"التعددية في النظام السياسي الاسلامي"
مرسل: الأحد يناير 04, 2009 11:02 pm
قد يكون حديثنا عن الطاعة وأنها دين وقربة وتآلف ووحدة قد أثار فى أذهان البعض نبذ فكرة المعارضة فى النظام الإسلامى على أساس أنها نبذ للطاعة وخروج عن الجماعة ، وقد يفهم البعض الآخر أن نظام الشورى لا يمكن تحقيقه عملاً إلا فى ظل تعددية حزبية ، تسمح بقيام المعارضة وبتنظيمها . والحق أن النظام السياسي الإسلامى لا يؤيد فكرة المعارضة ولا يرفضها فى ذات الوقت ، وإنما ينظر إليها باعتبارها فكرة جديدة تخضع لضوابط المصلحة .
إن حديثا عن الطاعة لا يعنى نبذ فكرة المعارضة تماماً ، فالمعارضة لا تكون فى كل صورها خلعاً للطاعة أو خروجاً على الجماعة ، بل إن آية الطاعة نفسها تفتح مجالاً واسعاً للمعارضة حين يأمر ولاة الأمور بما يخالف شرع الله تعالى ، وكذلك الأحاديث التى قيدت الطاعة بالمعروف ، لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
وكذلك الحديث عن الشورى ، وافتراض الاختلاف فى الرأى بين أهل الشورى ، والحديث عن المناصحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يفسح مجالاً واسعاً للمعارضة المشروعة لكل ما يخالف الحق .
بل إن السوابق التاريخية فى عصر الرسالة وفى عصر الخلافة الراشدة تبين لنا أن المعارضة كانت معروفة ومكفولة فى إطار محدد ، وبضوابط معينة .
فقد عارض كثير من الصحابة ما ورد فى صلح الحديبية من بنود جائرة .
قال عمر بن الخطاب ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقاً ؟ قال : بلى .
قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى .
قلت : فلم نُعطى الدنية فى ديننا إذن ؟
قال : إنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري (1) .
وهنا لم يعترض النبى صلى الله عليه وسلم على معارضتهم إياه ، وإنما بين لهم أن ما يفعله هو الأصلح ، فليس فيه معصية لله ، وإنما فيه نصر للإسلام والمسلمين ، فقال لهم : إنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان هذا الصلح نصراً عزيزاً للمسلمين ، وسماه الله تعالى فتحاً مبيناً فقال : " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا " ( الفتح : 1 ) .
وفى تقسيم غنائم هوازن وغطفان ، أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة أموالاً كثيرة ، واعترض بعض الأنصار على ذلك فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين لهم صواب فعله حتى رضوا جميعاً (2) .
فهذه بعض صور المراجعة والمعارضة الجائزة ، وقد أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر على المعترضين ، ولا بين أن معارضته لا تجوز ، مع أنه رسول الله المؤيد بوحي السماء ، وكثيراً ما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه إلى رأى معارضيه إن استشعر المصلحة والصواب فيه .
ففي غزوة تبوك قل طعام الجيش ، فاستأذن الناس فى نحر بعض الإبل ليأكل منها الجند ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك ، فجاءه عمر معترضاً وقال : إذن يقل الظهر ، ثم اقترح على النبى صلى الله عليه وسلم أن يجمع ما تبقى من الطعام ويدعو عليه بالبركة ، ففعل النبى صلى الله عليه وسلم ذلك حتى أكل الجيش كله (3) .
وفى عصر الخلافة الراشدة اعترض سعد بن عبادة على مبايعة الصديق ، ولم يجبره أحد على البيعة .
وفى هذا المسلك إقرار لفكرة المعارضة فى ترشيح رئيس الدولة بل والامتناع عن بيعته دونما حرج طالما كان ذلك فى حدود احترام حرية الرأى ، أما إذا تعدى هذه الحدود إلى الدعوة إلى نبذ الطاعة والخروج على الحاكم ، فإنه يُعد بذلك عدواناً على الشرعية يلزم القضاء عليه حفاظاً على الجماعة ووحدة الأمة .
وقد اعترض بعض الصحابة على مسلك عمر ابن الخطاب عندما حبس أرض الخراج فى العراق والشام ومصر على مصالح المسلمين ولم يقسمها بين الغانمين ، ولكن أغلبهم وقف إلى جانب عمر فى اجتهاده (4) .
وإذا كانت هذه بعض صور المعارضة الجائزة ،
فإن هناك صوراً للمعارضة لا تجوز لأنها تخرج عن إطار الشرعية إلى إطار الطعن والهدم لبنيان الدولة .
والمثال الواضح على هذا النوع اعتراض الأعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قسمته ، واتهامه إياه بالجور ، فقال : اعدل يا محمد .
وقد رفض النبى صلى الله عليه وسلم هذا المسلك لأن فيه طعناً فى دين الله باتهام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال له النبى صلى الله عليه وسلم : ( ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ) (5) .
وكذلك اعترض الخوارج على أمير المؤمنين على بن أبى طالب فى قضية التحكيم ، وخروج هؤلاء الناس على جماعة المسلمين لأن الفارق بين الخروج وبين المعارضة السلمية المشروعة كبير ، لهذا قال لهم على : إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ، ولا نمنعكم نصيبكم من الفىء ما دامت أيديكم معنا ، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تقاتلون .
حدود المعارضة فى النظام السياسي الإسلامى :
إذا كنا قد قررنا من قبل جواز المعارضة فى النظام السياسي الإسلامى واستشهدنا لذلك بسوابق تاريخية عديدة ترجع إلى العصر الأول وهو عصر الرسالة والخلافة الراشدة ، فإننا نتسائل ما هى حدود تلك المعارضة ، وكيف تتشكل ؟
هل هى معارضة فردية أم جماعية منظمة ؟ وقبل أن نجيب على هذه الأسئلة نقرر حقيقتين لا ينبغى أن نغفل عنهما ونحن نخوض غمار هذا الموضوع .
الحقيقة الأولى :
أن الدولة الإسلامية دولة دينية شرعية تقوم على مبادىء سماوية لا يجوز لأحد أن يتخطاها ، ولا يجوز للإرادة الشعبية أن تخالفها إلا إذا تخلت عن دينها .
الحقيقة الثانية :
أن الشريعة الإسلامية أغفلت عن عمد تنظيم هذه الموضوعات ، تاركة إياها لظروف المجتمع فهى متروكة للجماعة تنظمها حسبما يتوافق مع مصالحها .
ويمكن أن نستنتج من ذلك نتائج عدة :
أولاً : الإسلام لا يسمح بمعارضة تستهدف النيل من النظام الإسلامى ، وعلى هذا فلا يجوز قيام أحزاب دينية طائفية تعارض النظام الإسلامى ، وتسعى لإقصائه عن السلطة ، ولا يجوز قيام أحزاب علمانية تسعى إلى نبذ الدين وإقصائه عن الدولة ، ولا يجوز قيام أحزاب تتبنى أيديولوجية تخالف الإسلام وتعتبر الدين أفيون الشعوب كالماركسية .
ولا يجوز للمعارضة أن تنال من الإسلام كدين ، فتناقش أمراً من الأمور التى تتعلق بأصول الدين ، أو من المعلوم من الدين بالضرورة ، فترفضه أو تسعى لتغييره .
فالمعارضة لا يجب أن تخرج فى تنظيمها . ولا فى أفكارها عن الإطار العام للنظام الإسلامى ، وذلك لأن هذا الإطار محدد بنصوص شرعية يجب الوقوف عندها ، ويحرم تجاوزها أما فى داخل هذا الإطار فالمعارضة جائزة .
وذلك لأنها تؤدى إلى تقليب وجوه الرأى لاستخراج أفضل الحلول والقرارات وذلك يؤدى إلى منع الاستبداد وتحقيق الشورى عملاً .
ثانياً : المعارضة التى يشجع النظام الإسلامى عليها هى تلك التى تهدف إلى تحقيق المصالح العامة للأمة الإسلامية .
ثالثاً : النظام السياسي الإسلامى لا يتقيد بأى نظام آخر ، فلا يقلد نظاماً معيناً ، ولا يرفض أى أسلوب يحقق له المصلحة المنشودة .
رابعاً : لا يجوز أن نترك المعارضة ميدان الجدل والنقاش إلى ميدان الخروج والقتال ، ومن ثم لا يقر النظام الإسلامى حزباً بوليسياً أو عسكرياً مسلحاً .
خامساً : لا يعنى المعارضة خروجاً على الطاعة ، وإنما هى مرتبطة بالجماعة والوحدة ، فالتعددية لا تعنى الفرقة ، فالافتراق فى الدين مذموم شرعاً ، والتعددية فى الفكر وتقديم المشورة محمود شرعاً وعقلاً ، وبها يزداد الفكر الإسلامى نماءً وخصوبة ، يشهد لذلك ما أورده الفقهاء من أمثلة لهذه التعددية فى أمور الاجتهاد والاستنباط ، دون أن يعيب بعضهم على بعض ، وإنما غايتهم الحق ، ولسان حال كل منهم " رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب " .
وقد يرى البعض أن ما انتهينا إليه من إقرار للمعارضة والتعددية أمراً يخالف الشرع ، فالنظام الإسلامي لم يعرف التعددية فى صورتها الحزبية ، بل إن النصوص تواترت بذم الأحزاب والحزبية .
والحق أن القـول بأن التعددية أمر يخالف الشرع الإسلامي لا دليل عليه ، بل إن السوابق التاريخية تشهد بأن التعـددية المحكومة بالإطار الشرعي العام أمر محمود يحقق مصلحة الأمة .
أما القول بأن النظام الإسلامي لم يعرف التعددية الحزبية فى صورتها المعاصرة فهو حق ، ولكن النظام الإسلامى شهد صوراُ للتعددية تلائم ما كان عليه العصر من بساطة .
وأما القول بتواتر النصوص فى ذم الحزبية ، فغير صحيح ، لأن الأحزاب التى ذمتها النصوص هى أحزاب الشرك والكفر ، أما الأحزاب التى تلتزم الإسلام ، وترضى بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً ، فهي أحزاب الإيمان والله تعالى جعل المؤمنين حزباً " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " .
إن حديثا عن الطاعة لا يعنى نبذ فكرة المعارضة تماماً ، فالمعارضة لا تكون فى كل صورها خلعاً للطاعة أو خروجاً على الجماعة ، بل إن آية الطاعة نفسها تفتح مجالاً واسعاً للمعارضة حين يأمر ولاة الأمور بما يخالف شرع الله تعالى ، وكذلك الأحاديث التى قيدت الطاعة بالمعروف ، لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
وكذلك الحديث عن الشورى ، وافتراض الاختلاف فى الرأى بين أهل الشورى ، والحديث عن المناصحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يفسح مجالاً واسعاً للمعارضة المشروعة لكل ما يخالف الحق .
بل إن السوابق التاريخية فى عصر الرسالة وفى عصر الخلافة الراشدة تبين لنا أن المعارضة كانت معروفة ومكفولة فى إطار محدد ، وبضوابط معينة .
فقد عارض كثير من الصحابة ما ورد فى صلح الحديبية من بنود جائرة .
قال عمر بن الخطاب ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقاً ؟ قال : بلى .
قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى .
قلت : فلم نُعطى الدنية فى ديننا إذن ؟
قال : إنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري (1) .
وهنا لم يعترض النبى صلى الله عليه وسلم على معارضتهم إياه ، وإنما بين لهم أن ما يفعله هو الأصلح ، فليس فيه معصية لله ، وإنما فيه نصر للإسلام والمسلمين ، فقال لهم : إنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان هذا الصلح نصراً عزيزاً للمسلمين ، وسماه الله تعالى فتحاً مبيناً فقال : " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا " ( الفتح : 1 ) .
وفى تقسيم غنائم هوازن وغطفان ، أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة أموالاً كثيرة ، واعترض بعض الأنصار على ذلك فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين لهم صواب فعله حتى رضوا جميعاً (2) .
فهذه بعض صور المراجعة والمعارضة الجائزة ، وقد أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر على المعترضين ، ولا بين أن معارضته لا تجوز ، مع أنه رسول الله المؤيد بوحي السماء ، وكثيراً ما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه إلى رأى معارضيه إن استشعر المصلحة والصواب فيه .
ففي غزوة تبوك قل طعام الجيش ، فاستأذن الناس فى نحر بعض الإبل ليأكل منها الجند ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك ، فجاءه عمر معترضاً وقال : إذن يقل الظهر ، ثم اقترح على النبى صلى الله عليه وسلم أن يجمع ما تبقى من الطعام ويدعو عليه بالبركة ، ففعل النبى صلى الله عليه وسلم ذلك حتى أكل الجيش كله (3) .
وفى عصر الخلافة الراشدة اعترض سعد بن عبادة على مبايعة الصديق ، ولم يجبره أحد على البيعة .
وفى هذا المسلك إقرار لفكرة المعارضة فى ترشيح رئيس الدولة بل والامتناع عن بيعته دونما حرج طالما كان ذلك فى حدود احترام حرية الرأى ، أما إذا تعدى هذه الحدود إلى الدعوة إلى نبذ الطاعة والخروج على الحاكم ، فإنه يُعد بذلك عدواناً على الشرعية يلزم القضاء عليه حفاظاً على الجماعة ووحدة الأمة .
وقد اعترض بعض الصحابة على مسلك عمر ابن الخطاب عندما حبس أرض الخراج فى العراق والشام ومصر على مصالح المسلمين ولم يقسمها بين الغانمين ، ولكن أغلبهم وقف إلى جانب عمر فى اجتهاده (4) .
وإذا كانت هذه بعض صور المعارضة الجائزة ،
فإن هناك صوراً للمعارضة لا تجوز لأنها تخرج عن إطار الشرعية إلى إطار الطعن والهدم لبنيان الدولة .
والمثال الواضح على هذا النوع اعتراض الأعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قسمته ، واتهامه إياه بالجور ، فقال : اعدل يا محمد .
وقد رفض النبى صلى الله عليه وسلم هذا المسلك لأن فيه طعناً فى دين الله باتهام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال له النبى صلى الله عليه وسلم : ( ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ) (5) .
وكذلك اعترض الخوارج على أمير المؤمنين على بن أبى طالب فى قضية التحكيم ، وخروج هؤلاء الناس على جماعة المسلمين لأن الفارق بين الخروج وبين المعارضة السلمية المشروعة كبير ، لهذا قال لهم على : إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ، ولا نمنعكم نصيبكم من الفىء ما دامت أيديكم معنا ، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تقاتلون .
حدود المعارضة فى النظام السياسي الإسلامى :
إذا كنا قد قررنا من قبل جواز المعارضة فى النظام السياسي الإسلامى واستشهدنا لذلك بسوابق تاريخية عديدة ترجع إلى العصر الأول وهو عصر الرسالة والخلافة الراشدة ، فإننا نتسائل ما هى حدود تلك المعارضة ، وكيف تتشكل ؟
هل هى معارضة فردية أم جماعية منظمة ؟ وقبل أن نجيب على هذه الأسئلة نقرر حقيقتين لا ينبغى أن نغفل عنهما ونحن نخوض غمار هذا الموضوع .
الحقيقة الأولى :
أن الدولة الإسلامية دولة دينية شرعية تقوم على مبادىء سماوية لا يجوز لأحد أن يتخطاها ، ولا يجوز للإرادة الشعبية أن تخالفها إلا إذا تخلت عن دينها .
الحقيقة الثانية :
أن الشريعة الإسلامية أغفلت عن عمد تنظيم هذه الموضوعات ، تاركة إياها لظروف المجتمع فهى متروكة للجماعة تنظمها حسبما يتوافق مع مصالحها .
ويمكن أن نستنتج من ذلك نتائج عدة :
أولاً : الإسلام لا يسمح بمعارضة تستهدف النيل من النظام الإسلامى ، وعلى هذا فلا يجوز قيام أحزاب دينية طائفية تعارض النظام الإسلامى ، وتسعى لإقصائه عن السلطة ، ولا يجوز قيام أحزاب علمانية تسعى إلى نبذ الدين وإقصائه عن الدولة ، ولا يجوز قيام أحزاب تتبنى أيديولوجية تخالف الإسلام وتعتبر الدين أفيون الشعوب كالماركسية .
ولا يجوز للمعارضة أن تنال من الإسلام كدين ، فتناقش أمراً من الأمور التى تتعلق بأصول الدين ، أو من المعلوم من الدين بالضرورة ، فترفضه أو تسعى لتغييره .
فالمعارضة لا يجب أن تخرج فى تنظيمها . ولا فى أفكارها عن الإطار العام للنظام الإسلامى ، وذلك لأن هذا الإطار محدد بنصوص شرعية يجب الوقوف عندها ، ويحرم تجاوزها أما فى داخل هذا الإطار فالمعارضة جائزة .
وذلك لأنها تؤدى إلى تقليب وجوه الرأى لاستخراج أفضل الحلول والقرارات وذلك يؤدى إلى منع الاستبداد وتحقيق الشورى عملاً .
ثانياً : المعارضة التى يشجع النظام الإسلامى عليها هى تلك التى تهدف إلى تحقيق المصالح العامة للأمة الإسلامية .
ثالثاً : النظام السياسي الإسلامى لا يتقيد بأى نظام آخر ، فلا يقلد نظاماً معيناً ، ولا يرفض أى أسلوب يحقق له المصلحة المنشودة .
رابعاً : لا يجوز أن نترك المعارضة ميدان الجدل والنقاش إلى ميدان الخروج والقتال ، ومن ثم لا يقر النظام الإسلامى حزباً بوليسياً أو عسكرياً مسلحاً .
خامساً : لا يعنى المعارضة خروجاً على الطاعة ، وإنما هى مرتبطة بالجماعة والوحدة ، فالتعددية لا تعنى الفرقة ، فالافتراق فى الدين مذموم شرعاً ، والتعددية فى الفكر وتقديم المشورة محمود شرعاً وعقلاً ، وبها يزداد الفكر الإسلامى نماءً وخصوبة ، يشهد لذلك ما أورده الفقهاء من أمثلة لهذه التعددية فى أمور الاجتهاد والاستنباط ، دون أن يعيب بعضهم على بعض ، وإنما غايتهم الحق ، ولسان حال كل منهم " رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب " .
وقد يرى البعض أن ما انتهينا إليه من إقرار للمعارضة والتعددية أمراً يخالف الشرع ، فالنظام الإسلامي لم يعرف التعددية فى صورتها الحزبية ، بل إن النصوص تواترت بذم الأحزاب والحزبية .
والحق أن القـول بأن التعددية أمر يخالف الشرع الإسلامي لا دليل عليه ، بل إن السوابق التاريخية تشهد بأن التعـددية المحكومة بالإطار الشرعي العام أمر محمود يحقق مصلحة الأمة .
أما القول بأن النظام الإسلامي لم يعرف التعددية الحزبية فى صورتها المعاصرة فهو حق ، ولكن النظام الإسلامى شهد صوراُ للتعددية تلائم ما كان عليه العصر من بساطة .
وأما القول بتواتر النصوص فى ذم الحزبية ، فغير صحيح ، لأن الأحزاب التى ذمتها النصوص هى أحزاب الشرك والكفر ، أما الأحزاب التى تلتزم الإسلام ، وترضى بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً ، فهي أحزاب الإيمان والله تعالى جعل المؤمنين حزباً " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " .