العدوان على غزة : الخلفيات والأبعاد وأولويات المواجهة
مرسل: الثلاثاء يناير 06, 2009 1:05 am
العدوان على غزة : الخلفيات والأبعاد وأولويات المواجهة
د/إبراهيم أبراش
لن نقوم بتوصيف الإجرام الصهيوني بحق أهلنا بغزة فالبث المباشر للفضائيات أكثر بلاغة في التوصيف والتعبير ،ولن نكتفي بالتنديد بالإجرام الصهيوني لأننا منذ أكثر من ستين سنة ونحن نندد حتى باتت كلمات التنديد والشجب والاستنكار ممجوجة وفاقدة للمعنى وخصوصا عندما أنظمت الأنظمة العربية والإسلامية وقادة هذه الأنظمة لجوقة المستنكرين والمنددين وهم مَن كان يُفترض أن يكونوا أصحاب قرار الرد على العدوان بالفعل وليس بالكلام والمظاهرات،فما أشبه اليوم بالبارحة الاختلاف أنه سابقا كانت حركة فتح و منظمة التحرير على رأس من يناشد ويستنجد بالعرب والمسلمين أما اليوم فحركة حماس، ولكن أسمعت لو ناديت حيا.حتى نفهم ما يجري في قطاع غزة من حيث أسباب وأبعاد العدوان الجديد وكيف يمكن معالجة الأمر وما هي آفاق الحل بعيدا عن خطاب العواطف والانفعالات، يجب أولا التأكيد أو استحضار الوقائع التالية التي فرضت وجودها على القضية الفلسطينية منذ بداية ما يسمى بمسلسل السلام مع مدريد ثم أوسلو، هذه الوقائع التي جعلت إسرائيل تُقدم على جريمتها بهذه البشاعة وهي مطمئنة تجاه ردود الفعل العربية والدولية وحتى الفلسطينية:-
الأولى: أن إسرائيل لا تريد سلاما حقيقيا مؤسَسَا على الشرعية الدولية أو الاتفاقات الموقعة،فمنذ أن اغتالت الصهيونية إسحاق رابين قررت إسرائيل الخروج من العملية السلمية وكل المفاوضات واللقاءات اللاحقة كانت لكسب الوقت لا غير لالتهام مزيد من أرض الضفة والاشتغال على تدمير المشروع الوطني بفصل غزة عن الضفة،واستطاعت إسرائيل فرض معادلة :مفاوضات وحديث عن السلام مقابل اعتراف وتعامل إسرائيل وواشنطن والأوروبيين مع السلطة كممثل للشعب الفلسطيني ومسئولة عن تدبير الشؤون الداخلية للفلسطينيين في إطار سلطة حكم ذاتي وحيث أن إسرائيل ليست دولة سلام بل دولة عدوان وإرهاب: نشأة وإيديولوجيا وسلوكا، فهي لا ترى تناقضا بين سلوكها الإرهابي والتزامها بعملية السلام الشكلية.هذه الايدولوجيا السياسية تحضا بموافقة ورضا الشارع الإسرائيلي ولذا تراجعت مكانة قوى اليسار في إسرائيل وأصبح اليمين هو المسيطر على المشهد السياسي الإسرائيلي وهذا يفسر صمت الشارع الإسرائيلي على ما يجري بالقطاع على عكس ما جرى أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان 1982 وخلال الانتفاضة الأولى والثانية.
الثانية:منذ نهاية المرحلة الانتقالية للسلطة الفلسطينية في مايو 1999 ،بدأت السلطة الفلسطينية بالتحول من سلطة مؤقتة وانتقالية لحركة تحرر وطني تمهد الطريق نحو الدولة والاستقلال إلى سلطة لأجل السلطة وهدف بحد ذاته وبالتالي لم يعد من الممكن المراهنة عليها وحدها لقيادة المشروع الوطني التحرري.وان تتشكل سلطة وحكومة في ظل الاحتلال وبرعاية أوروبية وأمريكية فلا بد أن تكون سلطة متصالحة مع الاحتلال،وسلطة متصالحة مع الاحتلال ولو بحكم الضرورة لا يمكنها أن تقود حركة تحرر وطني أو تواجه أمنيا وعسكريا سياسات الاحتلال.
الثالثة:سواء تعلق الأمر بالأنظمة أو الشعوب ،لم يعد مجالا للمراهنة على الحالة العربية الراهنة لتحرك جاد وقوى في مواجهة السياسة الصهيونية المدعومة أمريكيا ولا يبدو أن العرب ومعهم المسلمين سيتجاوزون بمواقفهم سقف المبادرة العربية للسلام –مبادرة قمة بيروت 2002- وخصوصا بعد استعداد سوريا للمفاوضات مع إسرائيل حول الجولان وخروج حزب الله من ساحة المواجهة المباشرة مع إسرائيل.العرب ما زالوا أمناء وملتزمين بمعادلة مقدسة مع الفلسطينيين ،هذه المعادلة تقول بان يقدم الفلسطينيون الشهداء والجرحى ويقدم العرب سيارات الإسعاف والأدوية وأكفان الموتى وأكياس الطحين ويفتحوا مستشفياتهم لاستقبال بعض الجرحى لعلاج مَن يمكن علاجه ولموت مرفه في مستشفيات راقية لمن لم يفلح معه العلاج،معادلة تقول بأن يُسحق الشعب الفلسطيني وتتناثر أشلاء الأطفال والنساء وتدَمَر البيوت وتُصادر الأرض وتُهود مقابل أن تَعرض الفضائيات هذه المشاهد وتفسح المجال لمن يريد أن يتحدث عن بطولات الشعب الفلسطيني وعن توازن الرعب مع إسرائيل وعن التهديد بتدمير إسرائيل وربما تزيد الفضائيات من عندها بما يُضخم من الإمكانيات العسكرية للفلسطينيين.
رابعا:تحول الانقسام في الساحة الفلسطينية من تعددية سياسية إلى انقسام سياسي استراتيجي وجغرافي وخصوصا بعد أحداث 14 يونيو 2007،ونتيجة هذا الانقسام استطاعت إسرائيل فرض معادلة خطيرة وهي إسرائيل في مواجهة عسكرية دموية مع قطاع غزة مع أهل غزة وحركة حماس وبقية فصائل المقاومة من جهة ،ومحاولة تحييد الضفة الغربية من جهة أخرى،وبمقتضى هذه المعادلة لم يعد الصراع كما كان سابقا ،إسرائيل في مواجهة كل الشعب الفلسطيني وهو ما كان عليه الحال طوال تاريخ القضية الفلسطينية وهو ما لمسناه خلال انتفاضة 1987 ثم انتفاضة الأقصى ،وبالتأكيد لم يعد احد يتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي. بمقتضى هذه المعادلة أصبحنا نسمع عن حرب إسرائيل ضد قطاع غزة والعدوان اليوم هو على قطاع غزة فيما ننم عملية إخراج الضفة من ساحة الحرب المباشرة ،حتى شعارات المتظاهرين في العالم أصبحت تقول لبيك غزة ونصرة غزة وليس لبيك فلسطين ونصرة فلسطين .عندما تصبح الحرب معركة بين إسرائيل بما تملك من قوة جبارة من جهة وقطاع غزة -360 كلم- وحركة حماس من جهة أخرى فنتائج الحرب ستكون متوقعة مع كامل التقدير للبطولات والتضحيات التي سيبديها أهل غزة،فكما يقول المثل (القوة تغلب الشجاعة)،إسرائيل ستحقق بعض أهدافها العسكرية الإستراتيجية وحركة حماس ستستمر بالحديث عن النصر والصمود والبطولة،وهو ما جرى مع حزب الله،ولكن بالتأكيد لن تتمكن إسرائيل من تركيع الشعب الفلسطيني ولن ترتفع رايات بيضاء على أي بيت فلسطيني،ولن تجد إسرائيل أي كرزاي أو جلبي أو علاوي فلسطيني بل ستجد في غزة من يسيرون على درب أبو عمار والشيخ ياسين وأبو علي مصطفى والشقاقي وسيكون على رأس من سيتصدى العدوان الصهيوني أبناء حركة فتح وفصائل منظمة التحرير فلا أحد يقبل أن تعود الشرعية وسلطة المنظمة على ظهر دبابات إسرائيلية.
خامسا:مع سيطرة حركة حماس على السلطة في القطاع انتهى المشروع الوطني الفلسطيني بمحدداته ومرجعياته التي صاغتها وثيقة الاستقلال عام 1988 ثم مشروع السلام الفلسطيني، على الأقل على مستوى قطاع غزة وبالنسبة لحركة حماس،وأصبحت غزة وكأنها تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين والمعركة الدائرة في غزة وكأنها معركة الإخوان المسلمين حيث نحشد هذه الأخيرة كل جهودها على مستوى العالم لرفع الحصار عن غزة وحيث أن الإسلام السياسي في حالة صراع وخلاف مع أنظمة عربية وعلاقاته متوترة مع المنتظم الدولي فقد أصبحت الحالة الفلسطينية وخصوصا في قطاع غزة متداخلة ،تؤثر وتتأثر بسياسات الأنظمة العربية تجاه الإسلام السياسي ببلدانها . هذا التداخل بين الحالة في غزة والإسلام السياسي هو ما يجعل الأنظمة العربية تنظر بحذر وخوف مع المظاهرات التي تجري في بلدانها نصرة لأهل غزة ،حيث ترى بها استعراض قوة للإسلام السياسي وخصوصا الإخوان المسلمين فالمظاهرات في نظر الأنظمة و إن كانت استنكارا لمجازر غزة فهي رسالة موجهة للأنظمة العربية وخصوصا ذات العلاقات المتوترة مع الإخوان كمصر والأردن ودول المغرب العربي،كثير من الأنظمة العربية لا ترى في نجاح حركة حماس في إقامة سلطة في القطاع نجاحا للقضية الفلسطينية بل نجاحا لمشروع إسلامي يشكل تهديدا لها ولاستقرار الوضع في بلدانها .
سادسا:ولان الأمر أصبح كذلك فقد تراجع الحديث عن المصالحة الوطنية وعن وحدة الضفة وغزة وعن حكومة وسلطة وطنية واحدة بل تراجع الحديث عن اعتراف حركة حماس بإسرائيل وهو ما كان شرطا رئيسا في ظل حكومة الوحدة الوطنية وفي ظل الحكومة التي قادتها حماس مباشرة بعد الانتخابات ،فبعد الانقسام ومع قبول حركة حماس بالتهدئة لم تعد إسرائيل معنية بان تعترف بها حركة حماس ما دامت قواعد اللعبة محصورة بغزة وبتهدئة وبدفع غزة جنوبا نحو مصر أو غربا نحو البحر. وللأسف رفضت حركة حماس وحركة الجهاد دعوة المصالحة التي وجهها الرئيس أبو مازن في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للمصالحة لتوحيد المواقف والجهود الفلسطينية لمواجهة العدوان وإرجاع الصراع لبعده الحقيقي ،كل الشعب الفلسطيني قي مواجهة الكيان الصهيوني في قطاع غزة والضفة والقدس.وهنا نتمنى على الإخوة في حركتي حماس والجهاد وخصوصا حركة حماس أن يدركوا أنهم لو كسبوا تأييد مليار وثلث المليار من المسلمين فإن هذا لن يغني أو يفيدهم بشيء إن فقدوا تأييد الشعب الفلسطيني ،فقوتهم الحقيقية هي أهلهم من الشعب الفلسطيني وتحالفهم مع بقية قوى العمل الوطني،ملايين المسلمين والعرب قد يدعموهم ماليا ولكنهم لن يصدوا دبابة صهيونية تتقدم لهدم منزل أو صاروخا يستهدف طفلا أو شيخا،هذه الملايين لن تخفف عنهم الألم الناتج عن نظرة شماتة أو حقد من بعض أبناء جلدتهم الذين أصابهم ضيم وعنت على يد أجهزة حركة حماس، وهم يرونهم يبحثون عن حلفاء من أشتات الأرض ويناشدون العالم الخارجي بالتدخل متجاهلين أبناء وطنهم والأقربين بالوطن والدم .
سابعا:فحيث أن إسرائيل ليست بعيدة عن كل الأحداث الفلسطينية الداخلية وخصوصا حالة الانقسام بل هي الموجه لها فأن ما يجري اليوم مع حركة حماس هو نفس التكتيك الذي استعملته مع الرئيس الراحل أبو عمار ولكن على أرضية الانقسام مما يجعل قدرتها اليوم أكبر على تحقيق بعض أهدافها الإستراتيجية.فتحت شعار السلام واتفاقية أوسلو سمحوا لمنظمة التحرير بتأسيس سلطة وأجهزة أمنية ووزارات ومؤسسات وكانت المراهنة الإسرائيلية أن تحل السلطة محل حركة التحرر الوطني وانتهاء توصف إسرائيل كدولة احتلال وكانت المراهنة أيضا أن ينشغل الفلسطينيون بالسلطة والصراع عليها فيما تتفرغ إسرائيل لاستكمال مشاريعها الاستيطانية بالضفة وتهويد القدس ،إلا أن وطنية وإرادة الراحل أبو عمار والمخلصين في الشعب الفلسطيني كانت بالمرصاد لهذا المخطط ،فحاول أبو عمار إفشال هذا المخطط وخصوصا بعد كامب ديفد الثانية والعودة لحالة التحرر الوطني والسماح أو السكوت على تسليح الشعب وممارسة المقاومة المسلحة وكان أبو عمار مستعدا للتضحية بالسلطة لصالح النهج الثوري والوطني، كانت نتيجة هذا الموقف العرفاتي دفع إسرائيل لاجتياح مناطق السلطة في الضفة عام 2002 ومحاصرة الرئيس أبو عمار بالمقاطعة ثم اغتياله لإعادة إدخال السلطة في بيت الطاعة الإسرائيلي.اليوم تتكرر التجربة مع حركة حماس ، فقد سمحوا بداية بإجراء انتخابات تشريعية تشارك بها حركة حماس في يناير 2006ثم سكتوا على انقلاب يونيو 2007 وتفاهموا على تهدئة مع سلطة وحكومة حماس بالقطاع وسهلوا فتح المعابر نسبيا ثم سكتوا على وجود أكثر من 1400 نفق عبر الحدود مع مصر،كانت إسرائيل من وراء ذلك تراهن على أن تخضع السلطة ومنظمة التحرير والرئيس أبو مازن لهذا الأمر الواقع ويقبلوا بمبادرة أولمرت التي تنهي الصراع مع العدو لمصلحته،وان تخضع حركة حماس وفصائل المقاومة بغزة وتقبل بمعادلة التهدئة مقابل الغذاء وأن تنجح الضغوط على مصر لفتح معبر فتح كبديل للمعابر مع إسرائيل،الحس الوطني لدى الطرفين الفلسطينيين أفشل حتى الآن المخطط الصهيوني وبالتالي قررت إسرائيل العدوان على غزة وارتكاب مجزرة غير مسبوقة تكون درسا حاليا لحماس ولقطاع غزة ودرسا لأهلنا بالضفة إن قرروا التمرد على الإرادة الصهيونية،وهذا معناه أن المستهدف ليس حركة حماس بل إرادة الصمود عند الشعب الفلسطيني.
ثامنا: إن من يتابع العدوان على غزة ويقارنه بحرب تموز مع حزب الله سيلاحظ كثيرا من أوجه الشبه سواء من حيث انقسام مواقف الأنظمة العربية من الحدث أو المواقف الشعبية المؤيدة لحزب الله ،وكثرة عدد الذين نصبوا أنفسهم محللين عسكريين واستراتيجيين وقالوا بلغة اليقين بأن صواريخ حزب الله ستفرض معادلة جديدة في لبنان وفي الشرق الأوسط وبعضهم بشَّر بنهاية إسرائيل على يد حزب الله ، والشبه أيضا من حيث مجريات حرب الصواريخ وتوسيع مداها والتهديد بالآتي الأعظم حيث ستضرب الصواريخ نل أبيب ومفاعل ديمونا ،وما صاحب ذلك من حرب نفسية ودعائية.الجديد في حالة غزة أن حزب الله ومعه إيران تحولا لجوقة المنددين بالعدوان مثلهم كمثل الأنظمة العربية أو مثل المستضعفين من الجماهير الشعبية التي لا حول ولا قوة لها إلا التظاهر والتنديد. ونتمنى على قوى المقاومة والفلسطينيون بشكل عام الاستفادة من تجربة حرب تموز في لبنان وأن لا تكون نهاية الحرب على غزة كنهاية حرب تموز حيث استمر حزب الله بالحديث عن ( النصر المؤزر) بالرغم من الدمار الذي لحق بلبنان وإخراج حزب الله من الجنوب وتحويله لأداة لحرب أهلية ومرابطة قوات دولية في الجنوب وتحويل الحدود اللبنانية الإسرائيلية كمثيلتها الحدود الأردنية الإسرائيلية أي أخراج لبنان من ساحة المواجهة مع إسرائيل .
تاسعا: الموقف الغريب والمثير للتساؤل لفصائل (المقاومة) .كنا نقهم أن تختلف الفصائل في المواقف وحتى في الاستراتجيات
وهو الاختلاف الذي شكل مقتلا للقضية الوطنية،ولكن ما لا نفهمه هو استمرار هذا التنافر والتعارض بعد كل ما جرى للقضية الوطنية والأخطر من ذلك هو اختلاف موقف وممارسة الفصيل الواحد حسب التواجد الجغرافي،فالفضائل المتواجدة بالضفة أصبحت وكأنها جزء من السلطة حيث تهادن الاحتلال ولا تمارس مقاومة مسلحة في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين المنتشرين في كل مكان وعلى الطرقات بالرغم من أن الضفة الغربية ما زالت محتلة بل هي أولى بالمقاومة والجهاد لأنها مهددة بالاستيطان والضم، فكيف يمكن تفسير أن فصائل المقاومة توقف المقاومة حيث يوجد الاحتلال بالضفة والقدس وخصوصا بعد اتضاح فشل مسلسل التسوية ووصول المفاوضات لطريق مسدود، وتمارس مقاومة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة حيث خرج الاحتلال ولو نسبيا؟إن كانت هذه الفصائل سواء كانت حماس والجهاد أو كتائب الأقصى والشعبية والديمقراطية،تريد أن تبلغ رسالة بأنها ما زالت قوى مقاومة حتى تضمن حضورها السياسي واستمرار الدعم من الجهات التي تقدم الدعم لها لأنها فصائل مقاومة،فعليها أن لا تنظر لأهل غزة كـ (حيطة واطية) وكجموع بشرية محبطة ومندفعة ومتحمسة ومستفزة دوما،بل عليها أن تبحث عن الساحات الحقيقية التي تحتاج لفعل المقاومة ليخففوا العبء عن أهل غزة ولاستمرار مسيرة التحرير التي يقولون بها. الصواريخ المنطلقة من غزة أعادت إسرائيل لغزة بشكل أكثر دموية قيما كان يفترض بهذه الصواريخ وأشكال المقاومة الأخرى العاملة في إطار إستراتيجية وطنية أن تُخرج إسرائيل من الضفة.
عاشرا: يمكن النظر للعدوان الجاري على قطاع غزة باعتباره المرحلة النهائية لخطة شارون للانسحاب أحادي الجانب التي بدأت نهاية عام 2005،إسرائيل أخرجت مستوطنيها وجيشها من قطاع غزة ولكنها لم تنقل السيادة للفلسطينيين ولم تعلن وضعا قانونيا محددا للقطاع ونعتقد أن إسرائيل كانت تهيئ لما جرى لاحقا وخصوصا سيطرة حماس على القطاع،العدوان الحالي على قطاع غزة هو معركة لحسم مصير غزة ووضعها القانوني النهائي .وبالتالي لا نعتقد بأن إسرائيل تريد إنهاء سلطة حركة حماس بالقطاع لأن ذلك يعني إعادة توحيد السلطة والنظام السياسي الفلسطيني وهو ما لا تريده إسرائيل،بل تهدف لفرض وقف إطلاق للنار وهدنة طويلة المدى وإنهاء العلاقة مع إسرائيل وبالتالي مع الضفة الغربية.
كان لا بد من استحضار هذه الوقائع المؤلمة حتى نعرف ما هي المشكلة بالضبط فمعرفة حقيقة المشكلة بمثابة قطع نصف الطريق نحو الحل .فهل المشكلة بين حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى أم بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل؟هل المشكلة هي معبر رفح وبالتالي إذا تم فتحه ستُحل القضية الفلسطينية أو حتى ستتوقف المواجهة بين حركة حماس وإسرائيل؟وهل هناك إمكانية لتعايش إمارة في غزة يحكمها الإخوان المسلمون مع النظام المصري والكيان الصهيوني؟هل العودة للتهدئة بين غزة وإسرائيل بدون مصالحة وطنية هو الحل؟هل صدور قرار من مجلس الأمن بإرسال قوات دولية لترابط على حدود غزة كما جرى في جنوب لبنان هو الحل وهل يمكن لحركة حماس لوحدها الوقوف بوجه هذه الإرادة الدولية؟أم أن المشكلة تكمن في فشل المفاوضات ومسلسل التسوية والسلطة وبالتالي يحتاج الأمر لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني كبيت شعب تحت الاحتلال تقوده حركة تحرر واحدة وبإستراتيجية واحدة؟.
سبل مواجهة العدوان لا يكون إلا بإعادة القضية الوطنية لوضعها الطبيعي وهو ما يحتاج لكسر كل المعادلات التي فرضها العدو والتي اشرنا إليها سابقا،ولكن وحيث أن هناك عدوانا مباشرا وقائما في غزة يحتاج لسرعة الرد فإن كلام السيد خالد مشعل وقبله السيد إسماعيل هنية على أن المهمة الأولى هي وقف العدوان هو كلام صحيح ولكن طلب الرئيس أبو مازن باجتماع عاجل للحوار والمصالحة هو أيضا كلام جاد وصحيح،فلا يمكن وقف العدوان وضمان عدم تكراره إلا في إطار وحدة الموقف الفلسطيني وفي إطار المصالحة الوطنية، العدوان سيتوقف اليوم أو غدا ولكن ماذا بعد وقف العدوان الحالي وما هي ضمانة عدم تكراره أو استمراره بوسائل أخرى أو بأماكن أخرى من فلسطين؟ إن كنا نريد وقف ما يحاك دوليا وهو إرسال قوات دولية لغزة أو وقف لإطلاق النار مع هدنة مذلة تكرس القطيعة بين شطري الوطن وتنهى كل أشكال المقاومة فيجب توحيد الموقف الفلسطيني والعودة بسرعة لوثيقة الوفاق الوطني وإيجاد صيغة مؤقتة لفتح معبر رفح تكون هذه الصيغة جزءا من المصالحة الوطنية وليس بديلا عنها،بدلا من أن يناشد السيد خالد مشعل كل دول العالم بالتدخل ويراهن على مظاهرة هنا ومسيرة هناك لوقف العدوان، وبدلا من أن يجوب الرئيس أبو مازن العالم مناشدا وطالبا الدعم والمشورة،على الطرفين أن يجتمعا حالا ويبحثا سويا كيفية إنقاذ القضية الفلسطينية من الدمار والكارثة وليس فقط وقف جرائم العدو في غزة،مجرد اجتماع الرئيس أبو مازن مع السيد خالد مشعل الآن سيكون له نتائج مهمة على مجريات المواجهة ولو من ناحية معنوية
د/إبراهيم أبراش
لن نقوم بتوصيف الإجرام الصهيوني بحق أهلنا بغزة فالبث المباشر للفضائيات أكثر بلاغة في التوصيف والتعبير ،ولن نكتفي بالتنديد بالإجرام الصهيوني لأننا منذ أكثر من ستين سنة ونحن نندد حتى باتت كلمات التنديد والشجب والاستنكار ممجوجة وفاقدة للمعنى وخصوصا عندما أنظمت الأنظمة العربية والإسلامية وقادة هذه الأنظمة لجوقة المستنكرين والمنددين وهم مَن كان يُفترض أن يكونوا أصحاب قرار الرد على العدوان بالفعل وليس بالكلام والمظاهرات،فما أشبه اليوم بالبارحة الاختلاف أنه سابقا كانت حركة فتح و منظمة التحرير على رأس من يناشد ويستنجد بالعرب والمسلمين أما اليوم فحركة حماس، ولكن أسمعت لو ناديت حيا.حتى نفهم ما يجري في قطاع غزة من حيث أسباب وأبعاد العدوان الجديد وكيف يمكن معالجة الأمر وما هي آفاق الحل بعيدا عن خطاب العواطف والانفعالات، يجب أولا التأكيد أو استحضار الوقائع التالية التي فرضت وجودها على القضية الفلسطينية منذ بداية ما يسمى بمسلسل السلام مع مدريد ثم أوسلو، هذه الوقائع التي جعلت إسرائيل تُقدم على جريمتها بهذه البشاعة وهي مطمئنة تجاه ردود الفعل العربية والدولية وحتى الفلسطينية:-
الأولى: أن إسرائيل لا تريد سلاما حقيقيا مؤسَسَا على الشرعية الدولية أو الاتفاقات الموقعة،فمنذ أن اغتالت الصهيونية إسحاق رابين قررت إسرائيل الخروج من العملية السلمية وكل المفاوضات واللقاءات اللاحقة كانت لكسب الوقت لا غير لالتهام مزيد من أرض الضفة والاشتغال على تدمير المشروع الوطني بفصل غزة عن الضفة،واستطاعت إسرائيل فرض معادلة :مفاوضات وحديث عن السلام مقابل اعتراف وتعامل إسرائيل وواشنطن والأوروبيين مع السلطة كممثل للشعب الفلسطيني ومسئولة عن تدبير الشؤون الداخلية للفلسطينيين في إطار سلطة حكم ذاتي وحيث أن إسرائيل ليست دولة سلام بل دولة عدوان وإرهاب: نشأة وإيديولوجيا وسلوكا، فهي لا ترى تناقضا بين سلوكها الإرهابي والتزامها بعملية السلام الشكلية.هذه الايدولوجيا السياسية تحضا بموافقة ورضا الشارع الإسرائيلي ولذا تراجعت مكانة قوى اليسار في إسرائيل وأصبح اليمين هو المسيطر على المشهد السياسي الإسرائيلي وهذا يفسر صمت الشارع الإسرائيلي على ما يجري بالقطاع على عكس ما جرى أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان 1982 وخلال الانتفاضة الأولى والثانية.
الثانية:منذ نهاية المرحلة الانتقالية للسلطة الفلسطينية في مايو 1999 ،بدأت السلطة الفلسطينية بالتحول من سلطة مؤقتة وانتقالية لحركة تحرر وطني تمهد الطريق نحو الدولة والاستقلال إلى سلطة لأجل السلطة وهدف بحد ذاته وبالتالي لم يعد من الممكن المراهنة عليها وحدها لقيادة المشروع الوطني التحرري.وان تتشكل سلطة وحكومة في ظل الاحتلال وبرعاية أوروبية وأمريكية فلا بد أن تكون سلطة متصالحة مع الاحتلال،وسلطة متصالحة مع الاحتلال ولو بحكم الضرورة لا يمكنها أن تقود حركة تحرر وطني أو تواجه أمنيا وعسكريا سياسات الاحتلال.
الثالثة:سواء تعلق الأمر بالأنظمة أو الشعوب ،لم يعد مجالا للمراهنة على الحالة العربية الراهنة لتحرك جاد وقوى في مواجهة السياسة الصهيونية المدعومة أمريكيا ولا يبدو أن العرب ومعهم المسلمين سيتجاوزون بمواقفهم سقف المبادرة العربية للسلام –مبادرة قمة بيروت 2002- وخصوصا بعد استعداد سوريا للمفاوضات مع إسرائيل حول الجولان وخروج حزب الله من ساحة المواجهة المباشرة مع إسرائيل.العرب ما زالوا أمناء وملتزمين بمعادلة مقدسة مع الفلسطينيين ،هذه المعادلة تقول بان يقدم الفلسطينيون الشهداء والجرحى ويقدم العرب سيارات الإسعاف والأدوية وأكفان الموتى وأكياس الطحين ويفتحوا مستشفياتهم لاستقبال بعض الجرحى لعلاج مَن يمكن علاجه ولموت مرفه في مستشفيات راقية لمن لم يفلح معه العلاج،معادلة تقول بأن يُسحق الشعب الفلسطيني وتتناثر أشلاء الأطفال والنساء وتدَمَر البيوت وتُصادر الأرض وتُهود مقابل أن تَعرض الفضائيات هذه المشاهد وتفسح المجال لمن يريد أن يتحدث عن بطولات الشعب الفلسطيني وعن توازن الرعب مع إسرائيل وعن التهديد بتدمير إسرائيل وربما تزيد الفضائيات من عندها بما يُضخم من الإمكانيات العسكرية للفلسطينيين.
رابعا:تحول الانقسام في الساحة الفلسطينية من تعددية سياسية إلى انقسام سياسي استراتيجي وجغرافي وخصوصا بعد أحداث 14 يونيو 2007،ونتيجة هذا الانقسام استطاعت إسرائيل فرض معادلة خطيرة وهي إسرائيل في مواجهة عسكرية دموية مع قطاع غزة مع أهل غزة وحركة حماس وبقية فصائل المقاومة من جهة ،ومحاولة تحييد الضفة الغربية من جهة أخرى،وبمقتضى هذه المعادلة لم يعد الصراع كما كان سابقا ،إسرائيل في مواجهة كل الشعب الفلسطيني وهو ما كان عليه الحال طوال تاريخ القضية الفلسطينية وهو ما لمسناه خلال انتفاضة 1987 ثم انتفاضة الأقصى ،وبالتأكيد لم يعد احد يتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي. بمقتضى هذه المعادلة أصبحنا نسمع عن حرب إسرائيل ضد قطاع غزة والعدوان اليوم هو على قطاع غزة فيما ننم عملية إخراج الضفة من ساحة الحرب المباشرة ،حتى شعارات المتظاهرين في العالم أصبحت تقول لبيك غزة ونصرة غزة وليس لبيك فلسطين ونصرة فلسطين .عندما تصبح الحرب معركة بين إسرائيل بما تملك من قوة جبارة من جهة وقطاع غزة -360 كلم- وحركة حماس من جهة أخرى فنتائج الحرب ستكون متوقعة مع كامل التقدير للبطولات والتضحيات التي سيبديها أهل غزة،فكما يقول المثل (القوة تغلب الشجاعة)،إسرائيل ستحقق بعض أهدافها العسكرية الإستراتيجية وحركة حماس ستستمر بالحديث عن النصر والصمود والبطولة،وهو ما جرى مع حزب الله،ولكن بالتأكيد لن تتمكن إسرائيل من تركيع الشعب الفلسطيني ولن ترتفع رايات بيضاء على أي بيت فلسطيني،ولن تجد إسرائيل أي كرزاي أو جلبي أو علاوي فلسطيني بل ستجد في غزة من يسيرون على درب أبو عمار والشيخ ياسين وأبو علي مصطفى والشقاقي وسيكون على رأس من سيتصدى العدوان الصهيوني أبناء حركة فتح وفصائل منظمة التحرير فلا أحد يقبل أن تعود الشرعية وسلطة المنظمة على ظهر دبابات إسرائيلية.
خامسا:مع سيطرة حركة حماس على السلطة في القطاع انتهى المشروع الوطني الفلسطيني بمحدداته ومرجعياته التي صاغتها وثيقة الاستقلال عام 1988 ثم مشروع السلام الفلسطيني، على الأقل على مستوى قطاع غزة وبالنسبة لحركة حماس،وأصبحت غزة وكأنها تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين والمعركة الدائرة في غزة وكأنها معركة الإخوان المسلمين حيث نحشد هذه الأخيرة كل جهودها على مستوى العالم لرفع الحصار عن غزة وحيث أن الإسلام السياسي في حالة صراع وخلاف مع أنظمة عربية وعلاقاته متوترة مع المنتظم الدولي فقد أصبحت الحالة الفلسطينية وخصوصا في قطاع غزة متداخلة ،تؤثر وتتأثر بسياسات الأنظمة العربية تجاه الإسلام السياسي ببلدانها . هذا التداخل بين الحالة في غزة والإسلام السياسي هو ما يجعل الأنظمة العربية تنظر بحذر وخوف مع المظاهرات التي تجري في بلدانها نصرة لأهل غزة ،حيث ترى بها استعراض قوة للإسلام السياسي وخصوصا الإخوان المسلمين فالمظاهرات في نظر الأنظمة و إن كانت استنكارا لمجازر غزة فهي رسالة موجهة للأنظمة العربية وخصوصا ذات العلاقات المتوترة مع الإخوان كمصر والأردن ودول المغرب العربي،كثير من الأنظمة العربية لا ترى في نجاح حركة حماس في إقامة سلطة في القطاع نجاحا للقضية الفلسطينية بل نجاحا لمشروع إسلامي يشكل تهديدا لها ولاستقرار الوضع في بلدانها .
سادسا:ولان الأمر أصبح كذلك فقد تراجع الحديث عن المصالحة الوطنية وعن وحدة الضفة وغزة وعن حكومة وسلطة وطنية واحدة بل تراجع الحديث عن اعتراف حركة حماس بإسرائيل وهو ما كان شرطا رئيسا في ظل حكومة الوحدة الوطنية وفي ظل الحكومة التي قادتها حماس مباشرة بعد الانتخابات ،فبعد الانقسام ومع قبول حركة حماس بالتهدئة لم تعد إسرائيل معنية بان تعترف بها حركة حماس ما دامت قواعد اللعبة محصورة بغزة وبتهدئة وبدفع غزة جنوبا نحو مصر أو غربا نحو البحر. وللأسف رفضت حركة حماس وحركة الجهاد دعوة المصالحة التي وجهها الرئيس أبو مازن في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للمصالحة لتوحيد المواقف والجهود الفلسطينية لمواجهة العدوان وإرجاع الصراع لبعده الحقيقي ،كل الشعب الفلسطيني قي مواجهة الكيان الصهيوني في قطاع غزة والضفة والقدس.وهنا نتمنى على الإخوة في حركتي حماس والجهاد وخصوصا حركة حماس أن يدركوا أنهم لو كسبوا تأييد مليار وثلث المليار من المسلمين فإن هذا لن يغني أو يفيدهم بشيء إن فقدوا تأييد الشعب الفلسطيني ،فقوتهم الحقيقية هي أهلهم من الشعب الفلسطيني وتحالفهم مع بقية قوى العمل الوطني،ملايين المسلمين والعرب قد يدعموهم ماليا ولكنهم لن يصدوا دبابة صهيونية تتقدم لهدم منزل أو صاروخا يستهدف طفلا أو شيخا،هذه الملايين لن تخفف عنهم الألم الناتج عن نظرة شماتة أو حقد من بعض أبناء جلدتهم الذين أصابهم ضيم وعنت على يد أجهزة حركة حماس، وهم يرونهم يبحثون عن حلفاء من أشتات الأرض ويناشدون العالم الخارجي بالتدخل متجاهلين أبناء وطنهم والأقربين بالوطن والدم .
سابعا:فحيث أن إسرائيل ليست بعيدة عن كل الأحداث الفلسطينية الداخلية وخصوصا حالة الانقسام بل هي الموجه لها فأن ما يجري اليوم مع حركة حماس هو نفس التكتيك الذي استعملته مع الرئيس الراحل أبو عمار ولكن على أرضية الانقسام مما يجعل قدرتها اليوم أكبر على تحقيق بعض أهدافها الإستراتيجية.فتحت شعار السلام واتفاقية أوسلو سمحوا لمنظمة التحرير بتأسيس سلطة وأجهزة أمنية ووزارات ومؤسسات وكانت المراهنة الإسرائيلية أن تحل السلطة محل حركة التحرر الوطني وانتهاء توصف إسرائيل كدولة احتلال وكانت المراهنة أيضا أن ينشغل الفلسطينيون بالسلطة والصراع عليها فيما تتفرغ إسرائيل لاستكمال مشاريعها الاستيطانية بالضفة وتهويد القدس ،إلا أن وطنية وإرادة الراحل أبو عمار والمخلصين في الشعب الفلسطيني كانت بالمرصاد لهذا المخطط ،فحاول أبو عمار إفشال هذا المخطط وخصوصا بعد كامب ديفد الثانية والعودة لحالة التحرر الوطني والسماح أو السكوت على تسليح الشعب وممارسة المقاومة المسلحة وكان أبو عمار مستعدا للتضحية بالسلطة لصالح النهج الثوري والوطني، كانت نتيجة هذا الموقف العرفاتي دفع إسرائيل لاجتياح مناطق السلطة في الضفة عام 2002 ومحاصرة الرئيس أبو عمار بالمقاطعة ثم اغتياله لإعادة إدخال السلطة في بيت الطاعة الإسرائيلي.اليوم تتكرر التجربة مع حركة حماس ، فقد سمحوا بداية بإجراء انتخابات تشريعية تشارك بها حركة حماس في يناير 2006ثم سكتوا على انقلاب يونيو 2007 وتفاهموا على تهدئة مع سلطة وحكومة حماس بالقطاع وسهلوا فتح المعابر نسبيا ثم سكتوا على وجود أكثر من 1400 نفق عبر الحدود مع مصر،كانت إسرائيل من وراء ذلك تراهن على أن تخضع السلطة ومنظمة التحرير والرئيس أبو مازن لهذا الأمر الواقع ويقبلوا بمبادرة أولمرت التي تنهي الصراع مع العدو لمصلحته،وان تخضع حركة حماس وفصائل المقاومة بغزة وتقبل بمعادلة التهدئة مقابل الغذاء وأن تنجح الضغوط على مصر لفتح معبر فتح كبديل للمعابر مع إسرائيل،الحس الوطني لدى الطرفين الفلسطينيين أفشل حتى الآن المخطط الصهيوني وبالتالي قررت إسرائيل العدوان على غزة وارتكاب مجزرة غير مسبوقة تكون درسا حاليا لحماس ولقطاع غزة ودرسا لأهلنا بالضفة إن قرروا التمرد على الإرادة الصهيونية،وهذا معناه أن المستهدف ليس حركة حماس بل إرادة الصمود عند الشعب الفلسطيني.
ثامنا: إن من يتابع العدوان على غزة ويقارنه بحرب تموز مع حزب الله سيلاحظ كثيرا من أوجه الشبه سواء من حيث انقسام مواقف الأنظمة العربية من الحدث أو المواقف الشعبية المؤيدة لحزب الله ،وكثرة عدد الذين نصبوا أنفسهم محللين عسكريين واستراتيجيين وقالوا بلغة اليقين بأن صواريخ حزب الله ستفرض معادلة جديدة في لبنان وفي الشرق الأوسط وبعضهم بشَّر بنهاية إسرائيل على يد حزب الله ، والشبه أيضا من حيث مجريات حرب الصواريخ وتوسيع مداها والتهديد بالآتي الأعظم حيث ستضرب الصواريخ نل أبيب ومفاعل ديمونا ،وما صاحب ذلك من حرب نفسية ودعائية.الجديد في حالة غزة أن حزب الله ومعه إيران تحولا لجوقة المنددين بالعدوان مثلهم كمثل الأنظمة العربية أو مثل المستضعفين من الجماهير الشعبية التي لا حول ولا قوة لها إلا التظاهر والتنديد. ونتمنى على قوى المقاومة والفلسطينيون بشكل عام الاستفادة من تجربة حرب تموز في لبنان وأن لا تكون نهاية الحرب على غزة كنهاية حرب تموز حيث استمر حزب الله بالحديث عن ( النصر المؤزر) بالرغم من الدمار الذي لحق بلبنان وإخراج حزب الله من الجنوب وتحويله لأداة لحرب أهلية ومرابطة قوات دولية في الجنوب وتحويل الحدود اللبنانية الإسرائيلية كمثيلتها الحدود الأردنية الإسرائيلية أي أخراج لبنان من ساحة المواجهة مع إسرائيل .
تاسعا: الموقف الغريب والمثير للتساؤل لفصائل (المقاومة) .كنا نقهم أن تختلف الفصائل في المواقف وحتى في الاستراتجيات
وهو الاختلاف الذي شكل مقتلا للقضية الوطنية،ولكن ما لا نفهمه هو استمرار هذا التنافر والتعارض بعد كل ما جرى للقضية الوطنية والأخطر من ذلك هو اختلاف موقف وممارسة الفصيل الواحد حسب التواجد الجغرافي،فالفضائل المتواجدة بالضفة أصبحت وكأنها جزء من السلطة حيث تهادن الاحتلال ولا تمارس مقاومة مسلحة في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين المنتشرين في كل مكان وعلى الطرقات بالرغم من أن الضفة الغربية ما زالت محتلة بل هي أولى بالمقاومة والجهاد لأنها مهددة بالاستيطان والضم، فكيف يمكن تفسير أن فصائل المقاومة توقف المقاومة حيث يوجد الاحتلال بالضفة والقدس وخصوصا بعد اتضاح فشل مسلسل التسوية ووصول المفاوضات لطريق مسدود، وتمارس مقاومة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة حيث خرج الاحتلال ولو نسبيا؟إن كانت هذه الفصائل سواء كانت حماس والجهاد أو كتائب الأقصى والشعبية والديمقراطية،تريد أن تبلغ رسالة بأنها ما زالت قوى مقاومة حتى تضمن حضورها السياسي واستمرار الدعم من الجهات التي تقدم الدعم لها لأنها فصائل مقاومة،فعليها أن لا تنظر لأهل غزة كـ (حيطة واطية) وكجموع بشرية محبطة ومندفعة ومتحمسة ومستفزة دوما،بل عليها أن تبحث عن الساحات الحقيقية التي تحتاج لفعل المقاومة ليخففوا العبء عن أهل غزة ولاستمرار مسيرة التحرير التي يقولون بها. الصواريخ المنطلقة من غزة أعادت إسرائيل لغزة بشكل أكثر دموية قيما كان يفترض بهذه الصواريخ وأشكال المقاومة الأخرى العاملة في إطار إستراتيجية وطنية أن تُخرج إسرائيل من الضفة.
عاشرا: يمكن النظر للعدوان الجاري على قطاع غزة باعتباره المرحلة النهائية لخطة شارون للانسحاب أحادي الجانب التي بدأت نهاية عام 2005،إسرائيل أخرجت مستوطنيها وجيشها من قطاع غزة ولكنها لم تنقل السيادة للفلسطينيين ولم تعلن وضعا قانونيا محددا للقطاع ونعتقد أن إسرائيل كانت تهيئ لما جرى لاحقا وخصوصا سيطرة حماس على القطاع،العدوان الحالي على قطاع غزة هو معركة لحسم مصير غزة ووضعها القانوني النهائي .وبالتالي لا نعتقد بأن إسرائيل تريد إنهاء سلطة حركة حماس بالقطاع لأن ذلك يعني إعادة توحيد السلطة والنظام السياسي الفلسطيني وهو ما لا تريده إسرائيل،بل تهدف لفرض وقف إطلاق للنار وهدنة طويلة المدى وإنهاء العلاقة مع إسرائيل وبالتالي مع الضفة الغربية.
كان لا بد من استحضار هذه الوقائع المؤلمة حتى نعرف ما هي المشكلة بالضبط فمعرفة حقيقة المشكلة بمثابة قطع نصف الطريق نحو الحل .فهل المشكلة بين حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى أم بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل؟هل المشكلة هي معبر رفح وبالتالي إذا تم فتحه ستُحل القضية الفلسطينية أو حتى ستتوقف المواجهة بين حركة حماس وإسرائيل؟وهل هناك إمكانية لتعايش إمارة في غزة يحكمها الإخوان المسلمون مع النظام المصري والكيان الصهيوني؟هل العودة للتهدئة بين غزة وإسرائيل بدون مصالحة وطنية هو الحل؟هل صدور قرار من مجلس الأمن بإرسال قوات دولية لترابط على حدود غزة كما جرى في جنوب لبنان هو الحل وهل يمكن لحركة حماس لوحدها الوقوف بوجه هذه الإرادة الدولية؟أم أن المشكلة تكمن في فشل المفاوضات ومسلسل التسوية والسلطة وبالتالي يحتاج الأمر لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني كبيت شعب تحت الاحتلال تقوده حركة تحرر واحدة وبإستراتيجية واحدة؟.
سبل مواجهة العدوان لا يكون إلا بإعادة القضية الوطنية لوضعها الطبيعي وهو ما يحتاج لكسر كل المعادلات التي فرضها العدو والتي اشرنا إليها سابقا،ولكن وحيث أن هناك عدوانا مباشرا وقائما في غزة يحتاج لسرعة الرد فإن كلام السيد خالد مشعل وقبله السيد إسماعيل هنية على أن المهمة الأولى هي وقف العدوان هو كلام صحيح ولكن طلب الرئيس أبو مازن باجتماع عاجل للحوار والمصالحة هو أيضا كلام جاد وصحيح،فلا يمكن وقف العدوان وضمان عدم تكراره إلا في إطار وحدة الموقف الفلسطيني وفي إطار المصالحة الوطنية، العدوان سيتوقف اليوم أو غدا ولكن ماذا بعد وقف العدوان الحالي وما هي ضمانة عدم تكراره أو استمراره بوسائل أخرى أو بأماكن أخرى من فلسطين؟ إن كنا نريد وقف ما يحاك دوليا وهو إرسال قوات دولية لغزة أو وقف لإطلاق النار مع هدنة مذلة تكرس القطيعة بين شطري الوطن وتنهى كل أشكال المقاومة فيجب توحيد الموقف الفلسطيني والعودة بسرعة لوثيقة الوفاق الوطني وإيجاد صيغة مؤقتة لفتح معبر رفح تكون هذه الصيغة جزءا من المصالحة الوطنية وليس بديلا عنها،بدلا من أن يناشد السيد خالد مشعل كل دول العالم بالتدخل ويراهن على مظاهرة هنا ومسيرة هناك لوقف العدوان، وبدلا من أن يجوب الرئيس أبو مازن العالم مناشدا وطالبا الدعم والمشورة،على الطرفين أن يجتمعا حالا ويبحثا سويا كيفية إنقاذ القضية الفلسطينية من الدمار والكارثة وليس فقط وقف جرائم العدو في غزة،مجرد اجتماع الرئيس أبو مازن مع السيد خالد مشعل الآن سيكون له نتائج مهمة على مجريات المواجهة ولو من ناحية معنوية