- السبت مايو 05, 2012 5:58 pm
#50282
حقوق الإنسان وجدل الخصوصية والعالمية.
إن أكثر ما ركزت عليه الكتابات الإسلامية المعاصرة في شأن حقوق الإنسان، الإشارة إلى الكشف عن مصدر هذه الحقوق، بقصد تأكيد المفارقة والمفاصلة بين الموقف الإسلامي الذي يرجع هذه الحقوق في مصدرها إلى الله سبحانه، الخالق والمالك والواهب، وبين الموقف الغربي الذي يرجع هذه الحقوق في مصدرها إلى ما يسميه القانون الطبيعي.
ويراد من هذه المفارقة الكشف عن تلك الاختلافات الجوهرية والعميقة بين التصورين الإسلامي والغربي، التي تتصل بطبيعة الرؤية الكونية، وبالأسس والمرتكزات الفلسفية والأخلاقية، وبالعقيدة الإيمانية.
وعن هذه المفارقة يقول الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه (حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي) الصادر سنة 1982م : إن تقرير الحقوق في الإسلام يستند إلى عقيدة الإيمان، وهي في عمقها وشمولها ودوامها لا تقارن بفكرة القانون الطبيعي، أو العدالة أو العقد الاجتماعي، أو المذهب الفردي، فالله مصدر تقرير الحقوق في دين الإسلام حقيقة ثابتة لا مجرد افتراض غامض.
في مقابل هذه القراءة التي تبرز وتؤكد على خصوصية حقوق الإنسان في الإسلام، هناك قراءة أخرى مختلفة ومغايرة تحاول أن توفق بين الموقفين الإسلامي والأوروبي لنقد فكرة الخصوصية الثقافية من جهة، وتأكيد عالمية حقوق الإنسان من جهة أخرى.
تنتمي هذه القراءة إلى المجال العربي، وعبر عنها الدكتور محمد عابد الجابري، وشرحها في كتابه (الديمقراطية وحقوق الإنسان) الصادر سنة 1994م، وجاءت في سياق سعيه عما أسماه التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان في الوعي العربي المعاصر.
في هذه القراءة ينطلق الدكتور الجابري من فرضية ثابتة عنده، تتحدد في أن عالمية حقوق الإنسان في كل من الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية تقوم على أسس فلسفية واحدة، والاختلافات بينهما لا تعبر عن ثوابت ثقافية، إنما ترجع إلى اختلاف في أسباب النزول، وأما المقاصد والأهداف فهي واحدة.
والغاية من هذه القراءة هي التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر، التأصيل الذي يعني به الدكتور الجابري إيقاظ الوعي بعالمية حقوق الإنسان داخل ثقافتنا بإبراز عالمية الأسس النظرية التي تقوم عليها، والتي لا تختلف عن الأسس التي قامت عليها حقوق الإنسان في الثقافة الغربية.
ولإنجاز هذه المهمة قام الدكتور الجابري بثلاث خطوات متصلة ومترابطة فيما بينها، هذه الخطوات هي:
أولا: الكشف والبرهنة عن عالمية حقوق الإنسان في المرجعية الأوروبية.
ثانيا: الكشف والبرهنة عن عالمية حقوق الإنسان في المرجعية الإسلامية.
ثالثا: مواجهة الاعتراضات التي تقف أمام عالمية حقوق الإنسان في المرجعيتين الغربية والإسلامية.
بالنسبة للخطوة الأولى:
يرى الجابري ابتداء أن طرح قضية المرجعية تعد أساسية في إطار الحديث عن الفكر الأوروبي، ذلك لأنه لكي تكون حقوق الإنسان التي نادى بها فلاسفة أوروبا حقوقا عالمية يجب أن تستند في نظره على مرجعية تقع بالضرورة خارج الثقافة الأوروبية السائدة في عصرهم، لأنها ثقافة كانت تكرس الاستبداد واللامساواة، وبالتالي يجب أن تكون مرجعية مستقلة بنفسها متعالية على الزمان والمكان وتضع نفسها فوق التاريخ.
وهذا ما ثبت للجابري، وحسب رأيه أن التأسيس لحقوق الإنسان الذي قام به فلاسفة أوروبا في العصر الحديث يتجاوز الخصوصيات الثقافية، ويرجع بحقوق الإنسان إلى البداية، إلى ما قبل كل ثقافة وحضارة إلى حالة الطبيعة، ومنها إلى العقد الاجتماعي المؤسس للاجتماع البشري.
وبالنسبة للخطوة الثانية:
يرى الجابري أن الأصول النظرية التي استند عليها فلاسفة أوروبا في القرن الثامن عشر لتأسيس عالمية حقوق الإنسان في الفكر الأوروبي الحديث، والتي هي التطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل، وحالة الطبيعة، والعقد الاجتماعي، هذه الأصول في نظره تتطابق مع الأصول النظرية لتأسيس عالمية حقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية.
فالتطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل الذي يهدف في نظر الجابري إلى جعل العقل المرجعية التي تعلو على كل مرجعية، هذه الفرضية يمكن التوصل إليها بسهولة في خطاب الدعوة الإسلامية، وفي خطاب القرآن الكريم بكيفية خاصة الذي دعا مرارا وتكرارا إلى التأمل في نظام الطبيعة بطريقة توحي بأن نظام الطبيعة هو نفسه نظام العقل، أو على الأقل يبينه ويشهد له، إلى جانب أن القرآن الكريم يوظف العقل سلطة وحكما، ويؤنب الذين يخضعون للتقليد داعيا إياهم إلى تحكيم العقل..
وفرضية حالة الطبيعة عند فلاسفة أوروبا تتطابق في تصور الجابري مع مفهوم الفطرة في الخطاب القرآني، والإسلام دين الفطرة، ويعقب على ذلك بقوله: هل نجانب الصواب إذا قلنا إن مرجعية الإسلام الأساسية إن لم يكن الوحيدة لتقرير عالميته هي حالة الفطرة، وبالتالي فما يقرره هو بمثابة قانون الفطرة أو القانون الطبيعي الذي فطر الله الناس عليه.
إن أكثر ما ركزت عليه الكتابات الإسلامية المعاصرة في شأن حقوق الإنسان، الإشارة إلى الكشف عن مصدر هذه الحقوق، بقصد تأكيد المفارقة والمفاصلة بين الموقف الإسلامي الذي يرجع هذه الحقوق في مصدرها إلى الله سبحانه، الخالق والمالك والواهب، وبين الموقف الغربي الذي يرجع هذه الحقوق في مصدرها إلى ما يسميه القانون الطبيعي.
ويراد من هذه المفارقة الكشف عن تلك الاختلافات الجوهرية والعميقة بين التصورين الإسلامي والغربي، التي تتصل بطبيعة الرؤية الكونية، وبالأسس والمرتكزات الفلسفية والأخلاقية، وبالعقيدة الإيمانية.
وعن هذه المفارقة يقول الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه (حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي) الصادر سنة 1982م : إن تقرير الحقوق في الإسلام يستند إلى عقيدة الإيمان، وهي في عمقها وشمولها ودوامها لا تقارن بفكرة القانون الطبيعي، أو العدالة أو العقد الاجتماعي، أو المذهب الفردي، فالله مصدر تقرير الحقوق في دين الإسلام حقيقة ثابتة لا مجرد افتراض غامض.
في مقابل هذه القراءة التي تبرز وتؤكد على خصوصية حقوق الإنسان في الإسلام، هناك قراءة أخرى مختلفة ومغايرة تحاول أن توفق بين الموقفين الإسلامي والأوروبي لنقد فكرة الخصوصية الثقافية من جهة، وتأكيد عالمية حقوق الإنسان من جهة أخرى.
تنتمي هذه القراءة إلى المجال العربي، وعبر عنها الدكتور محمد عابد الجابري، وشرحها في كتابه (الديمقراطية وحقوق الإنسان) الصادر سنة 1994م، وجاءت في سياق سعيه عما أسماه التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان في الوعي العربي المعاصر.
في هذه القراءة ينطلق الدكتور الجابري من فرضية ثابتة عنده، تتحدد في أن عالمية حقوق الإنسان في كل من الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية تقوم على أسس فلسفية واحدة، والاختلافات بينهما لا تعبر عن ثوابت ثقافية، إنما ترجع إلى اختلاف في أسباب النزول، وأما المقاصد والأهداف فهي واحدة.
والغاية من هذه القراءة هي التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر، التأصيل الذي يعني به الدكتور الجابري إيقاظ الوعي بعالمية حقوق الإنسان داخل ثقافتنا بإبراز عالمية الأسس النظرية التي تقوم عليها، والتي لا تختلف عن الأسس التي قامت عليها حقوق الإنسان في الثقافة الغربية.
ولإنجاز هذه المهمة قام الدكتور الجابري بثلاث خطوات متصلة ومترابطة فيما بينها، هذه الخطوات هي:
أولا: الكشف والبرهنة عن عالمية حقوق الإنسان في المرجعية الأوروبية.
ثانيا: الكشف والبرهنة عن عالمية حقوق الإنسان في المرجعية الإسلامية.
ثالثا: مواجهة الاعتراضات التي تقف أمام عالمية حقوق الإنسان في المرجعيتين الغربية والإسلامية.
بالنسبة للخطوة الأولى:
يرى الجابري ابتداء أن طرح قضية المرجعية تعد أساسية في إطار الحديث عن الفكر الأوروبي، ذلك لأنه لكي تكون حقوق الإنسان التي نادى بها فلاسفة أوروبا حقوقا عالمية يجب أن تستند في نظره على مرجعية تقع بالضرورة خارج الثقافة الأوروبية السائدة في عصرهم، لأنها ثقافة كانت تكرس الاستبداد واللامساواة، وبالتالي يجب أن تكون مرجعية مستقلة بنفسها متعالية على الزمان والمكان وتضع نفسها فوق التاريخ.
وهذا ما ثبت للجابري، وحسب رأيه أن التأسيس لحقوق الإنسان الذي قام به فلاسفة أوروبا في العصر الحديث يتجاوز الخصوصيات الثقافية، ويرجع بحقوق الإنسان إلى البداية، إلى ما قبل كل ثقافة وحضارة إلى حالة الطبيعة، ومنها إلى العقد الاجتماعي المؤسس للاجتماع البشري.
وبالنسبة للخطوة الثانية:
يرى الجابري أن الأصول النظرية التي استند عليها فلاسفة أوروبا في القرن الثامن عشر لتأسيس عالمية حقوق الإنسان في الفكر الأوروبي الحديث، والتي هي التطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل، وحالة الطبيعة، والعقد الاجتماعي، هذه الأصول في نظره تتطابق مع الأصول النظرية لتأسيس عالمية حقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية.
فالتطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل الذي يهدف في نظر الجابري إلى جعل العقل المرجعية التي تعلو على كل مرجعية، هذه الفرضية يمكن التوصل إليها بسهولة في خطاب الدعوة الإسلامية، وفي خطاب القرآن الكريم بكيفية خاصة الذي دعا مرارا وتكرارا إلى التأمل في نظام الطبيعة بطريقة توحي بأن نظام الطبيعة هو نفسه نظام العقل، أو على الأقل يبينه ويشهد له، إلى جانب أن القرآن الكريم يوظف العقل سلطة وحكما، ويؤنب الذين يخضعون للتقليد داعيا إياهم إلى تحكيم العقل..
وفرضية حالة الطبيعة عند فلاسفة أوروبا تتطابق في تصور الجابري مع مفهوم الفطرة في الخطاب القرآني، والإسلام دين الفطرة، ويعقب على ذلك بقوله: هل نجانب الصواب إذا قلنا إن مرجعية الإسلام الأساسية إن لم يكن الوحيدة لتقرير عالميته هي حالة الفطرة، وبالتالي فما يقرره هو بمثابة قانون الفطرة أو القانون الطبيعي الذي فطر الله الناس عليه.