صفحة 1 من 1

مراحل تطور الحركات الاجتماعية

مرسل: الجمعة مايو 04, 2012 4:17 am
بواسطة محمد بن شاهين
- التعبئة الاولية :-
إن تاريخ كل حركة اجتماعية يبدأ في الغالب الأعم بمرحلة من ’’التعبئة’’ الأولية؛ بالمعنى الذي قصده باحث بارز مثل كارل دويتش، حيث قصد بالتعبئة حالة اجتماعية متسمة بتزايد الحركية الجغرافية (الهجرة الداخلية) والمهنية، وسرعة توصيل الأفكار وانتشارها، وكثافة الاتصالات؛ أي أن تعبئة المجتمع -في المعنى الذي استعمله دويتش- تشكل واحدة من مقدمات ظهور الحركات الاجتماعية.
2- قدرة تنظيمية :
إذ يقتضي أن يتحرر الأفراد من القيود التقليدية، وأن يطوروا قدرة تنظيمية يستطيعون بفضلها تحديد أهداف مشتركة، ووضع الموارد المطلوبة للوصول إلى هذه الأغراض موضع العمل.
3- مبادرات لا مركزية وغير منسقة :حيث تطبع بدايات الحركة، وتليها مرحلة العمل المنظم.
الا ان بعض علماء الاجتماع يختزلون مراحل تطور الحركات الاجتماعية في مرحلتين:
• الأولى هي المرحلة التلقائية: حيث لا تتميز إلا بشيء قليل من التنظيم، وتكون الأدوار غير واضحة، والأهداف غير متبلورة بشكلٍ كافٍ.
• والثانية هي مرحلة التنظيم الواضح، والبناء الاجتماعي الذي تحددت فيه الأدوار، وتبلورت الأهداف في إطار أيديولوجية متكاملة.
ويمكن القول بأن الحركات الاجتماعية بشكل عام تمر بثلاث مراحل هي:
1 - تبلور فكر الجديد واتساع دوائر انتشاره.
2 - حشد التأييد الاجتماعي له.
3- تغيير الواقع، أو الإسهام في تغييره.
خصائص الحركات الاجتماعية :-
• الاختلاف عن منظمات المجتمع المدني: يرى بعض علماء الاجتماع والكتاب السياسيين أن انتعاش المجتمع المدني إبان السنوات الماضية قد جاء على حساب الحركات الاجتماعية، خاصة في الدول الشيوعية أو الاشتراكية سابقاً، وربما في البلاد العربية. ومع ذلك فإن تحركات مؤثرة قامت بها حركات اجتماعية على مستوى العالم في الحقبة الأخيرة يمكن أن تقودنا لدحض هذا الاستنتاج، حيث يرى أخرون ان المجتمع المدني يتألف من أشكال مختلفة من التنظيم، تتطور في سياقات خاصة. والإيمان الزائد بالمجتمع المدني قد يلقي بشيء من الغموض على الفروق المهمة بين المنظمات غير الحكومية ومنظمات الجماهير القاعدية والحركات الاجتماعية وأشكال أخرى من التحرك أو العمل المدني. كما الأدوار المتزامنة للمجتمع المدني سواء فيما يخص المقرطة/ التحول الديمقراطي أو الأدوار النزاعية، نجدها" تعزز مفهوم مفاده أن الفاعلين غير الحكوميين وما لديهم من رأسمال اجتماعي يمكن أن يعول عليهم في القيام بخدمات من النوع الذي يجعل الدولة ترفع يدها عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه توفير الخدمات. وهذا المفهوم متميز عن الوظيفة المعتادة للحركات الاجتماعية.
• الاختلاف عن الاحزاب : نميز الحركة الاجتماعية عن الأحزاب السياسية. في ان الحركات الاجتماعية تسعى للتأثير في صنع القرار، أو يرفع مطالب لدى الدولة، إلا أنها لا تسعى إلى الاستحواذ على السلطة السياسية ولا مراكمتها ولا تعمل من خلال آليات العمل السياسي المباشر، كما هو شأن الأحزاب.
• التشابه مع الحركات الدينية : الحركات الدينية هي نوع من الحركات الاجتماعية، وإن كانت تتميز عن غيرها بكونها تمتلك مطلقات ومراجع كونية؛ كما هو الحال مثلا في الحركات الإسلامية، فلديها ’’مطلقات’’ عقيدية وإيمانية تجعل المنتمين إليها مستعدين للموت في سبيلها، كما أن لديها مرجعية متجاوزة للواقع المادي وتفسيراته الوضعية؛ كما أن رسالتها تسمو فوق الفوارق بين التجمعات الطبقية والإثنيات العرقية، واللون والجنس؛ ولذلك نجد أن خطاب هذه الحركات يتجه إلى الناس أجمعين دون تمييز، وتتسم أهدافها بالشمول والكلية، مثل هدف ’’تغيير الحياة’’، و’’تجديد الأخلاق’’، و’’إصلاح المجتمع والقضاء على الفساد’’ و’’إقامة حكم الله في أرضه’’.
• التركيز على القضايا الاجتماعية : قد تسعى الحركات الاجتماعية إلى نوع مغاير من السلطة الاجتماعية. ويمكن أن نضيف إن مطالب الحركات الاجتماعية تتعلق في المقام الأول بقضايا اجتماعية، رغم ما قد يكون لها من انعكاسات سياسية غير مباشرة.
• عدم اشتراط وجود برنامج عمل: إنه لا يشترط في الحركة تحديد برنامج عمل يعكس تصورا لسياسة منهجية للحكم ورغم هذا ينبغي أن تتوفر على وعي بذاتها داخل محيطها وتحديد لهويتها. وهي تسعى إلى إنجاز تغيير في إطار هذا الوعي، كما أن لها نسقًا قيميًا مرجعيًا ورمزيًا وقواعد للمشروعية. كما أنها تسعى إلى الاستقلال والاستقواء بالذات. وفي الوقت ذاته تشارك الحركات الاجتماعية في تهيئة مناخ مختلف سياسيا واجتماعيا وثقافيا، كما أنها تثير الصراعات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية المتشابكة. و ما تثيره من قضايا قد ينغمس في الفضاءات العامة ويكون له تأثير سياسي واضح. و يمكن أن تقتصر على النطاق المحلي الذي وجدت فيه، وليس بالضرورة أن يكون لها بعد وطنى.
• عدم اشتراط الشعبوية او النخبوية : فيما يتعلق بشعبية أو نخبوية الحركة فإن الحركة الشعبية هي أحد تجليات الحركات الاجتماعية، ولكنها ليست التجلي الوحيد لها. فهناك ضرورة لفهم حركات النخب حيثما وجدت وتلمس اتجاهاتها نحو الفئات الشعبية المختلفة، ودور الأخيرة في رؤية الأولى للتغيير.
• مستوى للتنظيم : فينبغي أن يتوفر للحركة الاجتماعية قادة يمكن تمييزهم عن القواعد، وأيضا آليات لتعبئة الموارد المادية والرمزية. وهي تختلف عن الهبة أو التمرد العفوي الذي يفتقد إلى أي درجات من الوعي والتنظيم. وإذا كان كل تنظيم ليس بالضرورة حركة اجتماعية فإننا نستبعد المنظمات التنموية، والخدمية والخيرية، أو الهياكل التنظيمية الفارغة، التي لا يتوفر لها مطالب اجتماعية تسعى من خلالها إلى تغيير في الحالة الراهنة التي لا تمثل مشكلة بالنسبة لها، أو لا تنطوي على هوية محددة أو مرجعية أو رموز خاصة بها، وإذا كانت الحركات الاجتماعية تنحى إلى البعد عن المؤسسات التي تخضع لتنظيم تراتبي صارم وعضوية ثابتة منتظمة، فإن وجود هذا التنظيم لا ينفي صفة الحركة الاجتماعية.
• مرونة الاستمرارية : فإننا نأخذ في الاعتبار أن الحركات الاجتماعية تمر بدورات تزدهر فيها أحيانا أنشطتها، وفي أحيان أخرى تخبو وتسكن.
مستقبل الحركات الاجتماعية
من اصول نشاتها في القرن الثامن عشر فصاعدا لم تمض الحركات الاجتماعية كأداءات فردية او منفرده ولكن كحملات تفاعلية . وبالتالي فان اي حديث عن هذه الحركات ينبغي ان يوضع في الاعتبار هذه المعلومة والتي تشير الى ان التنبؤ بالحركات الاجتماعية المستقبلية يتضمن التفكير حول العلاقات المتغيرة وسط المطالبين بالحقوق واهداف هذه المطالب والجماهير والسلطات وليس مجرد استنتاج الملامح الاكثر ظهورا لاداءات الحركات الاجتماعية ولنتذكر تفاعل الحركات والحركات المضاده والسلطات والجماهير والقوى الخارجية . لذلك فانه من الممكن تخيل اربعة سيناريوهات لمستقبل هذه الحركات وهي :
• التدويل .
بمعني ان يحدث تحولا دقيقا للحركات الاجتماعية المحلية والاقليمية والقومية في اتجاه نشاط الحركة الاجتماعية العالمية .ويعود الفضل في ذلك تحديدا الى ثورة الاتصالات وما رافقها من تجنيد لاعضاء هذه الحركات من خلال شبكة الانترنت .
• انحدار الديمقراطية :
حيث ان ذلك من شانه ان يحبط جميع انواع الحركات الاجتماعية خاصة ذات الحجم الكبير ولكنها قد تترك جيوبا لنشاط الحركة الاجتماعية المحلية او الاقليمية حيث تعيش بعض المؤسسات الديمقراطية . فالمقرطة غالبا مرتبطة بنشاطية الحركات الاجتماعية .
• الاحترافية :
وهي تعني نوع من مأسسة هذه الحركات ومن ثم انحدار الابتكار في الحركات الاجتماعية ومن ثم يصبح تعامل هذه الحركات نخبويا على مستوى طرح القضايا والمشاكل وهو الأمر الذي قد يؤدي بأصحاب المشاكل الحقيقيين بالانفضاض عنها. وهي في الغالب ستقلص من الاهمية النسبية للحركات الاجتماعية المحلية والاقليمية بينما تحول الطاقات الخاصة بالنشطاء والمنظمين الى مستويات قومية او على الاخص مستويات دولية وعالمية .
• الانتصار :
وهي ان تعمل على كل المستويات من المحلي العالمي كوسيلة لتقديم مطالب شعبية وهو امر في رايي ما زال بعيد المنال نظرا لتعقد المشاكل والمعوقات التي تجابه الحركات الاجتماعية واختلاف ظروف كل حركة عن مثيلاتها في دول اخرى.
والخلاصة هي أن الحركات الاجتماعية تتشكل حول مبادئ و’’مصالح معينة’’ بهدف الدفاع عنها، أو للسعي من أجل تحقيقها، وتشمل كلمة ’’المصالح’’ -هنا- الجوانب المادية الملموسة، والجوانب الأخلاقية والمعنوية والقيمية. فهل تتمكن هذه الحركات من الاسهام في حل مشكلات المجتمعات المعاصرة والتحديات التي تجابهها في عصر العولمة؟