افلاطون
مرسل: الجمعة مايو 04, 2012 8:42 pm
الفصل الثالث: المذاهب العلويّة
1/ المدرسة الأفلاطونية ونقدها
1/ المدرسة الأفلاطونية ونقدها
2/ مدرسة أرسطو ونقدها
3/ المدرسة الرواقية ونقدها
4/ الأفلاطونية الجديدة ونقدها
5/ المذاهب العلويّة الجديدة
1/ المدرسة الأفلاطونية ونقدها
الفيثاغورية وافلاطون:
ثلاث قيم رئيسية تجدها في فلسفة الفيثاغوريين ـ الطهارة (أو التنسك) واحترام التضامن (أو ضبط النفس) والعدالة (العدالة هي المساواة، والإعتدال هو المقياس).
واعتقدوا انّ كتاب الخلق مكتوب بلغة رياضيّة، وعلى الروح ان تسموا الى حالة التناسق معها ولن ترتقي الّا بالنقاء والتنسّك.
والمدرسة الفيثاغورية أثّرت بالغاً على سقراط وافلاطون، ومن ثم ارسطو، ومن خلالهم صبغت الفلسفة، عبر تأريخها الممتد، بصبغتها المتميّزة. وهذه المدرسة تبدو خليطاً من تعاليم دينية، وافكار بشرية، ولعلّ هذا الخلط هو سرّ استمرارها.
ولكنها ـ انّى كانت ـ يجب ان تدرس من خلال امتدادها في الفلاسفة اللاحقين، فقد تسرّبت افكارها الى أفلاطون. أما سقراط الذي كان له تأثير الأستاذ ـ حسبما يبدو من المحاورات ـ على افلاطون، فقد اقتبس منه افلاطون «قيمة العلم» واثره في الاخلاق عبر فكرة: ان الاخلاق علم.
يقول غريغوار: عن سقراط: أما سقراط ـ الذي لا نعرفه الا من خلال «المحاورات» الافلاطونية ـ فقد اقتبس منه افلاطون دون ريب فكرة ان الاخلاق علم، ومن الممكن تعليمه: وذلك ـ أولاً ـ لأن الارادة «مستقيمة» دائماً عندما تكون مستنيرة ـ(وهذا تأكيد محفوف بالشك، كما اشرنا اليه)، ـ وثانياً ـ لأن الخير هو مجموع القضايا التي تحقق التوفيق بين المرء ونفسه من ناحية، وبينه وبين الآخرين من ناحية اخرى. هي قضايا عامة، وبالتالي شبيهة بقضايا العلم.
وما تهدف اليه الديالكتيكية السقراطية، هو استخراجها عن طريق جهد تأملي، جماعي وودّي، منصب على المفاهيم المقبولة من المجتمع بوجه عام، هذه المفاهيم الجزئية والمتناقضة غالباً فيما بينها، وهكذا فحسب يمكن عن طريق النقد العقلاني للآراء إكتشاف «القوانين غير المكتوبة»، الكلية والملزمة، أي: النظام الالهي129.
وكذلك الامر بالنسبة للمجتمع، حيث يجب إخضاع العدد الغفير لنظام وحيد، مما نجمت عنه «الاوتوبيا» الشهيرة التي بحثت في الجمهورية.. أي ذلك التنظيم الاجتماعي الصارم الذي تتسلسل فيه طبقات ثلاث صعوداً (الصناع والمحاربون والحكام) ويسوده مبدأ جماعي يميل الى إلغاء ايّة نزعة الى الفردية الانانية لدى المشتركين في المجموعة. وهذا نوع من «الطغيان الفلسفي» (بحسب «جانيه» janet و «سيايّ» seailles يهدف الى اقامة انعكاس على الارض للعدالة «الرياضية» التي تسود العالم المثالي، بحيث يتجلى هذا الانعكاس بصورة ولاء شمولي للدولة130.
هذا على المستوى الاجتماعي اما على المستوى الفردي فهو يطبّق ذات الجدلية بالطريقة التالية:
«لما كانت الرّوح مركبة من ثلاثة عناصر (الشهوات الفجّة، والهوى الكريم ـ ولكن العنيف ـ، والعقل) فان الرجل الفاضل يدخل اليها ـ شبيهاً في ذلك بالموسيقى ـ توازناً صحيحاً. وهكذا فان الحوذي (العقل) يكبح جماح «حصان الهوى» الابيض ويستخدمه كمساعد له ضدّ «حصان الرغبات الاسود» وهذا التوفيق صعب يتطلّب توتراً مستمراً ولا يسمح بأيّة تسويات، ويشير افلاطون الى فضيلة التكفير والعقوبة، أما إذا اختلّ التوازن فان اعادة النظام تستوجب الشدة ـ بالنسبة إلينا والى الآخرين ـ كما تستوجب اعادة الصحة المختلّة والبتر131.
نقد التصوّر الافلاطوني:
وهذه النظرية بحاجة الى وقفة ونقد.. فعالم المثل الذي اقترحه على أهل الارض يمثل ـ أولاً: طغياناً فلسفياً في الفكر ويجسّد ـ ثانياً: استبداداً في المجتمع كما انه يعني ـ ثالثاً: صرامة في القانون لا تحتملها حالة الضعف البشرية بالرغم من ان افلاطون انتبه الى هذه الصرامة فحاول التخفيف منها في تشريع القوانين. وهنا تعرف مدى قمية الرحمة الالهية (كسنّة الهية) تعادل الحكم الالهي ـ (القصاص ـ العفو، كمثل) ليكون الاسلام ديناً قابلاً للتطبيق على البشر ويبقى عالم المثل يغني به الفلاسفة وحدهم ـ الذين يقول عنهم البعض ان الفيلسوف منقطع عن الواقع الخارجي، وان الفلسفة هراء في هراء، اما عالم المثل والنظام الفكري القائم عليه، فهو ايغال في المجهول للبحث عن تفسير المعلوم.. ولو إننا اكتفينا بما نعلم عمّا لم نؤت اداةً لمعرفته، لكان افضل، ولعل نظريات شبيهة بعالم المثل الافلاطونية هي التي دفعت البعض الى اتخاذ آراء متطرفة تجاه الفلسفة حيث يقول البعض عنها132.
انها ألاعيب ألفاظ، والألفاظ خالية من المضمون، الفاظ مستغلقة لا معنى لها الا في أحلام اصحابها، الفاظ غير مفهومة لأنها عامّة، رجراجة، مهترئة، لا تدلّ على شيء محدود واضح. كيف لا وهي تبدأ من حيث ينتهي وضوح الشيء، بل حيث لا يكون شيء البتة، ولا يبقى الا اللفظ، يضفي عليه كل صاحب مذهب فلسفي معنى خاصاً ومن هنا الخلط والابهام واللبس تشعب الآراء واختلاف مناحي التفكير، والدوران في حلقة مفرغة لا يعرف أولها من آخرها.
ويقول: إن الفلسفة التي تزعم معرفة حقائق الاشياء، وتطلق الاحكام جزافاً دون ان تلتمس الوسائل الفعّالة الكفيلة بالوصول الى ذلك، هي خادعة مضللة، انها تفرّ من الواقع وتحسب انها بذلك تنتصرعلى الواقع. فما أعجب أمرها133!.
ولكن هذه النظرة السلبية الى الفلسفة إنما يبررها الوله الذي شاع في القرون الغابرة بالفلسفة حتى جعلت حاجزاً دون تقدم العلم والتقنية. وقد ذكرنا ـ في الجزء الثاني من هذا الكتاب ـ إن غرور الفلاسفة وتكلّفهم معرفة الحقائق التي ليست في وسع البشر جرّهم الى أخطاء كبيرة لازالت البشرية تعاني من آثارها.
أما نظرية أفلاطون حول ان الاخلاق مجرّد علم. (وليس اكثر من ذلك) فقد تحدثنا ـ في مناسبة اخرى ـ ان العلم يهذّب النفس ولكن لا يشحذ الارادة التي هي جوهر الاخلاق، هذا ان وسعنا حدود العلم في نظرية افلاطون ليشمل علم القيم، ومعرفة الاهداف التي خلق الانسان لها، وهذا هو مراد افلاطون من العلم. اما العلم بالمعنى الجديد (أي التجربة وما يخصع لها) فانه لا ينفع الاخلاق شيئاً كثيراً، كما تحدثنا عن ذلك آنفاً عند الحديث عن نظريات المدرسة الطبيعية في الاخلاق.
ونظرية الخير عند افلاطون ناقصة، فالخير ليس مجرد انسجام بين نوازع الذات المختلفة، أو بين الفرد والمجتمع (وإن كان ذلك من الخير) ولكنه يشمل أيضاً: الانسجام بين الانسان والطبيعة. وبين الانسان وخالق الطبيعة. على ان المطلوب ليس مجرد انسجام. بل انسجاماً قائماً على معايير عليا، تجمعها عبادة الله والتقرب اليه سبحانه.
يبقى منهج الحوار الذي أعتقد انه يحملنا الى رحاب الحقيقة، فإنه منهج نافع لأنه يستثير العقل، ويبلور الضمير، ولكنه ليس منهجاً كافياً لمعرفة الحقائق، حسبما فصلنا القول في المنطق. لأن هذا منهج واحد هناك مناهج اخرى يجب الاستفادة منها للوصول الى المعرفة.
1/ المدرسة الأفلاطونية ونقدها
1/ المدرسة الأفلاطونية ونقدها
2/ مدرسة أرسطو ونقدها
3/ المدرسة الرواقية ونقدها
4/ الأفلاطونية الجديدة ونقدها
5/ المذاهب العلويّة الجديدة
1/ المدرسة الأفلاطونية ونقدها
الفيثاغورية وافلاطون:
ثلاث قيم رئيسية تجدها في فلسفة الفيثاغوريين ـ الطهارة (أو التنسك) واحترام التضامن (أو ضبط النفس) والعدالة (العدالة هي المساواة، والإعتدال هو المقياس).
واعتقدوا انّ كتاب الخلق مكتوب بلغة رياضيّة، وعلى الروح ان تسموا الى حالة التناسق معها ولن ترتقي الّا بالنقاء والتنسّك.
والمدرسة الفيثاغورية أثّرت بالغاً على سقراط وافلاطون، ومن ثم ارسطو، ومن خلالهم صبغت الفلسفة، عبر تأريخها الممتد، بصبغتها المتميّزة. وهذه المدرسة تبدو خليطاً من تعاليم دينية، وافكار بشرية، ولعلّ هذا الخلط هو سرّ استمرارها.
ولكنها ـ انّى كانت ـ يجب ان تدرس من خلال امتدادها في الفلاسفة اللاحقين، فقد تسرّبت افكارها الى أفلاطون. أما سقراط الذي كان له تأثير الأستاذ ـ حسبما يبدو من المحاورات ـ على افلاطون، فقد اقتبس منه افلاطون «قيمة العلم» واثره في الاخلاق عبر فكرة: ان الاخلاق علم.
يقول غريغوار: عن سقراط: أما سقراط ـ الذي لا نعرفه الا من خلال «المحاورات» الافلاطونية ـ فقد اقتبس منه افلاطون دون ريب فكرة ان الاخلاق علم، ومن الممكن تعليمه: وذلك ـ أولاً ـ لأن الارادة «مستقيمة» دائماً عندما تكون مستنيرة ـ(وهذا تأكيد محفوف بالشك، كما اشرنا اليه)، ـ وثانياً ـ لأن الخير هو مجموع القضايا التي تحقق التوفيق بين المرء ونفسه من ناحية، وبينه وبين الآخرين من ناحية اخرى. هي قضايا عامة، وبالتالي شبيهة بقضايا العلم.
وما تهدف اليه الديالكتيكية السقراطية، هو استخراجها عن طريق جهد تأملي، جماعي وودّي، منصب على المفاهيم المقبولة من المجتمع بوجه عام، هذه المفاهيم الجزئية والمتناقضة غالباً فيما بينها، وهكذا فحسب يمكن عن طريق النقد العقلاني للآراء إكتشاف «القوانين غير المكتوبة»، الكلية والملزمة، أي: النظام الالهي129.
وكذلك الامر بالنسبة للمجتمع، حيث يجب إخضاع العدد الغفير لنظام وحيد، مما نجمت عنه «الاوتوبيا» الشهيرة التي بحثت في الجمهورية.. أي ذلك التنظيم الاجتماعي الصارم الذي تتسلسل فيه طبقات ثلاث صعوداً (الصناع والمحاربون والحكام) ويسوده مبدأ جماعي يميل الى إلغاء ايّة نزعة الى الفردية الانانية لدى المشتركين في المجموعة. وهذا نوع من «الطغيان الفلسفي» (بحسب «جانيه» janet و «سيايّ» seailles يهدف الى اقامة انعكاس على الارض للعدالة «الرياضية» التي تسود العالم المثالي، بحيث يتجلى هذا الانعكاس بصورة ولاء شمولي للدولة130.
هذا على المستوى الاجتماعي اما على المستوى الفردي فهو يطبّق ذات الجدلية بالطريقة التالية:
«لما كانت الرّوح مركبة من ثلاثة عناصر (الشهوات الفجّة، والهوى الكريم ـ ولكن العنيف ـ، والعقل) فان الرجل الفاضل يدخل اليها ـ شبيهاً في ذلك بالموسيقى ـ توازناً صحيحاً. وهكذا فان الحوذي (العقل) يكبح جماح «حصان الهوى» الابيض ويستخدمه كمساعد له ضدّ «حصان الرغبات الاسود» وهذا التوفيق صعب يتطلّب توتراً مستمراً ولا يسمح بأيّة تسويات، ويشير افلاطون الى فضيلة التكفير والعقوبة، أما إذا اختلّ التوازن فان اعادة النظام تستوجب الشدة ـ بالنسبة إلينا والى الآخرين ـ كما تستوجب اعادة الصحة المختلّة والبتر131.
نقد التصوّر الافلاطوني:
وهذه النظرية بحاجة الى وقفة ونقد.. فعالم المثل الذي اقترحه على أهل الارض يمثل ـ أولاً: طغياناً فلسفياً في الفكر ويجسّد ـ ثانياً: استبداداً في المجتمع كما انه يعني ـ ثالثاً: صرامة في القانون لا تحتملها حالة الضعف البشرية بالرغم من ان افلاطون انتبه الى هذه الصرامة فحاول التخفيف منها في تشريع القوانين. وهنا تعرف مدى قمية الرحمة الالهية (كسنّة الهية) تعادل الحكم الالهي ـ (القصاص ـ العفو، كمثل) ليكون الاسلام ديناً قابلاً للتطبيق على البشر ويبقى عالم المثل يغني به الفلاسفة وحدهم ـ الذين يقول عنهم البعض ان الفيلسوف منقطع عن الواقع الخارجي، وان الفلسفة هراء في هراء، اما عالم المثل والنظام الفكري القائم عليه، فهو ايغال في المجهول للبحث عن تفسير المعلوم.. ولو إننا اكتفينا بما نعلم عمّا لم نؤت اداةً لمعرفته، لكان افضل، ولعل نظريات شبيهة بعالم المثل الافلاطونية هي التي دفعت البعض الى اتخاذ آراء متطرفة تجاه الفلسفة حيث يقول البعض عنها132.
انها ألاعيب ألفاظ، والألفاظ خالية من المضمون، الفاظ مستغلقة لا معنى لها الا في أحلام اصحابها، الفاظ غير مفهومة لأنها عامّة، رجراجة، مهترئة، لا تدلّ على شيء محدود واضح. كيف لا وهي تبدأ من حيث ينتهي وضوح الشيء، بل حيث لا يكون شيء البتة، ولا يبقى الا اللفظ، يضفي عليه كل صاحب مذهب فلسفي معنى خاصاً ومن هنا الخلط والابهام واللبس تشعب الآراء واختلاف مناحي التفكير، والدوران في حلقة مفرغة لا يعرف أولها من آخرها.
ويقول: إن الفلسفة التي تزعم معرفة حقائق الاشياء، وتطلق الاحكام جزافاً دون ان تلتمس الوسائل الفعّالة الكفيلة بالوصول الى ذلك، هي خادعة مضللة، انها تفرّ من الواقع وتحسب انها بذلك تنتصرعلى الواقع. فما أعجب أمرها133!.
ولكن هذه النظرة السلبية الى الفلسفة إنما يبررها الوله الذي شاع في القرون الغابرة بالفلسفة حتى جعلت حاجزاً دون تقدم العلم والتقنية. وقد ذكرنا ـ في الجزء الثاني من هذا الكتاب ـ إن غرور الفلاسفة وتكلّفهم معرفة الحقائق التي ليست في وسع البشر جرّهم الى أخطاء كبيرة لازالت البشرية تعاني من آثارها.
أما نظرية أفلاطون حول ان الاخلاق مجرّد علم. (وليس اكثر من ذلك) فقد تحدثنا ـ في مناسبة اخرى ـ ان العلم يهذّب النفس ولكن لا يشحذ الارادة التي هي جوهر الاخلاق، هذا ان وسعنا حدود العلم في نظرية افلاطون ليشمل علم القيم، ومعرفة الاهداف التي خلق الانسان لها، وهذا هو مراد افلاطون من العلم. اما العلم بالمعنى الجديد (أي التجربة وما يخصع لها) فانه لا ينفع الاخلاق شيئاً كثيراً، كما تحدثنا عن ذلك آنفاً عند الحديث عن نظريات المدرسة الطبيعية في الاخلاق.
ونظرية الخير عند افلاطون ناقصة، فالخير ليس مجرد انسجام بين نوازع الذات المختلفة، أو بين الفرد والمجتمع (وإن كان ذلك من الخير) ولكنه يشمل أيضاً: الانسجام بين الانسان والطبيعة. وبين الانسان وخالق الطبيعة. على ان المطلوب ليس مجرد انسجام. بل انسجاماً قائماً على معايير عليا، تجمعها عبادة الله والتقرب اليه سبحانه.
يبقى منهج الحوار الذي أعتقد انه يحملنا الى رحاب الحقيقة، فإنه منهج نافع لأنه يستثير العقل، ويبلور الضمير، ولكنه ليس منهجاً كافياً لمعرفة الحقائق، حسبما فصلنا القول في المنطق. لأن هذا منهج واحد هناك مناهج اخرى يجب الاستفادة منها للوصول الى المعرفة.