صفحة 1 من 1

حقوق الأسير في الاسلام

مرسل: السبت مايو 05, 2012 1:55 pm
بواسطة محمد ملفي0
حقوق الأسير في الإسلام
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

من حق الاسير عدم اكراهه على ترك دينه فلا يكره على الدخول في الاسلام، وانما يدعى الى الإسلام بالتي هي احسن، وفي العصر الحاضر يعرف هذا بالحرية الدينية، يقول الله تعالى: «يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم» (الانفال: 70) ففيها استمالة لهؤلاء الاسرى، وتجديد الدعوة لهم، وفتح باب التوبة أمامهم، وترغيبهم بما يعوضهم عما دفعوا من الفداء ويعدهم ان هم دخلوا في الاسلام طائعين مختارين بالرزق الوفير في الدنيا والآخرة والمغفرة لما سلف من ذنوبهم قبل الايمان، وفي هذا دليل واضح على انهم لا يكرهون على الدخول في الاسلام، ولم يقع قط ان اكره اسير على ان يدخل في الاسلام، ومن الأدلة على ذلك قصة ثمامة بن أثال الحنفي وهي في البخاري (4372) ومسلم (1764) من حديث ابي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وكان مشركا اسره جيش المسلمين وربط في المسجد فأتاه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: (ما عندك يا ثمامة؟) فقال: عندي خير يا محمد ان تقتل تقتل ذا دم، وان تنعم تنعم على شاكر، وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فتركه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما كان من الغد قال له مثل ذلك، وفي اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اطلقوا ثمامة) فأطلقوه فإذا به يذهب ويغتسل ويعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد انك رسول الله والله يا محمد ما كان على ظهر الارض وجه أبغض الي من وجهك فقد اصبح وجهك احب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على ظهر الأرض دين أبغض علي من دينك فأصبح دينك احب الدين كله الي، والله ما كان على وجه الأرض بلد أبغض الي من بلدك فأصبح بلدك احب البلاد كلها الي.
وهكذا اثرت هذه المعاملة الحسنة والخلق الكريم، في استمالة قلب رجل غير عادي انه ليس من بسطاء الناس او سذجهم، بل هو سيد قومه، ولم يكن اسلامه اسلام تقية او خوفا على نفسه وحياته.
ومن حقوقه اطعامه ما يكفيه من الطعام والشراب، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا» (الإنسان 8 ـ 9) ففي هاتين الآيتين دليل على ان اطعام الاسير قربة يتقرب بها المؤمن الى ربه سبحانه وتعالى، ولهذا قال: «نطعمكم لوجه الله» وفيها ان المؤمن يؤثر الاسير حتى على نفسه «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا» ومعنى هذا انه لم يطعمه مما فضل من قوته، وانما يطعمه من طيب طعامه مع حاجته اليه ومحبته له، ولذلك كان منع الطعام عن الاسير من الكبائر كما جاء في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «عذبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي اطعمتها ولا سقتها اذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» رواه البخاري (3482) ومسلم (2242).
فلما كان الحبس مانعا للمحبوس من التصرف في امر معاشه وكسبه وجب على حابسه ان يقوم بحقه، ولو كان ذلك في حق الحيوان، فما بالك بالانسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى «ولقد كرمنا بني آدم» (الاسراء: 70) ويكفي ان الله سبحانه قرن حق الاسير بالمسكين واليتيم «مسكينا ويتيما وأسيرا» (الإنسان 8) حثا على القيام على إطعامه والإحسان اليه، وقد يكون هذا الإحسان سببا في هدايته، كما كان الأمر في شأن ثمامة رضي الله عنه.
حقه في الكسوة والثياب المناسبة التي تليق به وتجذر بمثله وقد روى البخاري في صحيحه من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: «لما كان يوم بدر اتي بأسارى واتى بالعباس، ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي صلى الله عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبدالله بن ابيّ يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم اياه» البخاري (3008) فالإسلام يضمن للأسير حق الكسوة والثياب المناسبة.
المأوى والسكن المناسب ايا كان فقد يسكن في المسجد او يسكن في سجن خاص ويكون ملائما او حتى في بيوت بعض المؤمنين وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك دار خاصة للأسرى ولا للسجن ولهذا ربما سجن الاسير في المسجد وربما وزع الاسرى على المسلمين في بيوتهم الى ان ينظر في شأنهم وقد روى البيهقي في سننه (9/89) عن ذكوان عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها بأسير وعندها نسوة فلهينها عنه فذهب الاسير فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة: (أين الأسير؟) قالت: نسوة كن عندي فلهينني عنه، فذهب فقال: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «قطع الله يدك» وخرج فأرسل في اثره فجيء به فدخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واذا عائشة ـ رضي الله عنها ـ قد اخرجت يديها فقال مالك قالت يا رسول الله انك دعوت علي بقطع يدي واني معلقة يدي انتظر من يقطعها، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجننت؟ ثم رفع يديه وقال: (اللهم من كنت دعوت عليه فاجعله له كفارة وطهورا) قال الذهبي عن هذا الحديث: إسناده جيد.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (5/191) ان الرسول صلى الله عليه وسلم فرق اسرى بدر على اصحابه، وروى الإمام احمد (2216) عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل ناسا من الاسرى الذين كانوا يتقنون القراءة والكتابة يعلمون اولاد الانصار القراءة والكتابة وجعل ذلك فداءهم وفكاكهم ومن المعلوم ان الاسير كي يعلم ويكتب لا بد ان يكون طليقا غير مقيد ولا مربوط وقادرا على الذهاب والاياب والوثاق انما جُعل لمنعه من الهرب فإذا امكن منعه بلا وثاق فلا حاجة اليه.
لا يفرق في الاسرى بين الوالدة وولدها او بين الولد ووالده وبين الأخ واخيه وهذا ورد في حكم السبي والسبي نوع من الاسر وان كان يطلق في الغالب على النساء والذرية والتفريق بينهم وبين الاسرى انما هو امر اصطلاحي والا فالكل اسرى وقد جاء في حديث رواه الامام احمد (23499) واهل السنن الترمذي (1283) وابن ماجه (2250) من حديث ابي موسى وابو داود (2696) من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ عن ابي الدرداء رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فرق بين والدة وولدها ـ يعني من السبي ـ فرق الله بينه وبين احبته يوم القيامة) قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند اهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا التفريق في السبي بين الوالدة وولدها وبين الولد والوالد وبين الاخوة.
واعجب من ذلك ان الدارمي (2479) روى هذا الحديث، وذكر في اوله ان ابا ايوب رضي الله عنه كان في جيش ففرق بين الصبيان وبين امهاتهم من الاسرى فرآهم يبكون فجعل يرد الصبي الى امه ويقول: ان رسول صلى الله عليه وسلم قال: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين احبته يوم القيامة).
فانظر كيف بلغ الرفق والرحمة والشفقة والعدل بالمسلمين في الجمع بين الاخوة وبين الآباء والأمهات والأولاد من الاسرى.
عدم تعريضهم للتعذيب بغير حق فلا يمكن ان نعذبهم مثلا لأنهم قاتلونا ولم ينقل في الشرع انه امر بتعذيبهم ولا انه حصل لهم تعذيب خلال عصور العزة الإسلامية وذلك لأنه اذا كان المسلم مأمورا بإكرامهم واطعامهم وسقيهم والجمع بينهم فإن تعذيبهم يتنافى مع هذا الامر، اللهم إلا ان يكون هناك حالات خاصة يتطلب الامر فيها ان يمس بشيء من العذاب قليل لا يؤثر عليه من اجل كشف امور يعلم انها موجودة عنده كما في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتل اهل خيبر حتى ألجأهم الى قصرهم فغلب على الارض والزرع والنخل فصالحوه على ان يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصفراء والبيضاء ويخرجون منها، واشترط عليهم ان لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحي بن اخطب كان احتمله معه الى خيبر حين اجليت النضير فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعم حي: (ما فعل مسك حي الذي جاء به من النضير؟) فقال: أذهبته النفقات والحروب فقال: (العهد قريب والمال اكثر من ذلك) فدفعه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الى الزبير فمسه بعذاب، وقد كان حي قبل ذلك دخل خربة فقال: قد رأيت حي يطوف في خربة هاهنا فذهبوا وطافوا فوجدوا المسك في الخربة الحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/137) وقال ابن حجر في الفتح (7/479) اسناد رجاله ثقات.
واما قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعض الاسرى فذلك لأن لهم سوابق وجرائم في حق المسلمين استوجبت قتلهم، ولهذا جاء في التاج والاكليل انه قيل لمالك: أيعذب الأسير ان رُجي ان يدل على عورة العدو؟! فقال: ما سمعت بذلك.
وكان جماعة من السلف يكرهون قتل الاسرى والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل من الاسرى خلال حروبه الطويلة إلا عددا قليلا كانوا من أكابر عتاة المشركين وقادة الحرب الضروس الفاجرة ضد الإسلام وأهله، ويمكن ان نطلق عليهم حسب التعبير المعروف اليوم (مجرمي حرب) وقد روى مسلم في صحيحه (1779) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه مقدم ابي سفيان ومن معه شاور اصحابه فيما يصنع، وفي القصة انهم ظفروا بغلام فأخذوه فكان اصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألونه عن ابي سفيان واصحابه، فيقول: ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا ابو جهل وعتبة وشيبة وامية ابن خلف فإذا قال ذلك ضربوه فقال: نعم انا اخبركم هذا ابو سفيان فإذا تركوه فسألوه

فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا ابو جهل وعتبة وشيبة وامية بن خلف في الناس فإذا قال: هذا ايضا ضربوه ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف، قال: (والذي نفسي بيده لتضربوه اذا صدقكم وتتركوه اذا كذبكم) فهذا دليل على انه ينبغي ألا يكون هناك عدوان على الاسرى ولا تعذيب لهم بغير حق، واذا كانت هذه الاشياء كلها مطلوبة فالإسلام يوجب ان يكون لهم العلاج المناسب والمعاملة الحسنة وألا يظلم أحد منهم في نفس او أهل او مال.