صفحة 1 من 1

مفهوم المشاركة الســيـاســـية

مرسل: الثلاثاء مايو 01, 2012 9:27 pm
بواسطة متعب المسعري 8
مفهوم المشاركة الســيـاســـية


حتى العصر الحديث كانت المشاركة السياسية مقتصرة فى الغالب على أثرياء القوم ووجهائهم من أصحاب المولد النبيل. أما الأغلبية الساحقة فكانت بعيدة عن المشاركة.
ومنذ مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع عشر بدأ الاتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية. وبلغ هذا الاتجاه ذروته أثناء الثورة الصناعية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولعل ذلك يرجع إلى العوامل التالية :
1 - التصنيع ونمو المدن وازدياد التعليم والذى ترتب عليه ظهور قوى اجتماعية جديدة (عمال ـ تجار ـ أصحاب مهن حرة) استشعرت فى نفسها القدرة على تشكيل مصيرها فطالبت بجزء من القوة السياسية.
2 - ظهور الدعوات التى حمل لواءها المثقفون من فلاسفة وكتاب وصحفيين والتى تنادى بقيم المساواة والحرية والمصلحة العامة بشكل أدى إلى تغذية المطالبة بمشاركة أوسع فى العملية السياسية.
3 - التطور فى وسائل النقل والمواصلات والاتصالات والذى أدى إلى انتشار الأفكار الجديدة حول الديمقراطية والمشاركة بسرعة وسهولة نسبية.
4 - الصراع بين القيادات السياسية. ففى ظل التنافس على السلطة تناضل القوى المتصارعة فى سبيل كسب التأييد الشعبى وهذا فى حد ذاته يعطى الشرعية لفكرة المشاركة الجماهيرية.
5 - التدخل الحكومى المتزايد فى الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والذى أصبحت معه الحياة اليومية للأفراد تتوقف على أعمال الحكومة بصورة حاسمة، وبدون الحق القانونى فى المشاركة السياسية يصبح الفرد بلا حول ولا قوة فى مواجهة الحكومة التى قد تضر بمصالحه. من هنا كانت المطالبة بمنح الحقوق السياسية للأفراد وتهيئة امكانية ممارستها بفاعلية، وذلك للحد من سطوة الحكومة ونفوذها.
وتختلف مسميات المشاركة. فهناك من يطلق عليها المشاركة الجماهيرية وهناك من يسميها المشاركة الشعبية أو المشاركة العامة.
وبالرغم من اختلاف هذه المسميات إلا أنها تدور كلها حول معنى واحد ألا وهو مساهمة كل فرد من أفراد المجتمع ـ فى كل الأعمال وفى كل المستويات ـ فى مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، أى المشاركة المباشرة للجماهير فى شئون المجتمع، وليس عن طريق المشاركة النيابية كممثلى الشعب أو المجالس المنتخبة والتى تعتبر مشاركة غير مباشرة . ويمكن التعرض لقضية المشاركة السياسية من خلال المحاور التالية :
أولاً : تعريف المشاركة السياسية :
يقتضى الاقتراب من مفهوم المشاركة السياسية توضيح المقصود بمصطلح المشاركة بصفة عامة، تمهيداً لطرح مفهوم المشاركة السياسية.
فالمشاركة قد تعنى أى عمل تطوعى من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة وإدارة الشئون العامة أو اختيار القادة السياسيين على أى مستوى حكومى أو محلى أو قومى.
وهناك من يعرفها على أنها عملية تشمل جميع صور اشتراك أو اسهامات المواطنين فى توجيه عمل أجهزة الحكومة أو أجهزة الحكم المحلى أو لمباشرة القيام بالمهام التى يتطلبها المجتمع سواء كان طابعها استشارياً أو تقريرياً أو تنفيذياً أو رقابياً، وسواء كانت المساهمة مباشرة أو غير مباشرة.
وهى قد تعنى لدى البعض الجهود التطوعية المنظمة التى تتصل بعمليات اختيار القيادات السياسية وصنع السياسات ووضع الخطط، وتنفيذ البرامج والمشروعات، سواء على المستوى الخدمى أو على المستوى الانتاجى، وكذلك على المستوى المحلى أو المستوى القومى.
كما تعنى المشاركة اسهام المواطنين بدرجة أو بأخرى فى إعداد وتنفيذ سياسات التنمية المحلية سواء بجهودهم الذاتية أو التعاون مع الأجهزة الحكومية المركزية والمحلية.
كما قد تعنى تلك الجهود المشتركة الحكومية والأهلية فى مختلف المستويات لتعبئة الموارد الموجودة أو التى يمكن إيجادها لمواجهة الحاجات الضرورية وفقاً لخطط مرسومة، وفى حدود السياسة الاجتماعية للجميع.
ويمكن تقسيم المشاركة الجماهيرية إلى ثلاثة أنواع رئيسية: المشاركة الاجتماعية والمشاركة الاقتصادية والمشاركة السياسية. وإن كانت هناك صعوبة عند الفصل بين هذه الأنواع فى الواقع العملى لارتباط هذه الأنواع مع بعضها ارتباطاً قوياً وتداخلها تداخلاً قوياً وتأثير كل نوع فى النوعين الآخرين وتأثره بهما تأثراً كبيراً.
1- تعرف المشاركة الاجتماعية على أنها تلك الأنشطة التى تهدف إلى التغلب على بعض المشكلات العملية اليومية، وتسهم فى تحقيق قدر من التضامن والتكافل بين أعضاء المجتمع وذلك فى مجالين أساسيين :
الأول : هو الجهود التطوعية كبناء المساجد أو المدارس أو المستشفيات بالمساهمة بالمال والأرض فى انشائها.
والثانى : هو حل المشكلات اليومية والخلافات التى قد تنشأ بين الأفراد أو الجماعات فى المجتمع. فالمشاركة الاجتماعية ظاهرة اجتماعية تحدث نتيجة تفاعل الفرد وتعامله مع أفراد مجتمعه وجماعاته ومنظماته ومؤسساته، وتختلف درجة استجابة المواطن لتلك المشاعر وفقاً لعدة عوامل بعضها نفسى كسماته وقدراته النفسية والعقلية وبعضها اجتماعى كظروف التنشئة الاجتماعية، كما تخضع المشاركة للظروف والعوامل الاقتصادية والسياسية والتربوية لشخصية الفرد ومجتمعه.
2- المشاركة الاقتصادية هى مشاركة الجماهير فى مشاريع التنمية الاقتصادية وذلك بالمساهمة فى وضع قراراتها وتمويلها وتنفيذها. كما قد تعنى الأنشطة التى تقوم بها الجماهير لدعم الاقتصاد القومى مثل دفع الضرائب والرسوم وغيرها. كما قد تعنى أن يقوم الفرد بضبط انفاقه بحيث يكون استهلاكه فى حدود دخله وبما يسمح له بوجود فائض على الدوام يدعم الاقتصاد الوطنى. مع توفر درجة من الوعى تجعله يقاطع التجار الذين يغالون فى رفع الأسعار أو يحجبون سلعاً معينة عن المستهلكين.
3- المشاركة السياسية تعنى تلك الأنشطة الإرادية التى يقوم بها المواطنون بهدف التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر فى عملية اختيار الحكام أو التأثير فى القرارات أو السياسات التى يتخذونها.
كما قد تعنى المشاركة السياسية العملية التى يلعب الفرد من خلالها دوراً فى الحياة السياسية لمجتمعه وتكون لديه الفرصة لأن يسهم فى مناقشة الأهداف العامة لذلك المجتمع وتحديد أفضل الوسائل لانجازها، وقد تتم هذه المشاركة من خلال أنشطة سياسية مباشرة أو غير مباشرة.
ويرى البعض أن أنشطة المشاركة يمكن تصنيفها فى مجموعتين :
1 ـ أنشطة تقليدية أو عادية : وتشمل التصويت ومتابعة الأمور السياسية والدخول مع الغير فى مناقشات سياسية، وحضور الندوات والمؤتمرات العامة، والمشاركة فى الحملة الانتخابية بالمال والدعاية، والانضمام إلى جماعات المصلحة، والانخراط فى عضوية الأحزاب والاتصال بالمسئولين، والترشيح للمناصب العامة وتقلد المناصب السياسية.
ويعتبر التصويت أكثر أنماط المشاركة السياسية شيوعاً حيث تعرفه الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية على السواء مع خلاف فى دلالته ودرجة تأثيره، فهو فى الأولى آلية للمفاضلة بين المرشحين واختيار شاغلى المناصب السياسية بدرجة كبيرة من الحرية، ولكنه ليس كذلك فى الأنظمة التسلطية إذ تعد الانتخابات هناك أداة لمن هم فى مواقع السلطة يستخدمونها للدعاية وكسب التأييد والشرعية أكثر منها أداة للاختيار السياسى الواعى والتأثير فى شئون الحكم والسياسة من قبل الجماهير، ولهذا قد يعتبر الامتناع عن التصويت لوناً من الاحتجاج الصامت.
2 ـ أنشطة غير تقليدية : بعضها قانونى مثل الشكوى، وبعضها قانونى فى بعض البلاد وغير قانونى فى بلاد أخرى كالتظاهر والاضراب وغيره من السلوكيات السلبية.
وتعتبر المشاركة السياسية شكلاً من أشكال التعليم، حيث يتعلم المواطنون من خلالها حقوقهم وواجباتهم، وهذا يؤدى بدوره إلى معرفة تامة وإدراك كبير لهذه الحقوق والواجبات، والى مزيد من الواقعية والمرونة فى مطالب هؤلاء المواطنين.
فالمشاركة السياسية ترتبط بالمسئولية الاجتماعية التى تقوم على اساس الموازنة بين الحقوق والواجبات لذلك فهى سمة من سمات النظم الديمقراطية حيث يتوقف نمو وتطور الديمقراطية على مدى اتساع نطاق المشاركة وجعلها حقوقاً يتمتع بها كل إنسان فى المجتمع.
كما تؤدى المشاركة إلى مزيد من الاستقرار والنظام فى المجتمع مما يؤدى بدوره إلى توسيع وتعميق الإحساس بشرعية النظام.. ذلك أن المشاركة تعطى الجماهير حقاً ديمقراطياً يمكنهم من محاسبة المسئولين عن أعمالهم إذا ما قصروا فى الأداء، ذلك لأن المواطنين الذين لديهم معرفة وعلم بمجريات الأمور يمكنهم الحكم تماماً على مدى جودة الأداء الحكومى. بالإضافة إلى أن المشاركة تدعم العلاقة بين الفرد ومجتمعه.الأمر الذى سينعكس بالضرورة على شعوره بالانتماء لوطنه الكبير.
كما أن المشاركة تجعل الجماهير أكثر إدراكاً لحجم المشاكل المتعلقة بمجتمعهم وللامكانات المتاحة لها فتفتح باباً للتعاون البناء بين الجماهير والمؤسسات الحكومية.
إن المشاركة الحقيقية تعنى فى كثير من الأحيان تدعيم الفكر الحكومى بكثير من الآراء الجماهيرية الصالحة التى لم تتأثر بتقاليد البيروقراطية وحدودها، كما أنها تؤدى إلى قيام الجماهير بتنظيم أنفسهم فى جمعيات أهلية تساند الهيئات الحكومية فى مقابلة الاحتياجات العامة للجماهير ككل.
والمشاركة من خلال الهيئات التطوعية تفتح فى بعض الأحيان ميادين للخدمات والنشاط وهى بذلك بجانب مساهمتها المادية والمعنوية توجه الأنظار إلى ميادين جديدة، كما أنها ـ أى المشاركة ـ تزيد من الوعى العام للجماهير، لاضطرار القائمين عليها إلى شرح أبعاد الخدمات والمشروعات باستمرار بغرض حث الجماهير على الاشتراك والمساهمة فيها.
كما أن المشاركة تعود المواطنين الحرص على المال العام، وهى مشكلة تعانى منها غالبية الدول النامية، حيث يتعرض هذا المال إلى الاهدار وسوء الاستعمال من جانب المواطنين، ويرجع ذلك إلى تصور ادراكهم بأن المال العام هو فى حقيقته نابع من أموالهم الخاصة، وأن سوء استعمال المرافق العامة أو عدم الاهتمام بصيانتها يؤدى بالضرورة إلى تقصير فترات أعمارها الافتراضية، وبالتالى يكون عليهم تحمل الأعباء المالية اللازمة لصيانة هذه المرافق وتجديدها وإعادة بناءها. فإذا ما شارك هؤلاء المواطنون فى إنشاء هذه المرافق تصبح قيمتها فى نظرهم مساوية لأموالهم الخاصة تماماً فيحرصون على حسن استخدامها.
بالإضافة إلى أن مشاركة المواطنين فى المساهمة فى تحمل مسئولية صنع القرار يسهل كثيراً فى عملية تنفيذ الخطط والبرامج، ذلك لأن تقبل المواطنين لأى مشروعات قائمة أو جديدة، وكذلك العمل على اتمام نجاح هذه المشروعات لا يتم إلا إذا شارك المواطنون فى التخطيط لهذه المشروعات بناء على معرفتهم التامة وإدراكهم لفوائد هذه المشروعات وأهميتها.
وأيضاً من خلال المشاركة الجماهيرية يمكن تحقيق كل أهداف المجتمع بشكل يضمن تحقيق الحد الأقصى من الفوائد وبأسلوب يتلاءم مع احتياجات ورغبات وقدرات الجماهير.
كما تسهم المشاركة وتزيد من ارتباط الجماهير بالنظام وأهدافه، وترفع من شأن الولاء والتأثير والمسئولية، وتحسن من الفاعلية، وترفع من مستوى الأداء وتحقق التكيف الاجتماعى، وتقضى على صور استغلال السلطة والاغتراب وتحقق قيمة المساواة والحرية.
فأهمية المشاركة تأتى من أنها عملية لنقل وإبلاغ حاجات المواطنين إلى الحكومة. ولكنها أيضاً تهدف إلى التأثير على سلوك الحكام وذلك بتوصيل معلومات عن الأولويات التى تفضلها الجماهير، وأيضاً من خلال الضغط على هؤلاء الحكام ليعملوا وفق هذه الأولويات. وبذلك تتسع فرص المشاركة. فتقل عمليات استغلال السلطة والشعور بالاغتراب لدى الجماهير. وتتحقق قيم المساواة والحرية مما يؤدى إلى الاستقرار العام فى
المجتمع، الأمر الذى يساعد على تحقيق الشروط الاجتماعية والثقافية والسياسية لنجاح خطط التنمية المختلفة.
والمشاركة مبدأ اساسى من مبادىء تنمية المجتمع، فالتنمية الحقيقية الناجحة لا تتم بدون مشاركة، كما أن المشاركة تعتبر أفضل وسيلة لتدعيم وتنمية الشخصية الديمقراطية على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع، وهى فى نفس الوقت من أبسط حقوق المواطن، وهى حق اساسى يجب أن يتمتع به كل مواطن يعيش فى مجتمعه، فمن حقه أن يختار حكامه وأن يختار نوابه الذين يقومون بالرقابة على الحكام وتوجيههم لما فيه مصلحة الشعب.
كما أنه من خلال المشاركة يمكن أن يقوم الفرد بدور فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعه، بقصد تحقيق أهداف التنمية الشاملة على أن تتاح الفرصة لكل مواطن لكى يسهم فى وضع هذه الأهداف وتحديدها والتعرف على أفضل الوسائل والأساليب لتحقيقها، وعلى أن يكون اشتراك المواطنين فى تلك الجهود بناء على رغبة منهم فى القيام بهذا الدور دون ضغط أو إجبار من جانب السلطات وفى هذه الحالة يمكن القول بأن هذه المشاركة تترجم شعور المواطنين بالمسئولية الاجتماعية تجاه مجتمعهم والمشكلات المشتركة التى تواجههم والرغبة فى تحويل الأهداف التى يريدون بلوغها إلى واقع ملموس.

ثانياً : أشكال ومستويات المشاركة :
لما كانت المشاركة السياسية تعنى بصفة عامة تلك الأنشطة الاختيارية أو التطوعية التى يسهم المواطنون من خلالها فى الحياة العامة، فإن هذه المستويات لمشاركة المواطنين فى الحياة العامة تختلف من دولة لأخرى ومن فترة لأخرى فى الدولة نفسها .. ويتوقف ذلك على مدى توفر الظروف التى تتيح المشاركة أو تقيدها، وعلى مدى اقبال المواطنين على الاسهام فى العمل العام.

1 - أربعة مستويات للمشاركة :
أ - المستوى الأعلى : وهو ممارسو النشاط السياسى
ويشمل هذا المستوى من تتوافر فيهم ثلاث شروط من ستة : عضوية منظمة سياسية، والتبرع لمنظمة أو مرشح، وحضور الاجتماعات السياسية بشكل متكرر، والمشاركة فى الحملات الانتخابية، وتوجيه رسائل بشأن قضايا سياسية للمجلس النيابى، ولذوى المناصب السياسية أو للصحافة، والحديث فى السياسة مع أشخاص خارج نطاق الدائرة الضيقة المحيطة بالفرد.
ب - المستوى الثانى : المهتمون بالنشاط السياسى Politically Relevant People :
ويشمل هذا المستوى الذين يصوتون فى الانتخابات ويتابعون بشكل عام ما يحدث على الساحة السياسية.
ج ـ- المستوى الثالث : الهامشيون فى العمل السياسى Spurs to Political Action :
ويشمل من لا يهتمون بالأمور السياسية ولا يميلون للاهتمام بالعمل السياسى ولا يخصصون أى وقت أو موارد له، وإن كان بعضهم يضطر للمشاركة بدرجة أو بأخرى فى أوقات الأزمات أو عندما يشعرون بأن مصالحهم المباشرة مهددة أو بأن ظروف حياتهم معرضة للتدهور.
د - المستوى الرابع : المتطرفون سياسياً Excessive Participation :
وهم أولئك الذين يعملون خارج الأطر الشرعية القائمة، ويلجئون إلى أساليب العنف.
والفرد الذى يشعر بعداء تجاه المجتمع بصفة عامة أو تجاه النظام السياسة بصفة خاصة إما أن ينسحب من كل أشكال المشاركة وينضم إلى صفوف اللامبالين، وإما أن يتجه إلى استخدام صور من المشاركة تتسم بالحدة والعنف.

2- وأربع مراحل للمشاركة :
أ ـ الاهتمام السياسى : ويندرج هذا الاهتمام من مجرد الاهتمام أو متابعة الاهتمام بالقضايا العامة وعلى فترات مختلفة قد تطول أو تقصر، بالإضافة إلى متابعة الأحداث السياسية. حيث يميل بعض الأفراد إلى الاشتراك فى المناقشات السياسية مع أفراد عائلاتهم أو بين زملائهم فى العمل، وتزداد وقت الأزمات أو فى أثناء الحملات الانتخابية.
ب ـ المعرفة السياسية : والمقصود هنا هو المعرفة بالشخصيات ذات الدور السياسى فى المجتمع على المستوى المحلى أو القومى مثل أعضاء المجلس المحلى وأعضاء مجلس الشعب والشورى بالدائرة والشخصيات القومية كالوزراء.
جـ ـ التصويت السياسى : ويتمثل فى المشاركة فى الحملات الانتخابية بالدعم والمساندة المادية من خلال تمويل الحملات ومساعدة المرشحين أو بالمشاركة بالتصويت.
د ـ المطالب السياسية : وتتمثل فى الاتصال بالأجهزة الرسمية وتقديم الشكاوى والالتماسات والاشتراك فى الأحزاب والجمعيات التطوعية.
وتوجد المشاركة فى كافة الأنظمة السياسية على اختلافها وإن كانت بالطبع تبدو أكثر وضوحاً وصراحة فى التعبير عن نفسها فى ظل الأنظمة الديمقراطية التى تتيح مساحات أكبر من الحرية واحتراماً لمنظومة حقوق الإنسان وانتخابات دورية حرة وتنافسية وبالتالى تتيح قدراً كبيراً لمشاركة المواطن بشكل فاعل فى الحياة السياسية، وبالقدر الذى يهم المدافعين عن مشاركة أكبر فإن الانغماس الحقيقى فى عملية صنع القرار سوف تجعل صقل هذه القرارات أكثر علاقة بالحاجات الحقيقية للمشاركين، وبالتالى أكثر تقبلاً من جانبهم ، وبعبارة أخرى أنه كلما زادت درجة المشاركة كلما ارتفع مستوى الشرعية نتيجة لذلك.
وفى مطلق الأحوال فإن النقطة الرئيسية فى هذا الموضوع هى فيما إذا كانت المشاركة السياسية الأعظم مؤدية إلى تعزيز شرعية النظام، ذلك أن وجهة النظر المقابلة هى أيضاً محل نقاش واسع كذلك، وحسب الرأى الثانى فإن المشاركة تؤدى إلى إدخال تعقيدات فى عملية صنع القرار، وإحباطات من شأنها أن تقلل من كفاءة القرارات وبالتالى من شرعية الذين يصنعونها.
ويضيف أصحاب هذا الرأى أن المشاركة المفرطة قد تخلق ظروفاً تعكس الرضى أو النزاع وهو ما لا يظهر إلى السطح فى الأشكال الأخرى للمشاركة، وإذا كان موجوداً ولا تتوفر الأبنية والوسائل التى تسهل عملية تشكيله والتعبير عنه.
ولذلك يذهب البعض إلى القول أن المشاركة تكون ذات أهمية بالقدر الذى تؤثر فيه على الحكومات فعلاً وليس فقط بالذهاب إلى صندوق الاقتراع.
ومن ناحية أخرى فإن الأقلية من الناس النشطين تستطيع أن تتواصل فى أفكارها بشكل منتظم مع ممثليها عبر الرسائل وفى أحيان كثيرة فإن مثل هذه النشاطات تحدث فى نطاق ما يسمى بجماعات المصالح أو الضغط المنظمة أو التنظيمات الخاصة بالأحزاب السياسية.

ثالثاً : مدى المشاركة السياسية :
يتوقف المدى الذى يشترك به المواطن فى العمل السياسى على اهتمامات المواطن بالدرجة الأولى، وعلى المناخ السياسى ـ فكريا ومادياً واجتماعياً ـ الذى يسود فى المجتمع. ففى المجتمعات الغربية تعتبر المشاركة السياسية واجباً مدنياً على المواطنين، وكلما زادت المشاركة كان ذلك دليلاً على صحة المناخ السياسى وسلامته، فضلاً عن أن المشاركة تعتبر أفضل وسيلة لحماية المصالح الفردية.
وفى بعض المجتمعات تتمثل أعلى مستويات المشاركة فى الانتخابات على الرغم من أن نتائج الانتخابات تختلف إلى حد بعيد من بلد لآخر.
كما أن مدى المشاركة يتفاوت طبقاً للتعليم والمهنة والجنس والسن والديانة ومحل الإقامة والشخصية والمحيط الثقافى. فكلما زاد مستوى التعليم زادت المشاركة كما أن المشاركين من الرجال هم أكثر من المشاركات من النساء، وكذلك المشاركين من قاطنى المدن هم أكثر من أولئك قاطنى الريف. كما تزداد المشاركة بين المشتركين فى عضوية الجماعات أو المنظمات المختلفة.
وبالطبع هذه الخصائص ليست ثابتة ولا تشكل قاعدة عامة. فمثلاً رجل ينتمى للطبقة العاملة قد لا يحظى بتعليم عال بعد الدراسة الثانوية، ولكنه من المحتمل أن ينتمى لنقابة عمالية، وبالمثل سيدة تنتمى للطبقة الوسطى قد تكون حظيت بقسط من التعليم بعد المرحلة الثانوية، غير أنها لا تنتمى إلى نقابة عمالية، وفى كلتا الحالتين تكون هذه السمات متعارضة ومن الصعب تشكيل نمط معين يوضح الأهمية النسبية لكل منهما.
وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الدلائل على أن الأفراد الذين يتعرضون لعدد من الضغوط القوية يكونون أكثر احتمالاً للمشاركة فى السياسة.
وعموماً فإن مستويات المشاركة تزداد مع ازدياد الرغبة فى التأثير على من يملكون السلطة السياسية، ومن ثم تكون محاولة استخدام طرق غير تقليدية للتأثير على السياسة العامة فى شكل ما أطلق عليه الحركات الاجتماعية الجديدة وهى نوع من جماعات الضغط أو المصالح، ولكنها تعبر عن اهتمامات مختلفة وتعمل بطرق تختلف عن تلك التى ترتبط عادة بجماعات الضغط مثل الجمعيات والمؤسسات الأهلية.

رابعاً : خصائص المشاركة السياسية :
تتسم المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بمجموعة من السمات والخصائص الهامة وذلك على النحو التالى :
1- المشاركة سلوك تطوعي ونشاط إرادى حيث أن المواطنين يقومون بتقديم جهودهم التطوعية لشعورهم بالمسئولية الاجتماعية تجاه القضايا والأهداف.
2- المشاركة سلوك مكتسب فهى ليست سلوكاً فطرياً يولد به الانسان أو يرثه، وانما هى عملية مكتسبة يتعلمها الفرد أثناء حياته وخلال تفاعلاته مع الأفراد والمؤسسات الموجودة فى المجتمع.
3 - المشاركة سلوك ايجابى واقعى، بمعنى أنها تترجم إلى أعمال فعلية وتطبيقية وثيقة الصلة بحياة وواقع الجماهير، فهى ليست فكرة مجردة تحلق فى الأجواء ولا تهبط إلى مستوى التنفيذ.
4 - المشاركة عملية اجتماعية شاملة ومتكاملة متعددة الجوانب والأبعاد تهدف إلى اشتراك كل فرد من أفراد المجتمع فى كل مرحلة من مراحل التنمية، فى المعرفة والفهم والتخطيط والتنفيذ والإدارة والاشتراك والتقويم وتقديم المبادرات والمشاركة فى الفوائد والمنافع.
5 - لا تقتصر المشاركة على مجال أو نشاط واسع من أنشطة الحياة بل ان للمشاركة مجالات متعددة اقتصادية وسياسية واجتماعية يمكن أن يشارك فيها الفرد من خلال اشتراكه فى أحدها أو فيها كلها فى آن واحد.
6 - المشاركة الجماهيرية لا تقتصر على مكان محدد ولا تتقيد بحدود جغرافية معينة فقد تكون على نطاق محلى أو اقليمى أو قومى.
7- المشاركة حق وواجب فى آن واحد فهى حق لكل فرد من أفراد المجتمع وواجب والتزام عليه فى نفس الوقت، فمن حق كل مواطن أن يشارك فى مناقشة القضايا التى تهمه وأن ينتخب من يمثله فى البرلمان وأن يرشح نفسه إذا ارتأى فى نفسه القدرة على قيادة الجماهير والتعبير عن طموحاتهم فى المجالس النيابية. فالمشاركة هى الوضع السليم للديمقراطية فلا ديمقراطية بغير مشاركة، كما أن المشاركة واجب على كل مواطن، فهو مطالب بأن يؤدى ما عليه من التزامات ومسؤوليات اجتماعية تجاه قضايا مجتمعه لاحداث التغيير اللازم نحو التوجه التنموى فى المجتمع.
8- المشاركة هدف ووسيلة فى آن واحد .. فهى هدف لأن الحياة الديمقراطية السليمة تقتضى مشاركة الجماهير فى المسئولية الاجتماعية، مما يعنى تغيير سلوكيات وثقافات المواطنين فى اتجاه الشعور بالمسئولية الاجتماعية، كما أنها وسيلة لتمكين الجماهير من لعب دور محورى فى النهوض بالمجتمع نحو الترقى والرفاهية والمساهمة فى دفع عجلة التنمية.
9- المشاركة توحد الفكر الجماعى للجماهير حيث تساهم فى بلورة فكر واحد نحو الاحساس بوحدة الهدف والمصير المشترك والرغبة فى بذل الجهود لمساندة الحكومة والتخفيف عنها.

خامساً : دوافع المشاركة :
يسعى الفرد للمشاركة فى مختلف المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، انطلاقاً من عدة دوافع منها ما يتصل بالمجتمع ككل، ومنها ما يتعلق باهتمامات الفرد واحتياجاته الشخصية.
وعلى هذا يمكن الحديث عن نوعين من الدوافع :
1- الدوافع العامة : وتتمثل فى :
× الشعور بأن المشاركة واجب والتزام من كل فرد تجاه المجتمع الذى يعيش فيه، مما يستوجب مشاركة الجماهير وبفاعلية فى الحياة العامة للمجتمع فيعبرون عن آرائهم وأفكارهم ورغباتهم فيما يجب اتخاذه من قرارات وقوانين وسياسات وفى البرامج والسياسات التى تتخذ استجابة لاحتياجات المواطنين.
× حب العمل العام والرغبة فى مشاركة الآخرين فى تطوير المجتمع وتحسين مستويات الخدمة فيه من خلال العمل فى المجالات المختلفة التى تستهدف تحسين وجه الحياة على أرض الوطن.
× الرغبة فى لعب دور محورى ومؤثر فى أنشطة المجتمع المختلفة بالشكل الذى يؤثر على حاضرهم ومستقبلهم ويشعرهم بأهمية دورهم وانعكاساته على دعم مسيرة التنمية.
× الرغبة فى تقوية الروابط بين مختلف فئات المجتمع وجماعاته بغية تحقيق نوع من التكامل. والتفاعل بين هذه الفئات بما يحقق المصالح المشتركة لهذه الفئات والجماعات.
× الأعباء الملقاة على كاهل الحكومة للوصول الى الأهداف المطلوب تحقيقها.
× الرضا أو عدم الرضا عن السياسات القائمة. حيث أثبتت بعض الدراسات أن المشاركة الجماهيرية تزداد مع زيادة الرضا عن هذه السياسات والعكس صحيح. وأن الذين يهتمون بالمشكلات العامة هم أكثر الناس رضاء عن المجتمع.
× عوامل التنشئة الاجتماعية والسياسية فى محيط الأسرة أو المدرسة أو النادى أو المؤسسات الدينية أو التطوعية أو الأحزاب أو وسائل الاتصال وغيرها، والتى تنمى فى الفرد قيمة المشاركة، وتجعل منه مواطناً مشاركاً.
× توافر الضمانات القانونية والدستورية التى تضمن للمواطنين الأمن والأمان والمناخ الديمقراطى السليم، وسيادة القانون وحرية التفكير والتعبير بما يتفق والمصالح العليا فى المجتمع.
× تعاليم الدين من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة التى تحث على التعاون والتكامل والمشاركة، فقد قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان المائدة / 2، كما قال تعالى فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر آل عمران / 159 وقال صلى الله عليه وسلم ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمورهم .

2- الدوافع الخاصة : وتتمثل فى :
× محاولة التأثير على صنع السياسة العامة فى المجتمع لتكون ملائمة للاحتياجات الفعلية والرغبات الخاصة بأفراد المجتمع والتى تعود بالنفع عليهم.
× تحقيق المكانة المتميزة بين أفراد المجتمع واكتساب الشهرة والحصول على التقدير والاحترام.
× اشباع الحاجة إلى المشاركة، حيث تنقسم حاجات الانسان إلى مستويات خمس هى: الحاجات الأساسية كالمأكل والملبس، والحاجة إلى الأمن والطمأنينة، والحاجة إلى المشاركة، والحاجة إلى العاطفة والتقدير، والحاجة إلى تحقيق الذات.
× تحقيق مصالح شخصية تتمثل فى السيطرة والتمتع بالنفوذ والسيطرة، وتحقيق منافع مادية وغيرها من المصالح الشخصية.

سادساً : محددات المشاركة السياسية :
تتأثر مشاركة الأفراد فى الحياة العامة بتغيرات متعددة أهمها المؤثرات السياسية التى يتعرض لها، وخصائص الخلفية الاجتماعية، ومدى توفر وفاعلية القنوات المؤسسية للتعبير والعمل السياسى، وغيرها من المحددات التى يمكن التعرض لها على النحو التالى :

1ـ المنبهات السياسية :
مع تعرض المرء للمؤثرات السياسية يزداد احتمال مشاركته فى الحياة العامة. غير أن التعرض للمنبه السياسى لا يفضى بالضرورة إلى المشاركة. وتصدر المنبهات عن وسائل الإعلام الجماهيرى والحملات الانتخابية والاجتماعات العامة والمناقشات العامة ..الخ.
وبرغم أنها متاحة لجمهور عريض من الأفراد، إلا أن مستوى التعرض لها يرتبط بعوامل عديدة مثل الانتماء الطبقى ومحل الاقامة والحالة التعليمية بالإضافة إلى الميول الشخصية، والشخص الايجابى يرحب بالمنبهات السياسية بل ويسعى اليها بعكس الشخص السلبى الذى ينأى بنفسه عنها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
2ـ المتغيرات الاجتماعية :
يتأثر حجم ومدى المشاركة السياسية بالمتغيرات الاجتماعية المختلفة مثل التعليم والدخل والمهنة والجنس والسن وغيرها من العوامل، حيث يرتبط الدخل ايجابياً مع
المشاركة .. فأصحاب الدخول المتوسطة أكثر مشاركة من ذوى الدخل المنخفض، وذوى الدخل المرتفع أكثر مشاركة من ذوى الدخل المتوسط.
كذلك يرتفع مستوى المشاركة بارتفاع مستوى التعليم حيث تعتبر الأمية أحد معوقات المشاركة فى دول العالم النامى. فالشخص المتعلم أكثر وعياً ومعرفة بالقضايا السياسية وأشد احساساً بالقدرة على التأثير فى صنع القرار والاشتراك فى المناقشات السياسية وتكوين آراء بخصوص الموضوعات والقضايا المختلفة.
كما يميل الأشخاص ذوو المركز المهنى المرتفع إلى المشاركة بدرجة أكبر من ذوى المكانة المهنية المنخفضة، وإن ظل هناك اختلاف بين مجتمع وآخر وبين مهنة وأخرى.
كما يتأثر حجم ومدى المشاركة السياسية بالنوع .. حيث يلاحظ أن المرأة بوجه عام أقل ميلاً إلى المشاركة عن الرجل ، غير أن التطور الاقتصادى والاجتماعى يعمل باستمرار
على تضييق هذه الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بالمشاركة السياسية. ولا يعنى هذا استقلال المرأة عن الرجل فى تحديد مواقفها السياسية اذ لا تزال الزوجة تتبع زوجها فى كثير من الاحيان فى التصويت والانتماء الحزبى.
وبالإضافة إلى العوامل السابقة تتأثر المشاركة ايضا بعامل السن اذ يرتفع مستوى المشاركة تدريجيا مع تقدم العمر، ويبلغ ذروته فى الأربعينات والخسينات ثم يهبط تدريجيا بعد سن الستين.
وإذا كانت هذه العوامل لا تشكل قاعدة يحتكم اليها دائما. ذلك أن المتغيرات الاجتماعية تختلف من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر.
3 ـ الإطار السياسى :
ترتبط المشاركة بعناصر الإطار السياسى التى تتمثل فى رؤية القيادة لدور المواطن ومدى توافر الحرية للتنظيمات الحزبية والشعبية والمجالس النيابية المنتخبة وطبيعة النظام الاعلامى.
فالمشاركة التى تنعم بها المجتمعات الغربية ترجع جزئيا إلى وجود الإطار الدستورى والمؤسسى الملائم : الدستور والانتخابات الدورية، والتعدد الحزبى، والجماعات المصلحية، وحرية الصحافة، والبرلمان، وأجهزة الحكم المحلى .. الخ .. وفى الدول الشيوعية تؤدى هيمنة الحزب الى تفعيل دور المواطن فى صفة السياسة واختيار القيادات، ومع ذلك فإن نسبة المنخرطين فى النشاط السياسى ربما تتجاوز مثيلاتها فى معظم الدول الديمقراطية الغربية.
أما فى الدول النامية بصفة عامة، فإنها تعانى من أزمة مشاركة تعود جزئياً إلى ما يعترى البناء السياسى من تشوهات ونقائص .. فبعض الدول ليس بها دستور وبعضها الآخر ليس بها مجالس نيابية، وإن وجدت فهى شكلية وتتفاوت هذه الدول بين الأخذ بالحزب الواحد والتعددية الحزبية أو عدم الأخذ بالنظام الحزبى من أساسه. هذا المستوى الهابط من المؤسسية السياسية يقابله تغير اقتصادى اجتماعى مرموق، ولعل هذه الفجوة بينهما هى المصدر الأساسى لعدم الاستقرار السياسى الذى تعانى منه كثير من دول العالم النامى.

سابعاً : متطلبات المشاركة السياسية الفاعلة :
تتطلب المشاركة ضرورة توافر عدد من العوامل التى تزيد من فاعليتها وتضمن بقاءها واستمرارها، وتساعدها على تحقيق أهدافها بما يدفع بمعدلات التنمية الشاملة.
وأهم هذه المتطلبات :
1- ضرورة ضمان توفير المتطلبات والاحتياجات الأساسية للجماهير مثل الغذاء والكساء والمسكن الملائم والصحة والتعليم وفرص العمل وحرية التعبير وغيرها من الاحتياجات التى تحقق الإشباع المادى والنفسى للانسان، ويتيح له قدراً من الاستعداد للمشاركة فى الحياة العامة داخل وطنه.
2- ارتفاع مستوى وعى الجماهير بأبعاد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى يمر بها المجتمع، ويكتسب هذا الوعى : إما عن طريق سعى الأفراد لبلوغ هذه القدر المطلوب من المعرفة، أو عن طريق الوسائل المختلفة لتكوين الرأى العام داخل المجتمع مثل المؤسسات الحكومية العاملة فى مجال الإعلام والثقافة والتعليم أو المؤسسات غير الحكومية، كالنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الخاصة، والاتحادات.. بالإضافة إلى الأحزاب السياسية.
3- الشعور بالانتماء للوطن، واحساس المواطنين بأن مشاركتهم فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع تمثل واجباً تفرضه العضوية فى هذا الوطن.
4- الايمان بجدوى المشاركة : فاحساس المواطن بأهمية المشاركة وفاعلية هذه المشاركة وسرعة استجابة المسئولين، يعمق من شعوره بجدوى مشاركته ومردودها المباشر على تحسين صورة حياته وحياة الآخرين داخل المجتمع.
5- وضوح السياسات العامة المعلنة وذلك يتأتى من خلال الإعلام الجيد عن الخطط والأهداف ومدى مواءمتها لاحتياجات المواطنين.
6- إيمان القيادة السياسية واقتناعها بأهمية مشاركة الجماهير فى صنع وتنفيذ السياسات العامة، واتاحة الفرصة لدعم هذه المشاركة من خلال ضمان الحرية السياسية واتاحة المجال امام الجماهير للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم ورأيهم فى قضايا مجتمعاتهم ومشكلاته ومناقشة تصريحات المسئولين والقوانين العامة سواء داخل البرلمان أو عبر الصحف وفى الندوات العامة، فى ظل مناخ آمن ودون تعرضهم لأى مساءلة قانونية.
7- وجود التشريعات التى تضمن وتؤكد وتحمى المشاركة، وكذلك الوسائل والأساليب المتنوعة لتقديم وعرض الآراء والأفكار والاقتراحات بوضوح تام وحرية كاملة، ومع توافر الأساليب والوسائل والأدوات التى تساعد على توصيل هذه الأفكار والتى تضمن وصول هذه المشاركات لصانع القرار.
8- وجود برامج تدريبية لمن فى مواقع المسئولية سواء فى الحكومة أو فى المؤسسات غير الحكومية فى المجتمع لتدريبهم على مهارات الاستماع والانصات واحترام فكر الجماهير، وكذلك على أساليب استثارة اهتمام الجماهير وتنمية قدراتهم على المشاركة.
9- وجود القدوة الصالحة فى كل موقع من مواقع العمل مما يستلزم التدقيق فى اختيار القيادات، والتأكد من وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب. فهذه القدوة الصالحة من شأنها أن تكون مشجعة وليست معوقة للمشاركة. كما يفترض فيها إيمانها بإمكانات الشباب ودوره فى عملية التنمية.
10- اللامركزية فى الإدارة مما يفسح المجال أمام الجماهير لكى تشارك فى إدارة شئون حياتها، ويفتح الباب لكل الجهود والمساهمات التى تقدمها الجماهير.
11- زيادة المنظمات التطوعية ورفع مستوى فاعليتها حتى تغطى أكبر مساحة ممكنة فتنتشر فى كل مكان وفى كل نشاط، وأن يكون لها دور فاعل من خلال اتاحة صلاحيات أكثر لها ما يجعلها أكثر تأثيراً فى خدمة المجتمع.
12- تقوية دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية مثل : الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية والأحزاب ووسائل الاتصال وغيرها … وتشجيعها على غرس قيم المشاركة لدى الجماهير.
13- ضرورة التزام وسائل الاتصال بالصدق والموضوعية فى معالجة القضايا والأحداث والمشكلات المختلفة، وافساح المجال أمام كافة الآراء والاتجاهات والأفكار للتعبير عن نفسها بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو المهنية.

ثامناً : الآثار الإيجابية للمشاركة السياسية :
تؤثر المشاركة على الأفراد وعلى السياسة العامة للدولة .. فعلىمستوى الفرد تنمى المشاركة فيه الشعور بالكرامة والقيمة والأهمية السياسية وتنبه كلا من الحاكم والمحكوم إلى واجباته ومسؤولياته وتنهض بمستوى الوعى السياسى. كما أنها تساعد على خلق المواطن المنتمى الذى يعد عماد قوة وعافية الجسد السياسى.
وعلى صعيد السياسة العامة تجلب المشاركة أعظم خير لأكبر عدد من الأفراد اذ انهاتدفع الحاكم إلى الاستجابة لمطالب المواطنين وتسهم فى إعادة توزيع موارد المجتمع بشكل أكثر عدالة .. ومن ثم حيث يؤدى ازدياد عدد المشاركين إلى مزيد من العدل الاقتصادى والاجتماعى عن طريق قيام الحكومة بإعادة توزيع الدخل والثروة.

تاسعاً : دور المشاركة السياسية فى التنمية :
تعرف التنمية على أنها توحيد جهود جميع المواطنين مع الجهود الحكومية لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للجماهير، وربطهم بظروف مجتمعهم ونمط الحياة فيه، وتمكينهم من المساهمة فى تحقيق التقدم والرقى لمجتمعهم.
وبالتالى هناك ارتباط وثيق وتأثير متبادل بين المشاركة والتنمية حيث تتيح التنمية فرصاً اكبر لتوسيع مجالات المشاركة، كما تخلق الحافز للمشاركة. فى الوقت الذى تسمح المشاركة بممارسة الجماهير ضغوطاً على صانع القرار لاتخاذ سياسات لصالح قضايا التنمية.
وترتبط المشاركة السياسية فى الغالب بوجود النظام السياسى الذى يعرف درجة مرتفعة من المشاركة فى مؤسساته المختلفة فالمجتمع الذى تدار مؤسساته الاجتماعية والاقتصادية على أساس سلطوى لا يسمح ولا يشجع على المشاركة السياسية لافراد مجتمعه.
والمجتمع الذى تدار مؤسساته المختلفة الاجتماعية والاقتصادية وفقاً للأسس الديمقراطية فإنه يفرض ظهور النظام السياسى الديمقراطى بمعناه الحقيقى والذى يعتمدعلىالتعددية الحزبية، ويكفل تحقيق الاستقرار السياسى.
ولا شك أن الحكومات خاصة فى الدول النامية لديها الكثير من المسئوليات الكبرى على المستوى القومى، وعليها أعباء كثيرة والتزامات جمة نحو المجتمع، وذلك للتوسع فى خطط وبرامج التنمية الشاملة وفى مقابل ذلك يبقى على الجماهير واجب أن تتحمل بعض الأعباء عن الحكومة، وأن تجند كل طاقاتها وخبراتها لمساندة الحكومة. وأن تسعى قدر استطاعتها للمشاركة رغم أى عراقيل قد تواجهها فى هذا الصدد فالديمقراطية أريقت فى سبيلها الدماء فى المجتمعات المتقدمة ولم تفرض بقرار من أعلى ولم تكن الحرية منحة فى يوم من الأيام.
ولكى تؤتى جهود التنمية ثمارها لابد وأن تعبر عن اهتمامات الجماهير وقضاياهم واحتياجاتهم الفعلية. فالجماهير هدف التنمية وهم أدوات تنفيذ برامجها، وبدون مشاركتهم لا تستطيع الحكومة طرح الفكر التنموى أو محاولة تنفيذه.
فالانسان هو المخطط لتنمية وهو هدفها وهو المنفذ لبرامجها. ومن هنا فإن إدراك الانسان لاحتياجاته الفعلية ووعيه بقضايا مجتمعه ورغبته فى تغيير الظروف المعوقة للتنمية يدفعه إلى الإيمان بجدوى التنمية وبذل الجهود لانجاح مخططاتها وأهدافها، كما أن متابعة الجماهير للقرارات والمشروعات الحكومية وتكوين رأى عام بصددها يسعى لكشف أوجه القصور فيها، يساهم فى تعديل السياسات، ويضمن تحقيق الفائدة القصوى لها على ضوء الإمكانات المتاحة

المصدر:
( موسوعة الشباب السياسية(مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية - مؤسسة الأهرام