صفحة 1 من 1

سؤال من ليبيا: من أكبر: الشعوب أم قادتها ؟

مرسل: الخميس مايو 03, 2012 9:35 pm
بواسطة عبدالعزيزالغامدي9


إن صح الاستشهاد بالقول بأن العبرة بعموم القول لا بخصوص السبب فلقد قالت الجموع في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا قولة كريمة مستقاة من كتاب لا ريب فيه ، لقد قالوا بصوت لا مفر لقادتهم من سماعه وفهمه: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، لقد سئموا وملوا من جريمة كبر مقتها وإثمها عند الله لأولئك الذين يقولون مالا يفعلون.

إن استمرار غياب البرهان فى أرض الواقع والمنجزات يعمق هوة عميقة وسحيقة بين الإدعاء بالقول والتصديق بالعمل، فلم يعد للترقيع فائدة، فلقد بلي واهترأ ثوب الكذب، وكثر فتقه، وانشق كل سابق رتقه، وبانت سوأة لابسه للملأ، وفجأة حدث مالم يكن فى الحسبان، وانقلب السحر على الساحر، بل وأمن بعض اتباع السحرة.

هاتوا برهانكم على إدعاء محبة أوطانكم ومواطنيكم.

هذه مقولة وضعت تحت المحك الكثير والكثير، وسألتهم سؤالا لا تنفع المراوغة والتضخيمات والمزايدات الإعلامية في التهرب منه.

هذا السؤال هو: من أكبر: الشعوب أم قادتها ؟

في ثنايا هذا السؤال ومضات مضيئة تهدى الساري في ليل الظلم، وتعلمه أن المصلحة العامة هي أعلي وأولي بالتقديم على كل المصالح الخاصة، وتذكر الجميع وكل الادعياء بمعني مغيب لحب الوطن والمواطنة، وهو ان الميزان الحق للمواطنة ليس شعارات جوفاء، وانتماءات اسمية، وصور معلقة، واناشيد مسجوعة، بل هو تقديم وتغليب مصلحة الأوطان على مصالح أشخاص القادة والقلة المتنفذة وكل المواطنين مهما كان موقعهم في الهرم الاجتماعي والوظيفي.

يعظم حجم البرهان المطلوب ومقداره كلما علا موقع الفرد في هذا الهرم - فكل راع مؤتمن ومسؤول عما إسترعاه الله- والبون شاسع بين سؤال راعي العشرة وسؤال راعي شعب بأكمله، ولايخفانا الحديث النبوي الشريف الذي يتوعد من رعى أمر عشرة من الخلق فغشهم، فكيف يكون وعيد وعقوبة من ولي رعاية شعب بأكمله فغشه جيلا بعد جيل؟

مما أسرني وأثلج صدري ظهور هذه المفاضلة المفاجىء في وقت الفتن، فلقد سمعتها فى نداء مؤدب من أحد رفاق الأخ العقيد – الذى افضى لما قدم - يقول له بحرقة ويذكره: بأن ليبيا كوطن وشعب هي أكبر من أشخاصنا، وحبنا لها لا يستقيم ولا يكمل إلا إذا كان أكبر من حبنا لأشخاصنا، ورؤانا، وتطلعاتنا.

إن عظمة الفرد – أي فرد - تكون بمقدار نفعه لغيره لا بقدر نفعه لذاته الصغيرة، لأن أحب الخلق الى الله أنفعهم لخلقه.

من المؤلم حقا أن ترى من ثار بالأمس على الظلم والظلمة، ورأت فيه الشعوب المظلومة والمقهورة بالأمس أملها ومنقذها ينسى اليوم وعود ثورته المجيدة، ويجحد دروسها المرة فى دوامة وأسر تمجيده لذاته الصغيرة، والذي يجعله يظن واهما أنه بمفرده هو الشعب بأكمله والوطن بمجموعه, ويالها من هلوسة مخيفة وجنون قاتل يهدد الملايين.

لقد كشفت الأحداث الأخيرة أوراق التوت عن كثير من السوءات.

وزالت الأقنعة الوطنية والثورية عن بعض الوجوه فإذا خلفها ذئاب تختطف شعوباً بأسرها، وتقول لها حينما تتململ من سجنها مقولة محذرة : إحمدوا الله على نعمة الحياة الأمنة، وأنني لم أعض رقابكم بأنيابي الحادة، وأكلكم كما أكل الذئب الأخر الخراف الأمنة فى المزرعة المجاورة.

يالها من مساومة غير أخلاقية- تتستر بالدين احيانا - بين الذئب والخراف حينما يبتزهم ويعرض عليهم خيارين الغبن ظاهر فى كليهما:

1) إما الحياة والامن المزعوم داخل أسوار مزرعتي العالية و لكم المزيد من البرسيم الطري والعلف اللذيذ.
2) أو وضع رقابكم تحت أنيابي اللامعة، ومخالبي القاطعة.

خياران لئيمان لاثالث لهما: احكمكم بظلم ، او اقتلكم بلا رحمة.

يستعين الذئب كعادته بعدد من النعاج السمينة لتزين لهم الخيار الأول وتخيفهم من الثاني، وتحاول اقناعهم بكذب وسوء نية من يحدثهم عن المروج الخضراء الفسيحة، والحياة الحرة الكريمة خارج أسوار المزرعة واسلاكها الشائكة.

تصدق الخراف البريئة – على عادتها - الذئب الذي يكرم ولائها بالمزيد من البرسيم الاخضرالحلو، والعلف المستورد الطري فتشتغل بأكله، وجمعه، والتفاخر به عن أحلام الحرية وندائها.

إن رحمة الله بعباده لا تغيب، وإن شك فيه الشاك، وقنط منهااليائس، فالذئب المغرور نسي ولم يفطن فى خضم جنون عظمته لأمر مهم وخطير فيه سر هلاكه، وهو أن للبرسيم والعلف تاريخ وأجل تنتهي فيه صلاحيته، ويضعف مفعوله، ويزول تأثيره المخدر.

عندئذ تستيقظ الخراف من غفلتها يقظة لا نومة بعدها، وتكتشف حقيقة جهد الذئب في اخفائها سنينا طويلة، فما الخراف الا اسود ضارية بعدت وضلت عن درب ابائها وسيرتهم، فجهلت ذاتها وشأنها.

سوف تستيقظ الخراف – بل الاسود – وتخبرالكون أجمع بالسر المغيب، وتشم عبق الحرية الذي لا يعدله كل برسيم الأرض وعلفها حتى لو كان مستوردا.

بقلم: هشام محمد سعيد قربان