"المالتوسية الجديدة" أخطر من "الليبرالية الجديدة" و "المحافظ
مرسل: الثلاثاء مايو 01, 2012 9:22 pm
"المالتوسية الجديدة" أخطر من "الليبرالية الجديدة" و "المحافظين الجدد" ..!
د. محمد عبد الشفيع عيسى
هل تلاحظون فقر الفقراء وبؤس البائسين في كل بقعة من بقاع الأرض، لا سيما في أغلب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؟هل يكاد ينفجر الكون بمن عليه، وتختنق الكرة الأرضية بساكنيها؟هذا ما قال به المفكر الاقتصادي البريطاني مالتوس ( 1766-1836) في نظريته الشهيرة، أو فكرته الأولى.. أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية ، بينما تتزايد الموارد الغذائية بمتوالية حسابية، ولا حل للتناقض بين هذين الحدين إلا بواسطة الطبيعة نفسها: بالأوبئة والكوارث والحروب، فتقلل من حجم السكان ليظل عند المستوى المناسب للموارد المتاحة ..!
على النقيض من النظرة التشاؤمية لمالتس، والتي تعكس واقع الرأسمالية الحديثة، يجيء كارل ماركس (1818 – 1883) ليعكس تفاؤلية الفكر الاشتراكي : أن حل التناقض في بنية علاقات الإنتاج (بين العمال والرأسماليين) يكمن في الاستفادة من طاقات قوى الإنتاج الآلية والبشرية .. عن طريق التقدم التكنولوجي والاقتصادي – الاجتماعي، وهذا لا يتم إلا عن طريق الثورة على الرأسمالية، وإقامة نظام إنساني جديد، على المدى البعيد، هو النظام الاشتراكي..!
ولكن النظام الاشتراكي لم يقم، لأن الظروف الموضوعية والذاتية العالمية لم تنضج لإقامته .. لأسباب عديدة .. وحينما قامت نظم تحت راية الاشتراكية، بين الصين وروسيا، لم تصمد أمام القوة العاتية للرأسمالية المتجبرة، المتوسلة بالتقدم التكنولوجي، وبالاستعمار وبأدوات الهيمنة والاختراق من الخارج، لتثبت أن الاشتراكية ما يزال أمامها شوط طويل .. يقول سمير أمين إنه شوط بامتداد مائة عام أو يزيد ..!
بيْد أن المالتوسية تبدو في العقد الأخير (خاصة بعد انهيار السوفييت) وكأنها (نبوءة تحقق ذاتها) .. فالسكان يتزايدون، وحاجاتهم الإنسانية – الاجتماعية تتعاظم بفعل عدوى (التقدم) الكمي – الاقتصادي والتكنولوجي، بينما الموارد المتاحة لإعاشتهم ورفاهيتهم لا تزيد بنفس المعدلات .. فيظل مليارات البشر يعيشون حياة لا تليق بالتقدم المادي – الكمي الذي يحيط بهم ، وهذا ما يطلق عليه الفكر الاقتصادي السائد: (الفقر)، ويسمون هؤلاء الناس (الفقراء) ..! ومن وجهة النظر هذه: إن الفقر والفقراء تعبير عن ظواهر (طبيعية)، والمهم التقليل من حدتها، وتخفيف (الفجوة) مع الأغنياء، من أجل العمل على اللحاق بهم في الأجل الطويل .. بالتنمية البشرية ..! والمستدامة أيضاً ..!
وهذه خرافة أخرى من خرافات الفكر الاقتصادي.. فلن يحل التناقض سوى نظم اجتماعية جديدة، عالمياً ومحلياً، جوهرها اجتماعي – إنساني، يقضي على الطابع (التناحري) للتكوينات الاجتماعية والطبقية، ذلك الطابع الكامن في بنية النظام الرأسمالي المركزي القائم، وتوابعه من (أشباه الرأسمالية) ..! وما صلة النزعة المالتوسية الجديدة بكل ذلك ..؟ إنها التنظير لواقع التناقض القائم .. بالادعاء أن العيب ليس في (النظام) ، ولكن في السكان أنفسهم: زيادة أعدادهم، وتطلعاتهم التي يمليها واقع العصر .. لذلك تبدو كافة الكوارث والحروب، وكأنها قدر مقدور، وخارجة عن إرادة النظام العالمي، وقواه المسيطرة الكبرى على ضفتي الأطلنطي بالتحديد: أمريكا وأوروبا .. وتمضي المالتوسية الجديدة: إن النزعة (الإنسانية) لدى قادة النظام العالمي تجعلهم يتجهون إلى التخفيف من وقع الكارثة المحدقة: بأعمال الإغاثة، وبالمساعدة عن طريق المعونة لتحقيق (الأهداف التنموية للألفية الثالثة)..!
والحق أن المالتوسية الجديدة تعبير أبْعَد غوْرا، عن شراسة الفكر الرأسمالي، الذي يتجسد في مجال السياسات الاقتصادية باسم (الليبرالية الجديدة): إطلاق قوى السوق والقطاع الخاص، وفي المجال السياسي من خلال (المحافظين الجدد) أمثال أولئك الذين يحكمون الولايات المتحدة الآن، ويكادون يحكمون رأس فرنسا وألمانيا، وربما غيرهما .. بالإضافة إلى توابعهم في بلاد تكاد تنمو أو لا تنمو، ومنها في الوطن العربي عديد، في مقدمتهم مصر العربية .. وما الحل ..؟ هل نتعايش مع الفقر والكوارث والأوبئة، وتدهور البيئة، والفيضانات والحر اللاهب في الصيف وصقيع الشتاء والحروب والغزوات، والفتن الأهلية..؟ وهل يظل (الفقراء) قانعين بفتات يلقى إليهم من منظمات الإغاثة ووكالات المعونة الخارجية للدول الكبرى ..؟
أم أنه لا يصح إلا الصحيح ..؟ أي السعي إلى إقامة نظم اجتماعية جديدة، غير منطوية على الظلم والعنف، نظم تسير بخطى واثقة على طريق طويل قادم نحو .. الاشتراكية..؟
هذا هو الحل الذي نراه ويراه كثيرون، ويراه البعض بعيداً، ونراه قريباً..!
د. محمد عبد الشفيع عيسى
هل تلاحظون فقر الفقراء وبؤس البائسين في كل بقعة من بقاع الأرض، لا سيما في أغلب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؟هل يكاد ينفجر الكون بمن عليه، وتختنق الكرة الأرضية بساكنيها؟هذا ما قال به المفكر الاقتصادي البريطاني مالتوس ( 1766-1836) في نظريته الشهيرة، أو فكرته الأولى.. أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية ، بينما تتزايد الموارد الغذائية بمتوالية حسابية، ولا حل للتناقض بين هذين الحدين إلا بواسطة الطبيعة نفسها: بالأوبئة والكوارث والحروب، فتقلل من حجم السكان ليظل عند المستوى المناسب للموارد المتاحة ..!
على النقيض من النظرة التشاؤمية لمالتس، والتي تعكس واقع الرأسمالية الحديثة، يجيء كارل ماركس (1818 – 1883) ليعكس تفاؤلية الفكر الاشتراكي : أن حل التناقض في بنية علاقات الإنتاج (بين العمال والرأسماليين) يكمن في الاستفادة من طاقات قوى الإنتاج الآلية والبشرية .. عن طريق التقدم التكنولوجي والاقتصادي – الاجتماعي، وهذا لا يتم إلا عن طريق الثورة على الرأسمالية، وإقامة نظام إنساني جديد، على المدى البعيد، هو النظام الاشتراكي..!
ولكن النظام الاشتراكي لم يقم، لأن الظروف الموضوعية والذاتية العالمية لم تنضج لإقامته .. لأسباب عديدة .. وحينما قامت نظم تحت راية الاشتراكية، بين الصين وروسيا، لم تصمد أمام القوة العاتية للرأسمالية المتجبرة، المتوسلة بالتقدم التكنولوجي، وبالاستعمار وبأدوات الهيمنة والاختراق من الخارج، لتثبت أن الاشتراكية ما يزال أمامها شوط طويل .. يقول سمير أمين إنه شوط بامتداد مائة عام أو يزيد ..!
بيْد أن المالتوسية تبدو في العقد الأخير (خاصة بعد انهيار السوفييت) وكأنها (نبوءة تحقق ذاتها) .. فالسكان يتزايدون، وحاجاتهم الإنسانية – الاجتماعية تتعاظم بفعل عدوى (التقدم) الكمي – الاقتصادي والتكنولوجي، بينما الموارد المتاحة لإعاشتهم ورفاهيتهم لا تزيد بنفس المعدلات .. فيظل مليارات البشر يعيشون حياة لا تليق بالتقدم المادي – الكمي الذي يحيط بهم ، وهذا ما يطلق عليه الفكر الاقتصادي السائد: (الفقر)، ويسمون هؤلاء الناس (الفقراء) ..! ومن وجهة النظر هذه: إن الفقر والفقراء تعبير عن ظواهر (طبيعية)، والمهم التقليل من حدتها، وتخفيف (الفجوة) مع الأغنياء، من أجل العمل على اللحاق بهم في الأجل الطويل .. بالتنمية البشرية ..! والمستدامة أيضاً ..!
وهذه خرافة أخرى من خرافات الفكر الاقتصادي.. فلن يحل التناقض سوى نظم اجتماعية جديدة، عالمياً ومحلياً، جوهرها اجتماعي – إنساني، يقضي على الطابع (التناحري) للتكوينات الاجتماعية والطبقية، ذلك الطابع الكامن في بنية النظام الرأسمالي المركزي القائم، وتوابعه من (أشباه الرأسمالية) ..! وما صلة النزعة المالتوسية الجديدة بكل ذلك ..؟ إنها التنظير لواقع التناقض القائم .. بالادعاء أن العيب ليس في (النظام) ، ولكن في السكان أنفسهم: زيادة أعدادهم، وتطلعاتهم التي يمليها واقع العصر .. لذلك تبدو كافة الكوارث والحروب، وكأنها قدر مقدور، وخارجة عن إرادة النظام العالمي، وقواه المسيطرة الكبرى على ضفتي الأطلنطي بالتحديد: أمريكا وأوروبا .. وتمضي المالتوسية الجديدة: إن النزعة (الإنسانية) لدى قادة النظام العالمي تجعلهم يتجهون إلى التخفيف من وقع الكارثة المحدقة: بأعمال الإغاثة، وبالمساعدة عن طريق المعونة لتحقيق (الأهداف التنموية للألفية الثالثة)..!
والحق أن المالتوسية الجديدة تعبير أبْعَد غوْرا، عن شراسة الفكر الرأسمالي، الذي يتجسد في مجال السياسات الاقتصادية باسم (الليبرالية الجديدة): إطلاق قوى السوق والقطاع الخاص، وفي المجال السياسي من خلال (المحافظين الجدد) أمثال أولئك الذين يحكمون الولايات المتحدة الآن، ويكادون يحكمون رأس فرنسا وألمانيا، وربما غيرهما .. بالإضافة إلى توابعهم في بلاد تكاد تنمو أو لا تنمو، ومنها في الوطن العربي عديد، في مقدمتهم مصر العربية .. وما الحل ..؟ هل نتعايش مع الفقر والكوارث والأوبئة، وتدهور البيئة، والفيضانات والحر اللاهب في الصيف وصقيع الشتاء والحروب والغزوات، والفتن الأهلية..؟ وهل يظل (الفقراء) قانعين بفتات يلقى إليهم من منظمات الإغاثة ووكالات المعونة الخارجية للدول الكبرى ..؟
أم أنه لا يصح إلا الصحيح ..؟ أي السعي إلى إقامة نظم اجتماعية جديدة، غير منطوية على الظلم والعنف، نظم تسير بخطى واثقة على طريق طويل قادم نحو .. الاشتراكية..؟
هذا هو الحل الذي نراه ويراه كثيرون، ويراه البعض بعيداً، ونراه قريباً..!