صفحة 1 من 1

العولمة والعلاقات الدولية الراهنة

مرسل: الأحد مايو 06, 2012 2:25 am
بواسطة محمد الصياحي 5
منذ عام 1990، تم إسدال الستار على المشهد الأخير من العلاقات الدولية المحكومة بالثنائية القطبية، حيث تم الإعلان عن نهاية الحرب الباردة، وولادة المشهد العالمي "الجديد" المحكوم بالرؤى والممارسات الأحادية للنظام الرأسمالي في طوره الأمريكي المعولم.
وبولادة هذا المشهد، تكرس انجاز ميزان القوى العالمي لصالح المشروع الامريكي في الهيمنة على هذا الكوكب واخضاعه –بصورة مباشرة او غير مباشرة- للسياسات والمصالح الامريكية، حيث تحولت معظم حكومات وأنظمة هذا العالم الى أدوات خاضعة او شريكة من الدرجة الثانية للنظام الامبريالي الأمريكي في هذه المرحلة التي قد تمتد إلى عقدين او اكثر من هذا القرن الحادي والعشرين، خاصة وانه لا يزال أمام الهيمنة الأمريكية ايام عمر مشرقة –كما يقول سمير امين- حيث ان "الكتل" الإقليمية القادرة على تهديدها ليست على جدول الأعمال، ذلك ان العولمة الليبرالية السائدة حالياً ليست "عولمة اقتصادية" بحتة مستقلة عن إشكالية الهيمنة او منطق التوحش الامبريالي التوسعي وادواته الذي تمارسه المؤسسات والأجهزة الأمريكية الحاكمة التي تعلم ان الخطاب السائد الذي يزعم أن الأسواق تضبط من تلقاء نفسها، وأن سيادتها المطلقة دون قيود تنتج تلقائياً الديمقراطية والسلام، إنما هو –كما يقول سمير امين بحق- خطاب أيدلوجي مبتذل لا أساس علمياً له، وبالتالي فان ما يجب ان يستنتج من هذا الاعتراف انما هو ان الولايات المتحدة سوف توظف قوتها العسكرية الاستثنائية من اجل إخضاع الجميع لمقتضيات ديمومة مشروعها للسيادة العالمية، بمعنى آخر لن تكون هناك "عولمة" دون إمبراطورية عسكرية أمريكية، تقوم على المبادئ الرئيسية التالية وفق د. سمير امين:
1- إحلال الناتو محل الأمم المتحدة من اجل إدارة السياسة العالمية.
2- تكريس التناقضات داخل أوروبا من اجل إخضاعها لمشروع واشنطن.
3- تكريس المنهج العسكري او عولمة السلاح كأداة رئيسية للسيطرة.
4- توظيف قضايا "الديمقراطية" و "حقوق الشعوب" لصالح الخطة الأمريكية عبر الخطاب الموجه للرأي العام من ناحية وبما يساهم في تخفيض بشاعة الممارسات الأمريكية من ناحية ثانية.
أخيراً، ان الدعوة الى مقاومة العولمة الأمريكية ومواقفها العدائية، مع حليفها الصهيوني في بلادنا، هي السبيل الوحيد لمجابهة هذه الهيمنة والتغلب على آثارها وأدواتها، عبر التأسيس النظري والعملي للخطوات الأولى على طريق الخروج من الأزمة الراهنة التي تتمثل في الحوار الجاد والمعمق لبلورة آليات إعادة بناء الحركة الماركسية العربية، في موازاة الحوار بين جميع أطراف اليسار العالمي لإعادة بناء الإطار الاممي الثوري الديمقراطي كعولمة نقيضة للنظام الرأسمالي الامبريالي كله.
وتأتي هذه الدراسة، كمحاولة لتشخيص الأوضاع الدولية الراهنة، عبر تناولها لخمسة محاور رئيسية هي:
1-القسم الأول/مسار وركائز العولمة الرأسمالية الراهنة.
2-القسم الثاني/آثار العولمة على البلدان النامية.
3-القسم الثالث/حركة التجارة الدولية في ظل العولمة وانعكاسها على الدول النامية.
4- القسم الرابع/العلاقات الأمريكية – الأوروبية والآسيوية.
5-القسم الخامس/الوضع الدولي –رؤية مستقبلية.
لم يكن انهيار الاتحاد السوفيتي – في العقد التاسع من القرن العشرين – حدثاً روسياً فقط ، بقدر ما كان بداية تحول نوعي في مسار التطور العام للبشرية ، عملت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على إنضاج وتفعيل تراكماته الداخلية والخارجية ، تمهيداً لدورها – الذي تمارسه اليوم – كقطب أحادي يتولى إدارة ما يسمى بالنظام العالمي " الجديد " .

وفي سياق هذا التحول المادي الهائل الذي انتشر تأثيره في كافة أرجاء كوكبنا الأرضي بعد أن تحررت الرأسمالية العالمية من كل قيود التوسع اللامحدود ، كان لابد من تطوير بل وإنتاج النظم المعرفية ، السياسية والاقتصادية الى جانب الفلسفات التي تبرر وتعزز هذا النظام العالمي الأحادي ، خاصة وأن المناخ العام المهزوم أو المنكسر في بلدان العالم الثالث أو الأطراف قد أصبح جاهزاً للاستقبال والامتثال للمعطيات الفكرية والمادية الجديدة، عبر أوضاع مأزومة لأنظمة – في العالم الثالث – فقدت وعيها الوطني أو كادت ، وقامت بتمهيد تربة بلادها للبذور التي استنبتها النظام العالمي " الجديد " تحت عناوين تحرير التجارة العالمية وإعادة الهيكلة ، والتكيف والخصخصة، باعتبارها أحد الركائز الضرورية اللازمة لتوليد وتفعيل آليات النظام العالمي " الجديد " أو ما يسمى بالعولمة Globalization التي بدأت تنتشر وتتغلغل في أرجاء كوكبنا منذ بداية ثمانينات القرن الماضي حتى بداية هذا القرن الحادي والعشرين، لدرجة أن أحداً لم يعد يماري- كما يقول جاد الكريم الجباعي- في واقع أن الرأسمالية جددت نفسها، ولا تزال على الأرجح قادرة على تجديد نفسها، ولا سيما على صعيد النمو المتسارع في قوى الإنتاج، ولكن ما يغفل عنه كثيرون أن كل تطور نوعي في النظام الرأسمالي العالمي يؤدي الى تغير مقابل في نسق العلاقات الدولية، يتمظهر في صيغة أزمة دولية كالتي نعيشها اليوم، وما ذلك إلا لسبب تعمق الطابع العالمي للقيمة، وتعمق الطابع العالمي لتقسيم العمل وتوزيع الثروة وعوامل الانتاج وصيرورة السوق العالمية المبتورة، كما يصفها سمير أمين، كحقائق واقعية، ومع ذلك لا تكف التناقضات الملازمة للنظام الراسمالي عن العمل والتاثير في بنيته وأدائه، وفي مقدمتها التناقض بين راس المال والعمل، ولا سيما في ظل الكشوف العلمية وثورة الثقافة، وتحول المعرفة الى قوة إنتاج أساسية، وما نمو البطالة والفقر واتساع دائرة المهمشين على الصعيد العالمي سوى بعض مظاهر هذا التناقض .
يؤكد على ذلك تقرير البنك الدولي لعام 2002 الذي كشف عن تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد العالمي، خاصة في البلدان النامية الذي من شأنه اعاقة عملية تخفيض أعداد الفقراء في تلك البلدان، ويضيف التقرير، أنه "على الرغم من استمرار ارتفاع اسعار النفط فقد هبط معدل النمو