منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#49984
مع بداية عام 2011، بدأت "ديلما روسيف" فترة رئاستها الأولي، باعتبارها أول رئيسة منتخبة للبرازيل. وقد حققت "روسيف" فوزا صعبا في الجولة الثانية، حيث حصلت علي نسبة 57% من أصوات الناخبين في البرازيل. ومن المهم تأكيد أن الفضل الحقيقي لفوز "روسيف" كان التأييد والدعم القوي الذي حصلت عليه من الرئيس "لولا"، حيث إن "روسيف" هي مرشحة "لولا" وحزبه للرئاسة، وهي أيضا رئيسة الوزراء في حكومته الأخيرة. إذن، فالناخب البرازيلي حينما كان يصوت لروسيف كان في الأصل يصوت لاستمرار سياسة "لولا" الذي عجز عن الدخول في الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة، لأن الدستور البرازيلي لا يسمح بذلك. وقد أعلنت "روسيف" بدورها مرارا أنها مجرد استمرارا لمرحلة "لولا"، لدرجة أن البعض يتصور أن وجودها في الرئاسة هو وجود مؤقت، خاصة بعد ما أعلن "لولا" إمكانية ترشحه مرة أخري في الانتخابات الرئاسية القادمة في 2014.
ولكن من المهم الإشارة إلي أن تصريحات "روسيف" التي أدلت بها في نهاية العام الماضي 2010، عقب إعلان فوزها، وقبل تسلمها الرسمي للسلطة، اتسمت بالتركيز علي الشئون الداخلية، وحل مشكلات الفقر والبطالة، ولم تتطرق إلي السياسات الخارجية، وهو الأمر الذي يثير مخاوف البعض من أن "روسيف" لن تكون في نفس مكانة وقوة "لولا" في الشئون الخارجية.
ومن المبكر جدا الحكم علي مواقف "روسيف" الخارجية، ولكن من الممكن التكهن بأنها لن تخرج كثيرا عن إطار خلفها "لولا"، خاصة وقد قامت "روسيف" بالإبقاء في حكومتها الجديدة علي 11 وزيرا من الفترة السابقة.
ولكن أيضا يمكن رصد موقف يمكن أن يفسر علي أنه تحول في السياسة الخارجية للبرازيل، وهو ما أعلنه وزير خارجية روسيف، "انتونيو باتريوتا" من أن البرازيل تعلن توقفها عن عمل أي وساطة فيما يخص الملف النووي الايراني، أو عن طرح أي مبادرات جديدة. وقال "أعتقد أنه سيكون من المبكر قليلا بالنسبة لنا أن نقوم بمحاولة أخري، علي غرار ما فعلنا العام الماضي." وأضاف "لكننا نبقي القنوات مفتوحة." ولكن أيضا، ينبغي تحليل مثل هذه التصريحات أو غيرها تحليلا منطقيا، بمعني أنه من الطبيعي أن قرارات السياسة الخارجية تتغير وفقا لمعطيات داخلية وإقليمية ودولية متغيرة. إذن، لا يمكن تفسير أي تحول يطرأ علي السياسة الخارجية البرازيلية علي أنه ارتداد عن طريق "لولا" الذي تعهدت "روسيف" بأن تسير عليه.
خاتمة:
كثيرا ما يفسر النجاح البرازيلي، سواء علي المستوي الاقتصادي أو مستوي السياسة الخارجية، علي أنه نجاح مرتبط بشخصية الرئيس "لولا"، لما يتمتع به هذا الرجل من ذكاء حاد، وقدرة كبيرة في إدارة الحوار، وحكمة كبيرة في الوقوف في نقطة وسطي بين فاعلين دوليين مختلفين، بل وأحيانا متصارعين. وإن كان هذا التحليل فيه شئ من الصحة، فإنه لا يوضح الصورة البرازيلية الكاملة. فالحقيقة أن ما شهدته البرازيل من تقدم مذهل في السنوات الماضية كان نتاج تحول ديمقراطي بدأ في 1994، عندما انتخبت البرازيل الرئيس السابق "فرناندو كاردوسو". وقد كانت بداية جيدة لاستقرار قيم الديمقراطية، والتي يعود إليها الفضل الحقيقي فيما قام به "لولا" من نقلة كبيرة في البرازيل. فالتحول الديمقراطي جعل من البرازيل دولة مؤسسات قوية، يكون فيها "قصر ايتا ماراتي" - وزارة الخارجية - مؤسسة قوية لديها رؤية واضحة، وسياسة عمل محددة لخدمة المصالح البرازيلية، وليس شخص الرئيس أو نظامه. ولهذا، يمكن أن نجد في البرازيل تحولا جذريا في السياسة الخارجية بين مرحلة ما قبل الديمقراطية وما بعدها، وليس بين "كردوسو" و"لولا"، أو بين "لولا" و"ديلما روسيف". ولكن يبقي دور تأثير الشخصية المتميزة للرئيس السابق لولا تأثيرا موجودا لا يمكن تجاهله، لكن مع تأكيد أن إنجازات السياسة الخارجية البرازيلية لا تساوي "لولا"، فإذا ذهب تنتهي من بعده كافة تلك الإنجازات أو تتوقف، ولكنها إنجازات دولة تنتمي إلي الجنوب، تحققت فيها الديمقراطية، فأنتجت مؤسسات قوية استطاعت أن تعبر بهذه الدولة وشعبها من الفقر والتخلف إلي الازدهار والتقدم، ولا تزال تطمح إلي المزيد، من خلال سياسة خارجية قوية تسعي لوضع البرازيل في مرتبة عالمية تنافس بها الدول العظمي