- الخميس مايو 03, 2012 11:56 am
#49879
في المواطنة
يحتلّ مفهوم المواطنة مكانة مركزيّة في الفلسفة السياسية ,فهو يمثّل مدار تحليلات الفكر الفلسفي السياسي قديما وحديثا.ولعلّ ما يدعو إلى التفكير في مسألة المواطنة ليس المشكلات النظريّة فقط بل أيضا الإحراجات العمليّة في الواقع الراهن حيث نجد في أحيان كثيرة الإستبداد يبرّر باسم الديمقراطية كما نرى حقوق الأفراد والشعوب تنتهك باسم المواطنة المحليّة أو العالميّة. قد يكون من الضروري إعادة النظر في المفاهيم التي تأسّس عليها الفكر السياسي الحديث, لا من أجل تأصيلها فحسب بل أيضا من أجل البحث عن حلول لمشكلات الوجود السياسي الفعلية. فما هي المواطنة الحقيقيّة؟وهل للمواطنة قيمة وصفيّة و تفسيريّة أم أنّ قيمتها تقويميّة و معياريّة؟
ينبغي ان نلاحظ انّ مفهوم المواطنة يستعمل في الفكر السياسي و في الفلسفة السياسية كما يستخدم في العلوم السياسية التي تمّ التواضع على اعتبارها علوما اجتماعية وصفية ولكن بحسب دلالات مختلفة وملتبسة. في هذا الإستخدام المتنوع يمكننا أن نجد مبرّرا لألتباس المفهوم. و مع ذلك علينا ان نسعى إلى تحديد دلالته او (دلالاته) لأنّ ذلك هو شرط التفكير في أهمّ مشكلات الإجتماع السياسي.
تحيل المواطنة إلى نمط من انماط الوجود الإجتماعي تنظّمه قوانين تمّ الإتفاق عليها بين مجموعة بشريّة معيّنة. وهذه القوانين هي التي تضمن للافراد جميعا حقوقا وحريّات وتمنع كل انحراف للسلطة من شأنه أن يحوّلها إلى تسلّط. والمواطنة, ولعلّ هذا هو الأهم,تدلّ على المواطن والمواطنين الذين يديرون شؤونهم معا بطريقة تكون فيها العدالة والمساواة مكفولتين.هذا يسمح لنا بالقول إن المواطن هو الفرد الذي يشارك في الشأن العامّ من منطلق الحريّة و الإستقلاليّة و تلك المشاركة نطلق عليها حريّة سياسيّة. أساس المواطنة إذن هو الحريّة بما هي حقّ الفرد في الإختيار وفي أن لا يمنعه احد من ان يقوم بما شاء من أفعال. تحيل المواطنة إلى وجود فضاء عامّ,يتميّز عن الفضاء الخاص باعتباره مجال الأفكار والتطلّعات و الميولات الخاصّة بالفرد. غير أن الفضاء الأول لا يلغي الثاني. يعود هذا المعنى إلى الفلسفة اليونانية,فقد تداول الرواقيّون مفهوم "المواطن العالمي" كما جسّد سقراط حالة المواطن الذي هو فرد ملتزم بقوانين دولته. ولعلّنا نجد لدى أرسطو الصياغة الأوضح لتعريف المواطن حيث يقول في كتاب "السياسيّات":«الذي يدعى مواطنا على الأخصّ من يشترك في مناصب الدولة»[1].
تتحدّد دلالة المواطنة بالنظر إلى مجموعة من المعاني الأخرى المرتبطة بها لعلّ أهمها معنى الدولة . تدلّ الدولة على مجموعة الأجهزة و المؤسسات التي تمارس السيادة من خلالها. والسيادة هي السلطة الأصلية التي عنها تنبثق السلطات الأخرى.السيادة هي السلطة العامّة المشروعة التي تعمل من خلال مؤسّسات الدولة و أجهزتها المختلفة. المعنى الآخر الملازم لمفهوم المواطنة هو الديمقراطية, وهي الحالة التي تكون فيها السيادة للمواطنين كافّة دون تمييز بينهم على أساس المولد أو الثروة أو القدرة[2]. وهكذا يمكن تعريف المواطن بأنه الفرد الذي يتمتع بحقوق سياسية في ظلّ دولة ديمقراطيّة.
إن ما ورد سابقا لا يعني أن مفهوم المواطنة قد تحدّد بما يكفي من الوضوح. فالقول بأنّ المواطن هو من يشارك في الشؤون العامّة من منطلق الحريّة الفرديّة لا يوضّح تماما من هو المواطن.ثمّة أسئلة يجب تقديم أجوبة عنها مثل: ما هي شروط المشاركة في الشأن العامّ؟و كيف تتمّ؟ كيف يمكن التوفيق بين المصلحة الخاصة للمواطن باعتباره فردا تحرّكه الأهواء و الميولات الشخصيّة و المصلحة العامّة؟ كيف يشارك المواطن في الأمور العامّة ويخضع لقوانين الدولة و يبقى,في نفس الوقت, حرّا؟ لقد عبّر أرسطو عن هذا الإلتباس بالقول:«يتّضح لنا أنّه ينبغي قبل كل شيئ أن نبحث عن المواطن. إن الدولة جماعة مواطنين, و من ثمّ علينا أن نستقصي من يجب أن ندعوه مواطنا و من هو المواطن إذ يكثر أن يكون المواطن موضوع جدل»[3].هناك اختلاف بين دلالة معنى المواطنة في الحكم الشعبي ودلالته في حكم الأغلبيّة. ففي إطار حكم الأغلبيّة ليس من الضروري أن يؤخذ قرار كلّ المواطنين بعين الإعتبار, إذ يتمّ الإكتفاء بما تتفق عليه الأغلبية. و هذا يعني أنّ هناك عدد من المواطنين لا تحضى اختياراتهم وقراراتهم بأيّ اعتبار من قبل السلطة العامة. و اما في الحكم الشعبيّ فالأمر يختلف, ذلك ان كل الأفراد-المواطنين المكوّنين للشعب أو للجماعة السياسية يشاركون فعليّا في إدارة الشأن العام. هذا المعنى هو ما يسمّى في الفكر السياسي المعاصر بالديمقراطيّة المباشرة. يقول أرسطو:«ندعو مواطن دولةمن له في تلك الدولة حقّ الإشتراك في في السلطة الإستشاريّة و في السلطة القضائيّة. و الدولة جماعة تألّفت من أمثال هذا الشخص»[4]. تقوم المواطنة في تصوّر أرسطو على فكرة المشاركة فالمواطن عنده هو من «يشترك في القضاء و السلطة» و النظام السياسي ليس «سوى شركة و لذا وجب ضرورة أن تهدف فضيلة المواطن إلى النظام السياسي». إنّ النظام السياسي و الوجود المدني ليس اختيارا فرديّا عقلانيّا كما هو الأمر لدى فلاسفة العقد الإجتماعي ولكنه غاية الوجود الفردي. وبعبارة أخرى لا توجد الدولة من أجل الفرد بل يوجد الفرد من اجل الدولة. ذلك هو معنى الخاصيّة الطبيعية للوجود السياسي. إن المدينة (الدولة) ليست اصطناعا ولكنها ظاهرة طبيعية أو واقعة طبيعية. بحسب التصوّر الأرسطي لا تمثل الديمقراطية شرطا ضروريّا للمواطنة, إذ يمكن للأفراد,في ظلّ حكم أرستقراطي أو ملكي أن يشاركوا بشكل ما في «مناصب الدولة». و من المعروف أنّ هذا الموقف يتعارض مع موقف اسبينوزا الذي يرى انّ النظام الديمقراطي هو النظام الكفيل بحماية الحقوق الطبيعية للأفراد[5]. «في الدولة الديمقراطية (وهي أقرب نظم الحكم إلى حالة الطبيعية) بيّنّا-يقول اسبينوزا- أن جميع الناس يتفقون على العمل بإرادة مشتركة ولكنهم لايتفقون على ان يبدوا آراءهم او يفكّروا بطريقة واحدة»[6]. إذا كانت حاجة الناس إلى الإجتماع هي التي تجعلهم مواطنين,في رأي أرسطو,بمعنى ان المواطنة نتيجة للمدنيّة الطبيعية فإن المواطنة في نظر اسبينوزا تتأسس على الحقوق الطبيعيّة للأفراد. إنّ شرط تجسُّد تلك الحقوق وخاصة حق التفكير والتعبير أي حقّ الحريّة السياسية لا يتعيّن إلاّ في إطار النظام الديمقراطي[7].
يحتلّ مفهوم المواطنة مكانة مركزيّة في الفلسفة السياسية ,فهو يمثّل مدار تحليلات الفكر الفلسفي السياسي قديما وحديثا.ولعلّ ما يدعو إلى التفكير في مسألة المواطنة ليس المشكلات النظريّة فقط بل أيضا الإحراجات العمليّة في الواقع الراهن حيث نجد في أحيان كثيرة الإستبداد يبرّر باسم الديمقراطية كما نرى حقوق الأفراد والشعوب تنتهك باسم المواطنة المحليّة أو العالميّة. قد يكون من الضروري إعادة النظر في المفاهيم التي تأسّس عليها الفكر السياسي الحديث, لا من أجل تأصيلها فحسب بل أيضا من أجل البحث عن حلول لمشكلات الوجود السياسي الفعلية. فما هي المواطنة الحقيقيّة؟وهل للمواطنة قيمة وصفيّة و تفسيريّة أم أنّ قيمتها تقويميّة و معياريّة؟
ينبغي ان نلاحظ انّ مفهوم المواطنة يستعمل في الفكر السياسي و في الفلسفة السياسية كما يستخدم في العلوم السياسية التي تمّ التواضع على اعتبارها علوما اجتماعية وصفية ولكن بحسب دلالات مختلفة وملتبسة. في هذا الإستخدام المتنوع يمكننا أن نجد مبرّرا لألتباس المفهوم. و مع ذلك علينا ان نسعى إلى تحديد دلالته او (دلالاته) لأنّ ذلك هو شرط التفكير في أهمّ مشكلات الإجتماع السياسي.
تحيل المواطنة إلى نمط من انماط الوجود الإجتماعي تنظّمه قوانين تمّ الإتفاق عليها بين مجموعة بشريّة معيّنة. وهذه القوانين هي التي تضمن للافراد جميعا حقوقا وحريّات وتمنع كل انحراف للسلطة من شأنه أن يحوّلها إلى تسلّط. والمواطنة, ولعلّ هذا هو الأهم,تدلّ على المواطن والمواطنين الذين يديرون شؤونهم معا بطريقة تكون فيها العدالة والمساواة مكفولتين.هذا يسمح لنا بالقول إن المواطن هو الفرد الذي يشارك في الشأن العامّ من منطلق الحريّة و الإستقلاليّة و تلك المشاركة نطلق عليها حريّة سياسيّة. أساس المواطنة إذن هو الحريّة بما هي حقّ الفرد في الإختيار وفي أن لا يمنعه احد من ان يقوم بما شاء من أفعال. تحيل المواطنة إلى وجود فضاء عامّ,يتميّز عن الفضاء الخاص باعتباره مجال الأفكار والتطلّعات و الميولات الخاصّة بالفرد. غير أن الفضاء الأول لا يلغي الثاني. يعود هذا المعنى إلى الفلسفة اليونانية,فقد تداول الرواقيّون مفهوم "المواطن العالمي" كما جسّد سقراط حالة المواطن الذي هو فرد ملتزم بقوانين دولته. ولعلّنا نجد لدى أرسطو الصياغة الأوضح لتعريف المواطن حيث يقول في كتاب "السياسيّات":«الذي يدعى مواطنا على الأخصّ من يشترك في مناصب الدولة»[1].
تتحدّد دلالة المواطنة بالنظر إلى مجموعة من المعاني الأخرى المرتبطة بها لعلّ أهمها معنى الدولة . تدلّ الدولة على مجموعة الأجهزة و المؤسسات التي تمارس السيادة من خلالها. والسيادة هي السلطة الأصلية التي عنها تنبثق السلطات الأخرى.السيادة هي السلطة العامّة المشروعة التي تعمل من خلال مؤسّسات الدولة و أجهزتها المختلفة. المعنى الآخر الملازم لمفهوم المواطنة هو الديمقراطية, وهي الحالة التي تكون فيها السيادة للمواطنين كافّة دون تمييز بينهم على أساس المولد أو الثروة أو القدرة[2]. وهكذا يمكن تعريف المواطن بأنه الفرد الذي يتمتع بحقوق سياسية في ظلّ دولة ديمقراطيّة.
إن ما ورد سابقا لا يعني أن مفهوم المواطنة قد تحدّد بما يكفي من الوضوح. فالقول بأنّ المواطن هو من يشارك في الشؤون العامّة من منطلق الحريّة الفرديّة لا يوضّح تماما من هو المواطن.ثمّة أسئلة يجب تقديم أجوبة عنها مثل: ما هي شروط المشاركة في الشأن العامّ؟و كيف تتمّ؟ كيف يمكن التوفيق بين المصلحة الخاصة للمواطن باعتباره فردا تحرّكه الأهواء و الميولات الشخصيّة و المصلحة العامّة؟ كيف يشارك المواطن في الأمور العامّة ويخضع لقوانين الدولة و يبقى,في نفس الوقت, حرّا؟ لقد عبّر أرسطو عن هذا الإلتباس بالقول:«يتّضح لنا أنّه ينبغي قبل كل شيئ أن نبحث عن المواطن. إن الدولة جماعة مواطنين, و من ثمّ علينا أن نستقصي من يجب أن ندعوه مواطنا و من هو المواطن إذ يكثر أن يكون المواطن موضوع جدل»[3].هناك اختلاف بين دلالة معنى المواطنة في الحكم الشعبي ودلالته في حكم الأغلبيّة. ففي إطار حكم الأغلبيّة ليس من الضروري أن يؤخذ قرار كلّ المواطنين بعين الإعتبار, إذ يتمّ الإكتفاء بما تتفق عليه الأغلبية. و هذا يعني أنّ هناك عدد من المواطنين لا تحضى اختياراتهم وقراراتهم بأيّ اعتبار من قبل السلطة العامة. و اما في الحكم الشعبيّ فالأمر يختلف, ذلك ان كل الأفراد-المواطنين المكوّنين للشعب أو للجماعة السياسية يشاركون فعليّا في إدارة الشأن العام. هذا المعنى هو ما يسمّى في الفكر السياسي المعاصر بالديمقراطيّة المباشرة. يقول أرسطو:«ندعو مواطن دولةمن له في تلك الدولة حقّ الإشتراك في في السلطة الإستشاريّة و في السلطة القضائيّة. و الدولة جماعة تألّفت من أمثال هذا الشخص»[4]. تقوم المواطنة في تصوّر أرسطو على فكرة المشاركة فالمواطن عنده هو من «يشترك في القضاء و السلطة» و النظام السياسي ليس «سوى شركة و لذا وجب ضرورة أن تهدف فضيلة المواطن إلى النظام السياسي». إنّ النظام السياسي و الوجود المدني ليس اختيارا فرديّا عقلانيّا كما هو الأمر لدى فلاسفة العقد الإجتماعي ولكنه غاية الوجود الفردي. وبعبارة أخرى لا توجد الدولة من أجل الفرد بل يوجد الفرد من اجل الدولة. ذلك هو معنى الخاصيّة الطبيعية للوجود السياسي. إن المدينة (الدولة) ليست اصطناعا ولكنها ظاهرة طبيعية أو واقعة طبيعية. بحسب التصوّر الأرسطي لا تمثل الديمقراطية شرطا ضروريّا للمواطنة, إذ يمكن للأفراد,في ظلّ حكم أرستقراطي أو ملكي أن يشاركوا بشكل ما في «مناصب الدولة». و من المعروف أنّ هذا الموقف يتعارض مع موقف اسبينوزا الذي يرى انّ النظام الديمقراطي هو النظام الكفيل بحماية الحقوق الطبيعية للأفراد[5]. «في الدولة الديمقراطية (وهي أقرب نظم الحكم إلى حالة الطبيعية) بيّنّا-يقول اسبينوزا- أن جميع الناس يتفقون على العمل بإرادة مشتركة ولكنهم لايتفقون على ان يبدوا آراءهم او يفكّروا بطريقة واحدة»[6]. إذا كانت حاجة الناس إلى الإجتماع هي التي تجعلهم مواطنين,في رأي أرسطو,بمعنى ان المواطنة نتيجة للمدنيّة الطبيعية فإن المواطنة في نظر اسبينوزا تتأسس على الحقوق الطبيعيّة للأفراد. إنّ شرط تجسُّد تلك الحقوق وخاصة حق التفكير والتعبير أي حقّ الحريّة السياسية لا يتعيّن إلاّ في إطار النظام الديمقراطي[7].