- الأحد مايو 06, 2012 3:27 pm
#50481
ذكرت في الحلقة السابقة أنَّ أعداء الإسلام ينتهجون في حربهم للمسلمين طريقين متوازيين :التقتيل ، والتذويب.
وبما أنَّهم اعتمدوا حرب الأفكار تجاه الدين الإسلامي والمسلمين عموماً ، وفشلوا في تشويه الدين الإسلامي ، فإنَّهم يحاولون وبشتَّى الصور والأساليب إلى صرفنا عن قوَّتنا التي تكمن في ديننا ، ولا غرابة في أن يقول الأمريكي (ريسلر):"الأمَّة العربيَّة الآن حصان جامح كبا ، وعلينا إبقاؤه في كبوته".
هناك اصطلاحات تواضع عليها جمع من قادة البلاد الغربيَّة تجاه الأمَّة المسلمة منها(حرب الأفكار)، ومن أوائل من نادى بذلك في هذا العصر( زينو باران) وهي باحثة تعمل في موقع مركز نيكسون ، الصادر عنه تقرير بعنوان(القتال في حرب الأفكار) وممَّن اعتمد ذلك وبشدَّة (دونالد رامسفيلد)؛ فكثيراً ما كان يصرِّح بأهميَّة غزو العالم الإسلامي ثقافياً ، ومنهم كذلك (دنيس روس) المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ، فقد كان يدعو ـ ولا يزال ـ إلى علمنة الدعوة الإسلاميَّة، وجمع كبير من قادة الدول الغربيَّة.
وعليه فقد وجَّه الأمريكي الصهيوني توماس فريدمان نصيحة غالية للغرب حيث قال:(إذا أراد الغرب تجنّب حرب الجيوش مع الإسلام ، فإنَّ عليه خوض حرب المبادئ في داخل الإسلام)[1]
وفي عام(2007م) أصدرت مؤسَّسة (راند) الأمريكيَّة للأبحاث تقريراً بعنوان:(بناء شبكات مسلمة معتدلة) رصدت فيه صراع الغرب مع (العالم المسلم) وحركاته السياسيَّة، وأكَّدت فيه أنَّ هذا الصراع لن يحسم عسكرياً بل ثقافياً.
وفي هذه السلسلة سأذكر شيئاً من تلك الاستراتيجيَّة الغربيَّة والأمريكيَّة على وجه الخصوص ، لتذويب الشعوب الإسلاميَّة ؛ التي يسعون لتحقيقها في العصر الحاضر بغيةَ تغريب الأمَّة المسلمة ؛ لإفساد دينها وقيمها ومبادئها ؛ ففي أروقة المكر السياسي ، وما وراء الجدران وخلف الكواليس ، تنسج وتحاك تلك الخطط الغربيَّة ضد العالم الإسلامي أو ما يسمُّونها بمنطقة (الشرق الأوسط) ، على أيدي سماسرة الأفكار وصنَّاع القرار ، في المراكز المعروفة عندهم بخزانات التفكير ، المقصود بها مراكز الأبحاث.
ومن تلك الخطط والمقترحات التي نستطيع أن نستخلصها من كلامهم أو فعالهم، والتي اعتُمِدت تجاه العالم الإسلامي :
منح الحداثيين والليبراليين منابر إعلاميَّة بشكل واسع ، ومناصب شعبية للتواصل مع الجماهير، ودعمهم عن طريق المؤسسات المدنيَّة ـ كما يسمُّونها ـ ، ونشر وتوزيع أعمالهم ، وتشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب ، وإبرازهم كوجه للتيار المتنوِّر المنفتح على الآخر الذي لا يعارض الهيمنة الغربية والأمريكية على بلاد المسلمين ، وتجنيسهم الجنسيَّة الأمريكيَّة أو الغربيَّة عموماً ، مع الحماية لهم دبلوماسياً .
وقد جاء في الدراسة الصادرة عن مؤسَّسة (راند)[2] والمعنونة بـ العالم الإسلامي بعد 11/9) وقد نشرت في ديسمبر / كانون الأول عام 2004م ؛ ما يلي: " إنَّ الحرب من أجل الإسلام سوف تتطلَّب صنع جماعات ليبراليَّة بهدف إنقاذ الإسلام من خاطفيه".
ويلحظ مدى التوافق في لفظ كلمة (الخاطفين التي تُطْلَقُ على الإسلاميين) حيث إنَّه من العجيب أن نرى تصريحاً لأحد قادة الدول العربيَّة يتحدَّث فيه أنَّ من المهم إنقاذ الإسلام من خاطفيه الإسلاميين ، وأنَّ دولته تلك مختطفة من قِبَلِ التيَّارات المتأسلمة ، وأنَّ هؤلاء أخطبوط يسيطر على المؤسَّسات وعلى التوجُّهات السياسيَّة.[3]
كما صدرت دراسة جديدة لهذه المؤسَّسة (راند)[4] (شهر ربيع الأول عام 1428هـ / 2007م) بعنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة) أوصت فيه وبشدَّة بدعم الليبراليين على حساب الإسلاميين ، ووضعت فيه معايير بـ(أن يكون هناك اختبار للاعتدال بالمفهوم الأمريكي يتم من خلاله تحديد من تعمل معهم الإدارة الأمريكيَّة وتدعمهم في مقابل من تحاربهم وتحاول تحجيم نجاحاتهم)[5].
ويشير التقرير إلى أهميَّة تقوية بناء مؤسسات المسلمين وشبكاتهم المعتدلة ، وأن يكون ذلك هدفاً واضحاً لسياسة الحكومة الأمريكية مع إيجاد قاعدة بيانات عالمية للشركاء، بالإضافة إلى خطة عمل محكمة تتضمن آلية للمراجعة والتصحيح لضمان تنفيذها وفق المسار المحدد لها.[6]
كما كتب عن أهميَّة دعم الليبراليين و تفعيل ذلك قبالة الإسلاميين ، عددٌ من المفكِّرين الغربيين ومنهم عالم السياسة المعروف بـ(وليم بيكر)؛ حيث كتب كتاباً عن الإسلاميين الليبراليين في عام2003م ، وكذلك فعل(لونارد بيندر).
وفي السياق ذاته فإنَّ تقرير راند(2007م) يؤكِّد على أهميَّة استعادة تفسيرات الإسلام من أيدي التيَّار الإسلامي ، وتصحيحها حتَّى تتماشى وتتناسب مع واقع العالم اليوم، والقوانين والتشريعات الدوليَّة في مجالات الديموقراطيَّة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة.[7]
* رؤى غربيَّة بعقول وأشكال عربيَّة :
سنجد بكل تأكيد أناساً من المنتسبين للإسلام الليبرالي ، أو (الليبراليُّون الجدد) يتلقون ويتلقَّفون الأوامر الأمريكيَّة ـ شعروا أو لم يشعروا ـ ويسعون لتطبيقها في بلادنا الإسلاميَّة ، وينشرون آراءهم عبر وسائل الإعلام المختلفة ؛ فهناك عدد من الكتَّاب لا يعارضون وجود الهيمنة العسكريَّة الأمريكيَّة في الدول الإسلاميَّة ، ومنهم أحد الكتَّاب الخليجيين ؛ حيث يقول في حوار معه في جريدة الحياة 9/5/2005م بأنَّ هيمنة الغرب العسكرية على العالم مقبولة ومطلوبة ؛ لأنَّها ـ من وجهة نظره ـ هيمنة لقوى متحضِّرة تتعامل مع الواقع بعقلانيَّة ومنطقيَّة !!
وكاتب آخر يقول في جريدة القبس 29/5/2004م الذين يقاتلون الولايات المتَّحدة في العراق يعرِّضون المصالح والأمن الكويتي للخطر)!
بل وصل الحال أن نشرت في بعض صحفنا وجرائدنا مقالة لأحد هؤلاء (الليبراليين)يقول فيها:(ولماذا نكره أمريكا وهي التي أطعمتنا من جوع وآمنتنا من خوف؟)!
إلى هذه الدرجة وصل حال بعض مثقَّفينا العرب الذين يرطنون بلغتنا العربيَّة ويلبسون ألبستنا ، إلى الحديث صراحة وعلانيَّة في وسائل الإعلام بهذا الكلام ، ومع هذا يُتَلقَّى كلامهم بدرجة الأريحيَّة والحريَّة من هذه الوسائل الإعلاميَّة (المستنيرة)!.
ومن خلال المتابعة نجد أنَّ هناك عدداً كبيراً لا أستطيع أن أحصيهم ، تحاول كثير من وسائل الإعلام ترويج أفكارهم في هذه الحقبة الزمنيَّة ، ومنهم( محمد شحرور) و(محمد أركون)و(أحمد صبحي منصور) و(أحمد البغدادي) و(جمال البنَّا) الذي له من الأقوال الضَّالة المخالفة لمنهج الشريعة الشيء الكثير، ومع هذا يسمونه(مفكِّراً إسلاميَّاً) وهو الذي دعا إلى تنحية السنَّة والاحتكام بما فيها إلى الصريح من القرآن ، ويرى أن تكون الصلوات الخمس صلاتين! ويرى أنَّ للعقل أن يكون حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّة ، كما يدعو إلى الفصل ما بين الدين والسلطة ، ويرى أنَّ الجهاد في سبيل الله أُلغِيَ؛ حيث يقول أمَّا جهاد اليوم بلفظه فهو جهاد بلا قتال، وأنَّ جهاد القتال أُلغي)[8].
و(جمال البنَّا) معروفة اتِّصالاته مع مركز ابن خلدون الذي يديره ويشرف عليه العلماني سعد الدين إبراهيم ، المشتهر والمعروف بصلته مع الجهات اليساريَّة الأمريكيَّة ، كما أنَّ (جمال البنا) ممَّن يُشهد لهم ويُعرفون بحضورهم للمؤتمرات الأمريكيَّة عميقة الصلة مع مؤسَّسة راند التي أقيمت بمصر .
وبهذا يتحقَّق للقادة الغربيين مخطَّطهم في تشويه الدين الإسلامي عبر هؤلاء الذين يقولون عن أنفسهم بأنَّهم:(إسلاميُّون ليبراليون) !
لقد قال(نيكولا ساركوزي) وزير الداخليَّة الفرنسي السابق:(الإسلام الذي تريده فرنسا هو إسلام فرنسي ، وليس إسلاماً في فرنسا)[9] ، فهم أظهروا هذا الكلام بأفواههم ، وما تخفي صدورهم أكبر، فقادة الغرب الآن وعلى رأسهم قادة أمريكا يريدون إسلاماً:(بلا أسنان) أو(إسلاماً على الطريقة الأمريكيَّة) أو(إسلاماً مدجَّناً) أو(إسلاما متأمركاً) أو(إسلاما مهجَّناً وديعاً) ـ سمِّه ما شئت ـ ليجعلوا الإسلام لا يتعارض مع النظم والقيم العلمانية ، وليتجرَّد من طابعه المقدَّس والمنزَّل من عند الله ؛ ممَّا يؤدي بأصحابه إلى عبور الطريق إلى قنطرة العلمانيَّة المحضة التي تقتصر في الحكم ومرجعيته على العقل الإنساني في معرفة حقائق الوجود والتفاعل معها وتصريف شؤون الحياة بالمرجعيَّة الكاملة إلى العقل.
ولك أن تستغرب ما يكتبه حفيد الشيخ حسن البنَّا ـ رحمه الله ـ وهو طارق رمضان في كتابه (مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام) الذي نشرته جامعة أكسفورد ، حتَّى إنَّ مجلة التايم عام 2000م جعلته كأحد أهم مئة مبدع في القرن القادم ، وقد نادى في كتابه هذا بضرورة اندماج المسلمين في الغرب(و إيجاد إسلام غربي توجهه الحقائق الثقافية للغرب ، وتقديم رؤية لهوية إسلامية جديدة كخطوة ضمن محاولات تعديل وإعادة تشكيل الثقافة الدينية للمسلمين)[10].
وبما أنَّهم اعتمدوا حرب الأفكار تجاه الدين الإسلامي والمسلمين عموماً ، وفشلوا في تشويه الدين الإسلامي ، فإنَّهم يحاولون وبشتَّى الصور والأساليب إلى صرفنا عن قوَّتنا التي تكمن في ديننا ، ولا غرابة في أن يقول الأمريكي (ريسلر):"الأمَّة العربيَّة الآن حصان جامح كبا ، وعلينا إبقاؤه في كبوته".
هناك اصطلاحات تواضع عليها جمع من قادة البلاد الغربيَّة تجاه الأمَّة المسلمة منها(حرب الأفكار)، ومن أوائل من نادى بذلك في هذا العصر( زينو باران) وهي باحثة تعمل في موقع مركز نيكسون ، الصادر عنه تقرير بعنوان(القتال في حرب الأفكار) وممَّن اعتمد ذلك وبشدَّة (دونالد رامسفيلد)؛ فكثيراً ما كان يصرِّح بأهميَّة غزو العالم الإسلامي ثقافياً ، ومنهم كذلك (دنيس روس) المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ، فقد كان يدعو ـ ولا يزال ـ إلى علمنة الدعوة الإسلاميَّة، وجمع كبير من قادة الدول الغربيَّة.
وعليه فقد وجَّه الأمريكي الصهيوني توماس فريدمان نصيحة غالية للغرب حيث قال:(إذا أراد الغرب تجنّب حرب الجيوش مع الإسلام ، فإنَّ عليه خوض حرب المبادئ في داخل الإسلام)[1]
وفي عام(2007م) أصدرت مؤسَّسة (راند) الأمريكيَّة للأبحاث تقريراً بعنوان:(بناء شبكات مسلمة معتدلة) رصدت فيه صراع الغرب مع (العالم المسلم) وحركاته السياسيَّة، وأكَّدت فيه أنَّ هذا الصراع لن يحسم عسكرياً بل ثقافياً.
وفي هذه السلسلة سأذكر شيئاً من تلك الاستراتيجيَّة الغربيَّة والأمريكيَّة على وجه الخصوص ، لتذويب الشعوب الإسلاميَّة ؛ التي يسعون لتحقيقها في العصر الحاضر بغيةَ تغريب الأمَّة المسلمة ؛ لإفساد دينها وقيمها ومبادئها ؛ ففي أروقة المكر السياسي ، وما وراء الجدران وخلف الكواليس ، تنسج وتحاك تلك الخطط الغربيَّة ضد العالم الإسلامي أو ما يسمُّونها بمنطقة (الشرق الأوسط) ، على أيدي سماسرة الأفكار وصنَّاع القرار ، في المراكز المعروفة عندهم بخزانات التفكير ، المقصود بها مراكز الأبحاث.
ومن تلك الخطط والمقترحات التي نستطيع أن نستخلصها من كلامهم أو فعالهم، والتي اعتُمِدت تجاه العالم الإسلامي :
منح الحداثيين والليبراليين منابر إعلاميَّة بشكل واسع ، ومناصب شعبية للتواصل مع الجماهير، ودعمهم عن طريق المؤسسات المدنيَّة ـ كما يسمُّونها ـ ، ونشر وتوزيع أعمالهم ، وتشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب ، وإبرازهم كوجه للتيار المتنوِّر المنفتح على الآخر الذي لا يعارض الهيمنة الغربية والأمريكية على بلاد المسلمين ، وتجنيسهم الجنسيَّة الأمريكيَّة أو الغربيَّة عموماً ، مع الحماية لهم دبلوماسياً .
وقد جاء في الدراسة الصادرة عن مؤسَّسة (راند)[2] والمعنونة بـ العالم الإسلامي بعد 11/9) وقد نشرت في ديسمبر / كانون الأول عام 2004م ؛ ما يلي: " إنَّ الحرب من أجل الإسلام سوف تتطلَّب صنع جماعات ليبراليَّة بهدف إنقاذ الإسلام من خاطفيه".
ويلحظ مدى التوافق في لفظ كلمة (الخاطفين التي تُطْلَقُ على الإسلاميين) حيث إنَّه من العجيب أن نرى تصريحاً لأحد قادة الدول العربيَّة يتحدَّث فيه أنَّ من المهم إنقاذ الإسلام من خاطفيه الإسلاميين ، وأنَّ دولته تلك مختطفة من قِبَلِ التيَّارات المتأسلمة ، وأنَّ هؤلاء أخطبوط يسيطر على المؤسَّسات وعلى التوجُّهات السياسيَّة.[3]
كما صدرت دراسة جديدة لهذه المؤسَّسة (راند)[4] (شهر ربيع الأول عام 1428هـ / 2007م) بعنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة) أوصت فيه وبشدَّة بدعم الليبراليين على حساب الإسلاميين ، ووضعت فيه معايير بـ(أن يكون هناك اختبار للاعتدال بالمفهوم الأمريكي يتم من خلاله تحديد من تعمل معهم الإدارة الأمريكيَّة وتدعمهم في مقابل من تحاربهم وتحاول تحجيم نجاحاتهم)[5].
ويشير التقرير إلى أهميَّة تقوية بناء مؤسسات المسلمين وشبكاتهم المعتدلة ، وأن يكون ذلك هدفاً واضحاً لسياسة الحكومة الأمريكية مع إيجاد قاعدة بيانات عالمية للشركاء، بالإضافة إلى خطة عمل محكمة تتضمن آلية للمراجعة والتصحيح لضمان تنفيذها وفق المسار المحدد لها.[6]
كما كتب عن أهميَّة دعم الليبراليين و تفعيل ذلك قبالة الإسلاميين ، عددٌ من المفكِّرين الغربيين ومنهم عالم السياسة المعروف بـ(وليم بيكر)؛ حيث كتب كتاباً عن الإسلاميين الليبراليين في عام2003م ، وكذلك فعل(لونارد بيندر).
وفي السياق ذاته فإنَّ تقرير راند(2007م) يؤكِّد على أهميَّة استعادة تفسيرات الإسلام من أيدي التيَّار الإسلامي ، وتصحيحها حتَّى تتماشى وتتناسب مع واقع العالم اليوم، والقوانين والتشريعات الدوليَّة في مجالات الديموقراطيَّة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة.[7]
* رؤى غربيَّة بعقول وأشكال عربيَّة :
سنجد بكل تأكيد أناساً من المنتسبين للإسلام الليبرالي ، أو (الليبراليُّون الجدد) يتلقون ويتلقَّفون الأوامر الأمريكيَّة ـ شعروا أو لم يشعروا ـ ويسعون لتطبيقها في بلادنا الإسلاميَّة ، وينشرون آراءهم عبر وسائل الإعلام المختلفة ؛ فهناك عدد من الكتَّاب لا يعارضون وجود الهيمنة العسكريَّة الأمريكيَّة في الدول الإسلاميَّة ، ومنهم أحد الكتَّاب الخليجيين ؛ حيث يقول في حوار معه في جريدة الحياة 9/5/2005م بأنَّ هيمنة الغرب العسكرية على العالم مقبولة ومطلوبة ؛ لأنَّها ـ من وجهة نظره ـ هيمنة لقوى متحضِّرة تتعامل مع الواقع بعقلانيَّة ومنطقيَّة !!
وكاتب آخر يقول في جريدة القبس 29/5/2004م الذين يقاتلون الولايات المتَّحدة في العراق يعرِّضون المصالح والأمن الكويتي للخطر)!
بل وصل الحال أن نشرت في بعض صحفنا وجرائدنا مقالة لأحد هؤلاء (الليبراليين)يقول فيها:(ولماذا نكره أمريكا وهي التي أطعمتنا من جوع وآمنتنا من خوف؟)!
إلى هذه الدرجة وصل حال بعض مثقَّفينا العرب الذين يرطنون بلغتنا العربيَّة ويلبسون ألبستنا ، إلى الحديث صراحة وعلانيَّة في وسائل الإعلام بهذا الكلام ، ومع هذا يُتَلقَّى كلامهم بدرجة الأريحيَّة والحريَّة من هذه الوسائل الإعلاميَّة (المستنيرة)!.
ومن خلال المتابعة نجد أنَّ هناك عدداً كبيراً لا أستطيع أن أحصيهم ، تحاول كثير من وسائل الإعلام ترويج أفكارهم في هذه الحقبة الزمنيَّة ، ومنهم( محمد شحرور) و(محمد أركون)و(أحمد صبحي منصور) و(أحمد البغدادي) و(جمال البنَّا) الذي له من الأقوال الضَّالة المخالفة لمنهج الشريعة الشيء الكثير، ومع هذا يسمونه(مفكِّراً إسلاميَّاً) وهو الذي دعا إلى تنحية السنَّة والاحتكام بما فيها إلى الصريح من القرآن ، ويرى أن تكون الصلوات الخمس صلاتين! ويرى أنَّ للعقل أن يكون حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّة ، كما يدعو إلى الفصل ما بين الدين والسلطة ، ويرى أنَّ الجهاد في سبيل الله أُلغِيَ؛ حيث يقول أمَّا جهاد اليوم بلفظه فهو جهاد بلا قتال، وأنَّ جهاد القتال أُلغي)[8].
و(جمال البنَّا) معروفة اتِّصالاته مع مركز ابن خلدون الذي يديره ويشرف عليه العلماني سعد الدين إبراهيم ، المشتهر والمعروف بصلته مع الجهات اليساريَّة الأمريكيَّة ، كما أنَّ (جمال البنا) ممَّن يُشهد لهم ويُعرفون بحضورهم للمؤتمرات الأمريكيَّة عميقة الصلة مع مؤسَّسة راند التي أقيمت بمصر .
وبهذا يتحقَّق للقادة الغربيين مخطَّطهم في تشويه الدين الإسلامي عبر هؤلاء الذين يقولون عن أنفسهم بأنَّهم:(إسلاميُّون ليبراليون) !
لقد قال(نيكولا ساركوزي) وزير الداخليَّة الفرنسي السابق:(الإسلام الذي تريده فرنسا هو إسلام فرنسي ، وليس إسلاماً في فرنسا)[9] ، فهم أظهروا هذا الكلام بأفواههم ، وما تخفي صدورهم أكبر، فقادة الغرب الآن وعلى رأسهم قادة أمريكا يريدون إسلاماً:(بلا أسنان) أو(إسلاماً على الطريقة الأمريكيَّة) أو(إسلاماً مدجَّناً) أو(إسلاما متأمركاً) أو(إسلاما مهجَّناً وديعاً) ـ سمِّه ما شئت ـ ليجعلوا الإسلام لا يتعارض مع النظم والقيم العلمانية ، وليتجرَّد من طابعه المقدَّس والمنزَّل من عند الله ؛ ممَّا يؤدي بأصحابه إلى عبور الطريق إلى قنطرة العلمانيَّة المحضة التي تقتصر في الحكم ومرجعيته على العقل الإنساني في معرفة حقائق الوجود والتفاعل معها وتصريف شؤون الحياة بالمرجعيَّة الكاملة إلى العقل.
ولك أن تستغرب ما يكتبه حفيد الشيخ حسن البنَّا ـ رحمه الله ـ وهو طارق رمضان في كتابه (مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام) الذي نشرته جامعة أكسفورد ، حتَّى إنَّ مجلة التايم عام 2000م جعلته كأحد أهم مئة مبدع في القرن القادم ، وقد نادى في كتابه هذا بضرورة اندماج المسلمين في الغرب(و إيجاد إسلام غربي توجهه الحقائق الثقافية للغرب ، وتقديم رؤية لهوية إسلامية جديدة كخطوة ضمن محاولات تعديل وإعادة تشكيل الثقافة الدينية للمسلمين)[10].