العالم الإسلامي والعالم الغربي
مرسل: الأحد مايو 06, 2012 3:34 pm
عتبرالأستاذ الأميركي الأكاديمي صموئيل هنتنغتون, الذي نظّر لمفهوم صراع الحضارات, أن في إمكان الولايات المتحدة تجنّب صراع محتمل بين الغرب والاسلام اذا ما ابتعدت الولايات المتحدة عن اسرائيل, كما يمكن للدول الاسلامية المساهمة في ذلك بتعزيز ديموقراطيتها, داعياً العرب إلى الاختيار بين نموذج تنظيم “القاعدة” او إمارة دبي التي تثبت أنه يمكن التقدم من دون فقدان القيم التقليدية. وجاء كلام هنتنغتون, أستاذ التاريخ في جامعة هارفرد, خلال ندوة عقدت في دبي. ومما قاله: “إذا تمكن اسامة بن لادن من جذب الناس الى قضيته, فان هذه الحرب ستصبح حقا صدام حضارات”.
وأضاف الى ذلك أنه ينبغي على الغرب العمل على أربعة محاور لتقليل احتمال نشوب معركة مع الإسلام. وأوضح أن على الولايات المتحدة اولاً التخلي عن فرضيتها على أن ثقافتها ثقافة عالمية وأن الآخرين يرغبون في ان يكونوا مثل الاميركيين. وعليها, ثانياً, وقد قامت بعمليات عسكرية في 16 دولة اجنبية خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي, الحدّ من العمليات العسكرية الخارجية إلا عندما تكون مصالحها الحيوية مستهدفة. وثالثاً إن “الولايات المتحدة في حاجة الى ان تباعد بينها وبين اسرائيل”, وان تشارك في الجهود التي تستهدف إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس التي يمكن اقتسامها مع الاسرائيليين, وعليها أن تدعم الجهود الخاصة بضمان إزالة المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكنه أقرّ ان ذلك سيكون مشروعاً بالغ الصعوبة. واعتبر أيضا أن هناك مسلمين في فلسطين والشيشان وكشمير تحكمهم حكومات غير اسلامية. وهذه كذلك حال الفلسطينيين في إسرائيل, وسيكون من المرغوب فيه كثيراً بالنسبة إلى هؤلاء المسلمين ممارسة حقهم في تقرير المصير”. وفي إمكان الغرب رابعاً أن يساعد في تنشيط التنمية الاقتصادية في الدول الاسلامية الفقيرة بطرق عدة, منها اتفاقيات للتجارة الحرة كالإتفاق بين الولايات المتحدة والاردن.
عن دور الدول الاسلامية, قال إنه يمكنها ان تساهم في ذلك من خلال تبنّي التحديث بديلاً من التشدد الاسلامي, وكذلك ان تدرك أن الحكومات القمعية وغير الديموقراطية غالبا ما تنتج معارضة متطرفة. و”هناك عنصران مؤثران هنا, أحدهما أن معظم الدول الاسلامية ليست دولاً ديموقراطية وتقمع المنشقين وحتى المعارضة المعتدلة, وهو ما يتسبب غالبا بتشدد حركات المعارضة”. والثاني ان الحكومات الاسلامية تنتهج سياستين بالنسبة إلى الغرب. فهي على المستوى الحكومي تتعاون معه, “وعلى المستوى المحلي تتسامح وتشجع الاتجاهات النقدية من خلال البيانات في المدارس والمعاهد الدينية, وتنشر العداء للغرب”.
وشدد أنه “لا بد من الاختيار بين القاعدة ودبي”, في اشارة الى إرهاب تنظيم “القاعدة” والدور الذي تضطلع به إمارة دبي كقاعدة للتكنولوجيا المتقدمة, وان “العالم العربي يمكن أن يتطور من دون فقدان قيمه التقليدية”. ومن المعلوم ان هنتنغتون هو الذى أدخل مصطلح “صراع الحضارات” في القاموس الأكاديمي أواسط التسعينات عندما استخدمه عنوانا لكتاب أكّد فيه أن الثقافة الغربية التي تعاني الانكماش تواجه تحديات من الصين الصاعدة ومن الصحوة الاسلامية(1).
نسوق كل هذا من أجل القول أنه آن الأوان للدول العربية وشعوبها للعمل على بلورة رؤية عصرية للغرب عوضاً عن الصور النمطية السائدة في العالم العربي, وكذلك العمل على تطوير صورة حضارية عن العرب والمسلمين في الغرب عوضاً ايضا, عن الصور النمطية السائدة الآن في الغرب. إن الحرب الأميركية اليوم على الإرهاب ليست هي الهدف, إذ انها حاجة نفسية للتوازن في اميركا بعد اهتزاز التوازن الداخلي للنظام الاميركي بعد 11 ايلول. فالحرب الحقيقية ليست فقط ضد الارهاب, ولكنها تشن من أجل إعادة المشروعية للنظام السياسي الأميركي الذى خسر من مشروعيته بعد الضربة العسكرية على البنتاغون. فالولايات المتحدة اليوم قادرة على الهيمنة على العالم, مع علمها بوجود معارضة من روسيا والصين واوروبا وغيرها, وهي اليوم تعيد تجربة حرب الخليج الثانية, لكن في آسيا الوسطى مجدداً.
من هنا فإن اميركا تسعى الى استغلال الاحداث من خلال إعادة احياء “المخافر الدولية” في العالم, وذلك بالطلب من كل الدول تلبية طلبات أمنية معينة بهدف السيطرة والهيمنة, ومن ثم اقامة ما يشبه مخافر دولية, كما هو الحال في الخليج. ان وضع آسيا مهم جداً في المستقبل, مع الاشارة الى أن ايران وطاجكستان وتركمانستان والصين وباكستان, كلها دول لها موقف معين من الولايات المتحدة وتخضع لصراع غير معلن على النفط وعلى إنتاج الذهب العالمي المتوقع انتاجه من هذه المناطق, التي هي ايضاً المصدر الأول لإنتاج الفضة في العالم.
المهم في كل هذا ان الولايات المتحدة ادركت اليوم انها لا تستطيع القيام بعملية ما الا اذا حظيت بموافقة اسلامية وعالمية, وهذا الغطاء الاسلامي لا يمكن ان يتحقق إلا بغطاء عربي, والغطاء العربي لا يمكن ان يغطي المشروع الاميركي إلا بغطاء فلسطيني. وهذا ما دفع بوش الى الاعتراف بدولة فلسطينية, ولذلك قال شارون: “نحن لسنا مرشحين لأن نكون تشيكوسلوفاكيا”. لكن ما يقوم من تحالف ضد العرب والمسلمين, والمتصل بالواقع الاسرائيلي القائم, أصبح عائقاً أمام تحقيق الغطاء المطلوب من العرب والمسلمين لاستكمال المشروع الاميركي, وهذا يعني ان شارون يرفض ان يضحّي بمصالح اسرائيل من اجل تحالف دولي مع اميركا لتحقيق مشروعها العالمي, وهو يراهن على اعادة التوازن داخل الادارة الاميركية لصالح فريق البنتاغون المدعوم يهودياً, وأن يقوم هذا الفريق بالتعاون مع القوة الضاغطة في الكونغرس بالتغلب على تيار كولن باول الذي يريد ان يسلك خيار الاجراءات المعقلنة نسبياً في ما يتعلق بحماية تحقيق المشروع الاميركي.
واليوم تعيد اميركا رسم استراتيجيتها عبرالعامل العسكري, والذي هو جزء أساسي في هذه الاستراتيجية, وستتحكم المنظومة الأمنية الأميركية بالعالم على حساب تحكم المنظومات الاقتصادية والسياسية الأميركية. وبما ان مفهوم الارهاب هو مفهوم مطّاط ويشمل دولاً وافراداً وجماعات عدة, لذلك تكوّن الولايات المتحدة شبكة أمنية عالمية, إلا ان اميركا حالياً ما تزال في حالة ردة الفعل ولم تستفق بعد من الصدمة, كما انها تعيش صراع التيارين الحاكمين: تيار الخارجية الضعيف وتيار البنتاغون القوي. ولكن هذه هي المرة الاولى, ولفترة وجيزة التي تمكنت فيها الخارجية من فرض سياسة مرنة. وهنا لا بد من ان يكون سقف العالم العربي عالياً جداً وموحداً, مستفيداً من هذه الظروف, لتحقيق المصالح العربية, خصوصاً بعدما أصبحت اسرائيل عبئاً على الولايات المتحدة وعلى حساب اميركا نفسها, وبات الشعب الاميركي يسأل: لماذا تكرهنا الشعوب الإسلامية؟
تنقسم الاستراتيجية العالمية اليوم الى قسمين: استراتيجية ما قبل 11 ايلول واستراتيجية ما بعده؛ ما قبل 11 ايلول لم يكن أحد يظن ان العالم سيجتمع على هدف واحد, وان القوة العظمى في العالم ستجيّش معظم الدول لخدمة مصالحها. أسدلت هذه الاستراتيجية الستار على ما قبل 11 ايلول, ولم يعد بامكان دولتين او ثلاث ان تجتمع لتنفيذ عمل معين دون موافقة الولايات المتحدة, وأصبح العالم كله محصوراً في حلقة معينة ضد اهداف عالمية مشتركة. واذا بقي الارهاب هدفاً عالمياً سيبقى العالم كله معداً لمواجهة أي عمل سيحدث على الساحة الدولية. وهنا اذا كانت الدول العربية تريد الحفاظ على ما هي عليه, فإن الاستراتيجية الجديدة لما ما بعد 11 ايلول تفرض عليها ان تكون متحدة. فالمطلوب إذًا رصّ الصفوف لأن احدى المراحل المستقبلية لا بد أن تستهدف الوضع العربي والاسلامي برمته, لذا يجب على العرب ان يحموا المواقع المهمة في تاريخهم الحديث, كقضية فلسطين.
وسيوظف الاميركيون مفهموم الارهاب لتحقيق اهداف اخرى, إذ يبدو أنه في المرحلة الاولى هناك سعي اميركي الى قيام كيان استراتيجي لمواجهة الديمغرافيات الكبرى في العالم, وأكبر ثلاث ديمغرافيات هي الهند والصين وباكستان. فاميركا حيّدت كل الدول الكبرى, ولكنها لم تحيّد لمرة واحدة أياً من الهند والصين وباكستان, وهذه دول تملك السلاح النووي. ومع انه من المستبعد ان يقع الصدام بين هذه الدول واميركا بسبب توازن الرعب القائم, تحاول اميركا تقريب هذه الكتلة الجغرافية منها لخلق جغرافية سياسية جديدة في باكستان, خصوصاً وأن تلك المنطقة لم تتشكل فيها دول جيوبوليتيكية كبرى, إذ ان الاتحاد السوفياتي الذي مكـــث هناك عشر سنوات, لم يوحد القبائل ولم يجعل منها دولة بحسب المفهوم المعروف للدولة, ومن هنا فإن الاميركيين يجدون سهولة في اختراق هذه القبائل والشعوب من خلال ضربهم بعضهم ببعض من أجل السيطرة على الجميع.
من ناحية أخرى تتطلب حماية منظمات المقاومة من اي محاولات اميركية جهداً على عدة موجات, أولها التأكيد على إبراز كل ما يدعـــم شرعية المقاومة. وفي لبنان لا بد من التركيز على شرعية حزب الله من خلال شرعية الدولة اللبنانية ومن خلال شرعية تفاهم نيسان الذي وُضع بموافقة ومشاركة الولايات المتحدة الاميركية. وهذا الامر ينطبق الى حد كبير على حماس والجهاد الاسلامي اللتين تعملان تحت شرعية السلطة الفلسطينية.
على كل حال لا بد من وضع تعريف لمفهوم الارهاب وأن يجتهد العرب والمسلمون في وضع هذا التعريف وطرحه على الأمم المتحدة لمناقشته, إذ أن اخطر ما في هذه الحملة هو ان مفهوم الارهاب ليس محدداً, مما يسمح للادارة الاميركية ان تتوسع في تحديده الى حد اعتبار الخطبة الدينية او المقالة الصحفية عملاً إرهابياً.
وقد وضعت واشنطن أربعة أهداف استراتيجية في المنطقة هي: البترول, والسيطرة على البحر الأبيض المتوسط للوقوف في وجه اوروبا, وعلى رأسها فرنسا, والهدف الثالث هو مواجهة الأصولية الممتدة من الشمال, ورابعاً الإرهاب؛ كل هذا بالاضافة الى الهدف الثابت لدى اميركا, وهو الوقوف في وجه الدول النووية الثلاث الهند والصين وباكستان. فالمدّ الاصولي الإسلامي هو الخطر الأكبر في الاستراتيجية الاميركية, لا سيما وأن افغانستان صدّرت واستوردت الكثير من الأصوليين اليها. فالمسلمون يخضعون اليوم لاستراتيجية جديدة تعتبر الاصولية, ومعها الإسلام, الخطر الاكبر, لذا, ستهدف هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة الى القضاء على البؤر الأصولية.
وستظهر هذه الدراسة أن الرؤية الغربية, والأميركية تحديداً, للعالم الإسلامي تنبع أساساً من مصالح الدول الغربية المادية والسياسية, مع الأخذ في الحسبان البعد الغربي التاريخي والديني والحضاري المسيحي واليهودي, والذى يطفو على السطح في الأزمات الشديدة. اما رؤية المسلمين عموماً, وخاصة الإسلاميين للعالم الغربي, فتنطلق أساساً من رؤية دينية إسلامية تاريخية وحضارية, مع الأخذ في الحسبان عامل المصالح.
وأضاف الى ذلك أنه ينبغي على الغرب العمل على أربعة محاور لتقليل احتمال نشوب معركة مع الإسلام. وأوضح أن على الولايات المتحدة اولاً التخلي عن فرضيتها على أن ثقافتها ثقافة عالمية وأن الآخرين يرغبون في ان يكونوا مثل الاميركيين. وعليها, ثانياً, وقد قامت بعمليات عسكرية في 16 دولة اجنبية خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي, الحدّ من العمليات العسكرية الخارجية إلا عندما تكون مصالحها الحيوية مستهدفة. وثالثاً إن “الولايات المتحدة في حاجة الى ان تباعد بينها وبين اسرائيل”, وان تشارك في الجهود التي تستهدف إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس التي يمكن اقتسامها مع الاسرائيليين, وعليها أن تدعم الجهود الخاصة بضمان إزالة المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكنه أقرّ ان ذلك سيكون مشروعاً بالغ الصعوبة. واعتبر أيضا أن هناك مسلمين في فلسطين والشيشان وكشمير تحكمهم حكومات غير اسلامية. وهذه كذلك حال الفلسطينيين في إسرائيل, وسيكون من المرغوب فيه كثيراً بالنسبة إلى هؤلاء المسلمين ممارسة حقهم في تقرير المصير”. وفي إمكان الغرب رابعاً أن يساعد في تنشيط التنمية الاقتصادية في الدول الاسلامية الفقيرة بطرق عدة, منها اتفاقيات للتجارة الحرة كالإتفاق بين الولايات المتحدة والاردن.
عن دور الدول الاسلامية, قال إنه يمكنها ان تساهم في ذلك من خلال تبنّي التحديث بديلاً من التشدد الاسلامي, وكذلك ان تدرك أن الحكومات القمعية وغير الديموقراطية غالبا ما تنتج معارضة متطرفة. و”هناك عنصران مؤثران هنا, أحدهما أن معظم الدول الاسلامية ليست دولاً ديموقراطية وتقمع المنشقين وحتى المعارضة المعتدلة, وهو ما يتسبب غالبا بتشدد حركات المعارضة”. والثاني ان الحكومات الاسلامية تنتهج سياستين بالنسبة إلى الغرب. فهي على المستوى الحكومي تتعاون معه, “وعلى المستوى المحلي تتسامح وتشجع الاتجاهات النقدية من خلال البيانات في المدارس والمعاهد الدينية, وتنشر العداء للغرب”.
وشدد أنه “لا بد من الاختيار بين القاعدة ودبي”, في اشارة الى إرهاب تنظيم “القاعدة” والدور الذي تضطلع به إمارة دبي كقاعدة للتكنولوجيا المتقدمة, وان “العالم العربي يمكن أن يتطور من دون فقدان قيمه التقليدية”. ومن المعلوم ان هنتنغتون هو الذى أدخل مصطلح “صراع الحضارات” في القاموس الأكاديمي أواسط التسعينات عندما استخدمه عنوانا لكتاب أكّد فيه أن الثقافة الغربية التي تعاني الانكماش تواجه تحديات من الصين الصاعدة ومن الصحوة الاسلامية(1).
نسوق كل هذا من أجل القول أنه آن الأوان للدول العربية وشعوبها للعمل على بلورة رؤية عصرية للغرب عوضاً عن الصور النمطية السائدة في العالم العربي, وكذلك العمل على تطوير صورة حضارية عن العرب والمسلمين في الغرب عوضاً ايضا, عن الصور النمطية السائدة الآن في الغرب. إن الحرب الأميركية اليوم على الإرهاب ليست هي الهدف, إذ انها حاجة نفسية للتوازن في اميركا بعد اهتزاز التوازن الداخلي للنظام الاميركي بعد 11 ايلول. فالحرب الحقيقية ليست فقط ضد الارهاب, ولكنها تشن من أجل إعادة المشروعية للنظام السياسي الأميركي الذى خسر من مشروعيته بعد الضربة العسكرية على البنتاغون. فالولايات المتحدة اليوم قادرة على الهيمنة على العالم, مع علمها بوجود معارضة من روسيا والصين واوروبا وغيرها, وهي اليوم تعيد تجربة حرب الخليج الثانية, لكن في آسيا الوسطى مجدداً.
من هنا فإن اميركا تسعى الى استغلال الاحداث من خلال إعادة احياء “المخافر الدولية” في العالم, وذلك بالطلب من كل الدول تلبية طلبات أمنية معينة بهدف السيطرة والهيمنة, ومن ثم اقامة ما يشبه مخافر دولية, كما هو الحال في الخليج. ان وضع آسيا مهم جداً في المستقبل, مع الاشارة الى أن ايران وطاجكستان وتركمانستان والصين وباكستان, كلها دول لها موقف معين من الولايات المتحدة وتخضع لصراع غير معلن على النفط وعلى إنتاج الذهب العالمي المتوقع انتاجه من هذه المناطق, التي هي ايضاً المصدر الأول لإنتاج الفضة في العالم.
المهم في كل هذا ان الولايات المتحدة ادركت اليوم انها لا تستطيع القيام بعملية ما الا اذا حظيت بموافقة اسلامية وعالمية, وهذا الغطاء الاسلامي لا يمكن ان يتحقق إلا بغطاء عربي, والغطاء العربي لا يمكن ان يغطي المشروع الاميركي إلا بغطاء فلسطيني. وهذا ما دفع بوش الى الاعتراف بدولة فلسطينية, ولذلك قال شارون: “نحن لسنا مرشحين لأن نكون تشيكوسلوفاكيا”. لكن ما يقوم من تحالف ضد العرب والمسلمين, والمتصل بالواقع الاسرائيلي القائم, أصبح عائقاً أمام تحقيق الغطاء المطلوب من العرب والمسلمين لاستكمال المشروع الاميركي, وهذا يعني ان شارون يرفض ان يضحّي بمصالح اسرائيل من اجل تحالف دولي مع اميركا لتحقيق مشروعها العالمي, وهو يراهن على اعادة التوازن داخل الادارة الاميركية لصالح فريق البنتاغون المدعوم يهودياً, وأن يقوم هذا الفريق بالتعاون مع القوة الضاغطة في الكونغرس بالتغلب على تيار كولن باول الذي يريد ان يسلك خيار الاجراءات المعقلنة نسبياً في ما يتعلق بحماية تحقيق المشروع الاميركي.
واليوم تعيد اميركا رسم استراتيجيتها عبرالعامل العسكري, والذي هو جزء أساسي في هذه الاستراتيجية, وستتحكم المنظومة الأمنية الأميركية بالعالم على حساب تحكم المنظومات الاقتصادية والسياسية الأميركية. وبما ان مفهوم الارهاب هو مفهوم مطّاط ويشمل دولاً وافراداً وجماعات عدة, لذلك تكوّن الولايات المتحدة شبكة أمنية عالمية, إلا ان اميركا حالياً ما تزال في حالة ردة الفعل ولم تستفق بعد من الصدمة, كما انها تعيش صراع التيارين الحاكمين: تيار الخارجية الضعيف وتيار البنتاغون القوي. ولكن هذه هي المرة الاولى, ولفترة وجيزة التي تمكنت فيها الخارجية من فرض سياسة مرنة. وهنا لا بد من ان يكون سقف العالم العربي عالياً جداً وموحداً, مستفيداً من هذه الظروف, لتحقيق المصالح العربية, خصوصاً بعدما أصبحت اسرائيل عبئاً على الولايات المتحدة وعلى حساب اميركا نفسها, وبات الشعب الاميركي يسأل: لماذا تكرهنا الشعوب الإسلامية؟
تنقسم الاستراتيجية العالمية اليوم الى قسمين: استراتيجية ما قبل 11 ايلول واستراتيجية ما بعده؛ ما قبل 11 ايلول لم يكن أحد يظن ان العالم سيجتمع على هدف واحد, وان القوة العظمى في العالم ستجيّش معظم الدول لخدمة مصالحها. أسدلت هذه الاستراتيجية الستار على ما قبل 11 ايلول, ولم يعد بامكان دولتين او ثلاث ان تجتمع لتنفيذ عمل معين دون موافقة الولايات المتحدة, وأصبح العالم كله محصوراً في حلقة معينة ضد اهداف عالمية مشتركة. واذا بقي الارهاب هدفاً عالمياً سيبقى العالم كله معداً لمواجهة أي عمل سيحدث على الساحة الدولية. وهنا اذا كانت الدول العربية تريد الحفاظ على ما هي عليه, فإن الاستراتيجية الجديدة لما ما بعد 11 ايلول تفرض عليها ان تكون متحدة. فالمطلوب إذًا رصّ الصفوف لأن احدى المراحل المستقبلية لا بد أن تستهدف الوضع العربي والاسلامي برمته, لذا يجب على العرب ان يحموا المواقع المهمة في تاريخهم الحديث, كقضية فلسطين.
وسيوظف الاميركيون مفهموم الارهاب لتحقيق اهداف اخرى, إذ يبدو أنه في المرحلة الاولى هناك سعي اميركي الى قيام كيان استراتيجي لمواجهة الديمغرافيات الكبرى في العالم, وأكبر ثلاث ديمغرافيات هي الهند والصين وباكستان. فاميركا حيّدت كل الدول الكبرى, ولكنها لم تحيّد لمرة واحدة أياً من الهند والصين وباكستان, وهذه دول تملك السلاح النووي. ومع انه من المستبعد ان يقع الصدام بين هذه الدول واميركا بسبب توازن الرعب القائم, تحاول اميركا تقريب هذه الكتلة الجغرافية منها لخلق جغرافية سياسية جديدة في باكستان, خصوصاً وأن تلك المنطقة لم تتشكل فيها دول جيوبوليتيكية كبرى, إذ ان الاتحاد السوفياتي الذي مكـــث هناك عشر سنوات, لم يوحد القبائل ولم يجعل منها دولة بحسب المفهوم المعروف للدولة, ومن هنا فإن الاميركيين يجدون سهولة في اختراق هذه القبائل والشعوب من خلال ضربهم بعضهم ببعض من أجل السيطرة على الجميع.
من ناحية أخرى تتطلب حماية منظمات المقاومة من اي محاولات اميركية جهداً على عدة موجات, أولها التأكيد على إبراز كل ما يدعـــم شرعية المقاومة. وفي لبنان لا بد من التركيز على شرعية حزب الله من خلال شرعية الدولة اللبنانية ومن خلال شرعية تفاهم نيسان الذي وُضع بموافقة ومشاركة الولايات المتحدة الاميركية. وهذا الامر ينطبق الى حد كبير على حماس والجهاد الاسلامي اللتين تعملان تحت شرعية السلطة الفلسطينية.
على كل حال لا بد من وضع تعريف لمفهوم الارهاب وأن يجتهد العرب والمسلمون في وضع هذا التعريف وطرحه على الأمم المتحدة لمناقشته, إذ أن اخطر ما في هذه الحملة هو ان مفهوم الارهاب ليس محدداً, مما يسمح للادارة الاميركية ان تتوسع في تحديده الى حد اعتبار الخطبة الدينية او المقالة الصحفية عملاً إرهابياً.
وقد وضعت واشنطن أربعة أهداف استراتيجية في المنطقة هي: البترول, والسيطرة على البحر الأبيض المتوسط للوقوف في وجه اوروبا, وعلى رأسها فرنسا, والهدف الثالث هو مواجهة الأصولية الممتدة من الشمال, ورابعاً الإرهاب؛ كل هذا بالاضافة الى الهدف الثابت لدى اميركا, وهو الوقوف في وجه الدول النووية الثلاث الهند والصين وباكستان. فالمدّ الاصولي الإسلامي هو الخطر الأكبر في الاستراتيجية الاميركية, لا سيما وأن افغانستان صدّرت واستوردت الكثير من الأصوليين اليها. فالمسلمون يخضعون اليوم لاستراتيجية جديدة تعتبر الاصولية, ومعها الإسلام, الخطر الاكبر, لذا, ستهدف هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة الى القضاء على البؤر الأصولية.
وستظهر هذه الدراسة أن الرؤية الغربية, والأميركية تحديداً, للعالم الإسلامي تنبع أساساً من مصالح الدول الغربية المادية والسياسية, مع الأخذ في الحسبان البعد الغربي التاريخي والديني والحضاري المسيحي واليهودي, والذى يطفو على السطح في الأزمات الشديدة. اما رؤية المسلمين عموماً, وخاصة الإسلاميين للعالم الغربي, فتنطلق أساساً من رؤية دينية إسلامية تاريخية وحضارية, مع الأخذ في الحسبان عامل المصالح.