منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#49759

الاقتصاد السياسي للعولمة والحرب - د. منير الحمش‏



محور هذا البحث هو الاجابة على سؤال حول: العلاقة بين النظام الرأسمالي العالمي في تجلياته المعاصرة والحرب . أو على نحو أوضح في الإجابة على السؤال التالي: هل ثمة علاقة بين التطور الحاصل في النظام الرأسمالي والاتجاه المتزايد نحو (العولمة)، وبين حالة الحرب التي تصر الولايات المتحدة (العملاق العولمي )، على فرضها على العالم؟ وهل هدف« فرض جدول اعمال اقتصادي عالمي» يبرر تلك الحرب او يعتبر مبرراً كافياً لها؟ وما هي الفلسفة الاقتصادية التي تكمن خلف ذلك كله؟‏

بداية نقول ان حالة الحرب الراهنة ليست جديدة، فدائما كانت هناك حالة حرب او تهديد بالحرب. فالتاريخ حافل بالشواهد. وتاريخ القرن العشرين بالذات يحتضن بين صفحاته حربين عالميتين ساخنتين، وثالثة باردة، فضلاً عن عشرات الحروب الاقليمية والاهلية التي لا تزال نارها مشتعلة احياناً اخرى .‏

مايميز حالة الحرب الراهنة، انها تأتي من خلال« عملية» مخططة يجند لخدمتها مجمع هائل يضم التجمع الصناعي - الم الي - العسكري - الاعلامي المهيمن على القرار السياسي في الولايات المتحدة، في محاولة سافرة للسيطرة على القرار الكوني المعزز بامتلاك عناصر القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية ، حيث يمكن بذلك الاعلان رضوخ العالم لمشيئة ومقتضيات «نظام عالمي شمولي »يقاد من قبل الولايات المتحدة وفقاً لأهداف ومصالح الادارة الامريكية اليمينية المحافظة، التي تتبنى طروحات الليبرالية الاقتصادية الجديدة، وتلتقي في أهدافها مع المشروع الصهيوني.‏
لقد دخلت(العولمة) طورها العسكري في حرب الخليج الثانية، ثم حرب يوغسلافيا، وكانت احداث ايلول / سبتمبر 2001 ، إعلاناً عن الدخول الى مرحلة جديدة تحت عنوان (مكافحة الارهاب ) التي جاءت حرب افغانستان في اطارها ، وباءت حتى الآن بالفشل، مما جعل الادارة الامريكية تبحث عن انتصار اسهل ، وجدته في الحرب ضد العراق، ثم بالاعلان عن (محور الشر) الذي يضم الى جانب العراق كوريا الشمالية وايران .‏


(……..)


ان الاقتصاد الامريكي اليوم، تتحكم به مصالح قوى مالية ونفطية هائلة. ويلعب في هذا الاطار سماسرة البورصة والاوراق المالية الدور الاهم الى جانب الطغمة الصناعية- العسكرية- النفطية - الاعلامية وينعكس ذلك على حياة السكان، حيث تتمظهر الازمة الاقتصادية في تراجع معدلات الاستثمار والاستهلاك. مما يؤدي الى فقدان الثقة بالاقتصاد الامريكي ، ويطيل فترة الكساد.‏
والملفت في التحولات الاقتصادية في حياة السكان، انه بعد ان كان التعامل في البورصة والاسواق المالية، حكراً لكبار اصحاب رؤوس الاموال ، فقد اتسعت شرائح المتعاملين في الاوراق المالية من اسهم وسندات لتشمل قطاعات واسعة من افراد الطبقة الوسطى ، واصبح التعامل بالاسهم جنوناً كاسحاً يمارسه اكثر من 50 % من السكان.‏
وكان لهذا نتائجه على الاقتصاد والمجتمع، لقد فقد المجتمع ثقافة الانتاج ، واتجه الى ثقافة الاستهلاك والركض خلف سراب الربح من المتاجرة بالأسهم والاوراق المالية الى المضاربة والمقامرة في ملاعب سباق الخيل وحلبات المصارعة، واحدثت هذه الاوضاع خللاً اجتماعياً برز في تزايد اعمال العنف والانحراف والجريمة . من هنا يبدو لا يوجد أي فق واضح لحل يضمن مصالح القوى الفاعلة في الاقتصاد الامريكي سوى في البحث عن (عدو) تتوجه نحوه جهود المجتمع الامريكي ( بكامله ) وتتوحد في مواجهته اولاً بالتهديد بالحرب، وثانياً في الحرب ذاتها وما ينجم عنها من ظروف ومعطيات جديدة، وخاصة في معرض اعادة تعمير ما خربته الحرب الذي من شأنه تحريك عجلة الاقتصاد بعد ان تكون الحرب قد استنزفت قطاعات واسعة من هذا الاقتصاد.‏


(…………….)


والحرب تعني الكثير للرأسمالية، فمن خلالها، يمكن تحريك عجلة الاقتصاد، فمصانع الاسلحة تعمل بطاقتها، ومستلزمات الحرب(الذخيرة والدواء والعتاد والغذاء) يزداد الطلب عليها، مما يستتبع زيادة العرض. لقد بدأت بوادر انتعاش في الاقتصاد الامريكي بعد شن الحرب ضد افغانستان .. ولكن هذا الانتعاش لم يكن سوى وهماً، تفاعل به المتفائلون من دعاة الحرب ليخفوا عجزهم، وليبرروا (فوائد) حربهم المقبلة ضد العراق. لقد كان الطلب على البضائع والاسلحة والذخيرة اقل مما هو في المستودعات والمخازن، ولم يستطع الطلب الاضافي تجاوز حالة الركود. مما اقتضى المضي في خلق حالة التوتر والاستمرار بدق طبول الحرب ضد العراق، حيث اصبح الهدف الامريكي - الصهيوني: الانتقال من مرحلة الرغبة في قيادة العالم، الى مرحلة الاستبداد بمقاليد العالم، أي إرساء نوع من الديكتاتورية الكونية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في اعتى الامبراطوريات .‏


(……..)


ما هي الخلفية النظرية الاقتصادية للعولمة وتداعياتها على الساحة الدولية والاقليمية ؟ وما هي الفلسفة الاقتصادية الكامنة التي حكمت هذه النظرية؟‏


الاجابة على هذه التساؤلات تضعنا امام مراجعة تاريخية معاصرة كما تضعنا في مواجهة التناقض الاساسي الرأسمالي العالمي القائم، وهو التناقض بين المراكز والاطراف ، بين الشمال والجنوب، بين الدول الغنية والدول الفقيرة بينما يظل التناقض الرئيسي هو بين الرأسمال والعمل، الذي تحدد علاقته بنمط الانتاج الرأسمالي الذي يسيطر على مجمل النظام. ولا يظهر هذا التناقض الرئيسي إلا من خلال التناقض الاساسي الذي يصبح الشكل العملي لتمظهره .‏


لقد شهد العالم في المرحلة الاخيرة من الحرب العالمية الثانية، سعي الدول الغربية الصناعية الى ايجاد نظام اقتصادي عالمي جديد، وكان مصممو هذا النظام واقعون تحت تأثير عدد من العوامل اهمها .‏


1- منطق التوسع الرأسمالي، ومتطلبات النمو الاقتصادي، ونمطه وايديولوجيته المتمثلة في الليبرالية الاقتصادية، بهدف خدمة مصالح رأس المال وعلى رأسه المال الامريكي .‏
2- إعمار ما خربته الحرب في اوروبا واليابان وما يتطلبه ذلك من مستلزمات.‏
3- العمل على احتواء الاتحاد السوفييتي، وتحقيق انحسار للمد الشيوعي واقامة نموذج متقدم للرأسمالية، يستطيع ان يقف في وجه الاشتراكية السوفييتية ويتجاوزها.‏


لقد كانت الولايات المتحدة، وهي التي خرجت منتصرة من الحرب، تهدف الى تحقيق تكامل في الاقتصاد العالمي، تحت قيادتها، وهي التي تمتلك اقتصاداً قوياً، زادته متطلبات الحرب قوة، فطالبت بتطبيق الحرية الاقتصادية، وهو النظام الذي يخدم (دائماً) الاقتصاد الاقوى والاغنى ، حيث تمثل النظام الجديد في محادثات ( بريتون وودز ) عام 1944 ، في الاتفاق على تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي ابرام اتفاقية 1947 التي عرفت باتفاقية (الجات). (…….)


على صعيد السياسات الاقتصادية الداخلية، شهد تطور الاقتصاد العالمي، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، مرحلة من التوسع السريع الذي احرزته عملية اعادة البناء، وتعمير ما خربته الحرب. وشهد العالم ثلاثة نماذج من الانظمة الاقتصادية:‏


النموذج الاول : الدولة الكينزية ( دولة الرفاه ) التي سادت في الدول الصناعية المتقدمة.‏
النموذج الثاني: الدولة الاشتراكية(النموذج الاشتراكي السوفييتي) في الاتحاد السوفييتي ودول اوروبا الشرقية وغيرها.‏
النموذج الثالث: الدولة التنموية في بلدان العالم الثالث التي بدأت في نيل استقلالها السياسي تباعاً.‏


إلا ان العالم الصناعي الرأسمالي، بدأ يعاني من ازمات مالية ونقدية منذ اواخر الستينيات وخاصة في بداية سبعينيات القرن الماضي. اضافة الى تعرضه الى حالة من الركود التضخمي، وما نجم عن ذلك من بطالة واختلالات هيكلية عكست عجز الشكل التنظيمي القائم وقت ذاك عن تمكين المجتمع من استخدام قواه الانتاجية والبشرية والمادية المتاحة استخداماً فعالاً.‏
فاتسعت الفجوة بين طرفي هرم توزيع الدخل والثروة، وبدأت معدلات النمو الاقتصادي تميل نحو الانخفاض، وبدأ التفسخ يدب في النظام النقدي الدولي بعد ان ألغت الولايات المتحدة قابلية تحويل الدولار الى ذهب عام 1970 . ‏
وفي البلدان النامية تعثرت عمليات التنمية، وبدأت اقتصاداتها تمر بأزمات حادة، وزاد من صعوبة اوضاعها تزايد ارقام مديونيتها الخارجية. فقد اتجهت الدوائر الرأسمالية العالمية، لاستخدام فائض موجوداتها المالية، في قروض تمنح للدول النامية ضمن شروط صعبة، مستغلة حاجة هذه الدول الى تلك القروض. فأوقعها ذلك في شباك وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مما زاد في تفاقم اوضاعها ، بدلاً من ان يضعها في الطريق الصحيح نحو تحقيق التنمية المنشودة، فارتهنت قواها الانتاجية لحساب رأس المال ومؤسساته الدولية، وفقدت القدرة على صنع قرارها السياسي والاقتصادي المستقل.‏


ان الازمة الهيكلية التي اصابت الدول الصناعية الرأسمالية جعلتها تفكر بالمخرج السهل بالنسبة لها، فمع فيض انتاجها الناجم عن تنامي قدراتها الانتاجية ، ومع التطور الهائل في العالم والتكنولوجيا ، ومع الزيادة الهائلة في حجم رأس المال الذي تضيق الاسواق المالية في البلدان الصناعية عن استيعابه، اصبح المطلوب هو توسيع السوق، وإلغاء الحواجز التي تقف في طريق التبادل التجاري الحر، وكذلك إلغاء القيود التي تحد من انتقال رؤوس الاموال الباحثة دائماً عن الاستثمار المربح.‏
ومع صعوبات وازمات الدول الصناعية، وامام عجز الكينزية عن ايجاد الحلول السريعة والحد من تفاقم الاوضاع ، اندفعت الليبرالية الاقتصادية الجديدة، بتقديم نفسها كحل لهذه الازمات ، وتجلى ذلك في نجاح تاتشر في الانتخابات وتولت رئاسة الحكومة البريطانية (1979) وكذلك في نجاح ريغان في رئاسة الولايات المتحدة(1980 ) ومع توالي الاحداث في الاتحاد السوفييتي، تولى غورباتشوف الحكم فيه واعلن عن برنامجه الاصلاحي 1985، الذي دعاه( البيروسترويكا ) ذلك البرنامج الذي مهد الطريق الى سقوط التجربة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفييتي، حيث رافق ذلك وتلاه احداث اوروبا الشرقية التي كان اهمها سقوط جدار برلين وانتصار الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية وانتهاء الحرب الباردة.‏
يمكن اعتبار هذه الأحداث بمثابة انتهاء مرحلة او حقبة وابتداء اخرى تتمثل في طور جديد من… التي . …. الولايات المتحدة الى فرضها على العالم من خلال سياسات واستراتيجيات على الاصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.‏
وتتجلى هذه السياسات على الصعيد الاقتصادي في تعميم الدعوة الى الليبرالية الاقتصادية الجديدة التي بدأ الترويج لها على نطاق عالمي من خلال المؤسسات الدولية بتعاون مع المؤسسات المالية والاعلامية التي يقف على رأسها كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيث جرى(التوافق) بين ما تنادي به هاتين المؤسستين وما تطالب به حكومة الولايات المتحدة خلال ما يدعى«توافق واشنطن» الذي يتناول مجموعة من السياسات والتوصيات والمبادىء التوجيهية التي تم التوصل اليها بين الاطراف الثلاثة(الصندوق والبنك الدوليين وحكومة الولايات المتحدة). ولعل اهم ما ينادي به«توافق واشنطن» وما اصبح يطلق عليه الآن«ما بعد توافق واشنطن» ما يلي:‏


* حكومة الحد الادنى واقل تدخل ممكن من جانب الدولة في الشؤون الاقتصادية.‏
* التثبيت الاقتصادي بفرض السيطرة على التضخم.‏
* عدم الحرص الزائد على خفض البطالة وتجنب العمالة الكاملة.‏
* احلال الواردات.‏
* عدم وجود معدلات شديدة الارتفاع للادخار.‏
* الخصخصة.‏
* دعم حرية السوق.‏


وغير ذلك من سياسات تعبر عن توجهات الليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي تكملها سياسات واهداف منظمة التجارة العالمية، لتشكل بمجموعها الفلسفة الاقتصادية الكامنة للعولمة، في سعيها الى فرض الاسواق الحرة على الحياة الاقتصادية للمجتمعات على نطاق العالم، بهدف إدماج الاقتصادات المتنوعة في سوق حرة عالمية واحدة، مستفيدة مما توفره لها المؤسسات الاعلامية وتكنولوجيا الاتصالات من وسائل مساعدة، وكذلك ما تقيمه الشركات متعدية الجنسية من هياكل انتاجية ومؤسسات، وما توفره المؤسسات المالية العالمية والاسواق المالية من حرية حركة لرأس المال. وتستند الليبرالية الاقتصادية الجديدة في جانبها التجاري الى مقولة مفادها ان «التجارة(الخارجية) هي محرك النمو وقاطرة التنمية وحرية التجارة هي افضل سبيل لتقسيم العمل وتخصيص الموارد على الصعيد الدولي، ومن ثم فهي افضل سبيل لنمو التجارة بين الدول».‏

إن هذه الفلسفة تتجاهل الهوة العنيفة التي تفصل بين مستويات التطور الاقتصادي في الأجزاء المختلفة من العالم، كما انها فلسفة تبريرية وترويجية لمبدأ تحرير التجارة والليبرالية الاقتصادية بوجه عام.‏
وهي تتجاهل أمرين على غاية من الأهمية أكدتها حقائق النمو تاريخياً وهما:‏


1- ان السياسات الحمائية وغيرها من التدخلات الحكومية، هي التي ساعدت النمو في الصناعة الوطنية للدول الصناعية المتقدمة. وكانت تلك السياسات من ضمن حزمة من السياسات التي اسهمت في تقدم تلك البلدان التي اعتمدتها.‏
2- ان توسع التجارة العالمية، جاء نتيجة للنمو الاقتصادي السريع، عكس ماتقوله الليبرالية الاقتصادية الجديدة بأن توسع التجارة كان سبباً للنمو الاقتصادي.‏


والواقع فإن القوة الدافعة لتحرير الأسواق، ليست هي الكفاءة الاقتصادية ولا الرفاهية لجميع شعوب العالم، إنما هي رغبة الدول الصناعية المتقدمة والدول حديثة التصنيع في فتح أسواق الدول الأخرى أمام منتجاتها، بعد ان احرزت تقدماً اقتصادياً جعل منها قوة اقتصادية قادرة على فرض إرادتها في العلاقات مع العالم الخارجي. وبعد أن اصبح إيجاد الأسواق الخارجية أمر ضروري لتصريف انتاجها الزائد والبحث عن مجالات لاستثمار الأموال الفائضة عن حاجتها.‏
فالمسألة إذن تتعلق بتصريف فائض الانتاج وإيجاد قنوات استثمار مريح لفائض السيولة .‏
وهذا الأمر لايمكن تحقيقه إلا من خلال فرض حرية الأسواق وحرية التبادل وضمان حرية حركة رأس المال وذلك بصرف النظر عما تلحقه هذه السياسة من اضرار بالصناعة الوطنية وبالأوضاع الاقتصادية للبلدان المستهدفة وهذا ماسيؤدي إلى وجود حالة من عدم التكافؤ والمساواة في العلاقات الدولية من شأنها أن تزيد من قوة القوي كما تزيد من ضعف الضعيف فيزداد التهميش والاستقطاب على مستوى المجتمع الواحد وعلى المستوى العالمي في العلاقات الدولة.‏


لكن هذا البرنامج يواجه بعقبتين:‏


العقبة الأولى تتمثل في تفاقم الأزمة في داخل الأنظمة الرأسمالية القائمة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو ذلك في:‏


- وجود مظاهر ركود طويل المدى في الاقتصادات الرأسمالية عموماً، وفي الولايات المتحدة خاصة.‏
- نمو الادخار بما يزيد عن الاستثمار على الصعيد العالمي، بسبب الافتقاد إلى منافذ استثمار مريح في مجال الطاقات الانتاجية المادية، نظراً للاتجاه المتدهور لمعدلات الربح فيها.‏
- نمو هائل في ا لأموال التي تتحرك يومياً بألوف المليارات من الدولارات عبر الحدود، بما يزيد بــ 50 ضعفاً عن حركة السلع والبضائع.‏
إن وضعاً كهذا، سيهدد النظام الرأسمالي العالمي برمته ، باندلاع كساد عظيم يدمر الفوائض المالية التي تراكمت عبر السنين.‏
من هنا، فإن برنامج الليبرالية الاقتصادية الجديدة ،، يهدف إلى توفير فرص الاستثمار واستيعاب الفوائض المالية الهائلة، الأمر الذي يقتضي:‏
- تحرير التجارة الخارجية وتعويم أسعار الصرف.‏
- اضعاف الدولة القومية وتهميش دورها الاقتصادي.‏
- الضغط على البلدان النامية بما فيها اوروبا الشرقية، لوضع سياسات اقتصادية ومالية واجتماعية جديدة( تستجيب) للخطاب الليبرالي الجديد، ضمن متطلبات«العولمة». وإذ تقوم حكومات الأنظمة الرأسمالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة بتنفيذ مايخصها من هذه السياسة، فإن على باقي الدول والحكومات في العالم(الاستجابة) لذلك.‏


وكلة (الاستجابة ) هي الكلمة المخففة للتعبير الأساسي الذي تريده الولايات المتحدة، وهو (الخضوع) الذي يتطلب الانصياع في تنفيذ نصائح وتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتنفيذ السياسة الاقتصادية والمالية اللازمة والمناسبة التي تؤهل الدول، ليس فقط لتسهيل حصولها على القروض والاستثمارات إنما أيضاً تعطيها جواز المرور للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، مما يخضعها مجدداً لمجموعة من الشروط الجديدة حول فتح حدودها، بلا قيود، لبضائع وسلع ومنتجات الدول الصناعية المتقدمة، دون أن تفكر ان تحظى بمعاملة مماثلة.‏
وهنا يجب أن نلاحظ أن فتح الحدود أمام حركة البضائع، لايقابله تسهيل حركة الأشخاص. التي ستظل باتجاه واحد، أي أن الحدود المفتوحة لعبور الامريكيين والاوروبيين بينما ستظل مغلقة في وجه أبناء الجنوب، بحجة الحد من الهجرة، أو منع حركة الاصوليين او محاربة الارهاب .‏
إذن، فالنظام الرأسمالي العالمي يمر بأزمة، وهذه الأزمة، تقف عائقاً أمام تنفيذ الاستراتيجية الامريكية المعولمة ، وحل الازمة التقليدي هو في فرض البرنامج( العولمي ) على دول العالم وشعوبه، ولو باستخدام القوة.‏


الآن نتوجه للعقبة الثانية التي تقف في وجه المشروع الامريكي -الصهيوني العولمي . وهذه العقبة هي مايدعى ( بالدول المارقة) والتي اختصرها الرئيس الامريكي بوش بـ «محور الشر»وهي (الآن ثلاث دول: العراق -كوريا الشمالية-إيران).‏
وسابقاً في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، اختصر الرئيس الأمريكي ريغان (العقبة)أمام مشروعه بـ « امبراطورية الشر» أي الاتحاد السوفييتي والشيوعية.‏
واليوم فإن ( الامبراطورية الامريكية ) ترى العقبة في الارهاب اولا ، ثم في «محور الشر» وهي تعمل على (تفكيك) قوى العدو، فقد اعلنت حربها على الارهاب واستطاعت إيهام المجتمع الدولي بوجود هذا «العدو» غير واضح المعالم، صورته اولاً في صحارى وبيوت الطين وكهوف الجبال في افغانستان ، ثم بإطلاق يد اسرائيل في قمع الانتفاضة الفلسطينية الباسلة، وسكتت عما يجري مع الشيشان ، وفي ايرلندا واسبانيا وفي تركيا وفي افريقيا ، وغيرها من بقاع العالم.


(…………..)


ويرى ( بارنيت ) بناء على هذه المقدمة، انه يجب تقسيم العالم إلى مناطق « تجذرت فيها العولمة واخرى لم تتجذر فيها» فالمناطق التي تتكثف فيها العولمة (بفضل انتشار شبكات الانترنت والصفقات المالية، والتدفق الاعلامي الحر، والأمن الجماعي) تشهد حكومات مستقرة ومستويات عيش مرتفعة ووفيات بسبب الانتحار أكثر منها بسبب القتل.‏
وتسمى هذه الأجزاء من العالم(النواة الفعالة او النواة).‏
أما المناطق التي تضعف فيها العولمة، تغيب عنها، فتتفشى فيها الانظمة القمعية والاوبئة الجماعية، والأهم من ذلك تتفشى فيها (النزاعات المستمرة التي هي أرض خصبة لولادة جيل جديد من الارهابيين الذين يعملون على نطاق عالمي) وتسمى هذه الأجزاء من العالم(الثغرة غير المندمجة او الثغرة).‏


ويقول ( دارنيت ) …….. ان الخريطة العالمية الجديدة تفترض استراتيجية امريكية جديدة، تقوم على:‏


1- تعزيز جهاز المناعة في دول( النواة) لزيادة قدرته على مواجهة اضطرابات النظام الناجمة عن أحداث ايلول /سبتمبر 2001.‏
2- تحويل الدول الفاصلة إلى جدار يحمي النواة من أسوأ صادرات الثغرة كالإرهاب والمخدرات والاوبئة .‏
3- والأهم من ذلك تقليص الثغرة( ولم أقل الحذر منها).‏


أما نقطة الانطلاق الأنسب فيراها ( بارنيب ) الشرق الأوسط.‏


« فالدبلوماسية » لاتنجح حيث أكبر مصادر انعدام الأمن ليست بين الدول، بل داخلها، «أما أكبر مشاكل(الشرق الأوسط) فيراه في «غياب الحرية الشخصية وبالتالي انسداد الأفق أمام غالبية السكان خصوصاً الشباب منهم».‏
ويرى ان الحرية لن تزدهر في الشرق الأوسط «بدون أمن، والأمن هو أبرز صادرات القطاع العام في هذه البلاد، لا أقصد صادرات الأسلحة، بل بشكل خاص الانتباه الذي تعيره قواتنا العسكرية للمناطق التي هي أرض خصبة لتفشي العنف، نحن البلد الوحيد على وجه الأرض القادر على تصدير الأمن، بشكل مستدام وسجلنا حافل بالأمثلة «لذا فهو يدعو إلى تصدير الأمن إلى ( الثغرة) تصديراً نظامياً وطويل الأمد». وإلا فإن هذه (الثغرة) «ستستمر بتصدير معاداتها أكثر فأكثر إلى (النواة) بشكل إرهاب وعوامل اخرى مقوضة للأمن».‏


وبعد أن يدعو المؤسسة العسكرية إلى إحداث تغيير فيها، يعكس التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة ( بتحويل) الجيش ليستطيع مواجهة اخطار العدو، انطلاقاً من محاربة النار بالنار فإنه يرى أن «النجاح في ردع الحرب الشاملة، ووضع حد للحروب بين دولة واخرى ، وهو الذي يسمح (لنا) بالتدخل في النزاعات الداخلية أشد صعوبة، ومضاعفاتها الخطيرة، التي تتخطى حدود الدول».‏

وهنا يدعو (ويبدو واضحاً أن هذا هو احد الأسباب المستترة الحقيقية لشن الحرب على العراق) إلى عدم تجاهل وجود(الثغرة) لن ذلك يعرض الولايات المتحدة للخطر الذي لن يزول إلا «إذا عملنا على جعل العولمة شاملة حقاً».