By مشاري الجنيدل 5 0 - السبت مايو 05, 2012 8:44 pm
- السبت مايو 05, 2012 8:44 pm
#50340
تاريخ الانشقاقات
بيروت: ثائر عباس
لم يكن خروج عبد الحليم خدام من سورية، وبالتالي من القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بعدما أمضى سنوات طويلة في الحزب، وكان أحد مؤسسي قيادته الحالية، «الخروج» الأول من الحزب، وقد لا يكون الأخير. ومن يراقب «البعث» عن كثب، يلاحظ حجم الخلافات والانشقاقات والخروج من الحزب، منذ تشكل في الاربعينيات من القرن الماضي وحتى الآن، وفي كل مرة كان للانشقاق «تاريخ»، و«أسباب» و«تداعيات»، كما يمكن أن يكون لخروج خدام، لدرجة أنه من الصعب فهم مسيرة الحزب بدون فهم انشقاقاته والخلافات داخله. وقد تأسس حزب «البعث» رسمياً عام 1947، وكان أبرز مؤسسيه ميشال عفلق، المفكر الأساسي. وصلاح البيطار المفكر والسياسي، وجلال السيد الذي كان سياسياً ذا أبعاد فكرية، وكان نائباً لعدة مرات في البرلمان السوري. وإلى جانب حزب «البعث»، كان هناك حزب آخر متماثل في الأهداف اسمه «الحزب العربي الاشتراكي»، الذي كان يرأسه أكرم الحوراني. وكان الحزبان يعملان في الساحة السورية أساساً، لكن حزب «البعث» كانت لديه بعض الامتدادات التي بدأت تتشكل في العراق ولبنان والاردن وفلسطين. وفي عام 1951 انخرط الحزبان معا في مواجهة حكم أديب الشيشكلي، وكانا ينسقان معاً ميدانياً، وقد انتهى الأمر بهما إلى توحيد الحزبين، تحت اسم «حزب البعث العربي الاشتراكي»، غير انه ومنذ ذلك الحين عانى البعث من الانشقاقات. وقد حدث الانشقاق الاول لان جلال السيد، أحد المؤسسين الثلاثة للحزب لم يكن راضياً عن انضمام الحوراني الى الحزب، وقد أدت تداعيات توحيد الحزبين الى اتخاذه قرار الاستقالة من حزب «البعث» عام 1955، فكان اول الخارجين من الحزب، وقد خرج معه عدد من النواب المؤيدين له من العشائر، لكنه لم يؤسس حزباً آخر.
ثم عندما حدثت الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 حلّ حزب البعث نفسه طوعاً، مساهمة منه في الوحدة بفرعيه السوري والمصري الناشئ، وقد ادى هذا الى انقسام داخلي حول القرار. ثم حصل الخلاف بين حزب البعث السوري والرئيس جمال عبد الناصر، مما أدى الى الانشقاق عام 1959 حين بدأت الخلافات مع عبد الناصر تنعكس داخل الحزب، فانشق رئيس حزب البعث في الاردن عبد الله غيناوي، وهو نائب ووزير سابق وشكل «القيادة الثورية لحزب البعث العربي الاشتراكي»، ثم انطلق بالسعي نحو تشكيل حركة عربية واحدة مع قوى ناصرية أخرى، لكنه لم ينجح في مساعيه.
وفي عام 1960 حصلت مشكلة في العراق، فأمين سر الحزب في العراق فؤاد الركابي، الذي كان وزيراً في اول حكومة شكلت بعد ثورة 14 يوليو (تموز) 1958، خرج بسبب خلافات مع الحزب وبسبب مقاطعة مع عبد الناصر. وقد انضم اليه عدد من كوادر الحزب في العراق.
وبعد ذلك شهد الحزب انشقاقات بالجملة فبعد حصول الانفصال بين مصر وسورية 1961، ظهرت ثلاثة اتجاهات في الحزب، الأول يدعو الى العودة الفورية للوحدة مع مصر، حملته مجموعة من البعثيين انشقت تحت اسم «حركة الوحدويين الاشتراكيين». والرأي الثاني كان يمثله أكرم الحوراني، ويطالب بضمانات لعدم تكرار ما حصل خلال الوحدة. اما الاتجاه الثالث فكان خط القيادة القومية الذي يمثله ميشال عفلق ومعه. صلاح البيطار، ومعهما فرع الحزب في العراق الذي كان قوياً ويحضر نفسه لتسلم السلطة في العراق. وعقد الحزب في هذه الأجواء مؤتمره القومي الخامس في حمص في مايو (أيار) 1962، وخرج المؤتمر بتأكيد الانشقاقات التي قام بها اصحاب وجهات النظر الثلاث. فكانت «حركة الوحدويين الاشتراكيين»، وخرج من جهة اخرى بعثيون سموا انفسهم «القيادة القطرية السورية»، التي اعترضت على حل الحزب واعتبرت أن الأساتذة الثلاثة (عفلق والحوراني والبيطار)، هم المسؤولون عن هذا الحل، ولهذا لا بد من اعادة تنظيم الحزب بمعزل عنهم. فيما خرجت مجموعة ثالثة مع الحوراني عملت تحت اسم «حركة الاشتراكيين العرب» عام 1962.
وفي 8 فبراير (شباط) 1963 تسلم «البعث» السلطة في العراق للمرة الأولى، وأعقب ذلك انقلاب آخر في سورية في مارس (آذار) من العام نفسه اوصل البعث عملياً الى السلطة. وادى هذا الى نشوء تكتلات وتيارات في الحزب، وبعد سقوط حكم الحزب في العراق في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963. حصل خلاف آخر على تقويم هذه التجربة، فحصل انشقاق قادة على صالح السعدي ومعه عدد من الشخصيات البعثية في سورية والوطن العربي، واعتبر هذا الجناح نفسه يسارياً وتبنى الماركسية، واتهم القيادة التاريخية للحزب باللينينية، فظهر «حزب البعث العربي الاشتراكي اليساري»، الذي تحول في ما بعد الى «حزب العمال الثوري»، الذي تلاشى لاحقاً.
وبقي حزب «البعث» ممسكاً بالسلطة في سورية، لكنه كان قائماً على جناحين. جناح تاريخي بقيادة عفلق والبيطار، والجناح العسكري الذي كان يقوده صلاح جديد وحافظ الأسد. وفي 23 فبراير (شباط) 1966 انقلب العسكريون على عفلق والبيطار، ومرة جديدة انشق الحزب بين المجموعة الحاكمة في سورية، والمكونة من الضباط البعثيين والمدنيين المتعاطفين معهم، والقيادة القومية التي تضم القيادة التاريخية. وكان هذا الانشقاق الأهم في تاريخ البعث. فالحزب في العراق كان قوياً ويقوده أحمد حسن البكر وصدام حسين، وقد حرص الحزب على البقاء على علاقة قوية مع النظام السوري لتأمين الدعم لمشروعه في العراق، لكن القيادة في سورية، وعلى رأسها صلاح جديد لم تكن مطمئنة الى ولاء الحزب العراقي، فأصدرت القيادة التي يرأسها شديد ونور الدين الأتاسي، قراراً بفصل البكر وحسين من الحزب. وهكذا أصبح البعث حزبين، واحداً أمينه العام ميشال عفلق، وآخر أمينه العام نور الدين الأتاسي. فعقد الثاني مؤتمراً قومياً تاسعاً، واتخذ قراراً بفصل قيادات الحزب الثاني، الذي عقد بدوره مؤتمراً قومياً تاسعاً في فبراير 1968 شارك فيه عراقيون ومنظمات الحزب وانتخب قيادة قومية بقيادة عفلق، فصارت القيادة الاساسية بغالبيتها، ما عدا عضوين هما حافظ الأسد وابراهيم ناصر، مع القيادة القومية، وتكرس وجود حزبين اولهما مركزه دمشق، والثاني بقي بلا مركز حتى تولى البعث الآخر السلطة في العراق في يوليو (تموز) 1968.
بعد سنتين حصل خلاف داخل «البعث» الحاكم في سورية، بين تيار على رأسه صلاح جديد (الأمين القطري في سورية والأمين العام المساعد للحزب)، وآخر على رأسه حافظ الأسد الذي قام بحركته التصحيحية المشهورة التي وضعت قادة التيار الآخر في السجن، وبينهم سوريون وفلسطينيون وعراقيون وأردنيون. وقامت قيادة قومية جديدة على رأسها الأسد وعبد الحليم خدام وعبد الله الأحمر ومحمد حيدر. وقد بقي أعضاء الجناح «الخاسر» في السجن فترات طويلة، حيث مات بعضهم فيه كصلاح جديد، ومنهم من توفي مباشرة بعد خروجه كنور الدين الاتاسي. أما من أفلت من رفاق شديد، فقد اقام قسم منهم في الجزائر وشكلوا «حزب البعث العربي الاشتراكي الديمقراطي»، الذي ما يزال يصدر نشرة دورية. وبعد تسلم الحزب السلطة مجدداً في العراق، تنشأ «وجهات نظر» حول علاقة الحزب خارج العراق بالسلطة في داخله وحول تسلم السلطة بانقلاب عسكري، فيصبح ميشال عفلق مقيماً في بيروت، يدعو لاستقلالية الحزب القومي عن السلطة في العراق، وهو عكس ما كانت تطالب به القيادة العراقية. ويحسم الأمر بذهاب عفلق إلى العراق بعد 7 سنوات على تسلم البعثيين السلطة، بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان. وفي حزب البعث «العراقي» حصلت مشاكل، وخرجت عدة مجموعات بينها قيادة الحزب في لبنان، التي كانت تضم معن بشور والوزير والنائب السابق بشارة مرهج وحبيب بركات وحبيب زغيب وحسين عثمان واحمد الصوفي، وأنشأت ما يسمى «تجمع اللجان والروابط الشعبية».
وخلال عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، لم يشهد البعث سوى انشقاق واحد، قام به شقيقه رفعت الأسد، الذي كان نائبا للرئيس حينها، إذ استغل مرض الرئيس عام 1983 ودخوله في غيبوبة (كما قيل حينها)، ليحاول بالاتفاق مع عدد من الضباط الكبار، الاستيلاء على السلطة، لكن الأسد الأب استطاع تطويق هذا التحرك، عبر الضغط على هؤلاء الضباط لشق «سرايا الدفاع»، التي كان يقودها شقيقه وأعطاه وبعض ضباطه «اجازة» الى موسكو، عاد بعدها رفعت ليجد الأمور وقد خرجت عن سيطرته، فيغادر لاحقا الى المنفى، حيث لا يزال يحاول إيجاد تشكيل معارض فعال. وخرج قبيل رحيل الأسد الأب وبعده عدد من القياديين والضباط من الحزب، لكنهم بقوا فيه اسميا للافساح امام القيادة الجديدة للامساك بزمام الأمور.
بيروت: ثائر عباس
لم يكن خروج عبد الحليم خدام من سورية، وبالتالي من القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بعدما أمضى سنوات طويلة في الحزب، وكان أحد مؤسسي قيادته الحالية، «الخروج» الأول من الحزب، وقد لا يكون الأخير. ومن يراقب «البعث» عن كثب، يلاحظ حجم الخلافات والانشقاقات والخروج من الحزب، منذ تشكل في الاربعينيات من القرن الماضي وحتى الآن، وفي كل مرة كان للانشقاق «تاريخ»، و«أسباب» و«تداعيات»، كما يمكن أن يكون لخروج خدام، لدرجة أنه من الصعب فهم مسيرة الحزب بدون فهم انشقاقاته والخلافات داخله. وقد تأسس حزب «البعث» رسمياً عام 1947، وكان أبرز مؤسسيه ميشال عفلق، المفكر الأساسي. وصلاح البيطار المفكر والسياسي، وجلال السيد الذي كان سياسياً ذا أبعاد فكرية، وكان نائباً لعدة مرات في البرلمان السوري. وإلى جانب حزب «البعث»، كان هناك حزب آخر متماثل في الأهداف اسمه «الحزب العربي الاشتراكي»، الذي كان يرأسه أكرم الحوراني. وكان الحزبان يعملان في الساحة السورية أساساً، لكن حزب «البعث» كانت لديه بعض الامتدادات التي بدأت تتشكل في العراق ولبنان والاردن وفلسطين. وفي عام 1951 انخرط الحزبان معا في مواجهة حكم أديب الشيشكلي، وكانا ينسقان معاً ميدانياً، وقد انتهى الأمر بهما إلى توحيد الحزبين، تحت اسم «حزب البعث العربي الاشتراكي»، غير انه ومنذ ذلك الحين عانى البعث من الانشقاقات. وقد حدث الانشقاق الاول لان جلال السيد، أحد المؤسسين الثلاثة للحزب لم يكن راضياً عن انضمام الحوراني الى الحزب، وقد أدت تداعيات توحيد الحزبين الى اتخاذه قرار الاستقالة من حزب «البعث» عام 1955، فكان اول الخارجين من الحزب، وقد خرج معه عدد من النواب المؤيدين له من العشائر، لكنه لم يؤسس حزباً آخر.
ثم عندما حدثت الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 حلّ حزب البعث نفسه طوعاً، مساهمة منه في الوحدة بفرعيه السوري والمصري الناشئ، وقد ادى هذا الى انقسام داخلي حول القرار. ثم حصل الخلاف بين حزب البعث السوري والرئيس جمال عبد الناصر، مما أدى الى الانشقاق عام 1959 حين بدأت الخلافات مع عبد الناصر تنعكس داخل الحزب، فانشق رئيس حزب البعث في الاردن عبد الله غيناوي، وهو نائب ووزير سابق وشكل «القيادة الثورية لحزب البعث العربي الاشتراكي»، ثم انطلق بالسعي نحو تشكيل حركة عربية واحدة مع قوى ناصرية أخرى، لكنه لم ينجح في مساعيه.
وفي عام 1960 حصلت مشكلة في العراق، فأمين سر الحزب في العراق فؤاد الركابي، الذي كان وزيراً في اول حكومة شكلت بعد ثورة 14 يوليو (تموز) 1958، خرج بسبب خلافات مع الحزب وبسبب مقاطعة مع عبد الناصر. وقد انضم اليه عدد من كوادر الحزب في العراق.
وبعد ذلك شهد الحزب انشقاقات بالجملة فبعد حصول الانفصال بين مصر وسورية 1961، ظهرت ثلاثة اتجاهات في الحزب، الأول يدعو الى العودة الفورية للوحدة مع مصر، حملته مجموعة من البعثيين انشقت تحت اسم «حركة الوحدويين الاشتراكيين». والرأي الثاني كان يمثله أكرم الحوراني، ويطالب بضمانات لعدم تكرار ما حصل خلال الوحدة. اما الاتجاه الثالث فكان خط القيادة القومية الذي يمثله ميشال عفلق ومعه. صلاح البيطار، ومعهما فرع الحزب في العراق الذي كان قوياً ويحضر نفسه لتسلم السلطة في العراق. وعقد الحزب في هذه الأجواء مؤتمره القومي الخامس في حمص في مايو (أيار) 1962، وخرج المؤتمر بتأكيد الانشقاقات التي قام بها اصحاب وجهات النظر الثلاث. فكانت «حركة الوحدويين الاشتراكيين»، وخرج من جهة اخرى بعثيون سموا انفسهم «القيادة القطرية السورية»، التي اعترضت على حل الحزب واعتبرت أن الأساتذة الثلاثة (عفلق والحوراني والبيطار)، هم المسؤولون عن هذا الحل، ولهذا لا بد من اعادة تنظيم الحزب بمعزل عنهم. فيما خرجت مجموعة ثالثة مع الحوراني عملت تحت اسم «حركة الاشتراكيين العرب» عام 1962.
وفي 8 فبراير (شباط) 1963 تسلم «البعث» السلطة في العراق للمرة الأولى، وأعقب ذلك انقلاب آخر في سورية في مارس (آذار) من العام نفسه اوصل البعث عملياً الى السلطة. وادى هذا الى نشوء تكتلات وتيارات في الحزب، وبعد سقوط حكم الحزب في العراق في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963. حصل خلاف آخر على تقويم هذه التجربة، فحصل انشقاق قادة على صالح السعدي ومعه عدد من الشخصيات البعثية في سورية والوطن العربي، واعتبر هذا الجناح نفسه يسارياً وتبنى الماركسية، واتهم القيادة التاريخية للحزب باللينينية، فظهر «حزب البعث العربي الاشتراكي اليساري»، الذي تحول في ما بعد الى «حزب العمال الثوري»، الذي تلاشى لاحقاً.
وبقي حزب «البعث» ممسكاً بالسلطة في سورية، لكنه كان قائماً على جناحين. جناح تاريخي بقيادة عفلق والبيطار، والجناح العسكري الذي كان يقوده صلاح جديد وحافظ الأسد. وفي 23 فبراير (شباط) 1966 انقلب العسكريون على عفلق والبيطار، ومرة جديدة انشق الحزب بين المجموعة الحاكمة في سورية، والمكونة من الضباط البعثيين والمدنيين المتعاطفين معهم، والقيادة القومية التي تضم القيادة التاريخية. وكان هذا الانشقاق الأهم في تاريخ البعث. فالحزب في العراق كان قوياً ويقوده أحمد حسن البكر وصدام حسين، وقد حرص الحزب على البقاء على علاقة قوية مع النظام السوري لتأمين الدعم لمشروعه في العراق، لكن القيادة في سورية، وعلى رأسها صلاح جديد لم تكن مطمئنة الى ولاء الحزب العراقي، فأصدرت القيادة التي يرأسها شديد ونور الدين الأتاسي، قراراً بفصل البكر وحسين من الحزب. وهكذا أصبح البعث حزبين، واحداً أمينه العام ميشال عفلق، وآخر أمينه العام نور الدين الأتاسي. فعقد الثاني مؤتمراً قومياً تاسعاً، واتخذ قراراً بفصل قيادات الحزب الثاني، الذي عقد بدوره مؤتمراً قومياً تاسعاً في فبراير 1968 شارك فيه عراقيون ومنظمات الحزب وانتخب قيادة قومية بقيادة عفلق، فصارت القيادة الاساسية بغالبيتها، ما عدا عضوين هما حافظ الأسد وابراهيم ناصر، مع القيادة القومية، وتكرس وجود حزبين اولهما مركزه دمشق، والثاني بقي بلا مركز حتى تولى البعث الآخر السلطة في العراق في يوليو (تموز) 1968.
بعد سنتين حصل خلاف داخل «البعث» الحاكم في سورية، بين تيار على رأسه صلاح جديد (الأمين القطري في سورية والأمين العام المساعد للحزب)، وآخر على رأسه حافظ الأسد الذي قام بحركته التصحيحية المشهورة التي وضعت قادة التيار الآخر في السجن، وبينهم سوريون وفلسطينيون وعراقيون وأردنيون. وقامت قيادة قومية جديدة على رأسها الأسد وعبد الحليم خدام وعبد الله الأحمر ومحمد حيدر. وقد بقي أعضاء الجناح «الخاسر» في السجن فترات طويلة، حيث مات بعضهم فيه كصلاح جديد، ومنهم من توفي مباشرة بعد خروجه كنور الدين الاتاسي. أما من أفلت من رفاق شديد، فقد اقام قسم منهم في الجزائر وشكلوا «حزب البعث العربي الاشتراكي الديمقراطي»، الذي ما يزال يصدر نشرة دورية. وبعد تسلم الحزب السلطة مجدداً في العراق، تنشأ «وجهات نظر» حول علاقة الحزب خارج العراق بالسلطة في داخله وحول تسلم السلطة بانقلاب عسكري، فيصبح ميشال عفلق مقيماً في بيروت، يدعو لاستقلالية الحزب القومي عن السلطة في العراق، وهو عكس ما كانت تطالب به القيادة العراقية. ويحسم الأمر بذهاب عفلق إلى العراق بعد 7 سنوات على تسلم البعثيين السلطة، بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان. وفي حزب البعث «العراقي» حصلت مشاكل، وخرجت عدة مجموعات بينها قيادة الحزب في لبنان، التي كانت تضم معن بشور والوزير والنائب السابق بشارة مرهج وحبيب بركات وحبيب زغيب وحسين عثمان واحمد الصوفي، وأنشأت ما يسمى «تجمع اللجان والروابط الشعبية».
وخلال عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، لم يشهد البعث سوى انشقاق واحد، قام به شقيقه رفعت الأسد، الذي كان نائبا للرئيس حينها، إذ استغل مرض الرئيس عام 1983 ودخوله في غيبوبة (كما قيل حينها)، ليحاول بالاتفاق مع عدد من الضباط الكبار، الاستيلاء على السلطة، لكن الأسد الأب استطاع تطويق هذا التحرك، عبر الضغط على هؤلاء الضباط لشق «سرايا الدفاع»، التي كان يقودها شقيقه وأعطاه وبعض ضباطه «اجازة» الى موسكو، عاد بعدها رفعت ليجد الأمور وقد خرجت عن سيطرته، فيغادر لاحقا الى المنفى، حيث لا يزال يحاول إيجاد تشكيل معارض فعال. وخرج قبيل رحيل الأسد الأب وبعده عدد من القياديين والضباط من الحزب، لكنهم بقوا فيه اسميا للافساح امام القيادة الجديدة للامساك بزمام الأمور.