- الجمعة مايو 04, 2012 3:41 pm
#50034
لصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر
هذا الكتاب الذي نفدت طبعته الأولى فور صدوره يمثل نقلة نوعية لمؤلفه الدكتور (احمد وهبان) أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإسكندرية، موضوع الكتاب حول «الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر»، والذي ينطلق من التعريف بظاهرة الحركات العرقية في العالم المعاصر من حيث طبيعتها، وأسبابها، وأهدافها، ووسائلها، وآثارها، على الحياة السياسية في البلدان التي توجد بها، ولاسيما فيما يتصل بآثارها الدولية، وعلى ذلك فقد تمثلت مادة البحث في ظاهرة الحركات العرقية في العالم المعاصر من حيث كنهها وأسبابها وآثارها في الحياة السياسية.
حيث قام المؤلف بتقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام وذلك من خلال العرض لبعض النماذج أو الحالات المعبرة عن هذه الظاهرة حال الحركات العرقية في الاتحاد السوفييتي (السابق)، والحركة العرقية الكردية، والحركة العرقية في جنوب السودان.
وقد خلص المؤلف إلى أن الدولة القومية ـ بمقومها الرئيسي المتمثل في تجانس عنصرها البشري تجانساً قومياً ـ قد راحت تتميز عن الإمبراطوريات القديمة، تلك الإمبراطوريات التي كانت تقوم على التجميع الإجباري لشعوب متباينة الأصل واللغة والدين، وبالتالي فقد كان التجمع البشري لتلك الإمبراطوريات يفتقر إلى الرباط الموضوعي المتمثل في الرغبة في الحياة المشتركة بين أفراده من ناحية أخرى. لذلك فقد كانت هذه الإمبراطوريات تعاني من ظاهرة الحركات العرقية، إذ كانت كل جماعة عرقية تسعى بشتى السبل إلى الانفصال عن الإمبراطورية وتكوين دولة مستقلة تجمع شتاتها، الأمر الذي كان لابد من أن يتمخض في النهاية عن اضمحلال الإمبراطورية، واندثارها.
أما الدولة القومية ـ بركنها الركين المتمثل في التجانس القومي ـ فهي تمثل بحق مصلاً واقياً من ظاهرة الحركات العرقية، وبالتالي فهي تعد الصورة المثلى للمجتمع السياسي.ثم انتهى المؤلف من خلال مباحثه إلى تقديم تعريف للجماعة العرقية، والوقوف على مقومات ذاتيتها،
علي نحو هيأ لاستجلاء الفارق بينها وبين ما قد يختلط بها أو يتداخل معها من مفاهيم حال الجماعة السلالية، والأمة، والأقلية. كما عرض في هذا الفصل أيضا لأبرز الاتجاهات فيما يتصل بتصنيف الجماعات العرقية. ذلك فضلاً عن التعريف بالحركة العرقية ومقوماتها وأهدافها ووسائلها. ويتمثل اظهر ما انتهينا إليه بصدد ما تقدم فيما يلي:
1 ـ إن الجماعية العرقية هي: تجمع بشري يرتبط أفراده فيما بينهم من خلال روابط فيزيقية أو بيولوجية (كوحدة الأصل أو السلالة) أو ثقافية (حال وحدة اللغة أو الدين أو الثقافة)، ويعيش هذا التجمع في ظل مجتمع سياسي أرحب، مشكلاً لإطار ثقافي حضاري مغاير للإطار الثقافي الحضاري لباقي المجتمع، ويكون أفراد هذا التجمع مدركين لتمايز مقومات هويتهم وذاتيتهم، عاملين دوماً من اجل الحفاظ على هذه المقومات في مواجهة عوامل الضعف والتحلل.
2 ـ إن مقومات الذاتية العرقية لا تقتصر على المقومات الفيزيقية أو البيولوجية (كوحدة السلالة أو السمات الفيزيقية المشتركة)، وإنما تتضمن كذلك مقومات ثقافية حال وحدة الدين، أو اللغة، أو الثقافة.
3- الأقلية هي: الجماعة أو الجماعات العرقية ذات الكم البشري الأقل في مجتمعها، والتي تتمايز عن غيرها من السكان من حيث السلالة، أو السمات الفيزيقية، أو اللغة، أو الدين، أو الثقافة، ويكون أفرادها مدركين لمقومات ذاتيتهم وتمايزهم، ساعين على الدوام إلى الحفاظ عليها، وغالباً ما تكون هذه الجماعة أو الجماعات في وضع غير مسيطر في ذلك المجتمع، كما يعاني كثير منها - بدرجات متفاوتة - من التمييز، أو الاضطهاد أو الاستبعاد في شتى قطاعات المجتمع السياسية، والاجتماعية والاقتصادية. وهكذا فان كل أقلية هي جماعة عرقية في حين أن كل جماعة عرقية ليست بالضرورة أقلية.
4 ـ إن الجماعات العرقية قد تكون جماعات سلالية أو لغوية أو دينية، وان كان اغلب الجماعات العرقية لا تقتصر الرابطة بين أفرادها على مقوم واحد، إذ غالباً ما تكون الجماعة العرقية جماعة سلالية ولغوية، أو سلالية ولغوية ودينية، وهكذا.
من جانب آخر فان الجماعات العرقية قد تكون جماعات مسيطرة، كما قد تكون جماعات غير مسيطرة في مجتمعها، كما إن اغلب الجماعات غير المسيطرة هي أقليات يعاني كثير منها من التمييز، أو الاضطهاد، والاستبعاد، ولذلك نجد أن الحركات العرقية يرتبط وجودها بالجماعات غير المسيطرة.
5 ـ الحركة العرقية هي حركة سياسية اجتماعية منظمة تنشأ في إطار جماعة عرقية غير مسيطرة (غالباً ما تكون أقلية)، ويكون لهذه الحركة برنامج عمل ينطوي على ما تصبو إليه من أهداف، وما تتوصل به من وسائل بغية بلوغ هذه الأهداف التي تتمثل في إعمال مبدأ المساواة بصدد علاقة الجماعة بالجماعات لا سيما المسيطرة منها، كما قد تستهدف الحركة في بعض الأحيان تحقيق نوع من الحكم الذاتي لجماعتها على الإقليم الذي تقطنه، ذلك فضلاً عن أن ثمة حركات قد تتحين الارتقاء بجماعتها إلى تبوؤ موقع السيطرة في مجتمعها، غير أن اغلب الحركات العرقية ترمي إلى انفصال الجماعة عن المجتمع السياسي الذي يشملها، وإقامة دولة مستقلة تجسد هويتها، أو الانضمام إلى دولة أخرى مجاورة تشاركها ذات المقومات العرقية، وفي سبيل تحقيق أهدافها تلجأ إلى استخدام وسائل عديدة بعضها ذو طابع سلمي، وبعضها يرتكز إلى العنف.ويقدم وهبان تحليلاً لظاهرة الحركات العرقية في العالم المعاصر، حيث وقف المؤلف من خلال ذلك على السمات العامة المشتركة لتلك الحركات، والتي تجعل منها ظاهرة بحق، وقد خلص من تحليله للظاهر موضع البحث إلى أن ثمة سمات عامة تشير الملاحظة إلى أن سائر الحركات العرقية تكاد تشترك فيها، وتتمثل هذه السمات العامة المشتركة في:
1 ـ إن الحركات العرقية ترتبط من حيث وجودها بالدول متنوعة العرقيات، سواء أكانت هذه الدول تدخل في مصاف الدول المتقدمة حال كندا وإسبانيا والمملكة المتحدة، أو كانت تنتمي إلى العالم الثالث حال كل من السودان، وليبيريا، ورواندا، وبوروندي، والعراق، وسريلانكا، والهند، وإثيوبيا، وغيرها.
وقد عُرض بالتفصيل للحركة الكردية وكذا الحركة العرقية في جنوب السودان كنموذجين للحركات العرقية في العالم الثالث، كما عُرض للحركة العرقية في إقليم كيبيك الكندي كنموذج للحركات العرقية في الدول التي تدخل في مصاف الدول المتقدمة.
2 ـ إن الحركات العرقية غالباً ما تكون حركات انفصالية وقد أشار المؤلف في هذا الصدد إلى نماذج عديدة للحركات العرقية الانفصالية حال الحركة التأملية (نمور التأميل) في سريلانكا، وحركة مسلمي جامو وكشمير في الهند، وحركة تيمور الشرقية في اندونيسيا، وحركة الجيش الايرلندي في ايرلندا الشمالية بالمملكة المتحدة، وحركة الباسكيين في إسبانيا، وحركة مهاجر قومي في باكستان.... وغيرها.
وفضلاً عما تقدم فقد أدت الحركات العرقية إلى اندلاع الحرب الأهلية في عديد من دول حال السودان، وليبيريا، وسريلانكا، ورواندا، وبوروندي، ولبنان... وغيرها، كما أدت هذه الحركات إلى اضطرابات متلاحقة داخل كل من الهند وباكستان، واندونيسيا، والمملكة المتحدة، واسبانيا، والصين، أما بصدد الحالات التفصيلية التي عرض لها المؤلف فقد خلُص من هذا العرض إلى ما يلي:
أ ـ الحركة العرقية في إقليم كيبيك الكندي: هذه الحركة برغم ما يغلب على وسائلها من طابع سلمي تشكل تهديداً عظيم الشأن لوحدة أراضي الدولة الكندية، إذ في ظل وجودها بات الانقسام يشكل خطراً داهماً يكاد يعصف بكيان هذه الدولة، ويجعل استقرارها في مهب الريح لا سيما وان نتائج استفتاء صيف عام 1995 قد أكدت تعاظم نسبة الكيبيكيين المؤيدين لانفصال كيبيك عن كندا.
ب ـ الحركة العرقية في جنوب السودان: وقد تمخضت عن اندلاع حرب أهلية دامية بدأت منذ استقلال السودان عام 1956 واستمرت حتى عام 1972، وتوقفت لمدة احد عشر عاماً، ثم ما لبثت أن اندلعت من جديد في عام 1983 ثم وقعت اتفاق سلام قد ينتهي الأمر إلى انفصال جنوب السودان.
ت ـ الحركة العرقية الكردية: وهي وان كان تهديدها لاستقرار إيران ضئيلاً إلا أنها تشكل تهديداً عظيم الشأن لاستقرار كل من تركيا والعراق.
3 ـ إن الحركات العرقية ـ برغم كونها حركات داخلية ـ إلا أنها كثيراً ما تتمخض عن آثار دولية هامة، وقد أشار المؤلف في هذا الصدد إلى دور الحركة العرقية في جامو وكشمير فيما يتصل بتأجيج الصراع بين الهند وباكستان، كما عرض لأثر الحركة العرقية في قبرص فيما يتعلق بتحريك الصراع بين تركيا واليونان، إما بصدد الحالات التفصيلية التي عرض لها فقد خلص احمد وهبان فيما يتصل بآثارها الدولية إلى ما يلي:
أ ـ الحركة العرقية في إقليم كيبيك الكندي: وقد خلص المؤلف بصددها كانت لها دوماً آثار سلبية هامة على العلاقات الكندية الفرنسية لا سيما خلال فترة اعتلاء ديجول لسدة الحكم في فرنسا.
ب ـ الحركة العرقية في جنوب السودان: كانت لها آثار سلبية على العلاقات بين السودان وجيرانه الذين كانوا يقدمون الدعم للانفصاليين في الجنوب حال إثيوبيا (خلال عهدي الإمبراطور هيلاسلاسي والرئيس منجستو ماريام)، وأوغندا واريتريا لاحقاً.
ت ـ الحركة العرقية الكردية: وقد أوضح المؤلف أنها كانت لها آثار هامة على العلاقات بين الدول المعنية بها، إذ كانت ولا تزال لها أثارها على العلاقات التركية والإيرانية، وكذا على العلاقات الإيرانية العراقية، والعلاقات التركية العراقية، والعلاقات السورية التركية، ثم رأينا تأثرها على علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي. كما تعرض المؤلف إلى الحركات العرقية في منطقة ما وراء القوقاز فبصدد الصراع الأذربيجاني الأرميني حول إقليم ناغورنو كاراباخ خلص إلى انه ما إن خفت قبضة قاطني الكريملين على الشعوب الخاضعة لنيرهم حتى راحت مشاعر العداء بين الأرمن والأذربيجانيين تتأجج، ويستعر أوراها، تغذيها في ذلك الأحقاد التاريخية التي طالما ظلت حبيسة صدور الفريقين لعقود طويلة مضت، ولم يقدر لها أن تتجسد في الواقع نظراً للقبضة الجبارة التي أطبق بها البلاشفة على كافة الجماعات العرقية المشكلة لدولتهم.
ومن هنا فما إن خفت تلك القبضة ـ في ظل الجلاسنوست ـ حتى راح كل من الفصيلين الأذربيجاني والأرمني يكشر عن أنيابه في مواجهة الأخر، ويسعى إلى صب جام غضبه عليه، لتندلع بذلك الصراعات المسلحة الدامية بينهما،
وهي الصراعات التي لم يدع أي من الفريقين وسيلة من وسائل العنف والانتقام إلا واستخدمها في مواجهة خصمه، فانتشرت عمليات النهب والحرق والتخريب والاغتصاب والاغتيال وحروب العصابات بل والحروب النظامية في ربوع القوقاز وظلت تئن تحت وطأتها لأعوام عديدة.
لقد جاءت هذه الصراعات بكل ما شهدته من أعمال عنف كي تؤكد على أن عبارة «الصداقة بين الشعوب السوفييتية» فاعتقدوا في وجودها على ارض الواقع، وراحوا يتشدقون بها معتبرين إياها أعظم انجازات ثورتهم. من جانب آخر فان الصراع المسلح الدامي الذي طال منطقة عبر القوقاز ساهم أعظم إسهام في تحطيم حلم لينين ورفاقه في الشعب السوفييتي الواحد ذي الهوية الموحدة الجامعة.
هذا الكتاب الذي نفدت طبعته الأولى فور صدوره يمثل نقلة نوعية لمؤلفه الدكتور (احمد وهبان) أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإسكندرية، موضوع الكتاب حول «الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر»، والذي ينطلق من التعريف بظاهرة الحركات العرقية في العالم المعاصر من حيث طبيعتها، وأسبابها، وأهدافها، ووسائلها، وآثارها، على الحياة السياسية في البلدان التي توجد بها، ولاسيما فيما يتصل بآثارها الدولية، وعلى ذلك فقد تمثلت مادة البحث في ظاهرة الحركات العرقية في العالم المعاصر من حيث كنهها وأسبابها وآثارها في الحياة السياسية.
حيث قام المؤلف بتقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام وذلك من خلال العرض لبعض النماذج أو الحالات المعبرة عن هذه الظاهرة حال الحركات العرقية في الاتحاد السوفييتي (السابق)، والحركة العرقية الكردية، والحركة العرقية في جنوب السودان.
وقد خلص المؤلف إلى أن الدولة القومية ـ بمقومها الرئيسي المتمثل في تجانس عنصرها البشري تجانساً قومياً ـ قد راحت تتميز عن الإمبراطوريات القديمة، تلك الإمبراطوريات التي كانت تقوم على التجميع الإجباري لشعوب متباينة الأصل واللغة والدين، وبالتالي فقد كان التجمع البشري لتلك الإمبراطوريات يفتقر إلى الرباط الموضوعي المتمثل في الرغبة في الحياة المشتركة بين أفراده من ناحية أخرى. لذلك فقد كانت هذه الإمبراطوريات تعاني من ظاهرة الحركات العرقية، إذ كانت كل جماعة عرقية تسعى بشتى السبل إلى الانفصال عن الإمبراطورية وتكوين دولة مستقلة تجمع شتاتها، الأمر الذي كان لابد من أن يتمخض في النهاية عن اضمحلال الإمبراطورية، واندثارها.
أما الدولة القومية ـ بركنها الركين المتمثل في التجانس القومي ـ فهي تمثل بحق مصلاً واقياً من ظاهرة الحركات العرقية، وبالتالي فهي تعد الصورة المثلى للمجتمع السياسي.ثم انتهى المؤلف من خلال مباحثه إلى تقديم تعريف للجماعة العرقية، والوقوف على مقومات ذاتيتها،
علي نحو هيأ لاستجلاء الفارق بينها وبين ما قد يختلط بها أو يتداخل معها من مفاهيم حال الجماعة السلالية، والأمة، والأقلية. كما عرض في هذا الفصل أيضا لأبرز الاتجاهات فيما يتصل بتصنيف الجماعات العرقية. ذلك فضلاً عن التعريف بالحركة العرقية ومقوماتها وأهدافها ووسائلها. ويتمثل اظهر ما انتهينا إليه بصدد ما تقدم فيما يلي:
1 ـ إن الجماعية العرقية هي: تجمع بشري يرتبط أفراده فيما بينهم من خلال روابط فيزيقية أو بيولوجية (كوحدة الأصل أو السلالة) أو ثقافية (حال وحدة اللغة أو الدين أو الثقافة)، ويعيش هذا التجمع في ظل مجتمع سياسي أرحب، مشكلاً لإطار ثقافي حضاري مغاير للإطار الثقافي الحضاري لباقي المجتمع، ويكون أفراد هذا التجمع مدركين لتمايز مقومات هويتهم وذاتيتهم، عاملين دوماً من اجل الحفاظ على هذه المقومات في مواجهة عوامل الضعف والتحلل.
2 ـ إن مقومات الذاتية العرقية لا تقتصر على المقومات الفيزيقية أو البيولوجية (كوحدة السلالة أو السمات الفيزيقية المشتركة)، وإنما تتضمن كذلك مقومات ثقافية حال وحدة الدين، أو اللغة، أو الثقافة.
3- الأقلية هي: الجماعة أو الجماعات العرقية ذات الكم البشري الأقل في مجتمعها، والتي تتمايز عن غيرها من السكان من حيث السلالة، أو السمات الفيزيقية، أو اللغة، أو الدين، أو الثقافة، ويكون أفرادها مدركين لمقومات ذاتيتهم وتمايزهم، ساعين على الدوام إلى الحفاظ عليها، وغالباً ما تكون هذه الجماعة أو الجماعات في وضع غير مسيطر في ذلك المجتمع، كما يعاني كثير منها - بدرجات متفاوتة - من التمييز، أو الاضطهاد أو الاستبعاد في شتى قطاعات المجتمع السياسية، والاجتماعية والاقتصادية. وهكذا فان كل أقلية هي جماعة عرقية في حين أن كل جماعة عرقية ليست بالضرورة أقلية.
4 ـ إن الجماعات العرقية قد تكون جماعات سلالية أو لغوية أو دينية، وان كان اغلب الجماعات العرقية لا تقتصر الرابطة بين أفرادها على مقوم واحد، إذ غالباً ما تكون الجماعة العرقية جماعة سلالية ولغوية، أو سلالية ولغوية ودينية، وهكذا.
من جانب آخر فان الجماعات العرقية قد تكون جماعات مسيطرة، كما قد تكون جماعات غير مسيطرة في مجتمعها، كما إن اغلب الجماعات غير المسيطرة هي أقليات يعاني كثير منها من التمييز، أو الاضطهاد، والاستبعاد، ولذلك نجد أن الحركات العرقية يرتبط وجودها بالجماعات غير المسيطرة.
5 ـ الحركة العرقية هي حركة سياسية اجتماعية منظمة تنشأ في إطار جماعة عرقية غير مسيطرة (غالباً ما تكون أقلية)، ويكون لهذه الحركة برنامج عمل ينطوي على ما تصبو إليه من أهداف، وما تتوصل به من وسائل بغية بلوغ هذه الأهداف التي تتمثل في إعمال مبدأ المساواة بصدد علاقة الجماعة بالجماعات لا سيما المسيطرة منها، كما قد تستهدف الحركة في بعض الأحيان تحقيق نوع من الحكم الذاتي لجماعتها على الإقليم الذي تقطنه، ذلك فضلاً عن أن ثمة حركات قد تتحين الارتقاء بجماعتها إلى تبوؤ موقع السيطرة في مجتمعها، غير أن اغلب الحركات العرقية ترمي إلى انفصال الجماعة عن المجتمع السياسي الذي يشملها، وإقامة دولة مستقلة تجسد هويتها، أو الانضمام إلى دولة أخرى مجاورة تشاركها ذات المقومات العرقية، وفي سبيل تحقيق أهدافها تلجأ إلى استخدام وسائل عديدة بعضها ذو طابع سلمي، وبعضها يرتكز إلى العنف.ويقدم وهبان تحليلاً لظاهرة الحركات العرقية في العالم المعاصر، حيث وقف المؤلف من خلال ذلك على السمات العامة المشتركة لتلك الحركات، والتي تجعل منها ظاهرة بحق، وقد خلص من تحليله للظاهر موضع البحث إلى أن ثمة سمات عامة تشير الملاحظة إلى أن سائر الحركات العرقية تكاد تشترك فيها، وتتمثل هذه السمات العامة المشتركة في:
1 ـ إن الحركات العرقية ترتبط من حيث وجودها بالدول متنوعة العرقيات، سواء أكانت هذه الدول تدخل في مصاف الدول المتقدمة حال كندا وإسبانيا والمملكة المتحدة، أو كانت تنتمي إلى العالم الثالث حال كل من السودان، وليبيريا، ورواندا، وبوروندي، والعراق، وسريلانكا، والهند، وإثيوبيا، وغيرها.
وقد عُرض بالتفصيل للحركة الكردية وكذا الحركة العرقية في جنوب السودان كنموذجين للحركات العرقية في العالم الثالث، كما عُرض للحركة العرقية في إقليم كيبيك الكندي كنموذج للحركات العرقية في الدول التي تدخل في مصاف الدول المتقدمة.
2 ـ إن الحركات العرقية غالباً ما تكون حركات انفصالية وقد أشار المؤلف في هذا الصدد إلى نماذج عديدة للحركات العرقية الانفصالية حال الحركة التأملية (نمور التأميل) في سريلانكا، وحركة مسلمي جامو وكشمير في الهند، وحركة تيمور الشرقية في اندونيسيا، وحركة الجيش الايرلندي في ايرلندا الشمالية بالمملكة المتحدة، وحركة الباسكيين في إسبانيا، وحركة مهاجر قومي في باكستان.... وغيرها.
وفضلاً عما تقدم فقد أدت الحركات العرقية إلى اندلاع الحرب الأهلية في عديد من دول حال السودان، وليبيريا، وسريلانكا، ورواندا، وبوروندي، ولبنان... وغيرها، كما أدت هذه الحركات إلى اضطرابات متلاحقة داخل كل من الهند وباكستان، واندونيسيا، والمملكة المتحدة، واسبانيا، والصين، أما بصدد الحالات التفصيلية التي عرض لها المؤلف فقد خلُص من هذا العرض إلى ما يلي:
أ ـ الحركة العرقية في إقليم كيبيك الكندي: هذه الحركة برغم ما يغلب على وسائلها من طابع سلمي تشكل تهديداً عظيم الشأن لوحدة أراضي الدولة الكندية، إذ في ظل وجودها بات الانقسام يشكل خطراً داهماً يكاد يعصف بكيان هذه الدولة، ويجعل استقرارها في مهب الريح لا سيما وان نتائج استفتاء صيف عام 1995 قد أكدت تعاظم نسبة الكيبيكيين المؤيدين لانفصال كيبيك عن كندا.
ب ـ الحركة العرقية في جنوب السودان: وقد تمخضت عن اندلاع حرب أهلية دامية بدأت منذ استقلال السودان عام 1956 واستمرت حتى عام 1972، وتوقفت لمدة احد عشر عاماً، ثم ما لبثت أن اندلعت من جديد في عام 1983 ثم وقعت اتفاق سلام قد ينتهي الأمر إلى انفصال جنوب السودان.
ت ـ الحركة العرقية الكردية: وهي وان كان تهديدها لاستقرار إيران ضئيلاً إلا أنها تشكل تهديداً عظيم الشأن لاستقرار كل من تركيا والعراق.
3 ـ إن الحركات العرقية ـ برغم كونها حركات داخلية ـ إلا أنها كثيراً ما تتمخض عن آثار دولية هامة، وقد أشار المؤلف في هذا الصدد إلى دور الحركة العرقية في جامو وكشمير فيما يتصل بتأجيج الصراع بين الهند وباكستان، كما عرض لأثر الحركة العرقية في قبرص فيما يتعلق بتحريك الصراع بين تركيا واليونان، إما بصدد الحالات التفصيلية التي عرض لها فقد خلص احمد وهبان فيما يتصل بآثارها الدولية إلى ما يلي:
أ ـ الحركة العرقية في إقليم كيبيك الكندي: وقد خلص المؤلف بصددها كانت لها دوماً آثار سلبية هامة على العلاقات الكندية الفرنسية لا سيما خلال فترة اعتلاء ديجول لسدة الحكم في فرنسا.
ب ـ الحركة العرقية في جنوب السودان: كانت لها آثار سلبية على العلاقات بين السودان وجيرانه الذين كانوا يقدمون الدعم للانفصاليين في الجنوب حال إثيوبيا (خلال عهدي الإمبراطور هيلاسلاسي والرئيس منجستو ماريام)، وأوغندا واريتريا لاحقاً.
ت ـ الحركة العرقية الكردية: وقد أوضح المؤلف أنها كانت لها آثار هامة على العلاقات بين الدول المعنية بها، إذ كانت ولا تزال لها أثارها على العلاقات التركية والإيرانية، وكذا على العلاقات الإيرانية العراقية، والعلاقات التركية العراقية، والعلاقات السورية التركية، ثم رأينا تأثرها على علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي. كما تعرض المؤلف إلى الحركات العرقية في منطقة ما وراء القوقاز فبصدد الصراع الأذربيجاني الأرميني حول إقليم ناغورنو كاراباخ خلص إلى انه ما إن خفت قبضة قاطني الكريملين على الشعوب الخاضعة لنيرهم حتى راحت مشاعر العداء بين الأرمن والأذربيجانيين تتأجج، ويستعر أوراها، تغذيها في ذلك الأحقاد التاريخية التي طالما ظلت حبيسة صدور الفريقين لعقود طويلة مضت، ولم يقدر لها أن تتجسد في الواقع نظراً للقبضة الجبارة التي أطبق بها البلاشفة على كافة الجماعات العرقية المشكلة لدولتهم.
ومن هنا فما إن خفت تلك القبضة ـ في ظل الجلاسنوست ـ حتى راح كل من الفصيلين الأذربيجاني والأرمني يكشر عن أنيابه في مواجهة الأخر، ويسعى إلى صب جام غضبه عليه، لتندلع بذلك الصراعات المسلحة الدامية بينهما،
وهي الصراعات التي لم يدع أي من الفريقين وسيلة من وسائل العنف والانتقام إلا واستخدمها في مواجهة خصمه، فانتشرت عمليات النهب والحرق والتخريب والاغتصاب والاغتيال وحروب العصابات بل والحروب النظامية في ربوع القوقاز وظلت تئن تحت وطأتها لأعوام عديدة.
لقد جاءت هذه الصراعات بكل ما شهدته من أعمال عنف كي تؤكد على أن عبارة «الصداقة بين الشعوب السوفييتية» فاعتقدوا في وجودها على ارض الواقع، وراحوا يتشدقون بها معتبرين إياها أعظم انجازات ثورتهم. من جانب آخر فان الصراع المسلح الدامي الذي طال منطقة عبر القوقاز ساهم أعظم إسهام في تحطيم حلم لينين ورفاقه في الشعب السوفييتي الواحد ذي الهوية الموحدة الجامعة.