موقف الفكر الإسلامي من المعارضة السياسية
مرسل: الأحد مايو 06, 2012 3:45 pm
من أبرز محاسن الربيع العربي انه أسفر عن الوجوه القبيحة للأنظمة السياسية المستبدة في العالم العربي، التي لم توفر آلية قتل إلا واستخدمتها ضد شعوبها المسالمة والتواقة للحرية والكرامة والعدالة والانعتاق من الاستبداد. ففي الوقت الذي التزمت فيه الشعوب بأقصى درجات ضبط النفس والسلم في حراكها المدني السلمي، مارست الأنظمة المستبدة البالية أقسى صور القمع معها، لإجهاض حراكها وثنيها عن المطالبة بحقوقها المشروعة.
في الظروف الثورية، التي يعيشها عالمنا العربي في بعض أقطاره، عادة ما تتجدد الإشكالات ذات الصلة بهامش المعارضة وحقوقها وآلياتها وضوابط الحراك الشعبي المناهض للاستبداد، وكذلك الإشكالات ذات العلاقة بالموقف الأخلاقي الملائم من ردود فعل السلطات القمعية حيال الشعوب الثائرة.
في هذه المقالة سنحاول الاكتفاء بالتنويه إلى بيان موقف الفكر الإسلامي من المعارضة السياسية، لان معرفة موقف رؤية الإسلام من حقوق المعارضة وأشكالها وآليات عملها ودورها، يساهم في معرفة المستوى الأخلاقي المتدني للأنظمة القمعية في العالمين العربي والإسلامي، والتي تتشدق دوما بالإسلام وحماية حقوق الإنسان، وفي المقابل هي التي تصادر كافة حقوق المعارضة، كما تمارس القسوة المفرطة مع أي معترض على سياساتها الخاطئة. أن هذا المنهج بكل تأكيد لا يمت للأخلاق ولا بحقوق الإنسان بصلة، هذا فضلا عن أنه يناقض مبادئ الإسلام وتوجهه العام الذي كفل للمعارضة حقوقا كثيرة وهامشا واسعا من الحركة.
كما أن الوعي بموقف الإسلام من المعارضة، يعين من جانب آخر الشعوب الثائرة ضد سياسات الأنظمة المستبدة، يعينها على تلمس سعة الهامش المتاح لها في الحركة سواء في حق الاعتراض أو المحاسبة أو التقويم، كما يعين كافة قوى المعارضة في انتهاج السلوك السلمي المدني المنضبط أثناء حراكها، سواء في الظروف الثورية أو أثناء الظروف الاعتيادية. وفيما يتعلق بحقوق المعارضة، يمكن الإشارة إلى التالي:
أولا: الاعتراف بالمعارضة:
اعتراف النظام السياسي بشرعية المعارضة وتمكينها من ممارسة أدوارها وأنشطتها بحرية تامة وبصورة علنية أيضا، قد يكون أول حق من حقوق المعارضة وأهمها. وعلى هذا الصعيد فمن واجب النظام تهيئة الظروف الملائمة لتمكينها من إقامة مقرات خاصة بها، لتتمكن من ممارسة أدوارها الرقابية والتقويمية التي تصب في صالح الوطن والمواطن والنظام على حد سواء. أن وجود المعارضة البناءة في أي بلد سيسهم بلا شك إيجابا في عملية البناء والتطوير والتحديث التي تتطلع إليه الدولة، كما أنه سيرشد من أداء النظام السياسي وأجهزته المختلفة. هذا ما فطنت إليه الدول الديمقراطية، وهو الأمر الذي لازال مع الأسف الشديد، غائبا أو مغيبا في معظم البلاد العربية والإسلامية.
أن فلسفة وجود المعارضة في الأساس نابعة من أهمية دورها الفاعل في مسائلة ومراقبة أداء النظام السياسي وتقويم سلوكه وترشيده، وليس في معاداته أو الانتقام منه أو الصدام معه.أن معرفة تلك الحقيقة ستدفع بالنظام السياسي الرشيد والحريص أيضا على مصالح الوطن والمواطنين، إلى تمكين المعارضة السياسية من ممارسة حقها في أداء دورها الرقابي والتقويمي الايجابي على أكمل وجه. يحدثنا التاريخ الإسلامي في تجاربه الأولى للحكم على الأقل، بأن النظام الإسلامي قد منح للمعارضة حقها الكامل في الإعلان عن نفسها وممارسة العمل السياسي الموجه بالضد من السياسات الخاطئة للحكومات القائمة آنذاك، وذلك لما للمعارضة من أهمية ودور بناء في الدولة. فهذا الإمام علي على سبيل المثال، مارس دور المعارضة في بعض الحقب التاريخية، وحينما كان حاكما أيضا عزز هذا الحق للمعارضين السلميين وفتح الباب مشرعا على مصراعيه لهم ومنحهم هامشا واسعا من الحركة ضد أداء حكومته وسياساته، فقدم بذلك تجربة رائعة ورائدة في التعاطي الايجابي والراشد مع مختلف حركات المعارضة آنذاك.
وحينما كان عليا معارضا كان بناءا وإيجابيا في معارضته، وكان معينا ومستشارا للخلفاء في أداء دورهم، وكان قائداً روحياً للناس وملهما لحركات الشعبية والقوى المعارضة، كما كان يشارك الدولة في معاركها الحربية، ويحكم بالقسط والعدل بين الناس في القضاء، ويمارس مختلف أدواره الوعظية وهو في خندق المعارضة.وهذا يعني أن عليا كان معارضا ايجابيا ملتزما بقواعد وضوابط وأخلاقيات المعارضة السلمية النزيهة والبناءة، مستهدفا من خلال حركته ونضاله الإصلاح وتقويم سياسات الدولة لا هدمها وتقويضها أو الصدام معها أو التحريض ضدها لأجل التحريض فقط أو الانتقام أو حبا في المعارضة لأجل المعارضة.
ما ينبغي التنويه إليه هنا، هو أن في معظم البلاد الديمقراطية المتقدمة اليوم والمهتمة بحقوق الإنسان، فيها تعددية سياسية وحزبية مكفول ل للمعارضة حق العمل السلمي، ويوجد بها حياة سياسية متقدمة ويتم تداول السلطة فيها بصورة سلمية من قبل الأحزاب المتنافسة، كما أن هناك مشاركة سياسية شعبية واسعة، واطر متعددة معنية بحماية حقوق الإنسان، بينما في عالمنا العربي والإسلامي، مع الأسف الشديد، لازالت المعارضة مطاردة أو مقصية وممنوعة من أبسط حقوقها، كما ينظر إليها غالبا بوصفها أداة تخريب وعنصر هدم وليس أداة بناء وتنمية وترشيد، مضافا إلى ذلك، تحكم تلك الدول أنظمة دكتاتورية لا تقبل بأي شكل من أشكال المشاركة والحياة السياسية!.
لهذا السبب تحديدا لازالت معظم الدول العربية والإسلامية متخلفة ومتأخرة عن ركب العالم المتقدم، مضافا إلى ذلك أنه يمارس فيها مختلف أنواع الانتهاكات للحقوق الاجتماعية والمدنية والسياسية والدينية وغيرها. بينما الدول التي منحت للمعارضة حقها في ممارسة العمل السياسي والمشاركة الشعبية، ووعت قيمتها وغاياتها، تقدمت للامام وتطورت، كما أنها سجلت أروع الأمثلة وأرقاها في احترام الحقوق وحمايتها.
من المفارقات العجيبة التي تحتاج إلى مزيد من التأمل في عالمنا العربي، خصوصا في ثورات الربيع العربي، والتي ربما لم يسلط الضوء عليها الا قليلا، هي أن الاعتراف بأهمية وجود المعارضة السياسية في بلداننا لا يتم عادة إلا في الوقت الضائع وفي الظروف الحرجة أيضا، أي حينما تتدهور أوضاع الوطن وينفجر فيه الشارع على أنظمته السياسية..في تلك اللحظة فقط يتم الاعتراف بدور المعارضة وأهميتها، ويطلب منها التحاور مع النظام لإنقاذ الوطن مما هو فيه. ما قبل تلك المرحلة، غالبا ما يكون أعضاء المعارضة في السجون أو في المنفى أو يتم التعامل معهم بوصفهم خونة وعملاء ومخربين!.واضح أن سبب تهميش المعارضة وعدم الاعتراف بها راجع إلى حالة الاستئثار والاستفراد بالحكم والاستبداد في الرأي والقرار وعدم الرغبة في إشراك الناس في صناعة حاضرهم ومستقبلهم، فاذا كان الحال هو كذلك فانه من الطبيعي أن لا تعير تلك الأنظمة المستبدة قيمة ووزنا للمعارضة السياسية في بلدانها، حتى وإن كانت تمثل الشارع كله. لعل ما آلت إليه الأوضاع مؤخرا في بعض الأقطار العربية، يعزز هذه الحقيقة التي تستوجب المزيد من الدراسة والتأمل.
ثانيا:حق المسائلة والاعتراض:
بموجب رؤية الإسلام الذي يستهدف إقامة العدل ومنح الناس كافة حقوقهم، ومن بينها حق المشاركة السياسية، فان من حق إي فرد في الأمة أن يحاسب رأس النظام الحاكم ويعترض على سياساته، وهذا ما كان مكفول ومعمول به في حكومة الرسول والخلفاء من بعده على نحو أو آخر. وليس هنالك ثمة نظام سياسي يضع الحاكم أمام المناقشة والحساب، كالنظام الإسلامي، فهو يقرر مسؤولية الحاكم مسؤولية ثنائية: أمام الله أولا، وأمام الأمة والقانون الإسلامي ثانيا. وفيما يتعلق بنسائلة الحاكم ، فإن الأمة تستمد حقها في المسائلة من الحاكم والمتمثل اليوم في النظام السياسي، وكذلك الاعتراض عليه ومحاسبته، من اعتبارات عدة أبرزها:
1- إن الحاكم، وفق رؤية الإسلام، ما هو إلا وكيل عن الأمة يستمد سلطته منها ويمارسها نيابة عنها، فالأصيل، كما يقال، يملك على الوكيل حق الإشراف والتوجيه والعزل ان هو خرج عن حدود وكالته.
2- كما أن الأمة هي المخاطبة أصلا بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية، إي القانون الإسلامي، وهي القوامة على هذا الحق كما دلت كثير من خطابات القرآن الكريم، وقد اختارت الأمة الإمام أداة ووسيلة للتنفيذ، فإذا تحول الحاكم عقبة أمام تنفيذ الشرع حق للأمة المحاسبة والتغيير للقيام بواجبها الأصلي في تنفيذ الشرع.
3- ما أوجبه الشرع لها من حق الشورى التي تضمن بذل الرأي والنصح وهذا يستلزم مراقبة على الدوام.
4- ان الأمة مسئولة عن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، والآيات الدالة على ذلك أكثر من أن تحصى.
5-ان الحاكم في النظام الإسلامي فرد كبقية الأفراد لا يكسبه الحكم فضل مزية على غيره، فكما يحاسب ويسأل غيره، هو عرضة للحساب والمسائلة أيضا، بل هو أكثر الناس عرضة للمحاسبة، ولا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى.
لذلك فان أول سابقة دستورية في مسؤولية الحاكم أمام الأمة والقانون الإسلامي، وضعها وجسدها الرسول وقد تمثلت بوضوح في ممارساته وتوجيهاته، وقد ورد عنه قوله:أيما رجل كنت أصبت من ماله شيئا فهذا مالي فليأخذ منه، واعلموا ان أولاكم بي رجل كان له من ذلك شيء فأخذه أو حللني فلقيت ربي وانأ محلل لي.وعندما تولى الخليفة أبو بكر الخلافة قال:أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة ليّ عليكم. وقال الخليفة عمر بن الخطاب كذلك:إن رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوموه.فقام إليه أحد الأعراب قائلاً، وبكل حرية وأمان:لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بحدّ سيوفنا.أو كما قال الخليفة علي مخاطباً الناس: فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة، ولا تظنوا بي استثقالاً لحق يُقال لي أو لعدل يُعرض عليّ فإن مَن استثقل الحق أن يقال له والعدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل، فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بفوق أن أخطئ.
إذن بهذه الروحية وهذا الفهم والاستعداد الذي يتمتع به الخلفاء، كانت الأُمة بمثابة الرقيب والمُحاسب، أيّ كانت تُباشر عملية (السلطة التشريعية) التي تؤهلها إلى محاسبة الحاكم ومسائلته، بل خلعه من منصبه أيضا متى ما استوجب الأمر ذلك، كما سنأتي عليه لاحقا. بينما في زمننا هذا، ومع شديد الأسف، فأن هذا الحق في اغلب البلدان الإسلامية أصبح مسلوبا من الناس، ولا احد من الحكام يقبل بمبدأ المحاسبة إلا نادرا، ناهيك من أن يشجع الناس على ذلك الفعل، بل أن الذي يمارس هذا الحق، هو بمثابة من يقدم روحه على كفه!.
ثالثا: حق الإصلاح والتقويم:
إذ لا ينحصر حق المعارضة في حدود التشكل والسماح لها بالإعلان عن نفسها، أو إنشاء مكانا خاصا لها، وإنما يحق لها ممارسة كافة أدوارها المدنية السلمية التي تفضي إلى الإصلاح والتقويم، وذلك من خلال استخدام كافة الوسائل السلمية الضاغطة على الحكومة لتصحيح مساراتها وترشيد أجهزتها. أن مختلف الأعمال السلمية والمدنية البعيدة عن العنف والتخريب، هي حقوق مشروعة للمعارضة، كفلتها الشريعة وكل المواثيق الحقوقية والدولية العالمية. علما بأن المعارضة في الإسلام، تستهدف حماية الحقوق والدفاع عنها ورفع الظلم وإزالة الجور من الواقع الاجتماعي والسياسي، مع اقرارنا بان ذلك لا يمكن ان يتم في زماننا هذا الا من خلال مؤسسات المجتمع المدني ووجود عقد قانوني يقيد السلطات ويوضح الحقوق والواجبات المتبادلة.
ما نود الإشارة إليه في هذا السياق هو ان نشاط المعارضة لا ينحصر في إطار الصراع على الحكم والسلطة وترشيده فقط، بل هي حاملة أيضا لآمال الأمة وغاياتها، ساعية لتقديم مصالح الأمة على مصالحها، تجاهد بمختلف الوسائل الأخلاقية لتحقيق مطالبها العادلة. أن شرعية المعارضة قائمة على مشروعية مطالبها، وهي تكتسب مشروعيتها من خلال تبنيّها لمطالب الأمة المشروعة، وسعيها المتواصل لتحقيق أهدافه وغاياته النبيلة، وتبنيّ القيم السامية كالحرية والعدالة والسلام.
وقد تقع المعارضة في كثير من الأحيان في أخطاء إستراتيجية قاتلة، وتتبدل مواقفها السياسية من حين لآخر، مما يدفع الناس إلى الاعتقاد بعدم مصداقيتها على ساحة الواقع الاجتماعي والسياسي، وبالتالي ينبغي لها أن تتوخى أقصى درجات الحذر واليقظة والإخلاص والأمانة والوعي، وان تتمتع بالنضج الكافي في مشروعاتها وأدائها السياسي. كما وتكتسب المعارضة شرعيتها في الإسلام من خلال المبادئ التي تقوم عليها سياستها التنظيمية العامة، وهي معارضة سلمية وأخلاقية بالدرجة الأولى، تعتمد على أساليب حضارية وموازين شرعية ممكنة لتحقيق النتائج المرجوة على ساحة المجتمع الإنساني تحقيقاً لقيم العدل والحرية والسلام. وبما أن الإنسان هو جوهر حركة الإصلاح والتغيير، فمن حقه أن يمارس كل حقوقه المشروعة وفق ما تقتضيه العدالة الإنسانية من ممارسة الحقوق والحريات الأساسية.
رابعا: حق عزل الحكومة وإقالتها:
إذا لم يقم الحاكم بصفته وكيلا عن الناس بواجباته على أتم وجه، ولم يصغ للنصيحة ولم يستجب لمطالب الأمة المشروعة، وفعل ما يوجب العزل كالإخلال بالعدالة والنزاهة وارتكاب المحظورات كانتهاك الحقوق ومصادرتها، ففي تلك الحالة وجب عزله. لهذا يرى الإمام الشافعي إن الإمام ينعزل بالفسق والجور وكذا كل قاض أو أمير، ويرى الجويني النيسابوري جواز خلع الحاكم إذا فسق وفجر وخرج عن سمت الإمامة بفسقه، وقال الشهرستاني، إذا صدر من الإمام جهل أو جور أو ضلال أو كفر انخلع منها أو خلعناه، وقال الغزالي: أن السلطان الظالم عليه ان يكف عن ولايته وهو إما معزول أو واجب العزل، وهو على التحقيق ليس بسلطان.
ان ما ينطبق على الحاكم ينطبق على الحكومة، إذ هي التي تمثل مصالح الناس ووكيلة عنهم في حفظ وإدارة مصالحهم وشؤونهم، كما تستمد شرعيتها منهم، وبالتالي حينما تخل بالأمانة الملقاة على عاتقها بحيث تتضرر مصالح الناس ففي تلك الحالة يحق للناس سحب الشرعية عنها.
مما تقدم يظهر ان مبدأ عزل الخليفة أو الحكومة، هو مبدأ ثابت في الشرع بأدلة قوية جازمة، بل أن الأمة قامت به فيما مضى، وهي التي تتولى ذلك بما لها من ولاية على الحاكم، فكما هي خولته للقيام بشؤونها، هي مخولة بعزله ان لم يقم بواجباته. يشار الى انه يوجد نقاشا تفصيليا بين المفكرين حول توقيت العزل وظروفه وآلياته، فبعضهم يرى أن توقيته ينبغي أن يؤخذ في الحسبان، بمعنى أن مجرد وجود السبب الشرعي لعزل الحاكم لا يعني بالضرورة لزوم تنفيذ العزل، إذ يلزم عند التنفيذ النظر في إمكانه ونتائجه الخ.
خلاصة القول، بان للمعارضة في الفكر السياسي الإسلامي دورا ايجابيا وبناءا في الدولة، كما ان لها هامشا واسعا من الحرية والحقوق، تبدأ من حق التكوين والتعبير، مرورا بحق المعارضة والاعتراض والمسائلة والرقابة والتقويم، فإذا لم تقم الحكومة بواجباتها في تمثيل إرادة شعبها بصفتها موكلة منه، او صدر منها ما يخل بوظيفتها وامانتها، حينها يحق للشعب المتمثل في قواه المعارضة تغيير الحكومة واستبدالها.كما أن الحرية السياسية التي يتمتع بها الناس، أو ما اصطلح على تسميته بالمعارضة، هي الضمانة الأساسية لتقويم الحكومة واعوجاج الحاكم وإصلاحه، كما أن تجريد الحاكم المعارضة حقها، يؤدي الى تمكين وتوطين الاستبداد، الذي يفضي بدوره إلى تفشي الفساد وسيادة الظلم وغياب الحريات وانعدام العدالة، وهتك الحقوق والتخلف والتقهقر إلى الوراء.
في الظروف الثورية، التي يعيشها عالمنا العربي في بعض أقطاره، عادة ما تتجدد الإشكالات ذات الصلة بهامش المعارضة وحقوقها وآلياتها وضوابط الحراك الشعبي المناهض للاستبداد، وكذلك الإشكالات ذات العلاقة بالموقف الأخلاقي الملائم من ردود فعل السلطات القمعية حيال الشعوب الثائرة.
في هذه المقالة سنحاول الاكتفاء بالتنويه إلى بيان موقف الفكر الإسلامي من المعارضة السياسية، لان معرفة موقف رؤية الإسلام من حقوق المعارضة وأشكالها وآليات عملها ودورها، يساهم في معرفة المستوى الأخلاقي المتدني للأنظمة القمعية في العالمين العربي والإسلامي، والتي تتشدق دوما بالإسلام وحماية حقوق الإنسان، وفي المقابل هي التي تصادر كافة حقوق المعارضة، كما تمارس القسوة المفرطة مع أي معترض على سياساتها الخاطئة. أن هذا المنهج بكل تأكيد لا يمت للأخلاق ولا بحقوق الإنسان بصلة، هذا فضلا عن أنه يناقض مبادئ الإسلام وتوجهه العام الذي كفل للمعارضة حقوقا كثيرة وهامشا واسعا من الحركة.
كما أن الوعي بموقف الإسلام من المعارضة، يعين من جانب آخر الشعوب الثائرة ضد سياسات الأنظمة المستبدة، يعينها على تلمس سعة الهامش المتاح لها في الحركة سواء في حق الاعتراض أو المحاسبة أو التقويم، كما يعين كافة قوى المعارضة في انتهاج السلوك السلمي المدني المنضبط أثناء حراكها، سواء في الظروف الثورية أو أثناء الظروف الاعتيادية. وفيما يتعلق بحقوق المعارضة، يمكن الإشارة إلى التالي:
أولا: الاعتراف بالمعارضة:
اعتراف النظام السياسي بشرعية المعارضة وتمكينها من ممارسة أدوارها وأنشطتها بحرية تامة وبصورة علنية أيضا، قد يكون أول حق من حقوق المعارضة وأهمها. وعلى هذا الصعيد فمن واجب النظام تهيئة الظروف الملائمة لتمكينها من إقامة مقرات خاصة بها، لتتمكن من ممارسة أدوارها الرقابية والتقويمية التي تصب في صالح الوطن والمواطن والنظام على حد سواء. أن وجود المعارضة البناءة في أي بلد سيسهم بلا شك إيجابا في عملية البناء والتطوير والتحديث التي تتطلع إليه الدولة، كما أنه سيرشد من أداء النظام السياسي وأجهزته المختلفة. هذا ما فطنت إليه الدول الديمقراطية، وهو الأمر الذي لازال مع الأسف الشديد، غائبا أو مغيبا في معظم البلاد العربية والإسلامية.
أن فلسفة وجود المعارضة في الأساس نابعة من أهمية دورها الفاعل في مسائلة ومراقبة أداء النظام السياسي وتقويم سلوكه وترشيده، وليس في معاداته أو الانتقام منه أو الصدام معه.أن معرفة تلك الحقيقة ستدفع بالنظام السياسي الرشيد والحريص أيضا على مصالح الوطن والمواطنين، إلى تمكين المعارضة السياسية من ممارسة حقها في أداء دورها الرقابي والتقويمي الايجابي على أكمل وجه. يحدثنا التاريخ الإسلامي في تجاربه الأولى للحكم على الأقل، بأن النظام الإسلامي قد منح للمعارضة حقها الكامل في الإعلان عن نفسها وممارسة العمل السياسي الموجه بالضد من السياسات الخاطئة للحكومات القائمة آنذاك، وذلك لما للمعارضة من أهمية ودور بناء في الدولة. فهذا الإمام علي على سبيل المثال، مارس دور المعارضة في بعض الحقب التاريخية، وحينما كان حاكما أيضا عزز هذا الحق للمعارضين السلميين وفتح الباب مشرعا على مصراعيه لهم ومنحهم هامشا واسعا من الحركة ضد أداء حكومته وسياساته، فقدم بذلك تجربة رائعة ورائدة في التعاطي الايجابي والراشد مع مختلف حركات المعارضة آنذاك.
وحينما كان عليا معارضا كان بناءا وإيجابيا في معارضته، وكان معينا ومستشارا للخلفاء في أداء دورهم، وكان قائداً روحياً للناس وملهما لحركات الشعبية والقوى المعارضة، كما كان يشارك الدولة في معاركها الحربية، ويحكم بالقسط والعدل بين الناس في القضاء، ويمارس مختلف أدواره الوعظية وهو في خندق المعارضة.وهذا يعني أن عليا كان معارضا ايجابيا ملتزما بقواعد وضوابط وأخلاقيات المعارضة السلمية النزيهة والبناءة، مستهدفا من خلال حركته ونضاله الإصلاح وتقويم سياسات الدولة لا هدمها وتقويضها أو الصدام معها أو التحريض ضدها لأجل التحريض فقط أو الانتقام أو حبا في المعارضة لأجل المعارضة.
ما ينبغي التنويه إليه هنا، هو أن في معظم البلاد الديمقراطية المتقدمة اليوم والمهتمة بحقوق الإنسان، فيها تعددية سياسية وحزبية مكفول ل للمعارضة حق العمل السلمي، ويوجد بها حياة سياسية متقدمة ويتم تداول السلطة فيها بصورة سلمية من قبل الأحزاب المتنافسة، كما أن هناك مشاركة سياسية شعبية واسعة، واطر متعددة معنية بحماية حقوق الإنسان، بينما في عالمنا العربي والإسلامي، مع الأسف الشديد، لازالت المعارضة مطاردة أو مقصية وممنوعة من أبسط حقوقها، كما ينظر إليها غالبا بوصفها أداة تخريب وعنصر هدم وليس أداة بناء وتنمية وترشيد، مضافا إلى ذلك، تحكم تلك الدول أنظمة دكتاتورية لا تقبل بأي شكل من أشكال المشاركة والحياة السياسية!.
لهذا السبب تحديدا لازالت معظم الدول العربية والإسلامية متخلفة ومتأخرة عن ركب العالم المتقدم، مضافا إلى ذلك أنه يمارس فيها مختلف أنواع الانتهاكات للحقوق الاجتماعية والمدنية والسياسية والدينية وغيرها. بينما الدول التي منحت للمعارضة حقها في ممارسة العمل السياسي والمشاركة الشعبية، ووعت قيمتها وغاياتها، تقدمت للامام وتطورت، كما أنها سجلت أروع الأمثلة وأرقاها في احترام الحقوق وحمايتها.
من المفارقات العجيبة التي تحتاج إلى مزيد من التأمل في عالمنا العربي، خصوصا في ثورات الربيع العربي، والتي ربما لم يسلط الضوء عليها الا قليلا، هي أن الاعتراف بأهمية وجود المعارضة السياسية في بلداننا لا يتم عادة إلا في الوقت الضائع وفي الظروف الحرجة أيضا، أي حينما تتدهور أوضاع الوطن وينفجر فيه الشارع على أنظمته السياسية..في تلك اللحظة فقط يتم الاعتراف بدور المعارضة وأهميتها، ويطلب منها التحاور مع النظام لإنقاذ الوطن مما هو فيه. ما قبل تلك المرحلة، غالبا ما يكون أعضاء المعارضة في السجون أو في المنفى أو يتم التعامل معهم بوصفهم خونة وعملاء ومخربين!.واضح أن سبب تهميش المعارضة وعدم الاعتراف بها راجع إلى حالة الاستئثار والاستفراد بالحكم والاستبداد في الرأي والقرار وعدم الرغبة في إشراك الناس في صناعة حاضرهم ومستقبلهم، فاذا كان الحال هو كذلك فانه من الطبيعي أن لا تعير تلك الأنظمة المستبدة قيمة ووزنا للمعارضة السياسية في بلدانها، حتى وإن كانت تمثل الشارع كله. لعل ما آلت إليه الأوضاع مؤخرا في بعض الأقطار العربية، يعزز هذه الحقيقة التي تستوجب المزيد من الدراسة والتأمل.
ثانيا:حق المسائلة والاعتراض:
بموجب رؤية الإسلام الذي يستهدف إقامة العدل ومنح الناس كافة حقوقهم، ومن بينها حق المشاركة السياسية، فان من حق إي فرد في الأمة أن يحاسب رأس النظام الحاكم ويعترض على سياساته، وهذا ما كان مكفول ومعمول به في حكومة الرسول والخلفاء من بعده على نحو أو آخر. وليس هنالك ثمة نظام سياسي يضع الحاكم أمام المناقشة والحساب، كالنظام الإسلامي، فهو يقرر مسؤولية الحاكم مسؤولية ثنائية: أمام الله أولا، وأمام الأمة والقانون الإسلامي ثانيا. وفيما يتعلق بنسائلة الحاكم ، فإن الأمة تستمد حقها في المسائلة من الحاكم والمتمثل اليوم في النظام السياسي، وكذلك الاعتراض عليه ومحاسبته، من اعتبارات عدة أبرزها:
1- إن الحاكم، وفق رؤية الإسلام، ما هو إلا وكيل عن الأمة يستمد سلطته منها ويمارسها نيابة عنها، فالأصيل، كما يقال، يملك على الوكيل حق الإشراف والتوجيه والعزل ان هو خرج عن حدود وكالته.
2- كما أن الأمة هي المخاطبة أصلا بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية، إي القانون الإسلامي، وهي القوامة على هذا الحق كما دلت كثير من خطابات القرآن الكريم، وقد اختارت الأمة الإمام أداة ووسيلة للتنفيذ، فإذا تحول الحاكم عقبة أمام تنفيذ الشرع حق للأمة المحاسبة والتغيير للقيام بواجبها الأصلي في تنفيذ الشرع.
3- ما أوجبه الشرع لها من حق الشورى التي تضمن بذل الرأي والنصح وهذا يستلزم مراقبة على الدوام.
4- ان الأمة مسئولة عن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، والآيات الدالة على ذلك أكثر من أن تحصى.
5-ان الحاكم في النظام الإسلامي فرد كبقية الأفراد لا يكسبه الحكم فضل مزية على غيره، فكما يحاسب ويسأل غيره، هو عرضة للحساب والمسائلة أيضا، بل هو أكثر الناس عرضة للمحاسبة، ولا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى.
لذلك فان أول سابقة دستورية في مسؤولية الحاكم أمام الأمة والقانون الإسلامي، وضعها وجسدها الرسول وقد تمثلت بوضوح في ممارساته وتوجيهاته، وقد ورد عنه قوله:أيما رجل كنت أصبت من ماله شيئا فهذا مالي فليأخذ منه، واعلموا ان أولاكم بي رجل كان له من ذلك شيء فأخذه أو حللني فلقيت ربي وانأ محلل لي.وعندما تولى الخليفة أبو بكر الخلافة قال:أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة ليّ عليكم. وقال الخليفة عمر بن الخطاب كذلك:إن رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوموه.فقام إليه أحد الأعراب قائلاً، وبكل حرية وأمان:لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بحدّ سيوفنا.أو كما قال الخليفة علي مخاطباً الناس: فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة، ولا تظنوا بي استثقالاً لحق يُقال لي أو لعدل يُعرض عليّ فإن مَن استثقل الحق أن يقال له والعدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل، فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بفوق أن أخطئ.
إذن بهذه الروحية وهذا الفهم والاستعداد الذي يتمتع به الخلفاء، كانت الأُمة بمثابة الرقيب والمُحاسب، أيّ كانت تُباشر عملية (السلطة التشريعية) التي تؤهلها إلى محاسبة الحاكم ومسائلته، بل خلعه من منصبه أيضا متى ما استوجب الأمر ذلك، كما سنأتي عليه لاحقا. بينما في زمننا هذا، ومع شديد الأسف، فأن هذا الحق في اغلب البلدان الإسلامية أصبح مسلوبا من الناس، ولا احد من الحكام يقبل بمبدأ المحاسبة إلا نادرا، ناهيك من أن يشجع الناس على ذلك الفعل، بل أن الذي يمارس هذا الحق، هو بمثابة من يقدم روحه على كفه!.
ثالثا: حق الإصلاح والتقويم:
إذ لا ينحصر حق المعارضة في حدود التشكل والسماح لها بالإعلان عن نفسها، أو إنشاء مكانا خاصا لها، وإنما يحق لها ممارسة كافة أدوارها المدنية السلمية التي تفضي إلى الإصلاح والتقويم، وذلك من خلال استخدام كافة الوسائل السلمية الضاغطة على الحكومة لتصحيح مساراتها وترشيد أجهزتها. أن مختلف الأعمال السلمية والمدنية البعيدة عن العنف والتخريب، هي حقوق مشروعة للمعارضة، كفلتها الشريعة وكل المواثيق الحقوقية والدولية العالمية. علما بأن المعارضة في الإسلام، تستهدف حماية الحقوق والدفاع عنها ورفع الظلم وإزالة الجور من الواقع الاجتماعي والسياسي، مع اقرارنا بان ذلك لا يمكن ان يتم في زماننا هذا الا من خلال مؤسسات المجتمع المدني ووجود عقد قانوني يقيد السلطات ويوضح الحقوق والواجبات المتبادلة.
ما نود الإشارة إليه في هذا السياق هو ان نشاط المعارضة لا ينحصر في إطار الصراع على الحكم والسلطة وترشيده فقط، بل هي حاملة أيضا لآمال الأمة وغاياتها، ساعية لتقديم مصالح الأمة على مصالحها، تجاهد بمختلف الوسائل الأخلاقية لتحقيق مطالبها العادلة. أن شرعية المعارضة قائمة على مشروعية مطالبها، وهي تكتسب مشروعيتها من خلال تبنيّها لمطالب الأمة المشروعة، وسعيها المتواصل لتحقيق أهدافه وغاياته النبيلة، وتبنيّ القيم السامية كالحرية والعدالة والسلام.
وقد تقع المعارضة في كثير من الأحيان في أخطاء إستراتيجية قاتلة، وتتبدل مواقفها السياسية من حين لآخر، مما يدفع الناس إلى الاعتقاد بعدم مصداقيتها على ساحة الواقع الاجتماعي والسياسي، وبالتالي ينبغي لها أن تتوخى أقصى درجات الحذر واليقظة والإخلاص والأمانة والوعي، وان تتمتع بالنضج الكافي في مشروعاتها وأدائها السياسي. كما وتكتسب المعارضة شرعيتها في الإسلام من خلال المبادئ التي تقوم عليها سياستها التنظيمية العامة، وهي معارضة سلمية وأخلاقية بالدرجة الأولى، تعتمد على أساليب حضارية وموازين شرعية ممكنة لتحقيق النتائج المرجوة على ساحة المجتمع الإنساني تحقيقاً لقيم العدل والحرية والسلام. وبما أن الإنسان هو جوهر حركة الإصلاح والتغيير، فمن حقه أن يمارس كل حقوقه المشروعة وفق ما تقتضيه العدالة الإنسانية من ممارسة الحقوق والحريات الأساسية.
رابعا: حق عزل الحكومة وإقالتها:
إذا لم يقم الحاكم بصفته وكيلا عن الناس بواجباته على أتم وجه، ولم يصغ للنصيحة ولم يستجب لمطالب الأمة المشروعة، وفعل ما يوجب العزل كالإخلال بالعدالة والنزاهة وارتكاب المحظورات كانتهاك الحقوق ومصادرتها، ففي تلك الحالة وجب عزله. لهذا يرى الإمام الشافعي إن الإمام ينعزل بالفسق والجور وكذا كل قاض أو أمير، ويرى الجويني النيسابوري جواز خلع الحاكم إذا فسق وفجر وخرج عن سمت الإمامة بفسقه، وقال الشهرستاني، إذا صدر من الإمام جهل أو جور أو ضلال أو كفر انخلع منها أو خلعناه، وقال الغزالي: أن السلطان الظالم عليه ان يكف عن ولايته وهو إما معزول أو واجب العزل، وهو على التحقيق ليس بسلطان.
ان ما ينطبق على الحاكم ينطبق على الحكومة، إذ هي التي تمثل مصالح الناس ووكيلة عنهم في حفظ وإدارة مصالحهم وشؤونهم، كما تستمد شرعيتها منهم، وبالتالي حينما تخل بالأمانة الملقاة على عاتقها بحيث تتضرر مصالح الناس ففي تلك الحالة يحق للناس سحب الشرعية عنها.
مما تقدم يظهر ان مبدأ عزل الخليفة أو الحكومة، هو مبدأ ثابت في الشرع بأدلة قوية جازمة، بل أن الأمة قامت به فيما مضى، وهي التي تتولى ذلك بما لها من ولاية على الحاكم، فكما هي خولته للقيام بشؤونها، هي مخولة بعزله ان لم يقم بواجباته. يشار الى انه يوجد نقاشا تفصيليا بين المفكرين حول توقيت العزل وظروفه وآلياته، فبعضهم يرى أن توقيته ينبغي أن يؤخذ في الحسبان، بمعنى أن مجرد وجود السبب الشرعي لعزل الحاكم لا يعني بالضرورة لزوم تنفيذ العزل، إذ يلزم عند التنفيذ النظر في إمكانه ونتائجه الخ.
خلاصة القول، بان للمعارضة في الفكر السياسي الإسلامي دورا ايجابيا وبناءا في الدولة، كما ان لها هامشا واسعا من الحرية والحقوق، تبدأ من حق التكوين والتعبير، مرورا بحق المعارضة والاعتراض والمسائلة والرقابة والتقويم، فإذا لم تقم الحكومة بواجباتها في تمثيل إرادة شعبها بصفتها موكلة منه، او صدر منها ما يخل بوظيفتها وامانتها، حينها يحق للشعب المتمثل في قواه المعارضة تغيير الحكومة واستبدالها.كما أن الحرية السياسية التي يتمتع بها الناس، أو ما اصطلح على تسميته بالمعارضة، هي الضمانة الأساسية لتقويم الحكومة واعوجاج الحاكم وإصلاحه، كما أن تجريد الحاكم المعارضة حقها، يؤدي الى تمكين وتوطين الاستبداد، الذي يفضي بدوره إلى تفشي الفساد وسيادة الظلم وغياب الحريات وانعدام العدالة، وهتك الحقوق والتخلف والتقهقر إلى الوراء.