حدود التنظيم المدني
حدود التنظيم المدني
مجلّة وكتابان وثائقيان وكتاب
من أجل إعطاء حجمها للتساؤلات التي يطرحها التنظيم المدني على مشاريع مجتمعاتنا، صدر كتابان في الربيع يفجّران الأطر في الاختصاصات المعنيّة. لا يريدون التوقّف عند السيطرة المتعدّدة الأشكال لرأسمالٍ بات من دون خارج، ولا عند المسألة الاجتماعية التي يفضّلون تمويهها إلى مشكلة مدينية. هكذا يلخّص عالم الاجتماع جان-بيير غارنيه الأمر في مجلّة Agone [1].
فرادة العدد الأخير من هذه المجلة تأتي من التنوّع - الجغرافي والمفهوميّ – للمساهمات، أكثر منه من الـقرص المدمج المرافق لها [2]. فبينما لا تترك الرؤية المعيارية للحيّز لا تترك أيّ مكانٍ - يعني في العديد من الظروف أيّ فرصةٍ - للسكان على الأرض، يتيح الإنتاج الإيديولوجي تمويه العنف الاجتماعي المنتِشر.
المطلوب هو ابتداع أدوات تحليل من أجل تسليح النضالات المدينية. وهذه هي حال مفهوم النخبوية النبيلة، أي حصر الحقّ في المدينة، لا سيّما بالقدرة على حيازة مسكنٍ وفضاءاتٍ عامة، المرتبط بشكلٍ وثيقٍ بالمشروع السياسي النيوليبرالي. يشدّد هذا المفهوم على دور النبلاء الصغار -الجنتري البريطانية-، ويتبنّى بعداً طبقيّاً، ويجمع في مفهومٍ واحد جميع الحروب التي شُنّت على الطبقات المحرومة لاقتلاعها من أحيائها: جعلهم يهرولوا بحسب التعبير في بوركينا فاسو.
ما هي الآليات التي تعمل؟ تعابيرٌ مثل إعادة احياء أو إعادة اعتبار تسمح خادعة بتحويل مصلحة البعض إلى مصلحةٍ عامة. وهي مخاتلة على غرار أمميّات الشراكات بين العام والخاص التي، من واغادوغو الى بروكسيل مروراً ببكين، يمكن لها أن تمثّل أيضاً أسوأ أشكال طمس النقاش العام (…) والتلاعب بالمصلحة العامة.
تؤثّر هذه الديناميات في العمق على علاقة سكان المدينة بمدينتهم. كما في الهند حيث يكافح المتعهّدون ضد الطريقة التي يتصوّر فيها أهل المدينة أملاكهم بنفسها؛ لأن إدخال مفهوم الملكية القانونيّة (…) يشرّع خلق سوقٍ عقاريّة مرتبطة بالأسواق العالمية… يسمح تنوّع الحالات المدروسة أخيراً بمقاربةٍ أفضل لتماسك الظواهر المتناثرة والمتضافرة: خاصّة فيما يتعلّق بالتنظيم المدني، حيث لا يمكن الحديث عن انسحاب الدولة، بل عن تحوّلها إلى خدمة نُخبة [3]. وفي ما يشبه التحية إلى بيار بورديو، يُختتم العدد بسردٍ للنضالات السابقة والمنتصِرة. هكذا يحيي المثقّف الجماعي في مجلة أغون مفهوم البحوث كطريقةٍ لاستمرار السياسة بوسائلٍ أخرى [4].
تييري باكو [5] ومن الحرص نفسه على استكشاف تعقيدات المدينة - وإعادة الاعتبار لبعدها الإنساني خصوصاً - يطلق مقاربة انطباعية لهذه المدينة. لا يقوم هذا المشروع على خطاباتٍ منظّمة وتراتبية للسلطة، بل على الشائعة، أي ما يقوله الناس - عبر سلسلةٍ من البورتريهات. وكما في المدينة يُمكن للقارئ التجوال فيها على هواه. وأن يضيع أيضاً. لأن ما يقدّمه الكاتب على أنّه موسوعة لا يتضمّن فهرساً بالأسماء ولا بالموضوعات… كصورةٍ عن الصعوبة اليوم في تعيين حدود ما هو مدينيّ.
[1] (1) « Villes et résistances sociales », Revue Agone, nos 38-39, Paris, 2008, 320 pages, 30 euros.
[2] يحتوي هذا القرص المدمج على فيلمين توثيقيين: Art Security Service, de Bernard Mulliez sur Bruxelles (89 min.) et Les Indésirables, de Patrick Taliercio sur Marseille (73 min.).
[3] Mathieu Van Criekingen, « Comment la gentrification est devenue, de phénomène marginal, un projet politique global », op. cit..
[4] Solomon Benjamin, « Revitaliser la ville indienne. Milieux d’affaires, société civile et politiques anti-pauvres », op. cit..
[5] Thierry Paquot, Conversations sur la ville et l‘urbain : recueil de soixante-dix-neuf contributions, Infolio, coll. Archigraphy Urbanisme, Paris, 2008, 992 pages, 32 euros.