السياسة والاسلام
مرسل: السبت مايو 05, 2012 8:54 pm
سياسة معاملة الأقرباء
لم يكن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كحكّام الدنيا يجعلون الأولوية في الرغبات لأقربائهم، فإذا فضل منها شيء جعلوها في سائر الناس.
بل كان عليه السلام ـ فيما يتعلّق بعامّة المسلمين ـ لا يفرّق أقرباءه عن غيرهم، وإنما كان ليساوي بينهم وبين غيرهم في مختلف المجالات.
وهذه هي السياسة الإسلامية الرشيدة التي طبّقها أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه وعلى أقربائه قبل أن يطبّقها على سائر الناس، ويطالبهم بالعمل عليها.
فمن أراد سياسة الإسلام فليتعلم من علي بن أبي طالب تلميذ رسول الله صلی الله عليه و آله وربيب القرآن، وحجّة الله على الخلق أجمعين.
وفيما يلي نذكر نماذج من كيفية معاملته مع أقربائه في الأمور العامّة.
مع أخيه عقيل
روى الشيخان الجليلان الكليني رحمه الله في كتاب (الكافي)، والمفيد رحمه الله في (الاختصاص) بأسانيدهما الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
«لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إني والله لا أرزؤكم من فيئكم درهماً ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم.
قال: فقام إليه عقيل فقال له:
والله.. لتجعلني وأسود بالمدينة سواء!!
فقال عليه السلام : اجلس، أما كان هاهنا أحد يتكلّم غيرك؟ وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى»(1).
ليس لأخ أمير المؤمنين، أخ سيّد الأوصياء، أخ الرئيس الأعلى للمسلمين فضل على غيره في العطاء والمال.
إنما الفضل عند الله بسابقة في الإسلام، وبتقوى من الله.
ومع عقيل أيضاً
نقل ابن شهر آشوب في (المناقب) عن (جمل أنساب الأشراف) قال:
«قدم عقيل على علي عليه السلام فقال للحسن عليه السلام : اكس عمّك، فكساه قميصاً من قميصه، ورداءً من أرديته.
فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح.
فقال عقيل: ليس إلا ما أرى؟
فقال عليه السلام : أوليس هذا من نعمة الله فله الحمد كثيراً؟
فقال عقيل: أعطني ما أقضي به ديني، وعجل سراحي حتى أرحل عنك.
قال عليه السلام : فكم دَينك يا أبا يزيد؟
قال: مائة ألف درهم.
قال عليه السلام : والله، ما هي عندي ولا أملكها، ولكن أصبر حتى يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا أنّه لابد للعيال من شيء لأعطيتك كله.
فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلى عطائك؟ وكم عطاؤك، وما عسى يكون، ولو أعطيتنيه كله؟
فقال عليه السلام : ما أنا وأنت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين.
ـ وكانا يتكلمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق ـ
فقال لـه علي عليه السلام : إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه!
فقال: وما في هذه الصناديق؟ قال: فيها أموال التجّار.
قال: أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم وقد توكّلوا على الله وأقفلوا عليها.
ثم قال لـه علي عليه السلام في صيغة استثارة إيمانه وخلقه: وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعاً إلى الحيرة، فإنّ بها تجاراً مياسير، فدخلنا على بعضهم وأخذنا ماله.
فقال عقيل: أو سارق جئت؟!
قال: تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً»(2).
هذه هي خلاصّة السياسة الإسلامية مع الأقرباء في منطق أمير المؤمنين عليه السلام .
إنّه عليه السلام يعتبر إعطاء شيء زائد لأخي خليفة الله في الأرض سرقة من المسلمين جميعاً.
وكذلك مع أخيه عقيل
وجاء في الخطبة (224) من (نهج البلاغة) ما يلي:
«والله، لقد رأيت عقيلاً وقد أملق(3) حتى استماحني من بركم صاعا(4) ورأيت صبيانه شعث الشعور(5)، غبر الألوان(6) من فقرهم، كأنما سوّدت وجوههم بالعظلم(7).
وعاودني مؤكّداً، وكرر عليّ القول مردداً.
فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده(8) مفارقاً طريقي.
فأحميت لـه حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها.
فضجّ ضجيج ذي دنف(9) من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها(10).
فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل(11)!
أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرّني إلى نار سجّرها جبارها لغضبه؟
أتئن من الأذى، ولا أئن من لظى(12)؟(13)»
في هذه الجمل غرائب.. وغرائب يذكرها الإمام علي عليه السلام فيما لو أردنا أن نقيسها بما يمارسه الحكّام، والقضاة، والموظّفون..
وللملاحظة نذكر ما يلي:
«استماحني من بركم» فالطعام للأمّة، وليس لأمير المؤمنين، وإن كان رئيساً أعلى وإماماً من الله تعالى على الناس أجمعين.
«أبيعه ديني» في منطق أمير المؤمنين عليه السلام إعطاء صاع واحد أي: ثلاثة كيلوات من حنطة المسلمين إلى أخيه عقيل الفقير.. الذي إغبرَّ لون أولاده من الجوع، هذا بيع الدين..
«فأحميت لـه حديدة» عقيل كان آنذاك مكفوفاً لا يبصر، فأحمى لـه الإمام حديدة، وقرب الحديدة من جسمه، ولم يلصقها به، فقط لكي يتصور عقيل أنّ الحرارة مصير المخالف للحق، فيعذر أخاه أمير المؤمنين عليه السلام في منعه صاعاً من البر زيادة على عطائه وحقه.
«ثكلتك الثواكل» إنّ هذا الأمر البسيط عند كثير من الناس عظيم عند علي بن أبي طالب عليه السلام حتى ليستحق أن يقول لأخيه في مثل ذلك: «ثكلتك الثواكل».
ذلك: لأنّ الحق عظيم، وان كان صغيراً وقليلا.
«ولا أئن من لظى» في فلسفة أمير المؤمنين عليه السلام يعتبر خيانة صاع واحد من أموال المسلمين مستوجباً لنار جهنم..
فليفتح الرؤساء، والحكّام، والوزراء، والموظفون أبصارهم، لكي يحسنوا معرفة موقفهم، ومسؤوليتهم..
ومع أخته
نقل الشيخ الجليل المفيد رحمه الله في (الإختصاص) حديثاً مطولاً جاء فيه: ثم ترك ـ يعني أمير المؤمنين عليه السلام ـ التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الإسلام.
دخلت عليه أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهماً.
فسألت أم هاني مولاتها العجمية فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنين؟
فقالت: عشرين درهماً.
فانصرفت مسخطة.
فقال لها علي عليه السلام : انصرفي ـ رحمك الله ـ ما وجدنا في كتاب الله فضلاً لإسماعيل على إسحاق(14).
أخت أمير المؤمنين، بنت أبي طالب، بنت عم النبي صلی الله عليه و آله هاشمية قرشية عربية أصيلة يجب أن لا تفضّل في العطاء على مولاة أعجمية.
هذه سياسة الإسلام العادلة التي مثّلها أمير المؤمنين عليه السلام لكي يكون الميزان الصحيح عبر كل الأجيال والعصور، يوزن به القادة في كل زمان ومكان.
ومع ابنته
روى المؤرّخون: «أنّه بعث إلى أمير المؤمنين عليه السلام من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمته، فقالت لـه ابنته أم كلثوم: يا أمير المؤمنين أتجمّل به ويكون في عنقي؟
فقال علي عليه السلام لخازن بيت المال أبي رافع: يا أبا رافع أدخله إلى بيت المال.
ثم قال لابنته: ليس إلى ذلك سبيل حتى لا تبقى امرأة من المسلمين إلا ولها مثل مالك»(15).
بنت أمير المؤمنين عليه السلام ينبغي لها أن لا تلبس ما لا تلبسه جميع النساء المسلمات. وهل لهذه النادرة نظير في قاموس السياسة والسياسيين؟
وهل نساء القادة يكون مستوى معيشتهن وملابسهن كأضعف نساء الشعوب؟
تلك هي سياسة الإسلام التي ندعو العالم إليها، لينعم الجميع في ظل الكرامة الإنسانية التي جعلها الله للإنسان، وخلق الإنسان لها.
ومع زوجته
ونقل في (المناقب) عن أم عثمان ـ أم ولد أمير المؤمنين عليه السلام ـ .
قالت: «جئت علياً عليه السلام وبين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة، فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة.
فقال عليه السلام : هاك ذا، ونفذ بيده إليّ درهماً.
ثم قال عليه السلام : فإنما هذا للمسلمين أوّلاً، فاصبري حتى يأتينا حظّنا منه فنهب لابنتك قلادة»(16).
ومع صهره
عبد الله بن جعفر الطيار، ابن أخيه، وصهره على ابنته عقيلة الهاشميين زينب الكبرى عليها السلام . وكان رجلاً صالحاً مؤمناً من سادات بني هاشم، كريماً يطعم الناس، وله سفرة مفتوحة صيفاً وشتاءً، وليلاً ونهاراً.
ضاقت عليه الدنيا ذات مرّة، فجاء إلى عمّه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يا أمير المؤمنين، لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فوالله، مالي نفقة إلا أن أبيع دابّتي؟! فقال عليه السلام لـه: لا والله، ما أجد لك شيئاً إلا أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك(17).
هذه هي سيرة أمير المؤمنين عليه السلام مع أقربائه!
تطبيق دقيق لسياسة الإسلام في كل المستويات.
لم يكن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كحكّام الدنيا يجعلون الأولوية في الرغبات لأقربائهم، فإذا فضل منها شيء جعلوها في سائر الناس.
بل كان عليه السلام ـ فيما يتعلّق بعامّة المسلمين ـ لا يفرّق أقرباءه عن غيرهم، وإنما كان ليساوي بينهم وبين غيرهم في مختلف المجالات.
وهذه هي السياسة الإسلامية الرشيدة التي طبّقها أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه وعلى أقربائه قبل أن يطبّقها على سائر الناس، ويطالبهم بالعمل عليها.
فمن أراد سياسة الإسلام فليتعلم من علي بن أبي طالب تلميذ رسول الله صلی الله عليه و آله وربيب القرآن، وحجّة الله على الخلق أجمعين.
وفيما يلي نذكر نماذج من كيفية معاملته مع أقربائه في الأمور العامّة.
مع أخيه عقيل
روى الشيخان الجليلان الكليني رحمه الله في كتاب (الكافي)، والمفيد رحمه الله في (الاختصاص) بأسانيدهما الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
«لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إني والله لا أرزؤكم من فيئكم درهماً ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم.
قال: فقام إليه عقيل فقال له:
والله.. لتجعلني وأسود بالمدينة سواء!!
فقال عليه السلام : اجلس، أما كان هاهنا أحد يتكلّم غيرك؟ وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى»(1).
ليس لأخ أمير المؤمنين، أخ سيّد الأوصياء، أخ الرئيس الأعلى للمسلمين فضل على غيره في العطاء والمال.
إنما الفضل عند الله بسابقة في الإسلام، وبتقوى من الله.
ومع عقيل أيضاً
نقل ابن شهر آشوب في (المناقب) عن (جمل أنساب الأشراف) قال:
«قدم عقيل على علي عليه السلام فقال للحسن عليه السلام : اكس عمّك، فكساه قميصاً من قميصه، ورداءً من أرديته.
فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح.
فقال عقيل: ليس إلا ما أرى؟
فقال عليه السلام : أوليس هذا من نعمة الله فله الحمد كثيراً؟
فقال عقيل: أعطني ما أقضي به ديني، وعجل سراحي حتى أرحل عنك.
قال عليه السلام : فكم دَينك يا أبا يزيد؟
قال: مائة ألف درهم.
قال عليه السلام : والله، ما هي عندي ولا أملكها، ولكن أصبر حتى يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا أنّه لابد للعيال من شيء لأعطيتك كله.
فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلى عطائك؟ وكم عطاؤك، وما عسى يكون، ولو أعطيتنيه كله؟
فقال عليه السلام : ما أنا وأنت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين.
ـ وكانا يتكلمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق ـ
فقال لـه علي عليه السلام : إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه!
فقال: وما في هذه الصناديق؟ قال: فيها أموال التجّار.
قال: أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم وقد توكّلوا على الله وأقفلوا عليها.
ثم قال لـه علي عليه السلام في صيغة استثارة إيمانه وخلقه: وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعاً إلى الحيرة، فإنّ بها تجاراً مياسير، فدخلنا على بعضهم وأخذنا ماله.
فقال عقيل: أو سارق جئت؟!
قال: تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً»(2).
هذه هي خلاصّة السياسة الإسلامية مع الأقرباء في منطق أمير المؤمنين عليه السلام .
إنّه عليه السلام يعتبر إعطاء شيء زائد لأخي خليفة الله في الأرض سرقة من المسلمين جميعاً.
وكذلك مع أخيه عقيل
وجاء في الخطبة (224) من (نهج البلاغة) ما يلي:
«والله، لقد رأيت عقيلاً وقد أملق(3) حتى استماحني من بركم صاعا(4) ورأيت صبيانه شعث الشعور(5)، غبر الألوان(6) من فقرهم، كأنما سوّدت وجوههم بالعظلم(7).
وعاودني مؤكّداً، وكرر عليّ القول مردداً.
فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده(8) مفارقاً طريقي.
فأحميت لـه حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها.
فضجّ ضجيج ذي دنف(9) من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها(10).
فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل(11)!
أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرّني إلى نار سجّرها جبارها لغضبه؟
أتئن من الأذى، ولا أئن من لظى(12)؟(13)»
في هذه الجمل غرائب.. وغرائب يذكرها الإمام علي عليه السلام فيما لو أردنا أن نقيسها بما يمارسه الحكّام، والقضاة، والموظّفون..
وللملاحظة نذكر ما يلي:
«استماحني من بركم» فالطعام للأمّة، وليس لأمير المؤمنين، وإن كان رئيساً أعلى وإماماً من الله تعالى على الناس أجمعين.
«أبيعه ديني» في منطق أمير المؤمنين عليه السلام إعطاء صاع واحد أي: ثلاثة كيلوات من حنطة المسلمين إلى أخيه عقيل الفقير.. الذي إغبرَّ لون أولاده من الجوع، هذا بيع الدين..
«فأحميت لـه حديدة» عقيل كان آنذاك مكفوفاً لا يبصر، فأحمى لـه الإمام حديدة، وقرب الحديدة من جسمه، ولم يلصقها به، فقط لكي يتصور عقيل أنّ الحرارة مصير المخالف للحق، فيعذر أخاه أمير المؤمنين عليه السلام في منعه صاعاً من البر زيادة على عطائه وحقه.
«ثكلتك الثواكل» إنّ هذا الأمر البسيط عند كثير من الناس عظيم عند علي بن أبي طالب عليه السلام حتى ليستحق أن يقول لأخيه في مثل ذلك: «ثكلتك الثواكل».
ذلك: لأنّ الحق عظيم، وان كان صغيراً وقليلا.
«ولا أئن من لظى» في فلسفة أمير المؤمنين عليه السلام يعتبر خيانة صاع واحد من أموال المسلمين مستوجباً لنار جهنم..
فليفتح الرؤساء، والحكّام، والوزراء، والموظفون أبصارهم، لكي يحسنوا معرفة موقفهم، ومسؤوليتهم..
ومع أخته
نقل الشيخ الجليل المفيد رحمه الله في (الإختصاص) حديثاً مطولاً جاء فيه: ثم ترك ـ يعني أمير المؤمنين عليه السلام ـ التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الإسلام.
دخلت عليه أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهماً.
فسألت أم هاني مولاتها العجمية فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنين؟
فقالت: عشرين درهماً.
فانصرفت مسخطة.
فقال لها علي عليه السلام : انصرفي ـ رحمك الله ـ ما وجدنا في كتاب الله فضلاً لإسماعيل على إسحاق(14).
أخت أمير المؤمنين، بنت أبي طالب، بنت عم النبي صلی الله عليه و آله هاشمية قرشية عربية أصيلة يجب أن لا تفضّل في العطاء على مولاة أعجمية.
هذه سياسة الإسلام العادلة التي مثّلها أمير المؤمنين عليه السلام لكي يكون الميزان الصحيح عبر كل الأجيال والعصور، يوزن به القادة في كل زمان ومكان.
ومع ابنته
روى المؤرّخون: «أنّه بعث إلى أمير المؤمنين عليه السلام من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمته، فقالت لـه ابنته أم كلثوم: يا أمير المؤمنين أتجمّل به ويكون في عنقي؟
فقال علي عليه السلام لخازن بيت المال أبي رافع: يا أبا رافع أدخله إلى بيت المال.
ثم قال لابنته: ليس إلى ذلك سبيل حتى لا تبقى امرأة من المسلمين إلا ولها مثل مالك»(15).
بنت أمير المؤمنين عليه السلام ينبغي لها أن لا تلبس ما لا تلبسه جميع النساء المسلمات. وهل لهذه النادرة نظير في قاموس السياسة والسياسيين؟
وهل نساء القادة يكون مستوى معيشتهن وملابسهن كأضعف نساء الشعوب؟
تلك هي سياسة الإسلام التي ندعو العالم إليها، لينعم الجميع في ظل الكرامة الإنسانية التي جعلها الله للإنسان، وخلق الإنسان لها.
ومع زوجته
ونقل في (المناقب) عن أم عثمان ـ أم ولد أمير المؤمنين عليه السلام ـ .
قالت: «جئت علياً عليه السلام وبين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة، فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة.
فقال عليه السلام : هاك ذا، ونفذ بيده إليّ درهماً.
ثم قال عليه السلام : فإنما هذا للمسلمين أوّلاً، فاصبري حتى يأتينا حظّنا منه فنهب لابنتك قلادة»(16).
ومع صهره
عبد الله بن جعفر الطيار، ابن أخيه، وصهره على ابنته عقيلة الهاشميين زينب الكبرى عليها السلام . وكان رجلاً صالحاً مؤمناً من سادات بني هاشم، كريماً يطعم الناس، وله سفرة مفتوحة صيفاً وشتاءً، وليلاً ونهاراً.
ضاقت عليه الدنيا ذات مرّة، فجاء إلى عمّه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يا أمير المؤمنين، لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فوالله، مالي نفقة إلا أن أبيع دابّتي؟! فقال عليه السلام لـه: لا والله، ما أجد لك شيئاً إلا أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك(17).
هذه هي سيرة أمير المؤمنين عليه السلام مع أقربائه!
تطبيق دقيق لسياسة الإسلام في كل المستويات.