صفحة 1 من 1

المنهج المعياري

مرسل: السبت مايو 05, 2012 11:04 pm
بواسطة عايد العنزي 0 5
المنهج المعياري بخلاف المنهج الوصفي , قائمٌ على فرض القاعدة أي يبدأ بالكلّيات وينتهي بالجزئيات , والمنهج المعياري يعتمد القاعدة أساساً وينْأى عن الوصف , ويتأوّل لما خرج عن القواعد التي يصوغُها بإحكام شتى التأويلات أو يحكم عليها بالشذوذ والقلّة إنْ لمْ يجد فيها تأويلاً مناسباً ولو كان بعيداً أو مستغرباً وعُرفت المعيارية في الدراسات اللغوية الأوروبية واستخدم لها عبارة اللغة المعيارية , أو عبارة المعياري حينما تُوصف اللغة أو النّحو أو القواعد عامة .
وتكون اللغة المعيارية في أوّل أمرها لهجةً ً من لهجات لغة ٍ ما ثمّ ترقى إلى مستوى التقليد والمحاكاة وتتخذ ُ لها صفة رسمية لذلك قيلَ في تعريفها وبيان أسباب نشأتها : أنّ اللغة المعيارية هي ذلك المستوى الكلامي الذي له صفة ٌ رسميّة والذي يستعمله المتعلّمون تعليماً راقياً .
وغالباً ما تكون اللغة المعيارية في أوّل الأمر لهجةً محلّية , تنالُ شيئاً من التمجيد أو التقدير ويُعترفُ بها كلغةٍ رسمية ٍ لسببٍ من الأسباب .
فالمعيارية بهذا المفهوم هي اللهجة المفضّلة التي تُتّخذ مقياساً للبلاغة والفصاحة كتفضيل لهجة قريش في الدراسات العربية التقليدية على سائر اللهجات العربية الأخرى لأسبابٍ دينية وسياسية . ثمّ تكون هذه اللهجة نواةً للمنهج المعياري , وتتخذ ُ قواعدها معياراً للصحة والخطأ كما هو واضح ٌ في تاريخ العربية . ولذلك فقد نشأ النحو العربي نشأةً وصفيّة باعتماد الاستقراء ولكنّه جنح صوْب المعيارية بعد أن وضعوا القواعد والأصول وتوقّفوا عن استقراء المادة اللغوية المستجدّة فبرزت اللغة الرسمية ممثّلةً بهذا واعتبرت مقاييسه وقواعده فيْصلاً في الصحـة والخطــأ .
ولمّا كان الهدف منصبّاً في الغالب على تعليم الناشئة وغيرهم من المثقفين والمتخصّصين رأيناهم يتّجهون بالنحو وِجهة تعليميّة , والتعليميّة أداةٌ معيارية , إذ بواسطتها يُمكن المحافظة على المستوى الصوابي لمعيارية اللغة . ثمّ تسرّب هذا المنهج شيئاً فشيئاً إلى الدرس اللغوي على مستوى التخصص البحت .
إنّ العناية التي نشأ النحو العربيّ من أجلها وهي ضبط اللغة وإيجاد الأداة التي تعصمُ اللاحنين من الخطأ فرضت على هذا النحو أن يتّسم في جملته بسمة النحو التعليميّ لا النحو العلميّ , أو بعبارةٍ أخرى أن يكونَ في عمومه نحواً معيارياً لاوصفيّاً .
ولم يكن الغرض التعليمي سبباً وحيداً في معيارية النحو العربي بل هناك أسبابٌ أخرى من أهمها تأثّر النحو العربي بالمنطق , والمنطق الذي نعنيه هو منطق " أرسطو " الذي قال كثيرٌ من الباحثين بتأثيره في بعض الاتجاهات في الدراسة العربية القديمة ومنها الدراسات اللغوية . وهذا المنطق يُعنى بالصورة أكثر من عنايته بالمادة . ودرس اللغة ينبغي أن يركّز على المادة لا على الصورة , وتأثير المنطق على النحو يُبعده عن درس الواقع اللغوي كما هو . وعناية المنطق الأرسطي بالصورة أو الشكل جاءت نتيجةً لاهتمامه بالطبيعة الثابتة أو (الأنواع) من حيث ماهياتها الأزليّة , ونرى أنّ تعريف الأشياء وفقاً لهذا المفهوم قد تأثّر به النحو العربي من حيث تعريف الكلّيات النحوية كأبواب الاسم والفعل والحرف والمبتدأ والخبر ..... وكانت المعيارية نتيجةً لمقدّمةٍ منطقيةٍ أرسطيّة هي النظرة إلى الطبيعة بما فيها من أنواع وأشياء نظرة ثابتة لا تتغيّر .
ومن آثار المنطق في الدرس اللغوي عند العرب هو القول بالقياس والبرهان والعلل . وقد شُغل النّحاة ولاسيّما في القرن الرابع الهجري وما تلاه بهذه المبادئ واعتبروها أصولاً للنحو . حتى أنّ الزجاجي ردّ على الذين اتبعوا سيبويه في تقسيم الكلام إلى اسم وفعل وحرف تقليداً من برهان ولا حجّة .
ومن القضايا التي قد يُحسب أنّ لها علاقة بالصواب المطلق قضيتان مرتبطتان بالمنهج الوصفي أُثير حولهما الجدل والنقاش ووجّه بهما القدح والنقد إلى هذا المنهج وهما : المستوى الصّوابي والصّوغ القياسي .
أمّا المستوى الصّوابي فيفترض من حيث الشكل معياراً لغوياً للصواب المطلق في اللغة ولكنّه في حقيقته غير ذلك فهو ينظرُ إلى الصّواب باعتباره مقياساً يفرضه المجتمع اللغوي الواحد فهو معيارٌ لغويٌ يرضى عن الصّواب ويرفضُ الخطأ في استعمال الصّواب والخطأ اللغويين لايمكن للمستوى الصّوابي أن يحدّدهما باعتباره فكرة يستعين بها الباحث على ذلك . وإنّما هو مقياسٌ اجتماعي يفرضه المجتمع اللغوي على الأفراد ويرجع الأفراد إليه عند الاحتكام في الاستعمال .
أمّا ظاهرة الصّوغ القياسي فهي مقدرة خاصة اكتسابية يكتسبها الفرد في طُفولته ولها علاقة وطيدة بالمجتمع اللغوي الذي يعيش فيه , ووفقاً لها تحصل لديه ملَكة قياس صيغ لم يسمعها على صيغ ٍ قد سمعها , ومن مظاهر المنهج المعياري في الدرس اللغوي القديم :
- الأخذ من بعض القبائل واللهجات وترك قبائل ولهجاتٍ أخرى .