانت نسبة التعليم قليلة جداً في الصومال وجميع المستعمرات، فنسبة المتعلمين لم تزد على 18%، ومعظمهم من الفرنسيين أو الموالين لهم. وكذلك الحال بالنسبة للخدمات الصحية؛ فلا توجد مستشفيات كافية، ولا يوجد إلا طبيب لكل عشرين ألف شخص. هذا بالإضافة إلى اتباع فرنسا سياسة الاستيلاء على الأراضي الزراعية الجيدة والخصبة، ليقوم بزراعتها المستوطنون الجدد أو الشركات الفرنسية، وطرد المزارعين الوطنيين من أراضيهم. ونتيجة لهذه الأوضاع المتردية في البلاد قامت ثورات وانتفاضات ضد الحكم الفرنسي.
المقاومة الوطنية والدعوة إلى الاستقلال. عانى الشعب الجيبوتي من السياسة الفرنسية البشعة فتصدى لمقاومتها.
واجهت السلطات الفرنسية الحركات التحررية التي كانت تقوم بين الحين والآخر بالعنف والقمع، مما اضطر الشعب إلى مقاطعة الاستفتاء الذي أُجريَ بقصد إدخال جيبوتي في الاتحاد الفرنسي، غير أن فرنسا نفذت مآربها بالقوة وبالتزوير.
ومن الجدير بالذكر أن الروح الوطنية قد ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، في صورة مطالبة ببعض الحقوق السياسية.
وقد تطورت الحياة السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تطوراً تدريجياً، فظهرت عدة أحزاب مثل: الاتحاد الجمهوري الصومالي، والاتحاد الديمقراطي للعَفَر، ورابطة العيسا الديمقراطية، واتحاد العيسا الديمقراطي. وكانت فرنسا قد سمحت بإنشاء هذه الأحزاب نتيجة الأحداث والتطورات الدولية.
ومما يجدر ذكره أن الكفاح الشعبي قد بدأ يتخذ شكلاً منظماً في عام 1945م، حينما انتخب السيد محمود حربي رئيساً لفرع حزب وحدة الشباب الصومالي في جيبوتي. وفي عام 1947م، أنشأ أول نقابة للعمال وانتخب رئيساً لها، وكانت هذه النقابة تضم جميع الأيدي العاملة إلى جانب العناصر المستنيرة، وقد أصبحت هذه النقابة قوة سياسية لها اعتبارها، وأخذت تنمو وتتسع حتى تألف منها حزب الاتحاد الجمهوري الذي نادى باتحاد جميع أجزاء الصومال في جمهورية واحدة. وتمثل نشاط هذا الحزب في نشر الوعي القومي بين صفوف الشعب، حتى أصبحت قضية الاستقلال والوحدة هدفًا لكل مواطن صومالي.
أدى نمو الوعي القومي في البلاد إلى إجبار الفرنسيين على السماح بقيام مجلس تشريعي عام 1950م، نصف أعضائه من الصوماليين والنصف الآخر من المستوطنين الأجانب. وقد أسفرت نتيجة الانتخابات عن فوز جميع مرشحي حزب الاتحاد الجمهوري. وبالرغم من أن هدف الفرنسيين كان تهدئة الخواطر فقط، إلا أن هذا المجلس تمكن من أن يكون قاعدة لانطلاق القوى التحررية في البلاد. وفي عام 1956م أُجري استفتاء شعبي لاختيار ممثل الصومال في الجمعية الفرنسية، ففاز السيد محمود حربي. وفي نفس السنة جرت مقاومة صومالية وتدمير لبعض المنشآت الفرنسية التي كانت فرنسا تخزن فيها المواد التموينية والأسلحة وترسلها إلى إسرائيل. واحتجاجاً على عدوان إسرائيل على مصر عام 1956م وإزاء استمرار الكفاح والمطالبة بالاستقلال اضطر الفرنسيون إلى إصدار قانون يمنح جميع المستعمرات الفرنسية حق تأليف حكومات محلية. وعلى هذا الأساس حُل المجلس القديم، وأُجريت انتخابات جديدة دخل معركتها حزبا الاتحاد الجمهوري والحزب الوطني. وقد فاز فيها حزب الاتحاد الجمهوري بجميع المقاعد في المجلس التشريعي، وألف محمود حربي أول وزارة صومالية وكان جميع أعضائها من الصوماليين.
وعندما انتهت مدة عضوية نائب المستعمرة في مجلس الشيوخ الفرنسي، تقدم للانتخابات أحمد فتحي قوضي أحد أعضاء حزب الاتحاد الجمهوري، ففاز بعضوية مجلس الشيوخ الفرنسي. وأصبح حزب الاتحاد الجمهوري هو الذي يحكم جيبوتي بعد أن فاز بأغلبية في المجلس التشريعي، والوزارة المحلية أيضًا. وأصبح رئيس الحزب رئيسًا للوزراء وممثلاً للحزب في الجمعية الوطنية، وأحد أعضائه يمثل الصومال في مجلس الشيوخ الفرنسي.
الاستقلال والاستفتاء في عام 1958م، تولى الرئيس الفرنسي شارل ديجول السلطة في فرنسا، ووضع دستوره الجديد الذي أعلن فيه أن من حق أية مستعمرة فرنسية ترفض هذا الدستور أن تحصل على الاستقلال. وعندها قاد محمود حربي حملة دعاية واسعة النطاق ضد دستور ديجول، فانزعجت السلطات الفرنسية المحلية في الصومال وفي فرنسا ذاتها. وحاولت السلطات الفرنسية استمالته بشتى الوسائل لوقف حملته ضد دستور ديجول ولكنه رفض، لذلك عملت فرنسا على القضاء على حزب الاتحاد الجمهوري قبل الاستفتاء على دستور ديجول بوسائل عدة منها: منع الاجتماعات والمظاهرات الوطنية، كما قبضت السلطات الفرنسية على عدد كبير من المواطنين وزجَّت بهم في السجون.
ولما طُرح الاستفتاء، خُيِّرَ سكان الصومال الفرنسي بين استمرار تبعيتهم لفرنسا وبين الاستقلال. وقد أثار هذا الاستفتاء خلافاً كبيراً بين الصوماليين، ومع ذلك فقد جاءت نتيجة الاستفتاء ضد دستور ديجول بنسبة 75% بينما ادعت فرنسا أن نتيجة الاستفتاء لصالح المؤيدين لتبعية فرنسا. واتهمت العناصر الوطنية في الصومال الفرنسي السلطات الفرنسية بتزوير الاستفتاء، ليس فقط لاستمرار الاستعمار الفرنسي للمنطقة، ولكن أيضاً لإيهام الرأي العام الفرنسي والدولي بأن هناك انقساماً فعلياً خطيراً في الصومال الفرنسي، لا يشجع على قيام حكومة واحدة مستقلة.
ولما أبلغ الحاكم العام الفرنسي هذا النبأ إلى ديجول تلقى في نفس الليلة برقية بعزله وتعيين بديل له، وتمكن هذا البديل من إذاعة نتيجة مزيفة عن الاستفتاء متحدياً في هذا إجماع الشعب وإرادته، فاحتجت العناصر الوطنية على هذا الإجراء، وقامت مظاهرات صاخبة حدثت فيها اشتباكات بين الوطنيين من الصومال الفرنسي وبين رجال الجيش والشرطة الفرنسية أسفرت عن قتل وجرح مئات من المواطنين وجرح محمود حربي نفسه رغم كونه إذ ذاك رئيساً للوزارة المحلية. واحتجاجاً على هذا التصرف قدم محمود حربي استقالته من رئاسة الوزارة فقبلتها السلطات الفرنسية على الفور.
ترتب على هذه الاستقالة حل المجلس التشريعي، وصار الحاكم العام الفرنسي حاكماً عسكرياً يتمتع بجميع السلطات، وأُعدت القوة لتزييف انتخابات جديدة لتكوين مجلس تشريعي من العناصر الموالية للسلطات الفرنسية في البلاد. ولكن تمكن محمود حربي من دخول المجلس ومعه ثلاثة عشر عضواً من حزبه مؤلفين جبهة معارضة، ولو أنها تقل قليلاً عن نصف عدد أعضاء المجلس البالغ عدد أعضائه 32 عضواً، إلا أنها كانت توجه المجلس وجهة تحررية من أجل الحصول على الاستقلال.
الاستقلال التام وإعلان جمهورية جيبوتي. استمر شعب الصومال الفرنسي في كفاحه ونضاله من أجل الاستقلال، وأبدى تذمره خلال المظاهرات الصاخبة التي نادت باستقلال البلاد، والتي استقبلت الجنرال ديجول عند زيارته لمستعمرة جيبوتي عام 1966م. واستمر الشعب يناضل ويكافح في سبيل الاستقلال حتى حصل على استقلاله عام 1977م مكوناً دولة جيبوتي التي انضمت إلى الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة في نفس العام، ويرأسها حسن جوليد. والعاصمة هي جيبوتي. وتتلقى الدولة دعماً من الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وتعمل كل ما في وسعها لتحقيق التطور في شتى المجالات. ومما يجدر ذكره أن فرنسا رفضت منح الصومال الفرنسي استقلاله عام 1960م، في نفس الوقت الذي استقل فيه كل من الصومال البريطاني والإيطالي. لذا فقد تأخر حصول جيبوتي على استقلالها عن أقسام الصومال الأخرى مدة سبعة عشر عاماً.
مشكلات حديثة
أصاب القارة الإفريقية عامة وشرقي إفريقيا بشكل خاص من جراء الاستعمار الكثير من الويلات والمصائب والنكبات، فقد نتج عن هذا الاستغلال الأوروبي لشعوب القارة الفقر والجوع والمرض والأمية إلى جانب مشكلات الحدود التي تستنزف طاقات الدول الإفريقية، ومشكلات التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ومشكلة التمييز والتفرقة العنصرية. ولازالت جيبوتي تعاني من تبعات هذه المشاكل حتى يومنا هذا.
وفي عام 1999م، تم انتخاب عمر حسن جيلي رئيسًا للبلاد. عمل جيلي على استقرار جيبوتي وتنميتها، ووطد علاقات بلاده مع الدول المجاورة والدول العربية كافة وأسهم في معالجة بعض القضايا بين إرتريا وإثيوبيا والسودان.