صفحة 1 من 1

عصبة الأباطرة الثلاثة

مرسل: الأحد مايو 06, 2012 11:49 am
بواسطة عبدالرحمن الراشد 0
عصبة الأباطرة الثلاثة :
ظهرت هذه العصبة إلى حيز الوجود بمقتضى وثيقتين وقعتا خلال شهري مايو ويونيو عام 1873 : حيث جاءت الوثيقة الأولى كتعبير عن اتفاقية ألمانية روسية تم التوقيع عليها في 6 مايو سنة 1873 ، وقد جاء في هذه الوثيقة انه : إذا هاجمت أية دولة أوروبية أياً من الإمبراطوريتين ( ألمانيا وروسيا ) فإنه يتعين على الإمبراطورية الأخرى إمداد نظيرتها التي تتعرض للهجوم بجيش قوامه مائتي ألف رجل من القوات العاملة .

أما الوثيقة الثانية فقد أخرجت إلى حيز الوجود اتفاقية نمساوية روسية ، وتم التوقيع عليها في 6 يونيو 1873 من جانب إمبراطوري النمسا وروسيا ، ثم مـا لبث الإمبراطور الألماني أن انضم إليها في 22 أكتوبر 1873 ، فكانت بذلك عصبه الأباطرة الثلاثة ( ألمانيا – النمسا – روسيا ) .

وكان مؤدي هذه العصبة التعاون من أجل تثبيت الخريطة الراهنة – وقتذاك- لأوروبا ، والعمل على مناهضة الحركات الثورية في طـول القارة وعرضها على أساس أن فرنسا هي البؤرة التي تنبعث منها هذه الحركات ، حيث استطاع بسمارك أن يقنع العاهلين الأوتوقراطيين الروسي والنمساوي بذلك ، وبالتالي فقد كان مرمى العصبة هو عزل فرنسا والتكتل في مواجهتها .

وتأسيسا على ما تقدم راحت روسيا في أبريل 1877 تعلن الحرب على تركيا متذرعة بسعي الروس إلى إجبار السلطان العثماني على تحسين أوضاع الشعوب المسيحية في إمبراطوريته ، وسرعان ما حققت الجيوش الروسية انتصارات متتالية على الجيوش التركية ، إذ بحلول عام 1878 كان الروس قد عبروا البلقان وراحوا يزحفون نحو القسطنطينية ، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء البريطاني دزرائيلي إلى تهديد الروس بالتدخل المباشر في مواجهتهم ، وبالتالي فلم يكن أمام الروس من سبيل سوى الهدنة التي كان قد عرضها السلطان العثماني ، وعلى إثر ذلك – وفي 3 مارس 1878 – وقعت روسيا مع الباب العالي العثماني اتفاقية للصلح عرفت بمعاهدة سان ستيفانو ، وقد نصت هذه المعاهدة على عديد من أمور أظهرها :


أ‌- تضم روسيا ثلاث أقاليم من الجزء الآسيوي للإمبراطورية العثمانية فضلا عن إقليم من الجزء الأوروبي .

ب‌- توسيع نطاق دولتي الصرب والجبل الأسود .

ت‌- استقلال رومانيا .

ث‌- وضع نظام استقلال للبوسنة والهرسك في إطار الدولة العثمانية .

ج‌- إقامة دولة بلغارية كبرى مستقلة عظيمة المساحة على أن تدار شئونها تحت قوامة روسيا ، وتخضع لاحتلال روسي يمتد لعامين .

المحالفة الثنائية :
تمثل هذه المحالفة كذلك تعبيراً عن موقف بسمارك من فرنسا ، فكما سبق أن أشرنا كان المستشار الألماني يرى في فرنسا عدو بلاده العنيد الخطير ، الذي يأكل الغل قلبه ، والذي يجب عدم الركون إليه قط ، وينبغي إضعافه وإقصاؤه على الدوام من حظيرة آي تحالف أوروبي وبالتالي فقد كانت سياسة بسمارك ترمي إلى عزل فرنسا وحرمانها من أن يكون لها آي صديق في أوروبا .

وتأسيساً على ما تقدم وعلى اثر ترنح عصبة الأباطرة الثلاثة وتدهور العلاقات مع روسيا غداة مؤتمر برلين راح بسمارك يقنع الإمبراطور الألماني بضرورة عقد محالفة مع النمسا ، وقد تم التوقيع على هذه المحالفة في 17 أكتوبر 1879 ونص أهم بنودها على ما يلي :

أولاً : أن تبادر كل من الدولتين المتحالفتين ( النمسا وألمانيا ) إلى مساعدة الدولة الأخرى بكامل قواتها إذا ما هاجمتها روسيا .

ثانياً : في حالة مهاجمة فرنسا أو ايطاليا لإحدى الحليفتين فإن الحليفة الثانية تلتزم جانب الحياد الودي ، فإذا ما أيدت روسيا الدولة المهاجمة بادرت الدولة الحليفة الثانية المتعاقدة إلى مساعدة حليفتها بكامل قوتها .







بدأت المفاوضات بين الجانبين الألماني والروسي بغية احياء عصبة الأباطرة الثلاثة ، وقد أسفرت هذه المفاوضات عن توقيع المعاهدة الجديدة للأباطرة الثلاثة في 18 يونيو عام 1881 ، وقد تمثل أظهر ما جاء في هذه المعاهدة فيما يلي :

أ‌- في حالة دخول أحد أطراف المعاهدة السامية في حرب مع دولة رابعة يلتزم الطرفان الآخران الحياد الودي .

ب‌- تحترم الدول المتعاقدة الثلاث حقوق النمسا في مقاطعتي البوسنة والهرسك على النحو المنصوص عليه بمقتضى معاهدة برلين ( 1878 ) .

ت‌- تسلم الدول الثلاث بمبدأ إغلاق المضايق التركية ، مع ضرورة أن تحترم الدولة العثمانية هذا المبدأ أو تطبقه على كافة الدول دون استثناء ( إشارة إلى انجلترا ) ، وإلا فإن الأطراف الثلاثة يكونون في حالة حرب مع الدولة العثمانية .

المحالفة الثلاثية :

عمد بسمارك إلى ضم إيطاليا إلى المحالفة الثنائية ( ألمانيا والنمسا ) كي تصبح بذلك محالفة ثلاثية ، إنها المحالفة التي وقعت في 20 مايو 1882 والتي تمثل أظهر موادها فيما يلي :

أ‌- في حالة تعرض إيطاليا للهجوم من جانب فرنسا ( دون أن تكون إيطاليا هي السبب فيه ) فإن الطرفين الآخرين يلتزمان بتقديم يد العون والمساعدة بكل قواهما إلى إيطاليا ، وفي المقابل تتحمل إيطاليا نفس الالتزام في حالة حدوث هجوم فرنسي على ألمانيا لا تكون ألمانيا هي المتسبب فيه .

ب‌- إذا ما هددت دولة عظمى غير موقعة على المعاهدة الحالية سلامة أي من الدول السامية المتعاهدة بحيث وجدت هذه الأخيرة نفسها مدفوعة إلى شن الحرب فإن الطرفين الآخرين يلتزمان الحياد الودي مع احتفاظ كل منهما بالحق في المشاركة في الحرب إذا ما رأت ما يبرر ذلك .

وقد حاول بسمارك أن يجدد المحالفة الثلاثية التي كان من المقرر أن تنتهي في عام 1887 ، وقد نجح المستشار البروسي بعد عناء في إقناع كل من إيطاليا والنمسا بتجديد المحالفة ، في مقابل موافقته على مطالبهما التي تم إقرارها بمقتضى وثيقتين جديدتين أضيفتا إلى المحالفة الأصلية .


معاهدة الضمان ( 1887 ) :
لم يكن بسمارك يرغب في تدهور علاقاته مع روسيا إلى الحد الذي يدفع الأخيرة إلى محاربة ألمانيا ، كما كان بسمارك يخشى –غداة انهيار عصبة الأباطرة الثلاثة- من أن تتجه روسيا صوب فرنسا . ونظراً لذلك فقد وقع بسمارك مع روسيا في 18 مايو 1887 على معاهدة سرية عرفت بعاهدة الضمان ، وقد نصت على :
أ‌- إذا هوجمت إحدى الدولتين المتعاهدتين من قبل دولة ثالثة تلتزم الدولة الأخرى بالحياد الودي ، ولا يكون هذا النص نافذا في حالة هجوم إحدى الدولتين المتعاهدتين على النمسا أو فرنسا .

ب‌- اعتراف ألمانيا بالحقوق التاريخية لروسيا في البلقان ولا سيما في بلغاريا .

ت‌- تعهد الدولتين بالعمل من أجل الحفاظ على الوضع الراهن في البلقان .

ث‌- تتعهد الدولتان بفرض رغبتهما على الدولة العثمانية بضرورة إغلاق المضايق في وجه أعدائها .

وهكذا فقد نجح بسمارك في إحكام العزلة حول فرنسا خلال الفترة ( 1870- 1890 ) من خلال سلسلة من المحالفات استهدفت ذلك وبفضل هذه المحالفات كذلك أمكن للمستشار الألماني أن يدعم المكانة الدولية لألمانيا الفتية ، وأن يشيد حاجزا منيعا في وجه كل من تسول له نفسه النيل من الألمان ، ولا سيما أولئك الفرنسيين الذين كانوا يتربصون بهم الدوائر . غير انه مما تجدر الإشارة إليه أن شبكة المحالفات المنيعة التي نسجها بسمارك وحبكها وأدارها باقتدار لم يستمر نجاحها في عزل فرنسا إلا خلال العهد البسماركي ، فلم تكد تمضي على استقالة بسمارك ( إثر خلاف نشب عام 1890 مع الإمبراطور فيلهلم الثاني ) ثلاث سنوات حتى كانت فرنسا قد نجحت في الخروج من عزلتها .