صفحة 1 من 1

مواصفات الحاكم في الفكر الاسلامي

مرسل: الجمعة مايو 04, 2012 10:33 pm
بواسطة فارس نايف الدوسري8
--------------------------------------------------------------------------------

مواصفات الحاكم في الفكر الاسلامي



الحمد لله والصلاة والسلام علي عباده الذين اصطفي .
استكمالا لما سبق الحديث عنه في مقال سابق نركز هنا علي قيمة هامة اولاها الفكر الاسلامي اهتماما كبيرا في مجال حديثه عن الامور التي ينبغي أن يتحلي بها الحاكم ألا وهي العدل ومايترتب علي غيابه من انهيار للمجتمعات وسقوط الأمم والحضارات وقد حدث ذلك في تاريخ امتنا لان غياب العدل هو انتكاسة للانسانية وقد رتب الله سبحانه علي ذلك عقوبة للأمة اذا لم تسع لتغيير واقعها وجعلها سنة من سننه تعالي التي لايحابي فيها أحد قد فرط في اقامة الحياة الصالحة حتي وان كانوا مسلمين ولنستدع نموذج بلاد الاندلس التي عاش فيها المسلمون 800 عام اشعت فيها علي اوربا نور الحضارة الاسلامية بعد ان كانت تعيش في ظلام دامس .يحكي صاحب كتاب (سراج الملوك )عن اسباب ضياعها وخروج المسلمين منها قائلا : معظم ماهلك بلاد الأندلس وسلط عليها الروم ان الروم التي تجاورنا (كما يقول المؤلف ) لم تكن لهم بيوت أموال وكانوا ياخذون الجزية من سلاطين الاندلس ثم يدخلون الكنيسة قيقسمه سلطانهم علي رجاله بالطأس ويأخذ مثل مايأخذون وقد لايأخذ شيئا منها وانما كانوا يصطنعون بها الرجال وكانت سلاطيننا تحتجب الأموال وتضيع الرجال فكان للروم بيوت رجال وللمسلمين بيوت أموال فبهذه الخلة قهرونا وظهروا علينا وكان من يذهب هذا المذهب ولا يدخر الاموال تضرب فيه الامثال. ويقال عدو الملك بيت المال وصديقه جنده فاذا ضعف احدهما قوي الاخر واذا ضعف بيت المال ببذله للحماة قوي الناصر واشتد بأس الجند وقوي الملك واذا قوي بيت المال وامتلأ بالأموال قل الناصر وضعفت الحماة فضعف الملك فوثب عليه الاعداء وقد شاهدنا ذلك في بلاد الاندلس مشاهدة.

واذا كان الدفاع في الرجال لا في الاموال وانما يدفع بالاموال بواسطة الرجال فلا شك ان بيت رجال خير من بيت مال وقد قال بعض الملوك لابنه : يابني لا تجمع الاموال لتتقوي بها علي الاعداء فان في جمعها تقوية الأعداء يعني اذا جمعت الأموال اضعفت الرجال فيطمع فيك الصديق ويثب عليك العدو وانما مثل الملك في مملكته مثل رجل له بستان فيها عين معينة فان هو قام علي البستان فأحسن تدبيرها فهندس ارضها وغرس اشجارها ثم أرسل عليها الماء اخضر عودها فقويت اشجارها واينعت ثمارها فكانوا جميعا في امان من الضيعة ولايخافون فقرا ولاشتاتا وان هو لم ينفق قيها ما يكفيها وضن بالمال ضعفت عمارتها وقلت ثمارها فافتقر القوم وهلكوا وتشتتوا.
وسيرة الحاكم في بيت المال اخذها اعداؤهم من سيرة نبي الاسلام وخلفائه الراشدون بعد ان ضيعها المسلمون فكان جزاءهم ان قهروا وأذلوا امام عدوهم .
فالرسول (ص) كانت تجبي له الاموال فيفرقها ليومها وقد توضع في المسجد ويفرقها من الغد فلم يكن له بيت مال
وروي ابو داود ان النبي (ص) صلي العشاء الاخرة ثم دخل حجرته وخرج مسرعا وفي يديه خريقة فيها ذهب فقسمه ثم قال : ماظن ال محمد لو أدركه الموت وهذا عنده ولم يكن للنبي (ص) بيت مال ولا للخلفاء الراشدين بعده وأنما كانت الخلفاء تقسم الأموال التي في حينها بين المسلمين وربما يفضل فيها فضلات فيجعل في بيت فمن حضر من غائب او احتاج من حاضر قسم له حظه ثم يفرق حتي لا يبقي في البيت من درهم
ثم يعطي الكاتب نماذج عملية كيف ان االخلفاء الراشدين اقتداءا بسنة نبيهم يوزعون المال من يومه علي مستحقيه وكانوا مثلا تحتذي في عفة النفس وطهارة اليد والتورع عن مال الناس .فيقول : وقد روي ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه أشرف علي بيت المال وفيه مال فقال يابيضاء وياحمراء ابيضي واحمري وغري غيري ثم أمر فقسم جميع مافيه علي المسلمين

ولما ولي ابو بكر الصديق رضي الله عنه جاءه مال من العمال فصب في المسجد وامر فنادي من كان له عند رسول الله (ص) دين او عدة فليحضر قال :ابو ايوب الانصاري فجئته فقلت : ياخليفة رسول الله ان النبي (ص) قال لي لو قد جائني مال اعطيتك هكذا وأشار بكفيه فسكت ابو بكر فانصرفت ثم عاودته ....فقلت اما ان تعطيني واما ان تبخل عني تبخل عني فقال ما ابخل عنك اذهب فخذ فحفنت حفنة قال : عددتها فوجدت فيها خمسمائة دينار وابو ايوب من اغنياء الانصار فدل الحديث ان بيت المال للغني والفقير ودل ايضا انه لا يجب ان يساوي فيه جميع المسلمين بل ذلك موكول الي الاجتهاد

وكان يقال شر خصال الملوك الجبن عن الاعداء والقسوة علي الضعفاء والبخل عند الاعطاء
ايها الوالي ...اذا اردت ذروة العدل فاعلم ان الرعية ثلاثة أنفس كبير وصغير ووسط فاجعل كبيرهم ابا ووسطهم أخا وصغيرهم ابنا فبر أباك وأكرم أخاك وارحم ابنك فانك واصل بذلك الي بر الله ورحمته
وقال : علي رضي الله عنه أمام عادل خير من مطر وابل وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم.
فاتخذ ايها الملك العلماء شعارا والصالحين دثارا فتدور المملكة بين نصائح العلماء ودعاوات الصلحاء.
واعلم ان الله تعالي أمر بالعدل ثم علم سبحانه ان ليس كل النفوس تصلح علي العدل بل تطلب الاحسان وهو فوق العدل فقال : (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربي)فلو وسع الخلق العدل ماقرن الله به الاحسان فمن لم يصلح حتي يزداد علي العدل كيف يصلح اذا لم يبلغ به العدل والعدل ميزان الله في الأرض الذي به يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل وليس موضع الميزان بين الرعية فقط بل بين السلطان والرعية ايضا فمن أزال ميزان الله الذي وضعه من القيام بالقسط فقد تعرض لسخط الله تعالي .

القسم الثاني من العدل وهو السياسة الاصطلاحية

كان يقال ان السلطان الكافر الحافظ لشرائط السياسة الاصلاحية أبقي وأقوي من السلطان المؤمن العدل في نفسه المضيع للسياسة النبوية العدلية ...ولهذا وجدنا الامام علي يقول : ان أعظم الخيانة خيانة الامة وافضع الغش غش الأئمة وكان يوصي ولاته قائلا: ليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لايدرك الا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد
وكان مثالا لولاته في ضرورة ان يعيش الحاكم حياة فيها الحس بأبسط الناس ومعاناتهم فيقول : (أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر وأكون أسوة لهم في خشونة العيش )
وكان يثير في الناس معاني العزة والكرامة والحرية بالتمرد علي كل ظالم فيقول لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا)
وكان عمرو بن العاص يقول لاسلطان الا برجال ولا رجال الا بمال ولا مال الا بعمارة ولا عمارة الا بعدل

والاخذ باسباب التقدم والرقي الحضاري والعمل الحثيث علي رفعة شان الناس جعله الكثير من مفكري الاسلام القدامي اساس لدوام الملك فيقول ابن حزم : يأخذ السلطان الناس بالعمارة وكثرة الغراس ويقطعهم الاقطاعات في الارض الموات ويجعل لكل احد ملك ماعمره ويعينه علي ذلك فيه لترخص الاسعار ويعيش الناس والحيوان ويعظم الاجر ويكثر الاغنياء وماتجب فيه الزكاة والدولة دون العمران لاتتصور والعمران دونها متعذر فاختلال أحدهما مستلزم لاختلال الأخر
وفيما تحفظ به العمارة امران الاول هوالعدل وفي السياسة بالعدل عمرت الارض وقامت الممالك وقيل لاجباية الابعمارة ولا عمارة الا بعدل وكما يقول ابي منصور الثعالبي ان الملك اذا كثرت امواله بما ياخذه من رعيته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتلع من قواعد بنيانه وفي الحكم احق الناس بدوام الملك أقسطهم بالعدل في الرعية وأخفهم عنها كلا ومؤونة ومن الامثال من جعل العدل عدة طالت به المدة وقيل : من أرجح الملوك عقلا وأكملهم أدبا وفضلا من صحب أيامه بالعدل وتحرز جهده من الجور ولقي الناس بالمجاملة وعاملهم بالمسالمة ولم يفارق السياسة مع لين في الحكم وصلابة في الحق فلا يأمن الجرئ بطشه ولا يخاف البرئ سطوته
وعن افلاطون: من قام من الملوك بالعدل والحق ملك سرائر رعاياه ومن قام فيهم بالجور والقهر لم يملك الا الاجساد ولم ير الا المتصنع والقلوب عليه مختلفة فان السرائر تطلب من يملكها بالاحسان .
ومن مفسدة غياب العدل فناء الكرامة بسببه ودثورها ففي العهود اليونانية : واعلم ان كرامة الخوف داثرة وكرامة العدل باقية فاختر لنفسك فضيلة العدل وبقاء الكرامة

الامر الثاني الذي يحفظ به العدل المزارعون فيقال أحسنوا الي المزارعين فأنكم لم تزالوا سمانا ماسمنوا...
وقد ذكر ابن الربيع في كتابه (سلوك المالك في تدبير الممالكان من اعمال العدل وعمارة البلدان قيام السلطان بمصالح المياه وكف الاذي عن المزارعون وتقدير مايؤخذ منهم بحكم الشرع والعدل.. وحماية الرعية بتحصين منازلهم من الاعداء وأصحاب السوابق وأن لا يجمع فيها أضداد مختلفة متباينة وينقل اليهم اهل العلم والصنايع حتي يكتفوا بهم ويستغنوا عن الخروج الي غيرها

ومن أعمال العدل تقدير الاموال ويعتبر من جهتين : تقدير دخلها اما بالشرع الذي ورد النص فيه فلا يخالف واما باجتهاد ولاة العدل .وتقدير خرجها او ناتج محصولها في كل المنتجات.

ثم يوصي ابن الربيع الحاكم قائلا: لاتمنن علي رعيتك وغيرهم بمعروف تاتيه اليهم ولاتقبل من أحد منهم الا الوفاء والاستقامة واستعن بالله علي جميع أمورك واستخره فان الله عز وجل مع الصلاح وأهله وليكن أعظم سيرتك وأفضل عيشك ماكان لله عز وجل رضي ولدينه نظاما ولأهله عزا وتمكينا وللذمة وللملة عدلا وصلاحا .
ولقد اكد علماء الاسلام علي ان من اخذ بأسباب القوة والصلاح وان كان كافرا فان الله يصلح ويعلي شان المملكة او الدولة القائم علي ولايتها وهذه سنة الله في عباده.
وقد ذكر ابو حامد الغزالي في كتابه التبر المسبوك في نصيحة الملوك ان الله اوحي الي داود عليه السلام ان انه قومك عن سب ملوك العجم فانهم عمروا الدنيا وأوطئوها عبادي فينبغي ان يعلم ان عمارة الدنيا وخرابها من الملوك فاذا كان السلطان عادلا عمرت الدنيا وأمنت الرعايا ....وأذا كان السلطان جائراخربت الدنيا...فيجب علي السلطان ان يزرع بذر الاحسان وأن يبعد عن نفسه العيوب الفاحشات والخطايا الموبقات لا سيما الملوك ليبقي بعدهم حسن الاسم وصالح الرسم ....وليجتهد العاقل ان لا يكثر خصومه فان امر الخصم صعب هائل والباري تعالي حاكم عادل لابد ان ينصف يوم القيامة بين الخصوم ويأخذ من الظالم للمظلوم فلا تساوي الدنيا بأسرها ان تجعل الناس خصوما لأجلها .

صفة الامام العادل في وصية الحسن البصري الي عمربن عبد العزيز



لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب الي الحسن البصري يطلب منه ان يكتب اليه بصفة الامام العادل فكتب الي الحسن يقول:اعلم ياأمير المؤمنين ان الله جعل الامام العدل قوام كل مائل وقصد (هداية)كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل مظلوم وانصاف كل مظلوم ومفزع كل ملهوف والامام العادل كالراعي الشفيق علي أبله الرفيق يرتاد لها أطيب المرعي ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع الضارية ويكنفها من أذي الحر والقر( البرد) فهو كالاب الحاني علي ولده يسعي لهم صغارا ويعلمهم كبارا يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته والامام العادل كالأم الشفيقة البرة الرقيقة بولدها ...وهو وصي اليتامي وخازن المساكين : يربي صغيرهم ويمون كبيرهم .....
فلا تكن ياأمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله ...اعلم ياأمير المؤمنين ان الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث فكيف اذا أتاها من يليها وان الله انزل القصاص حياة لعباده فكيف اذا قتلهم من يقتص لهم ....
لاتحكم ياأمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ولا تسلك بهم سبل الظالمين ولا تسلط المستكبرين علي المستضعفين فانهم لايرقبون في مؤمن الا(عهدا) ولا ذمة فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم باذهاب طيباتك في أخرتك لا تنظر الي قدرتك اليوم ولكن انظر الي قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت (خضعت) الوجوه للحي القيوم .




الحمد لله والصلاة والسلام علي عباده الذين اصطفي .
استكمالا لما سبق الحديث عنه في مقال سابق نركز هنا علي قيمة هامة اولاها الفكر الاسلامي اهتماما كبيرا في مجال حديثه عن الامور التي ينبغي أن يتحلي بها الحاكم ألا وهي العدل ومايترتب علي غيابه من انهيار للمجتمعات وسقوط الأمم والحضارات وقد حدث ذلك في تاريخ امتنا لان غياب العدل هو انتكاسة للانسانية وقد رتب الله سبحانه علي ذلك عقوبة للأمة اذا لم تسع لتغيير واقعها وجعلها سنة من سننه تعالي التي لايحابي فيها أحد قد فرط في اقامة الحياة الصالحة حتي وان كانوا مسلمين ولنستدع نموذج بلاد الاندلس التي عاش فيها المسلمون 800 عام اشعت فيها علي اوربا نور الحضارة الاسلامية بعد ان كانت تعيش في ظلام دامس .يحكي صاحب كتاب (سراج الملوك )عن اسباب ضياعها وخروج المسلمين منها قائلا : معظم ماهلك بلاد الأندلس وسلط عليها الروم ان الروم التي تجاورنا (كما يقول المؤلف ) لم تكن لهم بيوت أموال وكانوا ياخذون الجزية من سلاطين الاندلس ثم يدخلون الكنيسة قيقسمه سلطانهم علي رجاله بالطأس ويأخذ مثل مايأخذون وقد لايأخذ شيئا منها وانما كانوا يصطنعون بها الرجال وكانت سلاطيننا تحتجب الأموال وتضيع الرجال فكان للروم بيوت رجال وللمسلمين بيوت أموال فبهذه الخلة قهرونا وظهروا علينا وكان من يذهب هذا المذهب ولا يدخر الاموال تضرب فيه الامثال. ويقال عدو الملك بيت المال وصديقه جنده فاذا ضعف احدهما قوي الاخر واذا ضعف بيت المال ببذله للحماة قوي الناصر واشتد بأس الجند وقوي الملك واذا قوي بيت المال وامتلأ بالأموال قل الناصر وضعفت الحماة فضعف الملك فوثب عليه الاعداء وقد شاهدنا ذلك في بلاد الاندلس مشاهدة.

واذا كان الدفاع في الرجال لا في الاموال وانما يدفع بالاموال بواسطة الرجال فلا شك ان بيت رجال خير من بيت مال وقد قال بعض الملوك لابنه : يابني لا تجمع الاموال لتتقوي بها علي الاعداء فان في جمعها تقوية الأعداء يعني اذا جمعت الأموال اضعفت الرجال فيطمع فيك الصديق ويثب عليك العدو وانما مثل الملك في مملكته مثل رجل له بستان فيها عين معينة فان هو قام علي البستان فأحسن تدبيرها فهندس ارضها وغرس اشجارها ثم أرسل عليها الماء اخضر عودها فقويت اشجارها واينعت ثمارها فكانوا جميعا في امان من الضيعة ولايخافون فقرا ولاشتاتا وان هو لم ينفق قيها ما يكفيها وضن بالمال ضعفت عمارتها وقلت ثمارها فافتقر القوم وهلكوا وتشتتوا.
وسيرة الحاكم في بيت المال اخذها اعداؤهم من سيرة نبي الاسلام وخلفائه الراشدون بعد ان ضيعها المسلمون فكان جزاءهم ان قهروا وأذلوا امام عدوهم .
فالرسول (ص) كانت تجبي له الاموال فيفرقها ليومها وقد توضع في المسجد ويفرقها من الغد فلم يكن له بيت مال
وروي ابو داود ان النبي (ص) صلي العشاء الاخرة ثم دخل حجرته وخرج مسرعا وفي يديه خريقة فيها ذهب فقسمه ثم قال : ماظن ال محمد لو أدركه الموت وهذا عنده ولم يكن للنبي (ص) بيت مال ولا للخلفاء الراشدين بعده وأنما كانت الخلفاء تقسم الأموال التي في حينها بين المسلمين وربما يفضل فيها فضلات فيجعل في بيت فمن حضر من غائب او احتاج من حاضر قسم له حظه ثم يفرق حتي لا يبقي في البيت من درهم
ثم يعطي الكاتب نماذج عملية كيف ان االخلفاء الراشدين اقتداءا بسنة نبيهم يوزعون المال من يومه علي مستحقيه وكانوا مثلا تحتذي في عفة النفس وطهارة اليد والتورع عن مال الناس .فيقول : وقد روي ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه أشرف علي بيت المال وفيه مال فقال يابيضاء وياحمراء ابيضي واحمري وغري غيري ثم أمر فقسم جميع مافيه علي المسلمين

ولما ولي ابو بكر الصديق رضي الله عنه جاءه مال من العمال فصب في المسجد وامر فنادي من كان له عند رسول الله (ص) دين او عدة فليحضر قال :ابو ايوب الانصاري فجئته فقلت : ياخليفة رسول الله ان النبي (ص) قال لي لو قد جائني مال اعطيتك هكذا وأشار بكفيه فسكت ابو بكر فانصرفت ثم عاودته ....فقلت اما ان تعطيني واما ان تبخل عني تبخل عني فقال ما ابخل عنك اذهب فخذ فحفنت حفنة قال : عددتها فوجدت فيها خمسمائة دينار وابو ايوب من اغنياء الانصار فدل الحديث ان بيت المال للغني والفقير ودل ايضا انه لا يجب ان يساوي فيه جميع المسلمين بل ذلك موكول الي الاجتهاد

وكان يقال شر خصال الملوك الجبن عن الاعداء والقسوة علي الضعفاء والبخل عند الاعطاء
ايها الوالي ...اذا اردت ذروة العدل فاعلم ان الرعية ثلاثة أنفس كبير وصغير ووسط فاجعل كبيرهم ابا ووسطهم أخا وصغيرهم ابنا فبر أباك وأكرم أخاك وارحم ابنك فانك واصل بذلك الي بر الله ورحمته
وقال : علي رضي الله عنه أمام عادل خير من مطر وابل وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم.
فاتخذ ايها الملك العلماء شعارا والصالحين دثارا فتدور المملكة بين نصائح العلماء ودعاوات الصلحاء.
واعلم ان الله تعالي أمر بالعدل ثم علم سبحانه ان ليس كل النفوس تصلح علي العدل بل تطلب الاحسان وهو فوق العدل فقال : (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربي)فلو وسع الخلق العدل ماقرن الله به الاحسان فمن لم يصلح حتي يزداد علي العدل كيف يصلح اذا لم يبلغ به العدل والعدل ميزان الله في الأرض الذي به يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل وليس موضع الميزان بين الرعية فقط بل بين السلطان والرعية ايضا فمن أزال ميزان الله الذي وضعه من القيام بالقسط فقد تعرض لسخط الله تعالي .

القسم الثاني من العدل وهو السياسة الاصطلاحية

كان يقال ان السلطان الكافر الحافظ لشرائط السياسة الاصلاحية أبقي وأقوي من السلطان المؤمن العدل في نفسه المضيع للسياسة النبوية العدلية ...ولهذا وجدنا الامام علي يقول : ان أعظم الخيانة خيانة الامة وافضع الغش غش الأئمة وكان يوصي ولاته قائلا: ليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لايدرك الا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد
وكان مثالا لولاته في ضرورة ان يعيش الحاكم حياة فيها الحس بأبسط الناس ومعاناتهم فيقول : (أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر وأكون أسوة لهم في خشونة العيش )
وكان يثير في الناس معاني العزة والكرامة والحرية بالتمرد علي كل ظالم فيقول لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا)
وكان عمرو بن العاص يقول لاسلطان الا برجال ولا رجال الا بمال ولا مال الا بعمارة ولا عمارة الا بعدل

والاخذ باسباب التقدم والرقي الحضاري والعمل الحثيث علي رفعة شان الناس جعله الكثير من مفكري الاسلام القدامي اساس لدوام الملك فيقول ابن حزم : يأخذ السلطان الناس بالعمارة وكثرة الغراس ويقطعهم الاقطاعات في الارض الموات ويجعل لكل احد ملك ماعمره ويعينه علي ذلك فيه لترخص الاسعار ويعيش الناس والحيوان ويعظم الاجر ويكثر الاغنياء وماتجب فيه الزكاة والدولة دون العمران لاتتصور والعمران دونها متعذر فاختلال أحدهما مستلزم لاختلال الأخر
وفيما تحفظ به العمارة امران الاول هوالعدل وفي السياسة بالعدل عمرت الارض وقامت الممالك وقيل لاجباية الابعمارة ولا عمارة الا بعدل وكما يقول ابي منصور الثعالبي ان الملك اذا كثرت امواله بما ياخذه من رعيته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتلع من قواعد بنيانه وفي الحكم احق الناس بدوام الملك أقسطهم بالعدل في الرعية وأخفهم عنها كلا ومؤونة ومن الامثال من جعل العدل عدة طالت به المدة وقيل : من أرجح الملوك عقلا وأكملهم أدبا وفضلا من صحب أيامه بالعدل وتحرز جهده من الجور ولقي الناس بالمجاملة وعاملهم بالمسالمة ولم يفارق السياسة مع لين في الحكم وصلابة في الحق فلا يأمن الجرئ بطشه ولا يخاف البرئ سطوته
وعن افلاطون: من قام من الملوك بالعدل والحق ملك سرائر رعاياه ومن قام فيهم بالجور والقهر لم يملك الا الاجساد ولم ير الا المتصنع والقلوب عليه مختلفة فان السرائر تطلب من يملكها بالاحسان .
ومن مفسدة غياب العدل فناء الكرامة بسببه ودثورها ففي العهود اليونانية : واعلم ان كرامة الخوف داثرة وكرامة العدل باقية فاختر لنفسك فضيلة العدل وبقاء الكرامة

الامر الثاني الذي يحفظ به العدل المزارعون فيقال أحسنوا الي المزارعين فأنكم لم تزالوا سمانا ماسمنوا...
وقد ذكر ابن الربيع في كتابه (سلوك المالك في تدبير الممالكان من اعمال العدل وعمارة البلدان قيام السلطان بمصالح المياه وكف الاذي عن المزارعون وتقدير مايؤخذ منهم بحكم الشرع والعدل.. وحماية الرعية بتحصين منازلهم من الاعداء وأصحاب السوابق وأن لا يجمع فيها أضداد مختلفة متباينة وينقل اليهم اهل العلم والصنايع حتي يكتفوا بهم ويستغنوا عن الخروج الي غيرها

ومن أعمال العدل تقدير الاموال ويعتبر من جهتين : تقدير دخلها اما بالشرع الذي ورد النص فيه فلا يخالف واما باجتهاد ولاة العدل .وتقدير خرجها او ناتج محصولها في كل المنتجات.

ثم يوصي ابن الربيع الحاكم قائلا: لاتمنن علي رعيتك وغيرهم بمعروف تاتيه اليهم ولاتقبل من أحد منهم الا الوفاء والاستقامة واستعن بالله علي جميع أمورك واستخره فان الله عز وجل مع الصلاح وأهله وليكن أعظم سيرتك وأفضل عيشك ماكان لله عز وجل رضي ولدينه نظاما ولأهله عزا وتمكينا وللذمة وللملة عدلا وصلاحا .
ولقد اكد علماء الاسلام علي ان من اخذ بأسباب القوة والصلاح وان كان كافرا فان الله يصلح ويعلي شان المملكة او الدولة القائم علي ولايتها وهذه سنة الله في عباده.
وقد ذكر ابو حامد الغزالي في كتابه التبر المسبوك في نصيحة الملوك ان الله اوحي الي داود عليه السلام ان انه قومك عن سب ملوك العجم فانهم عمروا الدنيا وأوطئوها عبادي فينبغي ان يعلم ان عمارة الدنيا وخرابها من الملوك فاذا كان السلطان عادلا عمرت الدنيا وأمنت الرعايا ....وأذا كان السلطان جائراخربت الدنيا...فيجب علي السلطان ان يزرع بذر الاحسان وأن يبعد عن نفسه العيوب الفاحشات والخطايا الموبقات لا سيما الملوك ليبقي بعدهم حسن الاسم وصالح الرسم ....وليجتهد العاقل ان لا يكثر خصومه فان امر الخصم صعب هائل والباري تعالي حاكم عادل لابد ان ينصف يوم القيامة بين الخصوم ويأخذ من الظالم للمظلوم فلا تساوي الدنيا بأسرها ان تجعل الناس خصوما لأجلها .

صفة الامام العادل في وصية الحسن البصري الي عمربن عبد العزيز



لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب الي الحسن البصري يطلب منه ان يكتب اليه بصفة الامام العادل فكتب الي الحسن يقول:اعلم ياأمير المؤمنين ان الله جعل الامام العدل قوام كل مائل وقصد (هداية)كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل مظلوم وانصاف كل مظلوم ومفزع كل ملهوف والامام العادل كالراعي الشفيق علي أبله الرفيق يرتاد لها أطيب المرعي ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع الضارية ويكنفها من أذي الحر والقر( البرد) فهو كالاب الحاني علي ولده يسعي لهم صغارا ويعلمهم كبارا يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته والامام العادل كالأم الشفيقة البرة الرقيقة بولدها ...وهو وصي اليتامي وخازن المساكين : يربي صغيرهم ويمون كبيرهم .....
فلا تكن ياأمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله ...اعلم ياأمير المؤمنين ان الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث فكيف اذا أتاها من يليها وان الله انزل القصاص حياة لعباده فكيف اذا قتلهم من يقتص لهم ....
لاتحكم ياأمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ولا تسلك بهم سبل الظالمين ولا تسلط المستكبرين علي المستضعفين فانهم لايرقبون في مؤمن الا(عهدا) ولا ذمة فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم باذهاب طيباتك في أخرتك لا تنظر الي قدرتك اليوم ولكن انظر الي قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت (خضعت) الوجوه للحي القيوم .